التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,842
عدد  مرات الظهور : 162,296,058

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > جمهوريات نور الأدب > الجمهوريات العامة > جمهورية الأدباء العرب
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 06 / 03 / 2010, 23 : 02 AM   رقم المشاركة : [11]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

(11)
[align=justify]
قضيت اليوم في تعهد عشي بما يلزمه من عناية ، ثم نزلت أتمشى قليلا شارد الفكر حتى وصلت الغدير .. جلست على ضفته .. كانت هناك ضفدعة تراقبني بعينين جامدتين .. كنت على وشك أن أبدأ برمي الحصى على سطح الماء الراكد كعادتي ، لكنني عدلت عن ذلك خشية إزعاج الضفدعة الجاثمة على حجر بجانب الغدير .. لم يكن في الجو ما يشي بالجديد .. سكون تام ورتيب لكنه يسري في النفس فيكسبها حبورا و متعة ..

لبثت على تلك الحالة إلى أن شد انتباهي رفرفة أجنحة أتية من ناحية شجرتي الكبيرة .. هل يكون عصفوري عاد مع رفيقته ؟ .. خفق قلبي بعنف فرحا و لهفة لرؤيتهما قرب عشي ، ونهضت مسرعا لأتسلق الدوحة بخفة .. وهناك في أحضان العش المقابل كانت عصفورتي مستلقية في وهن .. حسبت أن إطلالتي عليها ستجعلها تطير .. لكنها ظلت هناك تنظر إلي .. في عينيها ألم أحس به .. مددت يدي نحوها بحذر فلم تتحرك . وضعتها في كفي ، فإذا بريشها يصبغ يدي بلون قاني ..
هكذا إذن .. عصفورتي جريحة .. وعودتها لعشها كانت فقط لتبتعد فرارا ممن آذاها و التماسا لمكان آمن تتألم فيه بكل هدوء .. لكن .. ألا تكون هذه العودة من وحي غريزتها الحيوانية لتلتجئ إلي ؟ .. هل كان إطعامي لها بداية للاستئناس و الثقة بي .. إذا كان كذلك ، فما أسعدني به .. و علي أن أعتني بعصفورتي و اتعهدها بالرعاية و الاهتمام ..
عصفورتي .. لا تبالي . أعرف أنك تألمت كثيرا من جرحك هذا .. آه لو أعرف فقط من فعل بك هذا .. لكن لا يهم . أنت الآن معي و في حمايتي .. لن تصل إليك يد آثمة بعد الآن .. سأعالج جرحك و ستعودين كما كنت .. دعيني أنظر أين موقع جرحك .. ياللقساة وغلاظ القلوب .. كم هو غائر جرحك تحت هذا الجناح الصغير .. الحمد لله أن هذا الجناح لم يصب وإلا لكنت الآن طريحة الأرض ولعبثت بك أيدي العابثين .. طيب انتظريني هنا يا عصفورتي ولا تخافي .. سأعود إليك بعد قليل .. ماذا ؟ ما معنى هذه النظرة المفعمة رجاء و توسلا .. لا تريدين تركك لوحدك ؟ .. حسنا ، سآخذك معي ..
كنت أهمهم و أنا في طريقي إلى المنزل لجلب ما يلزم من دواء .. ولم أتمالك من تقبيل عصفورتي المرتجفة في راحتي .. أحسست بخوف كبير وتساءلت : هل تموت عصفورتي ؟
طردت عن ذهني تلك الأفكار السوداء وعدت إلى عشي بعد أن ضمدت جرح العصفورة .. وضعتها في عشها و نثرت بعض البر أمامها .. فلم تأكل في الحال .. حز في نفسي منظرها .. لم كل هذا الألم يا عصفورتي ؟ ألا يزال يوجعك جرحك ؟ أم أن ألما آخر يعصر قلبك كما يعصرني أنا أيضا ؟ .. ماالذي تريد قوله عيناك الصغيرتان ؟ أكاد أحس بما تعبران به عما يعتلج به قلبك الصغير .. أنا أعرف قلقك و خوفك من أن يكون مصير رفيقك مثل ما حصل لك أو اسوأ منه .. لا تقلقي عصفورتي .. سوف يعود إليك ليجدك قد شفيت وعادت إليك عافيتك لترفرفا عاليا .. فقط لا تياسي .. فيأسك يعديني ويجعلني فريسة للإحباط .. كوني قوية كما عهدتك دائما .. لا يوحشك منظر الغيوم الداكنة المعلنة عن حلول فصل الشتاء .. سأبني لك وكرا منيعا أضع فيه عشك حتى لا يكون في متناول العابثين و المتطفلين .. وسأظل ارعاك و أحميك حتى تتماثلي للشفاء ..أنا هنا معك ما حييت .. لأن عشي هو ملاذي وملجئي .. أنت تنتظرين عصفورك و أنا أيضا أنتظر عصفورتي .. لنحتفظ بالأمل حتى نتغلب على الألم .. فبعد الشتاء و صقيعه و مطره و برقه و رعده ، سيأتي الربيع زاهيا ليمحو ما علق بقلبينا من حزن و أسى .. وتتفتح ورودهما بكل الألوان ..
هيا يا عصفورتي .. نامي الآن .. وسوف أظل هنا مادام الجو رائقا هذا المساء .. وسآخذك معي إذا بدا المطر لتؤنسي وحدتي و تشاطريني أحاسيسي .. هيا يا صغيري .. ها هو البر أمامك .. يا لفرحتي .. هكذا أريدك .. أن تأكلي وتنسي للحظة ألامك ..
تصبحين على خير عصفورتي .[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 03 / 2010, 23 : 02 AM   رقم المشاركة : [12]
جمال سبع
مهندس يكتب القصة ، الرواية ، الخاطرة ،والأدب الساخر

