ملاحظة بِدئِيَّة:
[align=justify]أرجو مِمَّن سيقرأ السطور التالية أن يقرأَها بمحبة لأنَّني كتبتُها بمحبة.. وأن يُقَدِّرَ حرصي على الشفافية والصدق فيها، فلا يتسرع في حكمه على مضمونها قبل أن يصلَ إلى آخرها..؛ خصوصاً وأنَّها ليست من نوع (المكتوب الذي يُقرَأُ من عنوانه)، بل من نوع المكتوب الذي لا تَبِينُ غايةُ كاتبه الحقيقية إلَّا بعد إتمام قراءته بالكامل.. وشكراً..[/align]
أنا و(نور الأدب)... رحلة الغياب والحضور...
[align=justify]ظروفٌ كثيرة وقاهرة غَيَّبَتْني قسراً عن (نور الأدب) لفترة طويلة.. كان من بين أهم تلك الظروف وأقساها الأزمة التي ما زالت تعصف ببلادي إلى الآن، والتي كان من أكثر نتائجها سوءاً، بالنسبة إلي، ابتعادي عن بيتي ومكتبتي وأشيائي الحبيبة، وابتعاد أولادي عني في بقاع مُتَفَرِّقَة من الأرض، رحلَ إليها بعضهم طلباً للرزق، ورحل آخرون طلباً للعلم، ولم يَعُدْ يصلنا ببعضنا سوى ما تسمح به أوقاتنا من مكالمات هاتفية سريعة، تَصُبُّ على نار شوقنا لبعضنا زيتَ استمرار البعاد قسراً بدلاً من بَرْدِ اللقاء..
ومن الظروف القهرية الأخرى التي أبعدتني عن (نور الأدب) طويلاً، حتى قبل الأزمة السورية، انشغالي بتأليف عدة كتب، بينها كتاب جامعي، في علم اللغة المقارن، موضوعُه الرئيس المقارنةُ بين قواعد النحو في اللغتين العربية والعبرية، ثم توسيع قاعدة هذه المقارنة لتشمل لغات سامية أخرى أهمها الآرامية والسريانية.. ولأنَّ هذا الموضوع لم يتطرَّق إليه إلَّا قلةٌ قليلة من الباحثين، ولأنَّ غالبية هؤلاء كانوا قد اكتفوا بالتنظير، ولأنَّ المطلوب مني كان إنجاز بحثٍ تطبيقي يعتمد على نتائج إجراء مقارنات كثيرة بين قواعد النحو في عدة لغات سامية، فقد استغرقَ إنجاز هذا الكتاب مني وقتاً طويلاً وجهداً مُضنياً للغاية...
وثمة أسباب أخرى غير ما سبق، لا أرى مُوجباً لذكرها هنا، اجتمعت كلُّها وأبعدتني عن هذا الصرح الأدبي المسمى (نور الأدب).. الصرح الذي طالما حلمتُ بظهوره والصيرورة واحداً من نشطائه، فإذا بي أبتعد عنه بعد فترة وجيزة من ظهوره!.. ثمَّ شاء الله لي أن أعود إليه، على الرغم من استمرار معظم ظروفي الصعبة التي شَغَلَتْني عنه.. وفي تَصَوُّري أنَّ اللهَ ربَّما أعادني إليه لأَسْلُوَ بعضَ ما تُسبِّبُه لي هذي الظروف من حزن وألم، وربَّما لأستطيع احتمال استمرار ألمها واستمرار نتائجها السلبية، لأطول وقت ممكن، وربَّما لأسباب أخرى كثيرة، لا أعلمُها، الله يعلمُها، وكفى بالله بأحوال عباده عليماً حكيماً.. [/align]
حفاوة الاستقبال تُبَدِّدُ غربة الابتعاد..
