المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي
رواية تبحث عن مؤلف
[frame="15 98"]
هذا الفصل من رواية " حين سقطت ورقة التوت " يحتاج إلى أقلامكم لتضيف إليه .. ليكن لكلّ من يريد نصيبه من التأليف لتكون رواية جماعية لأول مرة .. طبعا هذا يحتاج إلى الكثير من الانتباه والتركيز والسير بخطوات محسوبة .. فحين يضع أحدكم فصلا جديدا فهو يلزم من سيأتي بعده بالتطور الذي أحدثه على كل صعيد .. لذلك أرجو أن يكون الكتاب الكرام واعين لحجم المسؤولية .. إذ ربما طبع الكتاب مستقبلا ليكون أول رواية عربية وعالمية يؤلفها عدد كبير من الأشخاص .. وهناك ضرورة للتنبيه بأنه يجوز لنا أن نكتب الملاحظات التي نريد .. كما يجوز لأحدنا أن يكتب أكثر من فصل واحد .. تجربة أضعها بين أيديكم متفائلا بإنجاز مشاريع أخرى مستقبلا .. وسنضع الرواية في منتدى القصة تجاوزا ليس إلا ..
[/frame]
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي
رد: رواية تبحث عن مؤلف
[align=justify]
[frame="10 98"]
حين سقطت ورقة التوت
-1-
قالت لي وهي في حالة ذهول : إلى أين تذهب ؟؟.. ما زلت مسكونا بالمرض والتعب والإرهاق .. ذهابك هكذا سيتركني في حالة قلق لا تهدأ !!.. فقط قل لي إلى أين حتى أطمئن ؟؟..
كان بي جوع إلى الخروج .. الشارع بكل اتجاهاته يناديني بل يدعوني بإلحاح .. ماذا أقول لها إذا كنت لا اعرف أين سأذهب ..؟؟.. ربما كان خروجي فقط من اجل الخروج !!.. صحيح أنني فكرت البارحة تحديدا بالذهاب بعيدا دون عودة ، وصحيح أنني أخذت اخطط للابتعاد عن كل المحيط الذي أعرفه والوجوه التي الفتها .. لكن شيء ما كان يقول لي تريثْ ولا تكن مجنونا .. خروجك على هذا الشكل سيخلق مشكلة لك أولا لأنك وقبل أي شيء آخر لا تملك شيئا من النقود أو من متاع هذه الدنيا ..
جاء صوتها ممزوجا برجاء حار :
- فقط قل لي أين ستذهب .. لا بدّ أنك اشتقت لأصدقائك في المقهى القريب .. ستذهب إلى هناك أليس كذلك يا أمجد ؟؟.. لا .. أظنك ستمضي إلى بيت صديقك عبد الهادي ..لا بأس عبد الهادي من أفضل أصدقائك سترتاح هناك .. بربك قل لي ؟؟..
صوت المذيع صاخب .. ينقل الأخبار عن القتل والموتى وهو يبتسم !!.. حرائق في كلّ مكان .. هل تحول العالم كله إلى غابة قتل .. غابة !!.. لا يحدث في الغابة ما يحدث في عالم البشر هذا .. !!.. كم تمنيت ذات يوم أن أصعد إلى إحدى قمم الجبال وأبقى هناك .. طفولتي علمتني أنّ قمم الجبال مغطاة بكثافة عالية من الهدوء.. ربما أدور في الشوارع وأعود محبطا يائسا مكسورا كما هي الحال بالنسبة لي منذ فترة طويلة ..
قالت : يا أمجد الأولاد سيعودون بعد قليل من مدارسهم .. سيسألون عنك ماذا سأقول لهم.. ؟؟.. خرج ولم يقل إلى أين ؟؟..
