( قف يا زماني )
أنا لا أغرد خارج السرب .. السرب هو من تشتت وضاع وتاه في بقاع الدنيا ..
كلماتي هي مجرد صرخات استغاثة .. نداء لمن بقي منهم على قيد الحياة كي يعودوا للسرب ..
لكن لا حياة لمن تنادي .
كان لا بد من ارتشاف جرعة كبيرة من القهوة حتى أستطيع البوح ولفظ آخر الكلمات
من حنجرتي .. ليس أصعب من وقوف الماء في حنجرتك سوى وقوف الكلمات ..
كلمات لا تستطيع بلعها ولا قذفها .. فتغص بها فتختنق ثم تموت موتا ً بطيئا ً
دون ان يشعر بك أحد .. لأنه باختصار شديد لا يوجد أحد .
لا ليست صحراء كما يتبادر إلى الذهن .. لا ..لا .. على العكس البشر فيها
في ازدحام كيوم البعث .. ولكنهم في تشتت وشرود كيوم البعث أيضا ً .
كنت في الماضي أطلق الرصاص المميت .. ثم أصبحت أكثر رأفة فاخذت أطلق
رصاصات الرحمة .. اليوم أحتاج الكثير من الطلقات فما العمل ؟
قررت العدول عن إطلاق الرصاص سواء الرصاصات المميتة منها أم الرحيمة ..
وسأحيل إلى هامش هذه الحياة أناس سقطت أوراقهم قبل أيلول ..
سأحيلهم إلى هامش حياتي لكن بغير الموت .. لا توجد مقابر لهذا العدد الكبير منهم ..
وحيث أنني أكون أكثر لؤما ً في بعض الأحيان فأحرمهم من الموت المبكر ..
لا على صدري ولا فوق دفاتر أشعاري .. بل في حقدهم وغلهم يدفنون .
كان أصغر من حجم الكف .. امتدحناه ببعض العبارات الجميلة .. لم تكن عبارات كاذبة
بل هو يستحقها .. لكنه لم يصدق نفسه فنصب من نفسه زعيما ً على الجميع
ودون استشارة أحد .. أخذ يكيل لهذا وذاك ويتهدد ويتوعد ويندد وأصبح الجميع يرغب
فقط باتقاء شره .. هذا ماذا افعل به ؟
أحيله على هامش الحياة ..
آخر .. كان مجتهدا ً ويضع قدمه على حافة السلم أمسكنا بيده وقلنا له تفضل ..
اصعد على مهل .. نحن سندك .. جود علينا بإبداعاتك .. كان مرنا ًً.. جميلا ً .. مبتسما ً ..
فجأة ثار وهاج وانقلب علينا يحاسبنا على الحرف .. يكتب حروفا ً متشابكة نحاول
جاهدين أن نفسر طلاسمها .. لم تعجبه محاولاتنا الفاشلة .. ثارت ثورته علينا ..
ماذا أفعل به ؟
أحيله على هامش الحياة .
آخر اقترح فكرة .. أعجبتنا في باديء الأمر .. أثنينا عليها .. شجعناه ..
طمع فينا .. طلب منا أن نكون من جماعته وإلا فلا .. ماذا أفعل به ؟
أحيله على هامش الحياة .
أخر جميل جدا ً .. ليس وسيما ً .. لكن فكره وسيم جدا ً ونصوصه أنيقة ..
عجبنا لكل هذا الجمال المختبيء .. أقتربنا أكثر .. مددنا أيدينا في نصوصه ..
جميلة لدرجة لا توصف .. قلنا والدهشة تملؤنا .. يا الله .. يا الله .. جن جنونه ..
لم يصدق نفسه .. أخذ دور الأستاذ ورفع العصا في وجوهنا
ماذا افعل به ؟
أحيله على هامش الحياة .
هل بقي أحد ؟ هل يعقل هذا ؟ مجتمع بأكمله كل افراده محالون على هامش الحياة ؟
بالطبع لا .. هي إذا كما أراها بكل وضوح ..
هذا المكان ليس مكاني .. هذا الزمان ليس زماني
فقف يا زماني .