 الصورة الرمزية جمال سبع
 





جمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond reputeجمال سبع has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]عودة جميلة أخي رشيد الى عشك ، و أعلم أننا نتابع تمتعك بالطبيعة و زقزقة العصافير .. من حقك أخي أن تبكي في سكينة ، فما أحلى البكاء تحت أوراق الشجر و خرير المياه .
[/align]
دمت جميلا و عشك أخي أجمل .
توقيع جمال سبع
 [align=CENTER][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/196.gif');border:3px double chocolate;"][cell="filter:;"][align=center]
كلما أبحرت بين موج الكلمات أدركت أن مساحات البوح عميقة جدا
أخوكم دوما جمال سبع

[/align][/cell][/table1][/align]
جمال سبع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 03 / 2010, 25 : 02 AM   رقم المشاركة : [13]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

(12)
[align=justify]
عصفورتي الجريحة هناك قبالتي .. تضع راسها الصغير تحت جناحها لتحكه بمنقارها . تبدو عليها السكينة و الطمأنينة . تنظر إلي متفحصة كأنما تريد الإفصاح عن شيء يقض مضجعها ، أو تود أن تستفسر عن سبب توقفي عن الترنم بالقطعة الموسيقية الأثيرة لدي .. قد أكون صرت حقا ذكرى إنسان حين مر وقت طويل دون أن أحزن .. رغم أن حبها علمني أن أحزن كما كنت أردد دائما .. طال اشتياقي لتك المرأة التي تجعلني أحزن .. كنت في ما مضى أترنم ، وحين اصل إلى : لامرأة .. أبكي بين ذراعيها مثل العصفور .. أتوقف دون أن أدري لماذا .. كنت أحس بغصة و أستطيع الاستمرار .. هل يبكي العصفور ؟ .. كم وددت لو كانت لهذه الجريحة القدرة على النطق لنتبادل الحديث و أحكي لها كل ما يعتلج في نفسي من أحاسيس وما يتضارب في ذهني من أفكار .
في كثير من الأحيان أجد نفسي محدثا إياها .. مشيرا بيدي .. محتدا و متوعدا بقبضة يدي .. وكأني عبرها أحادث عصفورتي الغائبة الحاضرة .. هي لم تفارق فكري ولا مخيلتي .. لكني لا ادري لماذا أتخيلها جريحة كهذه العصفورة الصغيرة .. ولا أعلم ايضا من الجريح منا ؟ هل هي التي اختارت البعد أم نفسي التي تتجرع مرارته وتذهب بعيدا في أحلامها و أمالها ، لكن سرعان ما تعود خالية الوفاض ، مهيضة الجناح ، مثخنة بالجراح .. أنت يا نفسي ربما لا تدركين كم آلم لألمك و أحزن لحزنك ، و كم هو موجع وخز الضمير الذي يقض مضجعي و يؤرقني فلا تعرف عيناي للنوم سبيلا .. حيرتي لا توصف .. فأنا اخترت أن أجد لغياب العصفورة