[align=justify]
مهما حاولتُ، فلن أستطيع أن أُنكر إحساسي بالغربة عن أجواء (نور الأدب) وناسه، من قراء وأعضاء، وخصوصاً في أول أيام عودتي إليه.. لكن هذه الغربة سرعان ما تلاشت، بفضل تشجيع سيدة الموقع الأستاذة (هدى الخطيب) وتكريمها لي، ثم بفضل ما أحاطني به أعضاؤه الكرام من حفاوة وتقدير وحبّ لمستُه في تعليقاتهم على ما رحتُ أنشره على صفحته من نصوص.. فَلَهُم مني جميعاً خالص المحبة وجزيل الشكر.[/align]
لماذا عُدت؟
[align=justify]ما دمتُ قد نويتُ الحديث بصراحة، في هذه السطور، فلن أستطيع أن أُنكر أيضاً أنَّ دافعي للعودة إلى النشاط في (نور الأدب)، كان شخصياً بالدرجة الأولى، وأنانياً إلى حدٍّ كبير..! فبسبب الأخطار الكثيرة التي مررتُ بها في السنوات الأخيرة، بدأ ينتابني الخوف من احتمال الرحيل فجأةً، وكتاباتي بعضُها مبعثرٌ في أدراج مكتبي وزوايا مكتبتي، وبعضُها مبعثرٌ في مواقع شتى على الانترنت.. وليقيني أنَّ المؤلفات التي يتركُها أيُّ كاتب دون أن ينشرَها في حياته، تُدفَنُ معه حالَ موته، ودون رحمة، خِفتُ أن تُدركَني المنية فجأة، فيُدفَنُ ما لم أَنشرْهُ من كتاباتي معي؛ ثم ما لبثَ هذا الخوف نفسه، أنْ وَلَّدَ في نفسي رغبةً جامحة في جَمْعِ ما نشرتُه من كتاباتي وما لم أَنشرْهُ، في مكان واحد، كي لا تضيعَ بعدي وتموتَ بموتي..[/align]
اختيارٌ مُوَفَّق...
[align=justify]ولتحقيق هذا الغرض، فكرتُ في إنشاء موقع خاص بي على الانترنت، ثم ما لبثتُ أن عزفْتُ عن هذه الفكرة، وقررتُ أن أجمعَ كلَّ ما كتبت، في موقع ذي صيتٍ عريض ورواد كُثُر، فضلاً عن كون المشرفة عليه صديقةً قديمةً هي الأستاذة هدى الخطيب، وكون أحدِ أبرز المساهمين في إنشائه ودعمه المرحوم طلعت سقيرق الذي كان أخي وأعَزَّ أصدقائي وأوَّلَ من حاولتُ معه استخدام الانترنت منبراً لإيصال صوتنا إلى الآخر..
فبمساهمةٍ فعالة من ذلك الإنسان الرائع، أنشأتُ موقعنا الأول (العنقاء) الذي ظلَّ يدعمُه بكتاباته ومعارفه وجهوده حتى أغلقَه "دُعاة الحرية والديمقراطية" في الغرب، لأنَّه نجح في تعرية حقيقة الصهيونية وإسرائيل وبيان نفاق الغرب في علاقته مع العرب قاطبة، ثم لأنَّه وَظَّفَ نجاحَه هذا في اجتذاب الكثير من المدافعين عن الإنسان العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً..
ولمَّا أحسَّ طلعت، رحمه الله، بأنَّ اليأس داخلَني، بعد إغلاق (العنقاء)، واساني بإنشاء موقع جديد حمل اسم (أوراق 99)، وظلَّ منبراً لنا ولكثير من أصدقائنا الكتَّاب في سوريا وخارجها، حتى ظهر (نور الأدب) للوجود، فقرر طلعت إغلاق (أوراق 99) طوعاً وبموافقتي، بعد أن أقنعني، بضرورة عدم تشتيت جهودنا في موقِعَين، يُعدُّ (نور الأدب) أقواهما وأوسعهما وأكثرهما استقلالية..
وانشغلنا معاً في بدايات (نور الأدب)، ثم انشغلتُ أنا خارجَه، واستمر، رحمه الله، وحده إلى أن وافته المنية.. وظلت العودة إلى (نور الأدب)، لمواصلة دربه فيه، هاجساً لا يُفارقني، حتى تمكنتُ من تلبيته مؤخراً..[/align]
عَودةٌ أنانية، وتَفَهُّمٌ نبيل...
