1
  شئ كما الغليان فيّ..                                                                                                                                 شهوة جسدية عارمة تجتاح كياني ، وتفرض نفسها ، بمنتهى القسوة ، على تفاصيل حياتي، لا تردعها إلا غلظ عصا حدود التقاليد والدين..                                                                                                                                        تقف صارمة بوجهي،بسحنة صفراء صفيق،فأنكفئ على ذاتي وأنا أحترق ! 
   .. .. ..
   اسمي فاتنة الساعاتي ، وعمري خمس وعشرون عاما ، ومؤخرا أنهيت دراستي الجامعية ، بشبه تعثّر ، خالطه ملل كبير !
     وقد وُصِِِِفْتُ بأنني (مقبولة) الشكل ، و(مقبولة) القوام ، و(مقبولة) الحديث، وأن عينيّ واسعتان ، ترابيتان ، تشع منهما حركة حرارة حياة .
   لكن صعوبة التوفيق بين رَدَغِ طين رغبتي، وطَلَبِِِ سموّ روحي واحتدامهما ، محوران متناقضان رئيسان،زلزلا كياني، ليسيطر عليّ عميق أسى وألم ، وأحيانا حالات قرف من نفسي ومِنْ كل مَنْ حولي ! وما استطعت في أيّ يوم إقامة أيّة علاقة ذكرية ! بل الصحيح لم أسمح بإقامتها،رغم جرأة بعض الطلبة معي ، من باب مطلق التسلية !                                                     ومن وقتها، قررت بمنتهى الجدية،وبمنتهى البساطة،أن لاسبيل إلى الجنس غير الزواج ، فعددتُ الأيام ،وانتظرت! بفارغ الصبرانتظرت،وفرط عارم الشهوة  يقوى في نفسي أكثر، ويزداد ضراوة وبشاعة أكثر، أمام أدنى منظر مثير!
   ** ** **
  2 
  خفق قلبي لما رأيته . وشعرت بتيار خدر لذيذ يسري في عروقي اللاهبة .
     كان هادئ الملامح ، إلى الطول أقرب ، وعيناه زرقاوتان تدعوان أحلامي لتغفو فيهما .
    وبصوت، فيه طرف بحة ، قالت لي والدته ،وكانت أتت إلى منزلنا برفقته :- ابني عادل مسلماني ، عين الله عينه ، باش مهندس قد الدنيا .
     فقاطعها بأدب وبهدوء جم :- مساعد مهندس يا أمي !         ( وأكمل بثقة واعتداد،ونظراته تتفحصني خلسة، فأشعر أن دما حارّا أخذ يطفح على جسدي كدبيب النمل) تخرجت من المعهد الصناعي قبل خمسة أعوام ، وما زلت في البدايات ، لم آخذ فرصتي بعد .
   :- ما شاء الله .. ما شاء الله !
   وخرجت من الغرفة لأحضر القهوة ، وأنا على غاية الارتباك . وشعرت أن عينيه مخرز يثقب ظهري ! ولما سمعته يحدّث أمي عن دَخْله المتواضع ، وأن السكنى ستكون مع والدته . قلت في نفسي :- ما دام وسيما ، وابن عائلة ، وأنا معي شهادتي ، فلا ضير أن أساعده في بداياته ، فأضع خبزتي على جبنته كما نقول في الأمثال!
   ** ** **
  3
  كان العرس متواضعاً ، اقتصر على أقرب المقربين .وحزنتْ أمي كثيراً ، وقالت لي :- أنت مجنونة لا تعرفين مصلحتك أبداً .. انظري لمن حولك : أختك ناهد تزوجت من ابن العز رشاد السرايجي ، ومنزلها سيّاح نيّاح في أفخم أماكن دمشق! وابنة خالك بديعة تزوجت من مدير بنك قد الدنيا ! وابنة عمك سامية وصديقتك إسعاد زواجهما ينعش قلب كل حزين! وأنت يا حسرتي عليك ، لا جاهة تفشّ القلب،ولا عرس عليه القيمة،ولا شهرعسل ، ولامورد مالي مقبول ، والسكن عند أمه ، ولا أعرف سبباً واحداً مقنعاَ لهذا الزواج المعتّر!
   فأردّد بآلية :- أحببته منذ رأيته .. أنا أحب عادل جداً يا أمي، وكل هذه المظاهر الفارغة لا قيمة لها عندي !
