رد: أنا وجدتي ، وأحاديث العمر .
يوما ما كان بيت جدتي هو العمران الوحيد في منطقة ما شاسعة الخضار يحده الحقول من كل جانب إلا جانب يتمثل في طريق من الأسفلت تعبر خلاله السيارات ، كم كان جميلا ألا تمتلئ اللوحة بلون سوى الخضار مزروع فيه كالزهرة بيت جدتي الطيب الطلة ، كان يتميز ببوابته الخشبية العملاقة كما كنت أراها ، أو بالنسبة لي كطفلة لا يتعدى وزنها عشرون كيلوا جراما ، وحين تفتح بوابته كأنما فتح لي باب الجنة ، جنة الطيور والحيوانات التي كم كنت أمرح فيها وبها ، يستقبلني أحد حراس المنزل أو حارساته كالكلب روي وركس ، أو فانتزيا وكالوشا ، في إستقبال حافل بالحركات الراقصة وهز الذيل وربما الوقوف على قدمين للسلام كما كنت اعلمهم ، أو بصحبة أبناءهم ، وذلك في فناء البيت الخارجي ، ثم يلي ذلك المشهد خروج عمتي من الباب الداخلي للبيت حاملة قطها العملاق دون مبالغة مشمش صاحب الخدين الممتلئين بطريقة مستفزة للإمساك والعبث بهما ، أو لعضهما لصاحب النفس الحلوة ، كم كان( مكلبظا ) ، بعد الفناء يستقبلني فناء أخر أكبر منه بثلاثة أو أربعة أضعاف ، به من الكائنات الطائرة والماشية وربما القافزة والسابحة ما به حيث كانت بحيرة صغيرة صنعها عمي للبط والأوز يحيطها من أحد الجوانب أشجار الجوافة الحلوة الرائحة والمذاق مممم ، وأينما انصرف بصري أجد أما دجاجة أو بطة تسير بصحبة أبناءها من الصوص والفراخ الصغيرة ، ويسعدني تلك الأجنحة التي تضرب الهواء محلقة فوقي حيث الحمام والعصافير والفراشات الملونة والبيضاء ، كانت الجنة بحق بالنسبة لي ، تنتقل الصورة الآن وبعد جولتي الأساسية حال وصولي مع والدي يوم الجمعة بداخل المنزل حيث غرفات البيت الدافئة ، رغم رحابتها واتساعها وجدتي الجميلة الوجهة ، الرقيقة الصوت ، و الحانية المشاعر ، وعمتي التي اشتق اسمها من ابتسامتها التي كانت لم تفارق وجهها أبدا ، طيلة أربع وعشرون ساعة في اليوم الواحد ، حتى أثناء النوم كانت ملامحها هكذا باسمة متبسمة كأنها لا ترى في يقظتها وأحلامها إلا كل ما يدعوها لذلك ، رحم الله اثنتيهما وألحقني بهما عما قريب ، ولي في الحياة معهما قصص لا نهاية لها ، منها ما يضحك حتى السقوط أرضا ، ومنها ما يبكي حد الاكتئاب ، ومنها ما بين هذا وذاك ، وطفلة كنت أؤدي طفولتي ببراعة وبكل ما أوتيت من شقاوة ومرح ، وللآن كلما تعطلت الحياة ، أسير للأمام جسدا ، وروحي معلقة ببصرها للخلف بعيدا بعيدا حيث البراءة والبياض حيث كنت هناك ، حيث كنت أنا . ويتبع حين تفيض ذاكرتي التي تنسى كل شيء إلا ذاك الماضي الجميل بكل ما حمل من براءة وطيب عيش ورضا . وإلى جمال أخر في لوحات الماضي المعلقة داخل متحف عقلي ..
|