غزة النار والمفترق
[align=justify]
صديقتي وعزيزتي هدى
لا بدّ من الوقوف طويلا ، بل طويلا جدا ، أمام ما حدث في غزة .. اثنان وعشرون يوما من النار والدمار والقتل والتخريب ، والمقاومة والصمود والتعبير الأوفى عن ثبات شعب وتحديه لآلة تخريب ظنت أنها القادرة بوحشيتها على تركيع كل شيء من حجر وبشر ، فإذا بالأرض تنبت رجالها الصامدين المقاومين الأبطال بكل المقاييس .. انقلب السحر على الساحر ، ووقف العالم كله ليرى إلى تحول مدهش في المعادلة التي حاولت سيئة الذكر " إسرائيل " أن ترسخها في كل مكان والقائلة بأن جيشها لا يقهر !!..فإذا هو سخرية بل مهزلة يضعها الرجال المقاومون في حجمها الطبيعي ، لتكون الدبابة هي أرض هذا الجندي ومكانه وبيته ، يخشى بل يركبه الرعب إن هو غادرها وابتعد عنها شبرا واحدا .. ما حدث يا عزيزتي مفترق طرق يقلب المعادلة ويعيد الموازين إلى شكلها الحقيقي والطبيعي ..
صحيح يا صديقتي وعزيزتي هدى أنّ الحريق طال كل شيء ، والدمار استولى على كل شيء ، والقتل حصد ما حصد ..لكن ألست معي في أنه منطق الخائف الجبان المرتعش .. كل هذا الاستعمال المفرط للسلاح والقوة هو تعبير عن خشية من مواجهة رجال المقاومة على الأرض..أرادوا أن يمحوا غزة من الوجود كي يواجهوا أرضا محروقة لا نفس فيها ولا حركة .. لكن هذه الأرض أذهلتهم وحيرتهم حين نبت رجالها من كل مكان ليقفوا في وجه الدبابات والدمار والقتل مؤكدين على أنّ الشعوب الحية تعرف كيف تصنع النصر وتصوغه وتشكله وترهب به عدوها .. فإذا بسيئة الذكر " إسرائيل " تتخبط في كل الحسابات وتمحو المرحلة الثالثة من قاموس وحشيتها موقنة أن هذه المرحلة تتطلب دخولا بين البيوت والأحياء ومواجهة حية لرجال المقاومة وأهل غزة ، فكان لا بد من الاعتراف الفاضح الواضح بأنّ الهزيمة وقعت وانه لا بد من الانسحاب بل الفرار إن كنا نريد أن نورد الكلمات بصورتها وصيغتها الصحيحة .. هي محصلة واضحة تقول إن الهزيمة كانت كبيرة وإن الاحتلال ذاق رغم كل وحشيته الأمرين لأنه لم يحقق أي هدف من أهدافه ..
عزيزتي هدى
الشعوب يا عزيزتي تصنع أقدارها وتصوغ فجرها القادم .. قد يرى بعض المتشائمين أو المتعامين عن الحقائق أن سيئة الذكر " إسرائيل " اضطرت لإيقاف إطلاق النار لأن موعد تسلم باراك أوباما للرئاسة في أمريكا كان قد أزف ، وأن الأوامر قد جاءت بإيقاف النار ليكون الاحتفال بتسلمه ناصعا واضحا لا يعكر صفوه شيء .. !!.. كل شيء ممكن ، حتى قتل الشعوب وتوقيت إيقاف أو الاستمرار بقتل هذه الشعوب ممكن .. لكن كلنا نعرف أن سيئة الذكر " إسرائيل " لا يهمها غير مصلحتها ، ولو كانت موقنة أنّ تحقيق أهدافها ممكن مع استمرار الحرب لاستمرت غير عابئة بأوباما وأمريكا كلها ..لكنها ببساطة شديدة وجدت نفسها في مأزق حقيقي كان عليها أن تخرج منه بأي شكل ، فكانت هذه المسرحية التي شارك فيها كثيرون ، وكان هذا الخروج المذل .. وبالتأكيد خرجت المقاومة رافعة الرأس منتصرة مسجلة أن الإرادة القوية والإيمان الشديد بالحق خير سلاح في الصمود والتحدي ..