الأولاد .. صبيان وبنتان .. سيكبرون ويسألون أسئلة اخطر .. عندها ماذا سأقول لهم ؟؟.. هل اخفي وجهي بين يديّ وأبقى صامتا .. أم أتهم الظروف والانهيارات العربية التي عشناها ؟؟.. ربما سأقول لهم عندها :" يا أولاد الحلال .. أبوكم كان مكسورا وجبانا مثل غيره فهاتوا ما عندكم وأرونا ؟؟..".. هل سيحقق هؤلاء شيئا من الطموحات التي عشنا طويلا ونحن نحلم بتحقيق جزء منها ؟؟.. ستكون خطواتي على الأرصفة مسكونة بكثير من الحيرة والشك والتشتت .. الأيام التي قضيتها في الفراش كانت كافية لتجعلني أستعيد شريط حياتي كله .. وماذا وجدت ؟؟.. مضت سنوات عمري دون معنى .. الآن أحسّ بذلك أكثر من أي وقت مضى ..
صوت المذيع يرن في الأذن متحدثا عن ضرورة التلاحم .. كلهم يقولون هذا .. فمن المخطئ إذن ؟؟.. حكام يشتركون بشيء واحد هو حبهم الجنوني للسلطة والبقاء على كراسيهم .. ولا شيء آخر يجمع بينهم .. كلهم يقولون أشياء رائعة عن الوحدة .. وكلهم يتهربون من هذه الوحدة .. !!.. حتى الشعوب صارت مجرد أرقام يزداد عددها يوما بعد يوم .. شعوب تبحث عن لقمة العيش وتعتبر الحديث في أي شيء مجرد تضييع للوقت !!..
قالت : أنسيت يا امجد أنني حبيبتك وزوجتك وأمّ أولادك .. هل صارت نادرة لا شيء عندك اليوم ؟؟.. نادرة التي كنت تحلف بحياتها .. يا روحي الأفضل أن تؤجل ذهابك .. الأيام كثيرة وعندما ترتاح وتشفى تماما ستذهب أينما تريد .. والله لن أسألك يا امجد .. لكن الآن خروجك سيرجعك إلى الوراء .. مرضك سيزداد .. لماذا لا ترد يا امجد ؟؟..
كانت نادرة عمره .. تزوجا عن حب .. لكن ماذا أبقى الزمان ومتاعبه من هذا الحب ؟؟.. الزمن دوامة .. جرح مفتوح .. خوف من كل شيء .. تمزق .. هي لا دخل لها في كل ذلك .. لكن ماذا يفعل إذا كان بمحض الصدفة رجلا من هذا الزمان ؟؟..
قفز السؤال إلى رأسه وكأنه يريد أن يقرع كل الأبواب :" لكن إلى أين يا امجد .. إلى أين ستمضي وأنت على هذا الحال من المرض ..
ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة .. فتح باب البيت .. خرج تاركا صوت زوجته يدور في فضاء الحيرة ..كان يريد أن يبتلع الشوارع كلها .. وكان مسكونا برغبة ملحة وكبيرة لن يبكي كل شيء ..
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: رواية تبحث عن مؤلف
[align=justify]تحية إجلال للأستاذ الكبير طلعت .. ها أنذا أتلقف فكرتك الرائعة بكل لهفة وكأني أترقبها منذ زمان .. ويسرني أن أكون من الأوائل الذين يدلون بمشاركتهم في هذا العمل الأدبي البديع :
************************************************** ******************************************
يبتلعه الشارع الرئيسي فينقاد لخطواته الواهنة وينظر إلى هناك .. إلى أقرب زقاق يتفرع من الشارع .. تختلط أصوات المارة بنبرة نادرة الباكية المتوسلة . تتلقفه الوجوه المقبلة المدبرة على عجل .. كأنها أقنعة قدت من صخر .. بعضها يتفحصه في فضول .. لو لم تكن جامدة لاستشف منها رثاء أو سخرية أو ربما شماتة .. متى يسدل الليل ستاره ويخلو الشارع ، فيخلو هو نفسه لخواطره ولتأملاته ؟
يحث الخطى نحو الزقاق .. لماذا اختار هذا دون الأزقة الأخرى ؟ .. الزقاق يمتد إلى ما وراء الدور المتكدسة في وجل .. يلفها نقع زاد من ملامحها البائسة .. تنظر إليه بدورها .. على الأقل ، في ملامح هاته يستشف تعاطفا و مسكنة كالتي تسكنه الآن .. هنا يسود السكون .. لم يتبق سوى صدى صوت نادرة يعلو ويخفت مع اقترابه من النهر الهادر .. تلاحقه توسلات الأولاد فيلتفت مرعوبا .. يخيل إليه أنهم على مقربة منه .. هل تفعلها نادرة ؟ لم لا وهي تعلم نقطة ضعفه مع الأولاد ؟.. يعاوده السعال فيضع كفه على فمه ثم ينظر إلى راحته متوجسا .