[align=justify]ولأنَّ عودتي إلى (نور الأدب) كانت أنانيةَ الدافع والهدف، لم يَسْتَرْعِ انتباهي، في البداية، ما صار إليه الموقع، ومَن بقي من رواده الأوائل ومن غادر.. كما لم أتوقف طويلاً عن آلية نشاط الباقين فيه وأولئك الذين انضموا إلى قائمة أعضائه في غيابي.. وربَّما يعود ذلك إلى إحساسٍ لم يُزايلني، حتى الآن، وهو أنَّني في سباقٍ مع المنية، ولذلك عليّ الإسراع في نشر كلِّ كتاباتي، قبل أن تُوافيني فجأة..
وبِقَدْرِ ما كنتُ فظّاً حين صارحتُ السيدة (هدى الخطيب) بأنانية دافعي للعودة إلى (نور الأدب)، بقدر ما كانت كريمةً ونبيلةً في تَفَهُّمها لأنانيتي، بدليل أنَّها عَذَرَتْها وأبقَتْ لي الركنَ الذي كانت قد خَصَّتني به، قبل وفاة طلعت، وسَمَّتْه (أوراق الباحث محمد توفيق الصواف)، لأجمَعَ فيه (أنايَ الإبداعية) المبعثرة.. [/align]
ملاحظاتٌ أعتذرُ لنشرها...
[align=justify]بعد أن ارتحتُ لبدء ظهور كتاباتي في (نور الأدب)، وبعد أن تذوَّقتُ حلاوةَ الحفاوة التي قُوبِلَتْ بها أُولى تلك الكتابات ظهوراً، عبر التعليقات النابضة بالمحبة التي زَيَّنَها بها السادة أعضاء الموقع؛ بدأ يَخْفُتُ صوتُ خوفي من القادم المُفاجِئ، وبخفوته اطمأنَنت، ولأنَّ الاطمئنان يُتيح رؤيةَ ما لا يُرَى في حال الخوف، بَدَأَتْ تسترعي انتباهي أمورٌ رحتُ أسجِّلُها، كعادتي، لكي أدرسَها وأُناقشَها بيني وبين نفسي أولاً، قبل إعلان نتائج دراستي لها..
ولأنَّه قد تَهَيَّأ لي أن بعض هذه النتائج قد يكون مزعجاً لبعض من أُحبهم في هذا الموقع، حتى ولو لم أُشِر إليهم بالاسم، فقد تراءى لي، بداية، أن أُسَرِّبَ هذه النتائج على مهل، وعلى شكل ملاحظات معجونةٍ بكثير من المحبة، وملفوفةٍ بكثير من اللطف، وأرجو أن أكونَ وُفِّقْتُ إلى تزيين الإيجابي من هذه النتائج وتهذيب ما قد يبدو سلبياً للبعض، راجياً من جميع أحبَّتي معذرتي والصبر على قول ما يلي:[/align]
أولاً،
[align=justify]وبعد أن قرأتُ معظم المنشور في (نور الأدب) من نصوص، على اختلافها، أستطيع القول إنَّ معظمَها من النوع الذي يرقى إلى درجة الجيد، بل الممتاز..، سواء من ناحية المضمون أو من ناحية البناء الفني... لكن، مع هذا، ثمة هَنات ليست قليلة ولا هَيِّنَة أحياناً، تَشُوبُ بعض النصوص وتُسيءُ إلى جماليتها من جهة، وإلى قدرتها على الوصول إلى المتلقِّي والتأثير فيه من جهة أخرى.. ومن حُسنِ الحظِّ أنَّ غالبيةَ هذه الهَنَات يمكن تجاوزها، لاسيما وأنَّ السبب في وجود معظمِها يعود إلى التسرُّع في نشر النصوص، دون مراجعتها وتدقيقها جيداً وتصحيح ما فيها من أخطاء، قبل دفعها إلى المتلقي..