حدث الكثير ، وكان الألم شديدا قاسيا مرا ..لا ننكر كل هذا .. لكننا على يقين بأن نقطة التحول قد حدثت ووضعت الأمور في نصابها الصحيح وزادت في إيماننا بأن فلسطين كلها ستعود لنا بإذن الله .. المقاومة زرعت حدثها الكبير في نصر عظيم ، وهذا النصر سيكون مقدمة لتحرير كل شبر من فلسطين إن شاء الله ..
دمشق 27/1/2009
[/align]
[align=justify]
طلعت أيها الغالي
كنت أثق أن رسالتك لي هذه المرة لا يمكن أن تخرج عن مسار أرض العزة والمقاومة..
نعم..برغم كل الجراح والدمار.. برغم كل الألم والإعاقات البدنية وبراءة الأطفال التي اغتيلت بقنابل الفوسفور الأبيض وكل ألوان الإجرام الوحشي .. برغم كل ما رأينا من أهوال مرّت بأهلنا في غزة رأيناهم أيضاً صابرون صامدون..
بضاعة الذل وثقافة الاستسلام والمقاولات والأرصدة وتقبيل العدو وأخذه بالأحضان ما كانت يوماً تصلح لأبناء فلسطين.. أبناء المقاومة والشهداء..
فلسطين..هذا الوطن الغالي، أكثر من سبعة عقود منذ الانتداب واستقدام العصابات الصهيونية وأبناء هذه الأرض يروون ترابها بدمائهم الطاهرة بكل كرم التضحية والوفاء والأصالة..
ما رأينا في غزة فصائل متناحرة بل رأينا مقاومة على قلب رجل واحد لأن خيار المقاومة والذود عن الأرض والعرض والأهل أظهر الحقيقة التي آمنا بها جلية واضحة.
المقاومة هي الرجاء وجسر الأمل الوحيد الذي يؤدي إلى تحرير فلسطين وبارقة النور في ليالينا العربية الحالكة السواد وينبوع الماء في عطش صحراءنا.
لقد سطرت المقاومة في غزة أسطورة أعادت الأمور إلى نصابها الصحيح واغتالت وطهرت ببطولاتها كل رجس المفردات العبثية التي حاول المتخاذلون زرعها والقواميس التي تشرح حضارة وثقافة وجهة نظر الخيانة وعقلانيتها..شتّان بين مقاول يبيع ومقاوم يعطي..
وشتّان بين مغتصب يحرق الأرض ومقاوم يحتضن التراب ويرويه بدمه تضحية وفداء.
طلعت يا صديقي..
رغم كل الدماء ونكبتها التي حطمت الزجاج الواقي الذي يحمي إنسانيتنا، مرآة المقاومة وحدها تعكس النور وتزرع الأمل في النفوس العربية التي تهشمت من شدة الإحباط وكسرت عزتها على درب التطبيع ومسارات الاستسلام.
لقد أسقطت غزة كل الأقنعة وأنهت البلبلة التي جعلونا نعيشها طويلا.
هذا الشر المستطير والعطش إلى الدماء الذي تنطوي عليه الذات الصهيونية الاستعمارية ليس له غير المقاومة .
الغريب يا صديقي أن الوحشية دليل الفشل والإفلاس وكل الكتابات والدراسات الناضجة في هذا العالم تؤكد بأن هذا العدو يتهاوى وأن هذا الكيان المحتل لا يمكنه الاستمرار على هذا الحال أكثر من ربع قرن آخر.
أهل غزة أهل عزتنا قدموا دمائهم الطاهرة والمقاومة كرامتنا وأملنا في العودة والتحرير مهما طال الزمن وأقل ما نقدمه لهذه الدماء أن نستيقظ من غفلتنا ونقف الموقف الوطني الثابت، نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية ولكل الشرفاء ولا لقيادة فلسطينية تحتضن الأعداء قتلة أطفالنا ولنرسخ كشعب عربي المقاطعة الاقتصادية ومقاضاة الصهاينة.
طلعت يا صديقي..
مع البندقية الفلسطينية يراودني الأمل بهذا الشعب العظيم وبأنه قادر على صنع قدره مهما ازداد التواطؤ وتعاظمت المحن..
كلما وقف المقاوم ببندقيته تقترب حيفا حتى أكاد أسمع صوت التكبير يصدح من مئذنة جدنا مجدداً .. ذات يوم
الله أكبر .. الله أكبر
هدى الخطيب
مونتريال 30 / 1 / 2009
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|