لماذا اختار هذا الزقاق المؤدي إلى النهر؟ .. يتوقف عند الجسر وينظر إلى الأسفل فيحس بالدوار . يمر أمامه صبي يحمل بين يديه علبة سردين صدئة وأسلاك .. لا يعيره اهتماما .. كل اهتمامه منصب على ربط العلبة بإحكام حتى يمكنه جرها .. يعض شفتيه .. يغمض عينيه وهو يجذب أحد الأسلاك .. ما أهنأه ! .. أين منه ذهن فارغ من المشاكل .. من الأعباء .. من كل هذا الذي يجثم على صدره فيكاد يحبس أنفاسه ؟ .. لم كل هذه المعاناة ؟ .. لم يحمل نفسه ما لا طاقة لها به .. أليس مثله مثل الآخرين ؟ .. لماذا لا يعانون ؟ .. هم أيضا يشاهدون الدمار و الخراب و القتل .. لكنهم يضربون كفا بكف .. يتحسرون .. يتألمون .. يدعون بالويل و الثبور .. ينددون ..يحتجون .. لكنهم في آخر المطاف يعودون إلى ديارهم ليسهروا ويلاعبوا أولادهم .. ويداعبوا زوجاتهم .. لهم متسع من الوقت كي يحبوا ويعشقوا وينجبوا . ماله يحمل أعباء الدنيا كأنما قدر عليه حمل خطايا و أوزار الخلق ؟
يتعالى هدير النهر ، بينما تند من الصبي صيحة غضب .. لقد تقطعت الأسلاك و هوت العلبة/السيارة إلى النهر .. نظر مليا إلى لعبته وهي تطفو تارة و تختفي تارة أخرى بين مياه النهر .. ثم انصرف وهو يصفر .. لا شك أنه وجد فكرة أخرى .. لم ييأس . خيل إليه أنه يسمع نداء من بعيد :" أمجد .. أمجد " .. انتفض من مكانه . هل تأتي نادرة ؟ .. نظر إلى مياه النهر .. هل ما يدور في خلده جبن أم أن الخوف من ذلك وعدم الإقدام عليه ضعف و جبن في آن واحد ؟ .. أليس الأولى به و هو العاجز المريض المنهك ألا ينتمي لعالم الأحياء ؟
يترك الجسر و ينقاد من جديد لخطواته حتى يجتاز آخر منزل .. يجد نفسه أمام الجبل الجاثم على المدينة .. يتأمل الصخرة الناتئة أعلاه فتراوده فكرة تسلق الجبل .. تتلاحق أنفاسه و هو يسرع الخطى ، و تصطدم قدماه بقنينات الجعة وبعض الأكياس العازلة .. يحس بالغثيان و يتوقف عند إحدى الصخور و يطل على المدينة . ما أجمل المنظر ؟ .. لكن نفسه عازفة عن كل شيء الآن .. عليه فقط أن يحدد ما يريده.. و ما هو ناو فعله .. يلتفت إلى حيث بعض الكهوف .. حدثه أحد الأصدقاء أن بعض المقامرين يلتجئون إلى هنا للعب والسمر والعشق .. تراوده فكرة الانعزال عن الخلق والتأمل إلى أن يأتي الغد بجديد . و نادرة ؟ .. والأولاد ؟ .. هل يستحملون ؟ .. على الأقل .. سيقول لهم غدا أنه لم يكن طرفا فيما يحدث .. وسيخبرهم أنه ضحى بكل متعاته ولذاته كي لا يكون له يد في الوضع المخزي الراهن .. ماذا أفعل يا ربي ؟
شعر برغبته في البكاء تعاوده .. فليبك .. وهو الذي كان يكرر للأولاد أن الرجال لا يبكون ولا يذرفون الدموع .. وأن بكاء الرجل دليل على ضعفه .. لكنه الآن يبكي دون خجل أو خوف من أن يفتضح أمره ... لو كانت نادرة هنا لكفكفت دمعه و لأوسدت رأسه على صدرها الحنون .. لكن ماذا ينفع كل ذلك مع كل هذا العجز المقيت ؟[/align]
التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 30 / 10 / 2011 الساعة 51 : 04 PM.