أعذارا .. فتارة أبرره بكونها تريد أن يزيد حبنا قوة و صلابة ، و تارة أخرى ألتمس لها العذر لتعرضها المحتمل لما اصاب عصفورتي هذه .. لكني نسيت في خضم كل هذا أنك تئنين و تتالمين في صمت .. كم اعرضت عن ثورانك و احتجاجك على نسياني و إهمالي لك .. كم من مرة تردد صدى صوتك في أعماق قلبي وهو يصيح منبها إلى جراحك .. لكني لم أعمل إلا في نكإ هذه الجراح ، وصم أذني عن نحيبك .. وكأنك لست مني .. هو جحود ما بعده جحود ..
أعلم أنك أحببتها كما أحببتها أنا .. و أنك تنتظرينها على أحر من الجمر مثلي .. لأننا منذ البداية ، كنا نسعد ونرتع و نلعب .. أنا كطفل مدلل غر لا يعرف من الحياة سوى اللهو و أنت بداخلي تسايرين شقاوتي و نزواتي ، وهي بكل فتنتها و عذوبتها تنسجم مع لهونا البريء وتعود إليها طفولتها .. أنت يا نفسي جديرة بالحب مثلها .. وتستحقين مني أن أتعهدك بالعناية و الاهتمام و أهدهدك كما أهدهد هذه العصفورة المسكينة التي طال عليها فراق أنيسها ..
ما اغرب وضعنا نحن الثلاثة .. أنا و أنت و هذه العصفورة .. هي لا تقول شيئا يشفي غليلي ولا أعرف اين يسبح فكرها الصغير .. و أنت لا تكفين عن النواح و العربدة لتثيري اهتمامي .. و أنا هنا أنتظر الذي قد يأتي أو لا يأتي .. هل أنتظرا سرابا ؟ .. ربما هذه من علامات الجنون .. في بعض الأحيان أقهقه عاليا حتى تنتفض العصفورة المسكينة في عشها .. أضحك لأني تخيلت لحظة أنني و أنا أفحص جرحها ، أنظر إلى الأخرى .. وربما طاف بذهني اعتقاد بانها ربما تكون مسحورة و جاءت لتعيش معي وبالقرب مني .. أوهام و أوهام لا أدري هل ستغزوني يوما فلا أعود أميز بين الحقيقة و الخيال .. أو ربما يكون اعتقادي أمنية بأن تكون حقا مسحورة .. المهم أنها بجانبي ..
و في انتظار الذي قد يأتي أو لا يأتي .. سأظل هنا أتعهد عشي بالعناية .. و أهتم بجرح العصفورة الصغير .. دون أن أغفل هذه المرة نداءات نفسي التواقة لشيء من الدلال ..
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 03 / 2010, 26 : 02 AM   رقم المشاركة : [14]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

(13)
[align=justify]
اليوم قررت أن أغادر عشي بحثا عنك والعودة بك أنى كنت و حيثما وجدت .. كيف جال هذا بخاطري ؟ وكيف اتخذت هذا القرار و أنا اعتدت ملازمة عشي ليلا و نهارا تقريبا ؟ .. و ما الذي جعلني أطيق فراقه و تحمل البعد عن شجرتي و ما يحيط بها ، بل و هجر عصفورتي الجريحة و بومي العزيز الذي لم يكد يستأنس بي و يتعرف علي ؟

