(( ضعوا العنوان المناسب ! ))
كان الوقت حالك الظلمة وشديد البرودة عندما كنا نقوم بالانتقال من قرية عرنة السورية إلى بلدة شبعا اللبنانية عبر ممرات حادة ووعرة في جبل الشيخ .. فعرنة قائمة على السفح الشرقي وشبعا على السفح الغربي من الجبل الشامخ المغطاة قممه بالثلوج معظم أيام السنة .. زلقت رجل أحد المقاتلين حينما مرّ فوق صخرة كبيرة وصرخ من الم حاد أصابه وكاد بصوته العالي يكشف موقعنا فالمرصد الإسرائيلي في المرتفع المقابل لا يبعد عنا هوائيا أكثر من مئتي متر لا أكثر .. اكتشفنا بعد قليل أن صرخة رفيقنا لم تأتي عبثا بل وجدنا أن إحدى رجليته كسرت والألم يجتاج مع الصقيع جسده الذي كان ينوء بحمل ثقيل سلاحه وعتادة والكثير من ذخيرة البنادق التي كان يحتاجها المقاتلون وبعض علب السردين " ومطرة " المياه .. كان عددنا يزيد عن ثمانون " فدائيا " وقد مضى على مسيرنا 5ساعات وأصبحنا على منحدر السفح الغربي للجبل الذي يعلو عن سطح البحر حوالي ثلاثة آلاف متر إلا قليلا ولا يفصلنا عن شبعا سوى مسير ساعتين، ويجب علينا الوصول اليها قبل اختفاء العتمة التي في ظلها بعض الذئاب الجائعة كانت تركض أعلى وأسفل وتقترب منا دون خشية من نار قد نطلقها وكأنها كانت تعلم أن ذلك ليس باستطاعتنا فعله .. رفيقنا المكسور كان متوسط الوزن مع ذلك وجدنا صعوبة في نقله فالطريق وعر وضيق والخشية من الانزلاق به يعني مزيدا من العظام المهشمة ولربما جلبت رائحة الدم النازف جميع ذئاب جبل الشيخ ولربما ذئاب الجولان والجليل المثلث الرابط بين فلسطين سوريا ولبنان ..!
بلغنا أخيرا مشارف البلدة الوادعة وكان علينا الانتظار حتى يأتي أحد الأشخاص " المندوبين " فأخذنا عبر الطرقات التي لا يكون فيها وجودا للجيش اللبناني ثم سلمنا إلى شخص آخر اكمل بنا الطريق إلى بلدة " كفر شوبا " التي كانت أول بلدة لبنانية يتموضع فيها الفدائيون الفلسطينيون القادمين من وراء الحدود وبالتعاون مع أهلها المناضلين!
48 ساعة لم نذق فيها طعم النوم وبلغ منا الجوع مبلغا فاقترح علينا " الدليل " أخذ قسط من الراحة خصوصا وان الشمس التي سطعت أدفأتنا!
كنت واحدا من اثين من أصل المجموعة من سكان لبنان .. حين سالنا " الدليل " تحفظنا معتقدين بأن البوح هو كشف للأسرار لكنه لم يجد صعوبة في معرفته بشخصيتي وأني من لبنان بالرغم من محاولتي التحدث اليه بلهجة اردنية .. تغيرت قسمات وجهه عندما سمع الرجل المصاب يسأله وهو يتألم : ما الذي جعلك تعيش مخاطرة شخصية تتعاون فيها مع " الفدائيين " وما الذي تجنيه انت من تعبك ، بل ماذا تجني البلدات التي تستقبلنا وتأويينا ، أليس خطرا يهددك ويهددهم .. آه .. ما الذي أتى بي أنا إلى هنا ؟!
قال اسمع يا رفيق :
العدو الذي يحتل ارضك يحتل اليوم قد يحتل أرضي غدا أنا اليوم اساعدك ورب يوم يأتي سوف تساعدني فنحن أخوة وذات مصير واحد. فشعر الكثير منا حينذاك بالخجل
تذكرته اليوم فولده قضى البارحة شهيدا مع الشهداء على الأرض التي آمن ابوه بأنها أرض واحدة وأن القضية هي قضية واحدة .
هضاب الجنوب وجباله رويت بعدها بدم الشهداء من مختلف الجنسيات العربية .. المغربي الجزائري التونسي اليمني والحجازي، العراقي والسوداني والمصري والكويتي ومات على أرضه إلى جانب اللبنانيين آلاف الفلسطينيون وآلاف السوريون كانوا يؤمنون بأن القضية واحدة والمصير واحد ونبع الشهداء لا ينضب وفورة الدم الزكي لا تتوقف فهنيئا لأمة تؤمن بالشهادة وتميز ما بين الشهادة والانتحار ، طوبى للشهداء أكرمهم الله ولم يُكرمنا وهو أكرم الأكرمين .. وطوبى للذين ما زالوا منذ ذاك الزمن الذي بدأ من العام 1967 يؤمنون بالقضية الواحدة وما اكثرهم .
والرحمة للشهداء الذين يواجهون العدو الإسرائيلي وعملاءه المقنعين .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|