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )
رد: رواية تبحث عن مؤلف
الذكريات تنهمر على وجنتيه والمدينة صامتة في ليل وحدته ماذا جاء به إلى هنا ؟؟ خطاه والدروب التي مر من خلالها الأولاد و نادرة الأصدقاء دخان يتصاعد من النار التي أوقدها كي ينعم بالدفئ ... استلقى على ظهره ثيابه تمزقت وأحلامه تبعثرت فضاءات كثيرة كان يراودها في تلك النجوم يحاول أن يلتقطها تحرقه بنيراها وتسقط من بين أصابعه مازالت بعيدة ... البدر وضيائه يتحول بين الفينة والأخرى إلى صور حلم بمنجاتها طويلاً وسعاد الحب الأول في حياته تخرج من ذاكرة الأبجديات التي أحبها وحرمه القدر من الظفار بليل شعرها وبحر عينيها ....البدر يختفي جزئياً وسعاد تبدو حزينة لقد حجبتها الغيوم السوداء.... الطبيعة بقسوتها تحجب ذكريات أمجد وتزيد من همومه وحزنه... المطر يتهاطل بغزارة النار تنطفئ والدخان يتلاشى والصور تتبعثر ....... كل شيء يبدو حزيناً في هذه الأمسية أختلطت دموعه بحبات المطر وتساقطت لتروي قصة شقاء وعذاب أراد القدر أن يكون بطلها الأول .... الرياح تمضي مسرعة وصريرها يحاصره من كل الاتجاهات يحمل أسئلة كثيرة لايريد الإجابة عنها .... يتجاهل كل شيء ويبدأ بالتسلق الحذر نحو القمة.....
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: رواية تبحث عن مؤلف
1- أقترح على كل الإخوة المشاركين في هذا العمل الإبداعي العظيم أن يقوموا بقراءة متمعنة للنصوص المطروحة ويصححوا ما جاء فيها من أخطاء .. وكذا مراجعة نصوصهم قبل اعتمادها .. وكل تصحيح لا يقلل من أهمية المشاركة وإنما يحفظ جودة لغتها ويسهل على جامع النص في النهاية ، وضع اللمسات الأخيرة على الرواية مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما ورد من تصحيح .
2- اقترح ايضا أن يقرأ نص الانطلاق بكل عناية وتمعن حتى لا يحدث تناقض في الفصول التي تليه ..
3- نهيب بكل المبدعين أن يبادروا إلى المشاركة بكل كثافة .. وإذاعز الأمر ، أن يدلوا بآرائهم .. وهذا ربح وزخم للعمل الإبداعي المقترح ..
لكم مني أجمل التحيات والحب
3-
وهو في محاولته لتسلق قمة الجبل تعثرت قدمه بحجر لم يكن ثابتا ًبشكل جيد فهوت قدمه ثم تأرجح يمينا ً ويساراً ، حاول أن يتمسك بأي شيء لكن عبث ومحاولاته لم تجدي إذ شعر بأن الدنيا تدور به وأخذ يتدحرج مثل كرة معطوبة تقفز من فوق السلالم ، أسرع إليه أحد الأشخاص ممن اعتراه الفضول لمراقبته ومعرفة ماذا يريد من تسلق هذا الجبل وفي هذا الوقت المتأخر وما أن وجده يتأرجح حتى هرع على الفور لإنقاذه لكنه وصل متأخرا ً حيث وجده ملقيا ً على الأرض مغشيا ً عليه فقام على الفور بإخبار الإسعاف الذي حضر وقام بنقله إلى أقرب مستشفى حكومي .