ولأنَّ النصَّ، أيَّ نصٍّ، يظلُّ، كما هو معروف، مُلْكَ مُبدعه ما لم يُنشَر، فإذا نُشرَ صار مُلْكَ قارئه..؛ ولأنَّ القارئَ، أيَّ قارئٍ، يكرهُ ما يُعكِّر صفوَ تَذَوُّقِه للنصِّ الذي يقرأه، خصوصاً إذا كان ما يُعكِّر هذا الصفو، أخطاءٌ كان بقدرة مَن وَقَعَ فيها أنْ يتجاوزَها، لو دَقَّقَ نَصَّه قبل نشره؛ فقد يَخْطُرُ للقارئِ أنْ يُعاقبَ مَن يتكرَّر الخطأُ في نصوصه أو يكثرُ فيها، بإهمالها، ويا لقسوتها مِن عقوبة.. [/align]
ثانياً،
[align=justify]لاحظتُ أنَّ الكثير من الهناتِ الموجودة في النصوص المنشورة بـ (نور الأدب)، مردُّها إلى ضعف كُتَّابِ هذه النصوص في اللغة العربية، نحواً وإملاءً.. ولأنَّه ما من عاقل يمكنُ أن يَعُدَّ هذا الضعفَ عذراً مقبولاً من أيِّ كاتب، ولأنَّ هذا النوع بالذات من الأخطاء يُؤدِّي إلى إفساد جمالية النصِّ الإبداعي وتَغْشِيَةِ نقائه بكَدَرٍ يُبهِمُ معناه وقصدَه، فلابدَّ للكاتب من إتقان قواعد العربية، ليتمكَّن من الإقلاع عن الخطأ فيها، حرصاً على نصِّه، فإن عجزَ عن إتقانها، لسبب ما، فلا أقلَّ من أن يدفع النصَّ الذي يريدُ نشرَه إلى مَن يُصحِّحُه له، وهذا أضعف الإيمان، كما يُقال..
ومن الهناتِ الناتجة عن الضعف في علوم اللغة العربية، ما نجده مِن أخطاء عروضية، في عدد غير قليل من قصائد بعض شعراء نور الأدب.. وبدون لَفٍّ أو دوران، فإنَّ مصدرَ هذه الأخطاء هو جهل أولئك الشعراء بأوزان الشعر وبحوره، وجهلهم بزحافات هذه البحور وعللها، وربَّما بأسمائها وعدد تفعيلات كلٍّ منها أيضاً...
وإذا كان من الممكن غضُّ الطرفِ عن مثل هذا النوع من الأخطاء عند مَن يكتب (قصيدة التفعيلة) التي لا تشترط التزام الشاعر بعدد مُحَدَّدٍ من التفعيلات في السطر الشعري الواحد، ولا التزامه بقافية واحدة تنتظم أواخر جميع سطور قصيدته، كذلك عند من يكتب (قصيدة النثر) التي تتحرَّر حتى من التفعيلة؛ لكن، من غير الممكن بحال، غضُّ الطرف عن أخطاء الوزن والقافية عند مَن يكتب (القصيدة العمودية) ذات الشطرين والقافية الواحدة.[/align]
ثالثاً،
[align=justify]ويتصل بالهَنات السابقة، هناتٌ من نوع آخر، الوقوعُ فيها أشدُّ إيلاماً، وأقصدُ تلك الناجمة عن عدم قدرة بعضهم على التمييز بين بعض الأنواع الأدبية..، وتحديداً بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر من جهة، وبين قصيدة النثر والخاطرة من جهة أخرى، ثم بين قصيدة النثر والقصة القصيرة أو القصيرة جداً من جهة ثالثة.. وينسحب عدم التمييز أيضاً على أولئك الذين لا يجدون فرقاً بين القصة القصيرة والقصيرة جداً.. وثمةَ مواضعُ أخرى يُسيئ عدم التمييز فيها بين الأنواع الأدبية إلى قوة النصِّ ويُقلِّلُ من جماليته وقدرته على الإمتاع والفائدة.. [/align]
[align=justify]رابعاً، [/align][align=justify]أمَّا المقالة، فلا أُنكر وجود عدد كبير من المبدعين في كتابتها بين أعضاء الموقع، ولكن يُوجَد إلى جانبهم أيضاً عددٌ ممن لا علاقة لما يكتبونه بفن المقالة من قريب أو بعيد.. وأخصُّ بالذكر هنا أولئك الذين لا يُميِّزون بين المقالة والخاطرة والقصة القصيرة، فضلاً عن عددٍ آخر مِمَن يخلطون بين أنواع المقالة نفسها، فلا يُميِّزون بين مقالة ذاتية وأخرى موضوعية..[/align]
[align=justify]خامساً، [/align][align=justify]وهنا أرجو أن تعذروني إذا وَصَّفْتُ المشكلة بـ (الطامة الكبرى)..، مع أنَّ وجود هذه الطامة يكاد يكون محصوراً في موضعٍ واحد هو موضع تعليقات أعضاء الموقع على ما ينشرونه، هم أنفسهم، من نصوص.. فبصراحة، أعلم أنَّني لن أُحسَد عليها، تكاد تكون معظم تلك التعليقات، تبادلاً للمديح بين كُتَّاب تلك النصوص..، إذ تخلو، في غالبيتها العظمى، من أيِّ إشارة، ولو عَرَضِيَّة، لأيِّ خطأ في أيِّ نصّ..