كان ذاك في سحر تلك الليلة .. بدأت الفكرة بذرة ثم امتدت جذورها في نفسي مع بزوغ ضياء الفجر .. كنت متكئا على الغصن المحتضن لعشي و أنا أرقب السماء تنزع عنها سواد الليل لترتدي أزهى الحلل .. أخذتني سنة وأغمضت عيني مستمتعا بهبة نسيم من جهة الشرق .. هناك الجبال المطلة من الناحية الأخرى على البحر .. حلمت أنني ألمح طيفك يبزغ في الأفق .. ناديتك فلم تردي و لم تلتفتي .. صرخت بكل ما أوتيت من قوة .. حاولت النهوض لكني بقيت مسمرا في مكاني .. انتحبت و أشرت إليك .. عندئذ رايتك تستديرين نحوي وتبتسمين .. نفس الابتسامة التي عهدتها من شفتيك .. ومن عينيك .. تكلمت عيناك وطيفك يبتعد و يتلاشى في الأفق .. تناهى إلي صوتك مع هبوب الريح .. أصخت السمع فلم أميز إلا كلمات قليلة تردد صداها حتى أفقت مرعوبا .. ّالحق بي إن شئت .. تعال حيث أنا إن كنت فعلا تحبني ..تتبع الغدران حتى تستقبلك النوارس ."
صدى كلماتك لا يزال يرن في أذني و تردده الجبال من حولي .. فما كان مني إلا أن نهضت أجري هنا و هناك .. أتسلق أعلى الشجرة لأراقب الأفق لعلي أراك من جديد .. لكن لا شيء .. ما ذا أفعل الآن ؟ هل أنبذ عن ذهني كل هذا و أعتبره أضغاث أحلام ؟ .. أم أني بهذا أخفي ضعفي و أتوارى خلف حجج واهية كي لا أغادر عشي و شجرتي وكل ساكنيها ؟ هل أنا جبان إلى هذا الحد ؟ ولكن ..أين أذهب ؟ و إلى أين أتجه ؟ .. الغدران .. يعني أنه علي السير بمحاذاة النهر الكبير .. و النوارس .. نعم .. وا فرحتاه .. هذا النهر يسري حتى يصب في البحر من وراء هذه الجبال .
هكذا قر عزمي على الرحيل .. رغم أن قلبي يتفطر على مغادرة عشي و هجران أحبتي قربه .. لكن ما العمل وحبك ينخر في الضلوع و يتغلغل في حتى النخاع ؟
قضيت اليوم كله وما تلاه في الاعتناء بعشي و تفحص عصفورتي الصغيرة .. فوجدت أن جرحها قد التأم و أنها صارت قادرة على الطيران من جديد .. صنعت لها وكرا خشبيا ثبته بإحكام فوق الغصن و أمددته بكل ما يلزم من بر و ماء .. ثم نزلت لأتفقد الزاد الذي سأحمله معي .. وقررت المبيت تلك الليلة الأخيرة في عشي حتى أهدئ من روع كل ما اعتدت عليه .. الشجرة .. العصفورة .. العش .. البوم .. حتى الجدول الذي ينساب بالقرب من شجرتي بدا لي حزينا فلم أشأ أتركه ليلة كاملة دون أن يراني ؟
وعند الفجر، نزلت بحذر حتى لا أوقظ جيراني فيصعب علي فراقهم و هم ينظرون إلي بعين كسيرة يعلوها الأسى . وانحدرت صوب النهر الكبير حاملا على كتفي زادي ..
ها أنت ترين أنني استجبت لندائك .. وغامرت بالذهاب إلى مكان لا أعرف حتى وجهته .. وفارقت أحب الأمكنة إلى قلبي لعلي أجدك و أضع حدا لغيابك .. لتعلمي فقط أنني لا أدخر وسعا في إرضائك و إرضاء نزواتك .. ما كان ضرك لو أتيت عن طيب خاطر ؟ .. هل تريدين اختبار حبي لك ؟ .. كان يكفي أن تأتي فتزهر الربى و تتراقص مياه الجداول احتفاء بك وتعبيرا عن مشاعري المتأججة نحوك .
هاأنذا عند الغدير والصبح قد تنفس .. خرير المياه يختلط بزقزقة العصافير المستيقظة لتوها من النوم ، الساعية للقوت و اللهو و الحب .. كم أغبطها على سذاجتها و فطرتها .. لم لا نكون مثلها ؟ .. لم لا نحب و نلهو و نقتات بكل تلقائية ؟ .. ألتفت حوالي فأجدني محاطا بالجبال الشاهقة و أنظر إلى النهر فيبهرني اتساعه و هدير مياهه . لكن هل يشعرني كل هذا بالضعف ؟ لا .. بل يزيني قوة و عنفوانا .. فأحث الخطى على الضفة المعشوشبة .. كم كنت أود لو أنك هنا معي نرتع و نلهو طول النهار ، ثم نعود عند الغروب إلى عشنا لنتسامر ونبوح ونتناجى .. بدل أن تتركيني أهيم على وجهي وحيدا تائها .
أنا لبيت نداءك لأنني قبلت التحدي .. أريد أن ابرهن لك على أنني لن أضعف ولا أجبن مهما كانت الصعاب .. سأظل أحاذي هذا النهر و ألتف حول الجبال حين يستحيل السير على ضفته بسبب الصخور الملساء على جانبيه .. سأوغل بين الأشجار مقتفيا أثر حوافر قطيع مر من هنا حتى أعود إلى النهر .. ها أنت ترين أن كل شيء يوجهني .. حتى أغصان الأشجار أخالها تشير إلى ناحية النهر .. وسرب الطيور يتجه نحوه .. الريح تهب تجاهه .. كل شيء يحس بنبض حبي وتأجج مشاعري ، فيسرع لمساعدتي .
عما قريب سأصل إلى مصب النهر .. لأني أحس بنسمات بدأت تبرد قليلا فتنعش جسدي الموهن .. وتطفئ لظى نفسي و لهيب شوقي إليك .. [/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 03 / 2010, 27 : 02 AM   رقم المشاركة : [15]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ