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: رواية تبحث عن مؤلف
( تابع )
يفتح عينيه ،فلا يرى سوى الضباب .. ثم شيئا فشيئا ينجلي عن وجه صبوح يبتسم له .. عصر ذاكرته فلم يفلح في لملمة أفكاره وإدراك سبب وجوده هنا .. " أين أنا ؟ " .
- استرح .. جرح رأسك بليغ .. ماذا كنت تفعل في ذالك الجبل وحيدا ؟.. أليس لك أهل ؟
آه .. الجبل .. نادرة .. الأولاد .. رحلة القنوط .. لا شك أنهم لم يعثروا على بطاقة الهوية .. نسيها في جيب سترته التي احتفظ بها رغم قدمها و لونها الباهت .. تعلقه بها يثير التعجب .. بل والاشمئزاز .. هي ما تبقى له.. شاهدة على عهد كان ينعم فيه بالطمأنينة و راحة البال .. بطاقة الهوية ؟ .. و أية هوية بعد أن لفظته المدينة وصار يحس بالغربة بين دروبها ؟ .. منذ متى لم يطالبه أحد بها ؟ .. ومع ذلك احتفظ بها في سترته حتى خيل إليه أنها التصقت بالجيب .
- سيأتي الطبيب بعد قليل لفحص جرحك .. عليك بعدم الحركة .. طاب يومك ..
وجه مشرق .. وقوام معتدل .. ذكرته الممرضة الشابة ب نادرة زوجته .. من ذا الذي حمله إلى هنا ؟ .. لا شك أنه أحد المقامرين الذين سمع عنهم .
- كيف الحال يا أخي ؟
التفت ليجد كهلا متكئا على السرير المقابل لسريره .. رد التحية بإيماءة من يده وابتسم ..
- الحمد لله .. لقد قيل لي إنك نجوت من الموت بأعجوبة .. لو بقيت تنزف لما كنت الآن هنا ؟.. هل كنت تريد ... ؟
أشار بأصبعه بالنفي وتمتم :
- أعوذ بالله ..
- أنا نفسي قلت هذا لما رأيتك .. وجهك يدل على طيبوبتك وإيمانك .. قل لي .. أين تقطن ؟
ما لهذا ينكأ الجرح المندمل ؟.. ما ذا يقول له ؟ .. إنه لا مأوى له بعد أن هجر البيت والمدينة ؟.. لكنه عاد إليها مرغما .
- لا أدري .. لا أدري .
أحس فجأة بالتعب.. وبرغبته في النوم .. على الأقل ،سيخلو للأحلام ولو أنها كوابيس ..لا أحد يقض مضجعه بالسؤال .
- محسوبك أبو العز.. من القرية المجاورة التي مربها الطريق السيار والتهم الكثير من دورها . حاولت أن أحتفظ ببيتي لكنهم أبعدوني بحجة أن موقعه سيستعمل مركزا للأداء .. تشاجرت مع أحد رجال الأمن فضربوني .. لكنهم الآن يتوددون إلي .. قيل لي إن التعويض سيكون هاما .. يمكن أن أشتري به منزلا أفخم وفي أي مكان أختاره خارج القرية البائدة .
يحس أمجد برغبته في أن يواصل الآخر حديثه .. فيبتسم من جديد مشجعا إياه على الاستمرار .
- الأهل هناك انقسموا .. منهم من يتشبث ببيته أو على الأصح بموقع بيته بعد أن دمرته الجرافات ،ومنهم من قنع مثلي بالتعويض .. وآخرون انصرفوا متوعدين بعرقلة إحداث الطريق السيار وتخريبه إذا أنجز.. ما الفائدة من ذلك ؟
يشعر في قرار نفسه بالخجل .. لم غادر البيت ؟ .. هؤلاء فقدوا دورهم ولا يزالون متمسكين به .. وهو ؟ .. أية لعنة حلت به ؟ .. الآن أدرك أنها كانت نزوة .. ربما كانت رغبة في تغيير الجو الرتيب وليس شعوره الكاذب بغربته في هذه المدينة .. عليه العودة بأسرع ما يمكن .. لن ينتظر حتى يشفى .. آه يا درية ..كم سببت لك من الألم .. لم تكفك معاناتك مع الأولاد و قساوة الجارات وضنك العيش ..
