حماية حقوق القارئ
[align=justify]
نعم، وبصراحة أقولها، يجب أن نطالب في طول الأرض وعرضها، بصدور قانون عالمي لحماية حقوق القارئ.. وحتى لا يذهب الظن بأحد كل مذهب، فأنا ببساطة شديدة صرت خائفاً على القارئ من هجوم الرداءة على ذوقه، ومحاولة إقناعه بأن كل ما ينشر من أدب وفن وثقافة، هو الأجمل والأفضل والأحلى!! ومع الأيام، وما أسرع دورانها، يصير الذوق مقلوباً، أي أنه يرفض الجميل، ويقبل ويصفق ويرقص ويهلل للقبيح.. وعندها سنقول بكل الأسف والحزن: رحم الله تلك الأيام التي كانت فيه الكتابة، كتابة جميلة!!..
لكن قد يسأل سائل ـ ومن حق الجميع السؤال في موضوع يمس الذوق العام ـ: وكيف نحمي حقوق القارئ، والمسكين ـ أي القارئ ـ ليس بيده من الأمر شيء، فهو منفعل وليس فاعلاً، ولا يستطيع إلا أن يقرأ.. وهو يظن، أن القائمين على الشؤون الثقافية، من طينة غير طينته، وأنهم ينتقون له الأفضل والأجمل.. ولا يعرف أن نصف هؤلاء ركبتهم الدهشة منذ صاروا مسؤولين ثقافيين وما زالوا مندهشين!! وبناء عليه فهم ينشرون كل ما يقع تحت يدهم بإعجاب واندهاش!! وأن نصف النصف الثاني، ينشرون لأن رئيس التحرير، أو أمين التحرير، أو أي مسؤول في المجلة أو الصحيفة من قريب أو بعيد، يريد لهذه المادة أو تلك أن تنشر.. وباعتقادهم أن المسؤول الثقافي لا يفهم قدر فهمهم، فكيف يحق له أن يفتي فيما لا يستطيعون الإفتاء به؟؟!! ولن أتحدث هنا عن نصف النصف الباقي، حتى لا يزداد القارئ قتامة وتشاؤماً وإحباطاً.. لكن أسأل من باب البحث عن جواب ليس إلا: فكيف نحمي حقوق القارئ؟؟!!..
حسب اعتقادي، يجب أن يكون هناك اتفاق وإجماع، على أن المسؤول الثقافي في أي مكان، إنسان متميز مبدع مشهود له بذلك، والأمر ليس صعباً، فما أوضح الأمر إن أردنا البحث حقاً.. وبعدها يصدر أمر ملزم بعدم التدخل في عمل واختيار هذا المسؤول الثقافي، وبعدم مطالبته بنشر هذا النص أو ذاك.. ويحق لمن اختار هذا المشرف الثقافي شيء واحد ليس إلا، وهو مراقبة مستوى المادة التي تنشر، فإن كانت جيدة مفيدة جميلة، فهذا هو المراد.. وإن لم تكن كذلك، فما أسهل إعطاء الفرصة لمشرف آخر، يستطيع أن يقدم مادة أفضل، وأن يختار نصوصاً أجمل.. أما أن يتدخل من اختار هذا المسؤول أو المشرف الثقافي، في كل شيء، فالأفضل أن يختار من لا يفقه شيئاً في الثقافة!!..
المشكلة أن كل شاعر يظن أنه الشاعر الأهم، وكل قاص يظن أنه الأفضل.. وهكذا تضيع الملامح وتغيب، ويكون نصيب القارئ، كل هذا الكم من الرداءة التي تصل بذوقه إلى أدنى درجة!! لذلك، وأقولها بكل صدق، يجب أن نحسن الاختيار، وأن نبتعد قدر المستطاع عن الأوامر والمزاجيات في الشؤون الثقافية خاصة، لأن الثقافة تربية وذوق وتكوين حس مشترك.. وإذا رضينا التلاعب بكل شيء، فيجب أن نتوقف هنا، وأن نعد إلى العشرة، قبل الإقدام على أي خطوة، إذ من غير الجائز تشكيل ثقافة معلبة!! ومن غير الجائز المطالبة بنشر هذه المادة أو تلك، لأن صاحبها صديق صديقنا، أو قريب قريبنا، أو لأنه أقنع هذا أو ذاك، بضرورة نشر مادته.. فهذا حرام.. لأن الرداءة حين تدخل عالم الفن، فعلى الذوق السلام!!
طبعاً سيقول قائل: ما أصعب ما تطالب به!! التفت يميناً ويساراً لترى إلى هذا الكم من الرداءة الذي ينشر ويذاع.. وأقول: لا أنكر ذلك ولا أستطيع نفيه.. لكن هل يعني هذا أو ذاك، أن نطوي الأمر محوقلين ليس إلا، أم أن علينا أن نطارد القبيح في كل مكان، حتى نطرده؟!..
أظن، أن من حق القارئ علينا، مادمنا نكتب وننشر ونتوجه لهذا القارئ، أن نقدم له المادة الجميلة الجيدة، وأن نحميه من كل رديء، وأن نرفع الصوت عالياً ضد القبيح مؤمنين أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة.. وإذا آثرنا الصمت، وقبلنا به، وتركنا القارئ لما هب ودب من كتابات لا طعم لها ولا رائحة، فالأولى أن نكسر القلم، وأن نعلن بصريح العبارة أنه من الأفضل أن يتولى القارئ مهمة الدفاع عن ذوقه.. وإن كنت ما أزال مصراً، أن قانون حماية القارئ وذوقه شيء لا بد منه في كل مكان من العالم، وفي كل زمان.
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|