-3-
أصيب الجميع بالهلع
كيف وقفت الغمامة فوق المركب تماماً؟
غمامة سوداة حجبت الأضواء وبدأت تمدّ
أذرعها حول المركب
بعد وهلة أصبحت الأذرع حقيقة
كانت كبيرة وعملاقة
أمسكت بأطراف المركب وأجبرته على الوقوف
ثمّ أخذت تدير المركب حول نفسه وكأنّه لعبة صغيرة
وقع البعض وبدأ آخرون بالتقيّؤ
وضعت شريطاً أسوداً فوق رأسي
وصرخت بأعلى صوتي
"أنا هنا يا زِنّار .. لا تكن جباناً، إظهر"
سمعته يضحك عابثاً
لكنّه سرعان ما أوقف المركب عن الدوران
نظرت الى البحر .. كان زِنّار قد رَفع المركب
قليلاً عن سطح المياه
كنّا معلّقين في الهواء
لعنة الله عليك يا زِنّار
كان زِنّار متمسّكاً بالمركب بكلّ قوّته هذه المرّة
لم أعهده قاسياً لتلك الدرجة
هناك أمرٌ ما يخيفه ويقلقه
كان من المستحيل التملّص من أنيابه وشباكه
للمرّة الأولى يتجرّأ ويرفع مركبي عن سطح الماء
وكأنّه يخشى انزلاق المركب هرباً من سطوته
نحن كما ترى بين يديك يا زِنّار
أخبرني الآن: ما هي ضريبتك؟
ما الذي تريده من مركبي يا حارس البحار
عندها ظهر زِنّار برأسه الضخمة ولحيته الكثيفة
لقد نسيت بأنّك قبيح الى هذا الحدّ يا صديقي
لم يكن مزاجه جيّداً ولم يستسغ مزحتي تلك
أفلت طرف المركب الأيمن فضرب سطح الماء
شعر الجميع بهول الضربة وتقيّا البعض مجدداً
أنا لست قبيحاً .. احترم نفسك وإلا..
حسناً يا زِنّار .. أعتذر عمّا بدر منّي
أنا لست قبيحاً .. أنا عاشق!
ضرب زِنّار طرف المركب الأيسر
واستقرّ المركب فوق الماء
أخذت دموعه تنهمر .. وكاد المركب يغرق
صوت نواحه كان كالهدير العاصف
زِنّار .. على رسلك يا عملاق
أرجوك توقّف عن الصراخ والبكاء
جميلٌ أن تكون عاشقاً .. ولكن
ولكن ماذا؟
صرخ زِنّار مهموماً
نحن قادرون على مساعدتك يا صديقي
أدركت بأنّها لا تعيره أدنى انتباه
أدركت بأنّها لا تبادله مشاعر المحبّة
بدأنا تنظيف وغسل لحيته وشعر رأسه طِوال النهار
استخدمنا السلالم من أجل الوصول الى رأسه
وكنّا طِوال الوقت نغنّي وكانت ليلى ترقص وتبتسم
شعر زِنّار بالارتياح. غسلناه بماه البحر المالح
وعند آخر النهار .. كنّا متعبين ومرهقين
وكان زِنّار في غاية التألق
فرح كثيراً واصطاد بكفيه بضع سمكات كبيرة
رماها على سطح المركب وضحك طَرَباً
افتحوا لي الطريق
صاح الأعمى حين سمع صوت السمك يضرب أرض المركب
لقد حان دوري
وبدأ الأعمى بتقطيع السمك وطهيه
تقدّم الجنرال وساعد الأعمى في مهمّته
وأخذ زِنّار يراقب انعكاس صورته فوق مياه البحر