انتبه إلى الآخر و هو لا يزال يتحدث .. ربما كان يضع مشاريع لما سوف يقوم به بعد تسلمه لمبلغ التعويض .
- ولكن ... قبولك بـ...التعويض ربما ... يحرج الأهالي الـ..متمردين .. ألا يسبب ... لك هذا ...
- شعورا بالذنب ؟..ولكن ما جدوى التمرد ونحن أمام الأمر الواقع ؟..الأهالي أنفسهم لم تفتر صراعاتهم على الأراضي .. و لا أخفيك سيد ...
- أمجد .
- لا أخفيك سيد أمجد أن ما شجع هؤلاء على مشروعهم بإقامة الطريق السيار هو هذا الصراع نفسه .. أنا رأيي أن يأخذوا التعويض حتى لا يخرجوا من المسألة " بلا سلة و لا عنب " .. ألست محقا يا .. سيد .. قلت ماجد ؟
- أمجد ..
في هذه المرة ود لو يسكت صاحبه .. أحس بالتعب .. عليه أن يستجمع قواه كي يكون قادرا على مغادرة المستشفى متى رأى الفرصة سانحة . و كأن الآخر فطن إلى ذلك ،فانصرف عنه متشاغلا بقضم حبيبات اللوز المقلي . يدخل في تلك اللحظة مجموعة من الشبان المصابين بجروح .. يكثر اللغط وتتدخل الممرضة آمرة الجميع بالتزام الصمت .. لم يميز من الجدال سوى كلمات .. خونة .. عصابة .. جواسيس ..
التفت إليه الرجل المجاور لسريره ولسان حاله يقول " ألم أقل لك ؟"
- ما ذا جرى ؟
- هؤلاء ممن رفضوا التنازل عن أراضيهم .. يقال إن بعضهم قتل في اشتباكات مع الحراس .. إنهم يتهموننا بالوشاية .
- ألا يكون ذلك حقيقة ؟
- ربما ولكني أقسم لك أنني لست ضالع في كل هذا .. لا ناقة لي و لا جمل ..
- ولكن هذا يهمك .. أليسوا أهلك ؟ .. من المفروض أن تنصر المظلوم و تردع الظالم ..
- كان ذلك من زمان .. تغيرت الأحوال .. الكل يقول.. نفسي..نفسي .
في هذه المرة أحس بالغثيان .. كان محقا حين فكرفي مغادرة المدينة .. كيف يستطيع العيش في هذا الجو الموبوء ؟ .. هل يأتي يوم ينعته الأولاد بالجبن كما ينعت هؤلاء المستفيدين من التعويض ؟ .. مرة أخرى يلغي فكرة العودة إلى البيت . أين يذهب ؟.. هذه المدينة تشده إليها بإصرار.. يحس بها تستغيثه وتترجاه أن يبقى.. تزداد حيرته فيقرر أن ينام ليرتاح قليلا .
صوت المذياع الخافت يعلن عن مؤتمر للقمة .. عليكم اللعنة .. قمة بلا همة .. ماذا جنينا من القمم سوى مزيدا من الخنوع .
التعديل الأخير تم بواسطة نصيرة تختوخ ; 25 / 04 / 2010 الساعة 47 : 11 PM.