   :- طبعا لا قيمة لها عند النّور!
   فأقول باستياء :- أمي .. أرجوك ! أنت تجرحيني بكلامك القاسي !
   :- وما الفائدة ! دِقْ الماء وهي ماء !
   4
  مضت سنتان ، وربما قرنان .. وربما عهد طويل يمتد إلى ما قبل الميلاد !
       ومن المفترض أن أكون سعيدة ، قد ارتوى عطش جسدي ! إلا أن زوجي عادل لم يكن عادلا معي ، وما حقق ما كنت أصبو إليه . وبقي جسمي نبتة غضّة في أمدية صحراء بلا ماء ، ونداءات جسدي تلح على سكونه ، وهوصامت لا يريم ! 
       قال لي :- أكره زينة المرأة ، فالزينة زيف !..الزينة كما الثلج ، يغطي وجه الأشياء فيوهمك بنقائها ! وأنا أحبك كما أنت ..بلا ماكياج وبلا عطر..عطرجسدك عطري !
   فشجعني كلامه على الاقتراب منه ، فطوّقته بحنان الدنيا وأنا التصق به :
   - يا حبيبي.. كلي لك !
       فابتعد عني بجفاء وهو يتابع :- وأكره ( اندلاق ) المرأة !.. أحب أن أطلبها بكياني .. أهرع نحوها وأرجوها ! تمتنع عليّ فأقتحم أسوارها ! وتعترض عليّ فأكافح لأصل إليها ! وتتدلل عليّ ، فأتجرأ وأقاومها !
   :- أنت تحب امرأة من ورق إذن! ..يا عادل أنت بعيد بعيد ، ولا أعرف كيف أرضيك ! أنا أنثى من بشر، أحب وأكره وأرغب !    ( ونزلت من عيني دمعة يائسة ) هل تحبني ؟! بل هل أحببتني في الأصل كما أحببتك ؟!                                                  ( وبشرود ) أنت أناني .لا تحب إلا نفسك! ودائرتك على الدوام مطلق ذاتك!
   :- بل أنا أحبك .. بلى أحبك ..أنت أنفاسي التي أتنفس بها !
     :- وما فائدة حلو الكلام ؟! أريدك أنت .. أستدفئ بك .. أرتوي منك .. أفنى بك ! وأنت تصر أن تبقى بعيدا ، وما رحمت يوما عذاباتي !          
   ** ** **
  5
  صممت أن أكرهه وألغيه من حلو أحلامي ! ولما لم أستطع ، وأيقنت باليأس منه ، قلت له :أريد الطلاق ..أنا كتلة أعصاب وأحاسيس ومشاعر، وماعدت أحتمل!
   :- كفاكِ سخافة ! أنتِ توقنين أنني أحبك !
   :- على طريقتك وأنانيتك ! ( ثم وأنا أبكي كالعويل ) لقد انتظرت طويلا أن أمارس ، بحرية وببساطة ، كافة أشواقي، ففوجئت بجدارك السميك! فماذا تريد مني ياعادل ؟!  أرجوك اتركني بالمعروف ! اذهب وتزوج على طريقتك ! أنا واقعٌ وأنت محض أوهام ! وصعب الوصول إليك ! 
       (وازددتُ عويلا ومرارة ) داخلي يجيش .. ويرغب .. ويحب.. أنا إنسانة من لحم ودم ! ارحمني يا عادل ! أرجوك !  دعني وشأني ! (وحدّقتُ في عينيه، وقلت بجرأة فيها طرف تشفّ) أنصحك بالذهاب إلى الطبيب! البشر كلهم يحبون غنج المرأة ودلعها ودلّها وتفننها في سحر ماكياجها ! وأنت ترفض ذلك كله ؟! غريب ! غريب جدا ! لابد لك من طبيب !
   وبمنتهى البرود والاستفزاز قال لي :- لاتعني غلبة الكثرة صواب الفكرة !
   ولم أردّ ! وحزمتُ حقيبتي بنزق، ودمعي لا يكف عن الهطول ! ثم غادرت البيت تضاربني مشاعر متباينة متناقضة .. وكنت ذاهلة .. ذاهلة تماما ، وتخيلت أن السماء تمطر قرفا وحجارة ودمعا مريرا بلا فائدة !