والأدهى من طغيان المدحية على مضمونها، تقارب أساليب صياغتها إلى حدٍّ يتراءى معه، لمن يُتابعُها بتروٍّ، أنها تُراوحُ، ومنذ زمن ليس بالقصير، على أرضية مُكَوَّنة من عباراتٍ معينة، تَتَكَرَّرُ هي نفسها، مع بعض التحوير أحياناً، وراء كلٍّ نصٍّ تأتي بعده، مهما كان نوعه..؛ حتى صارت، مع مرور الأيام، أقربَ ما تكون إلى كليشهات جاهزة، يكتبُها (أ) في تعليقه على نصِّ (ب) الذي يعود، بدوره، ليستخدمها نفسها، أو يستخدم أخرى قريبة منها، معنى ومبنى، في تعليقه على نصِّ (أ)، وهكذا دواليك! ولن أذكر أيّاً من هذه العبارات حتى لا أُزعجَ أحداً..، بل أُحيل مَن لا يُصدِّقُ تحليلي هذا، إلى التعليقات الواردة بعد النصوص المنشورة، في الموقع، ثم مقارنتها ببعضها، ليتحقَّق بنفسه من صحة ما أزعمُه.
ولأنَّ هذا النوع من التعليق على أيِّ نصٍّ أدبي أو نقدي، لا يُقدِّم في مستوى النصِّ وصاحبه ولا يُؤخِّر، ولا يُفيد شيئاً، في رأيي طبعاً، فقد رأيتُ الإشارة إليه، مع كمشة اعتذارات كبيرة من الجميع.. (ابتسامة)
سادساً، [align=justify]وهنا أراني مدفوعاً إلى إرفاق ما أريد قوله بتشديد اعتذاراتي وزيادتها سلفاً، لأنَّني أرى مضمون ما أُريد الإشارة إليه بالغَ الخطورة.. وبصريح العبارة، أقصد هنا تنامي ظاهرة عدم التعليق على الكثير من النصوص التي تُنشَر على الموقع، ولو بكلمة أو كلمتين تَبُلَّانِ قلبَ كُتَّابها.. فمن المُؤسِف والمُؤلِم حقاً، أن نرى بعض النصوص تعاني إهمالاً مريعاً، على الرغم من جودتها، شكلاً ومضموناً، فتراها تدخلُ شريطَ المشاركات العشر الأخيرة في الموقع وتغادره، دون أن يَحفَل بها أحد، أو يُعَبِّرُها بكلمة، على قول أخوتنا المصريين.. فلماذا؟
في الواقع، تابعتُ الكثير من تلك النصوص، وقرأتُها بإمعان باحثاً عن سبب إهمال أعضاء الموقع وقرائه لها.. وقد خَلَصْتُ، في البداية، إلى عدة استنتاجات، ما لبثتُ أنْ أسقطتُها جميعاً، حين اكتشفتُ خطأها.. وإليكم بعض هذه الاستنتاجات مُرفَقَةً بأسباب إسقاطها...
فمثلاً، لو قلنا إنَّ طولَ بعض هذه النصوص كان السببَ في إهمالها، لاكتشفنا خطأَ هذا التعليل، من خلال عثورنا على نصوص أطولَ منها، ومع ذلك حازت على عدد كبير من القراء والمعجبين!