(14)



[align=justify]عند المنحدر إلى النهر تراءى لي كوخ خشبي وسط الأشجار الكثيفة في تلك المنطقة من الجبل .. وكأني كنت محتاجا للحظات أستريح فيها من عناء المشي طول النهار ، خاصة و أن الشمس كانت تميل نحو المغيب و قد ران على المكان سكون شامل .. أحس بالجوع يقرص معدتي فأقترب من الكوخ لأجلس على عتبته .. و أبدأ في تناول بعض الزاد .. ثم يتناهى إلي وقع حوافر آتية من وراء الكوخ .. ألتفت فأجد قطيعا من المعز يتوجه نحوي و في مؤخرته أقبل راع وهو يمسك بعصا غليظة شدت إليها صرة كبيرة .. استطعت أن أستشف من هيئته فقرا مدقعا وبؤسا .. حياني بأدب جم ثم دعاني إلى الداخل لأقاسمه ما يحمله من طعام .. بينما كان القطيع يدخل الزريبة بجانب الكوخ .
كان في أحد الأركان مصطبة على شكل سرير وضعت عليه أغطية و مخدة .. و في وسط الكوخ كانت حفرة مملتئة رمادا .. وبالقرب منه إبريق أزرق شابه سواد وكرسي خشبي مهترئ .
تحدثنا باقتضاب في البداية ، وعرفت منه أنه يشتغل عند أحد أعيان القرية ، ويقضي أسابيع هنا لرعي المعز ثم سألني عن وجهتي .. حدثته أنني أيمم شطر البحر للبحث عن شخص عزيز لدي .. وكنت أحسب أن بداوته تعني سذاجة و غفلة عن أمور الحب و العشق .. لكن ابتسامته بدت لي ذات معنى .. وهز رأسه كمن يريد أن يبين لي أنه فهم كل شيء . ضحكت فضحك .. أحسست أن الكلفة زالت بسرعة بيننا ، ونظرت إلى عينيه الحزينتين وتساءلت هل يكون الفقر وحده سبب هذا الأسى المطل منهما أم أنه مثلي يعاني من لوعة الحب و مرارة الفراق .
شكرت له ضيافته ونهضت أستعد للرحيل فقال :
- إلى أين تذهب في هذا الوقت ؟ .. ألا ترى أن الظلام قد حل ، و انك لن تستطيع تمييز الطريق ؟
نظرت من خلال الباب إلى الخارج فتبين لي صواب قوله .. لكن أين أبيت ؟ .. و كأنه عرف ما يجول بخاطري ، فأشار إلى المصطبة ثم رأيته يأخذ غطاء من فوقها و يفرشه في ركن آخر .. حاولت منعه ، لكنه أصر على أن أنام على مصطبته ..
جلسنا على عتبة الكوخ وقد ساد السكون التام .. يتناهى إلينا هدير النهر من بعيد لكن الليل بدا جميلا هادئا . لا أدري كيف بدأت أحدثه عن عصفورتي و خروجي للبحث عنها وتصميمي على العودة بها .. كنت متحمسا وأتحدث كأنني أراها قبالتي .. أما هو فكان يبتسم دون أن تفارق محياه تلك المسحة من الحزن .. وعلى حين غفلة سألته إن كان هو الآخر يحب .. تنهد طويلا و نظر بعيدا أمامه قائلا :
- أنا لست مثلك .. أنا قريب جدا ممن أحب .. أراها كل يوم حين عودتي إلى البلدة .. لكن دون الوصول إليها الدنيا بطولها وعرضها .. لا أمل لي .. لأنها ببساطة بنت السيد الكبير.. هي لطيفة معي لكني لا أرى إمكانية أن تكون لي يوما ما .
- وما الفرق ؟ .. أنت إنسان طيب و وشهم ..
