من مذكرات أستاذة
لا زلت أتذكر وجه زميلة سابقة لي و هي تحدق في و عيناها تقدحان شررا و تقول:"أنت تحصلين على كل ما تريدين و ليكن لك ذلك!".
لم أعرف حينها بما أجيبها كنت أود أن أشرح لها أنه لم يكن لي دخل بما فعله أحد زملائي إذ أنه سعى لتحقيق أمنية لي من دون علمي و أن هذا كان على حساب ما كانت تريده هي ..
الأمر كان مسألة سوء تفاهم أو لأقل سوء تفهم من جانبها و حسن نية من طرف زميلي و النتيجة أنه منح لي ماكانت هي تصبو و تخطط له.
نظرات غيرة قرأتها مرات عدة في عيون الآخرين مع أنني لم أعتبر نفسي إنسانة تستحق أن يغار منها.
فأنا التي تقول عن نفسها أنها متوسطة في كل شيء و بكل المقاييس.أفاجئ بتلقيبي بالمحظوظة و المتميزة و الرائعة ...
تعجبت يوما عندما جلست والدة أحد التلا ميذ أمامي ومضت تغلق هاتفها المحمول قائلة:"إنه إبني يتصل للمرة الثالثة أظنه يريد أن يقول مجددا كوني لطيفة مع أستاذتي لأنها لطيفة جدا جدا و رقيقة جدا جدا.."
التلميذ كان هادئا ولم يمدحني يوما أثناء الدرس أو بعده و قد تعجبت من هذه الكلمات.
عندما توفيت زوجة أخي منذعامين تقريبا بكيت للمسة الحنان المتدفقة من خمسة عشرين وردة )بعدد تلا ميذ أحد الأقسام (أهديت لي و معها بطاقة مليئة بكلمات المواساة.
أحسست بقلوب تقدر حزني و تلتف من حولي لتقول أن الخير لازال عملة يتبادلها البشر.
عندما غبت يومين الأسبوع الماضي إستغربت أن أرى بين كل حصتين و جوها بشوشة تطل لتقول: هاي أستاذة أين كنت؟ هل أنت بخير؟
حتى أنني تجرأت و سألت تلا ميذ أحد الأ قسام ألا تفرحون عندما يتغيب الأستاذ و يكون عندكم وقت فارغ و كانت الإجابة :
يتعلق الأمر بمن و هناك فرق بين الدرس و صاحبة الدرس فإننا اشتقنا إليك.
كان ردي طبعا وأنا أيضا اشتاق إليكم.
و أضافت شيرلي: كألم الأضراس أكيد..أليس كذلك
و ضحكنا جميعا.
هذه الضحكة الجماعية أظنها من ما جعلهم يشتاقون لي.
أذكر يوما أن أحد التلا ميذ لم ينتبه لنفسه إلا حين سمع ضحك الآخرين لأنه ناداني ماما أثناء الحصة.
صعد أحد الأولاد الدرج السنة الماضية مسرعا لا هثا ليصرخ في وجهي لقد فعلتها فعلتها لقد نجحت , سأحصل على دبلومي و تبتدأ حياة النجاح(كان يوم ظهور نتائج ما يسمى الباكلوريا أو الثانوية العامة..).
في فصلي وفي غمرة الجد و الكثب تمر لحظات إنسانية ممتعة , يمتزج فيها التعليم و التعلم بالصبر و التربيت على الكتف .
طلبت مني سارة وهي فتاة عمرها ست عشرة سنة أن تعيد الإختبار لتعدل نقطتها فقلت لها إعذريني عزيزتي لكنني لست ملاكا فردت: لم يتبقى لك الكثير لتصيري كذلك, فأنت على وشك أن تصيري ملاكا.
مضيت أتأمل كلا مها ووجدت أن هذه المهنة تعلمني فعلا أن أتحكم في نفسي و أسمو لكي أشابه الملاك أحيانا.
عبرت لإحدى الزميلات يوما عن دهشتي للطافة و الرقة اللتان أقابل بهما أحيانا فقالت:"يا صغيرتي إن ما تحصلين عليه هو انعكاس لمعاملتك للآخرين" ولم تلبث أن تفاجئتني هي أيضا باهدائي نجمة بلورية قالت أنها ذ كرتها بي.
جميل حين يحبنا الآخر و حين تباغتنا لمسة حب و تقدير.
إننا نقبل على الحياة بشهية أكثر ونحن نشعر أن هناك من يشاركنا فرحة أو يمسح عناحزنا وأن هناك من يهمه أن يهدينا بسمة ساعة كآبة.
مهنتي علمتني أشياء كثيرة و عرفتني بوجوه و طباع أكثر لهذا فأنا أحمد الله لأنه منحني إياها ومكنني من مواجهة نفسي وصقل شخصيتي لأسمو بإنسانيتي و أنوثتي و حبي للآخرين.
Nassira
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|