ولو قلنا إنَّ كثرة الأخطاء النحوية والإملائية والعروضية في بعض النصوص، هي سبب إهمال أعضاء الموقع وقرائه لها، لراعنا اكتشاف نصوص تَعُجُّ بمثل هذه الأخطاء وأكثر منها، ومع ذلك كانت تُكالُ لها عبارات المدح كيلاً، دون إشارة واحدة ولو إلى خطأ واحد من الأخطاء التي لم تُسِء إلى جماليتها فحسب، بل جعلت مجرد اعتبارها نصوصاً أدبية أو نقدية، احتمالاً غير مقبول!
ولو قلنا إنَّ تفاهة مضمون بعض النصوص هي سبب إهمالها، لوجدنا نصوصاً عديدة أسخف منها مضموناً، أُثْقِلَت بعبارات الاستحسان والمديح إلى درجة جعلتها تنوء بحمل تلك العبارات واحتمالها![/align]
ولو قلنا إنَّ سببَ إهمال بعض النصوص يكمن في شخص كاتبها، إما لكونه مغموراً أو مبتدئاً أو ثقيلَ الظلِّ مثلي أو عدوانياً مثل أخي محمد الصالح الجزائري مثلاً (ابتسامة)، لوجدنا نصوصاً أخرى كُتَّابُها من أشهر الأدباء والنقاد ومن أخفِّهم ظلاً وألطفهم مقالاً، ومع ذلك لم تَحْظَ نصوصهم المسكينة، أو بعضُها، بما يتجاوز عددَ أصابع اليد الواحدة من القراء، ناهيك عن عدم جَبْرِ خاطرهم ولو بتعليق، بل ولا بشتيمة حتى![/align]
رجاءً... اعذروا غضب المبدع إنْ أُهملْ!
[align=justify]اعذروني رجاءً على إطالتي في هذا الموضع بالذات، لأنَّ دافعي إلى إطالة القول فيه يعود إلى إحساسي بما يُسبِّبُه الإهمال من ألمٍ للكاتب أيّاً كان، وبما يُشعرِه من إحباط قد يدفعه أحياناً إلى مغادرة الموقع مُغضَباً وعدم العودة إليه مطلقاً، فيخسر الموقع بذلك بعضاً من مُبدعيه الذين قد يكون بينهم عددٌ من الكبار ذوي القامات العالية للأسف، يَنْفَضُّون عنه مبتعدين، الواحد تلوَ الآخر..
وأرجو ألَّا أُحرِجَ أحداً، إن قلتُ إنَّي قد لمستُ مثل هذا الغضب عند بعض مبدعي الموقع، وبينهم كبار، وقد عذرتُ غضبَهم، لأنَّني أعرفُ كم هو مُرٌّ طعمُ الألمِ الذي يُسبِّبُه الإهمالُ لنصوصهم.. فالمبدع، وهنا لا أتفلسف على أحد، يَضنَى بكل معنى الكلمة، حتى يُنجزَ نصَّه؛ وتراه يحتملُ هذا الضنى راضياً، لا من أجل مالٍ يُصيبُه، أو شهرة ينالُها، ولكن من أجل أن يُهدي قُرَّاءَه ما يظنُّ أنَّه يُمتعهم ويُفيدهم.. ولأنَّ هديَّتَه هذه لهم هي عصارةُ فكره وخلاصةُ فنه ممزوجتان بحبِّه لمن يهديهما لهم، تراه ينتظرُ رأيهم في تلك الهدية بفارغ الصبر، فإنْ رَدُّوها عليه بإهمالها وعدم الاكتراث بها، غَضِبَ، وكان من حقِّه أن يغضب، كما يغضبُ أيُّ إنسان تُرَدُّ عليه هديتُه، دون أيِّ مُسَوِّغ..
هذه بعض الملاحظات التي أرجو ألّا تُزعجَ قراءتُها أحداً؛ وسأُعقِبُ ذِكرَها بالحديث عن محاولاتي لنشرها في الموقع، راجياً ألَّا تُهملوها، بل أن تناقشوني بها، حتى قبل الانتهاء من نشر بقية هذه الدراسة التي لن أدعكَم تنتظرون بقيتَها طويلاً..[/align]
يتبع....