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: رواية تبحث عن مؤلف
[align=justify] تابع
أدار وجهه إلى الحائط و استسلم للنوم .. أحلام و كوابيس انهالت عليه .. رأى نادرة تنظر إليه من بين السحاب متوسلة ألا يتركها بينما كان السحاب يبتلعها إلى أعلى .. ثم تراءى له الأولاد شعثا غبرا وهم يمدون إليه أيديهم مستعطفين ، لكنه كان لا ينبس ببنت شفة و لا يحرك ساكنا .. جامدا وكأن قدميه غاصت في الأرض وتفرعت جذورا .. تبدلت نظرات الأولاد إليه شزرا لكن درية ظلت على توسلاتها قبل أن تغيبها الغيوم .. عندئذ لمع البرق وقصف الرعد وتعالت الصيحات .. صراخ و بكاء وعويل .. فتح عينيه ليجد الكل مشتبكين بالأيدي و الدماء تلطخ الوجوه والجدران : - توقفوا – صاح بوهن – ألا تستحيون و أنتم أهل ؟ لكن صيحاته ونداءاته ذهبت أدراج الرياح .. نهض متحاملا على نفسه و ارتدى ثيابه ثم تسلل خارجا دون أن يلقي أحد بالا لخروجه .. حتى الممرضة لم تكلف نفسها عناء النظر إليه بسبب انشغالها كباقي الممرضات .. وهرولتها فزعة مما يحدث .. هاهو الآن خارج المشفى .. إلى أين ؟.. هل يذهب إلى البيت ؟ خيل إليه أن الطريق لم يعد مألوفا لديه ، و أن عليه الابتعاد قدر الإمكان عن هذا المكان المحتقن .. لم لا يذهب إلى القرية المجاورة ويرتاح هناك قليلا عند خال الأولاد .. أخي نادرة من امها ؟ .. ربما يأنس للحديث معه رغم الجفاء الذي طبع علاقتهما منذ وفاة الأب وعدم حضور أمجد الجنازة ، ثم ما تلا ذلك من زواج ثان للخال وانتقاد أخته له نظرا للعلاقة المميزة بينها وبين زوجته الأولى .. أمجد نفسه كان ممن حملوا حملة عشواء على هذا الزواج الذي وصفه بتصرف نزق و طائش .. كان السكون يسود الطريق وهو يخطو حثيثا نحو القرية .. لكنه انتبه إلى أشخاص يهرولون بين الفينة والأخرى في هذا الاتجاه أو ذاك . واستمر في مشيه لا يبالي بمن يقبل أو يدبر .. لكن تناهى إلى مسامعه وقع خطوات ولهاث .. التفت ليجد الممرضة مقبلة نحوه وقد علا وجهها القنوط و الإرهاق .. سألها : - ماذا بك وإلى أين أنت ذاهبة هكذا ؟ لم تجب ، وجلست على صخرة بجانب الطريق تلهث .. انتظر طويلا قبل أن تقول : - هي النهاية .. ولا شك .. المدينة على فوهة بركان . - لم ؟ ما الذي حدث ؟ - الاشتباك صار قتالا .. والضحايا بالعشرات .. تركت كل فريق يستنجد بعشيرته وأهله . - لكنهم أهل .. - لم يعودوا كذلك .. وسوف ترى أن القرية ذاتها لن تكون في مأمن . ينظر أمجد إلى الأفق .. ما الذي يحدث ؟ .. كان يفكر في أن المشكلة تخصه وحده فإذا بالمصائب تشتعل كالنار في الهشيم .. - و ما الذي نويت على فعله أنت ؟ و إلى أين تقصدين يا .. تشرفيني باسمك ؟ صمتت برهة قبل أن تجيب متنهدة : - زهرة .. اسمي زهرة .. لا أدري .. قصدت القرية مؤقتا ربما لأنني رأيتك متجها إليها .. سأرى إن كنت سأجد ملاذا أخر .. - في الحقيقة .. لا أدري إن كنت سأقدر على مساعدتك .. أنا نفسي لا أعلم هل سأجد من يستضيفني .. - لا عليك .. شكرا على شهامتك . يستشف من صوتها رنة نادرة .. أين أنت يا نادرة ؟.. وهنا وقف شعر رأسه .. هل يصيب نادرة و الأولاد مكروه ؟.. هل يتركهم لمصيرهم وهو في مأمن ولو إلى حين ؟ .. توقف ، فنظرت إليه ظهره مستفهمة .. - تركت عيالي ولا معين لهم .. - لا بأس ... عليك بالعودة و اصطحابهم معك .. أنا سأكمل لوحدي . - أبدا .. سوف أوصلك حتى القرية .. هيا بنا .
[/align]
التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 26 / 04 / 2010 الساعة 01 : 12 AM.