- لاشك أنك تقرأ القصص الغرامية كثيرا .. أنا اقرأها أيضا رغم توقفي عن الدراسة . لكني أضحك لتلك النهايات الغبية .. أميرة تتزوج راعيا ؟ أنا فقير و أعلم بحالي و أرضى بواقعي .. أحب فتاتي لكني لا أطمع فيها ولا أحلم بأن تكون من نصيبي .. هنا أعيش فترة من السنة و هذا يجعلني أتغلب على ما أحس به من لوعة لأنني هنا أعيش وحيدا مستمتعا بما حولي من جمال وبهاء خلقه الله .. في بعض الأحيان أشكو حبي لقطيعي .. لا تضحك .. فهذه البهائم تمنحني قوة و أنا انظر إليها في تصرفها حسب غريزتها .. هل تعلم أني سميت معزة باسم فتاتي ؟ .. هي الأجمل بين المعز .. سأريك إياها غدا صباحا .. هيه .. لا تنس أنك ستكون في ضيافتي حين نصل .. أليس كذلك ؟
رفيقي مجهد .. يتثاءب فأطلب منه الإخلاد إلى النوم لأنني أعلم أنه يقضي النهار كله في مرافقة القطيع من قمة الجبل إلى هنا .. أنا أيضا متعب ، لكن ذهني متيقظ .. أريد أن أعيش الليل كما يحلو لي .. أن اسهره و أناجيه .. الليل فرصة لي كي أطلق العنان لأفكاري و أحاسيسي .. وها أنذا وحيد أحضن ليلي و يحضنني . أحملق في سواده فتتراءى لي جذوع الأشجار كأشباح لكنها لا تخيفني ، بل إن أقربها إلي تتمثل لي قامة محبوبتي الممشوقة ، وتبدو لي أوراقها كجدائل شعرها .. حتى شكل هذه الأوراق يشبه عيون الحبيبة حين تبتسم فيخيل إلي أنها تغمضهما .. ثم أرفع بصري إلى السماء فيبهجني سوادها و قد رصعته النجوم المتراصة في بهاء قل نظيره .. أشعر بها قريبة من رأسي وألمح شهابا يمر فأسبح بحمد الخالق وألهج بذكره .. وأذكر عشي فأحس بالحنين يغزو قلبي .. كيف هو الآن و كيف هي شجرتي ؟ وهل لا يزال البوم ، الحارس الأمين مرابطا في أعلاها ؟ وماذا حل بالعصفورة المسكينة ؟ ترى هل عاد إليها رفيقها ؟ ليته يفعل .. صرت أربط مصيره بمصير محبوبتي ..
البحر لم يعد بعيدا .. لم تبق إلى ثلاث منعرجات جبلية و أصل .. لهفتي كبيرة للوصول لكن رفيقي يلح علي بالمكوث عنده بمنزله ليلة أخرى ونحن ننحدر من وراء القطيع .. أنط من صخرة إلى أخرى ، و أقف على جرف أتملى بالوادي و قد تناثرت في أرجائه دورا و أكواخا .. أحس بحب جارف تجاه كل من يسكن تلك البيوت المستسلمة في حلم للربى وهي تكتنفها من كل جانب . أفتح ذراعي وأملأ رئتي الهواء فإذا بصدري ينتعش ببرودته .. حبور طاغ يعم جسدي فأطلق صيحة تردد صداها الجبال وأعود للعدو و النط هنا و هناك .. ثم حين أنتبه إلى أنني سبقت القطيع و راعيه بمسافة كبيرة أجلس لأنتظره ، أو أستلقي على ظهري و أغوص في الأعشاب الكثيفة تاركا إياها تدغدغ عنقي و أذني .
كانت المعزة التي حدثني عنها تسير في المقدمة وقد علق جرس حول عنقها .. حقا هي معزة جميلة بيضاء الحوافر و بعض الأجزاء من وبرها وقد تدلت من عنقها قلادتان زادتاها بهاء .. ضحكت في سري من رفيقي الذي يرى حبيبته في معزته ، ثم انتبهت إلى أنني كنت أرى محبوبتي في العصفورة الجريحة .. متى أراك أيتها الحبيبة ؟ و هل ستكونين في انتظاري لتتكلل رحلتي بالنجاح أم أنك سوف تستسيغين هذه اللعبة .. لعبة المطاردة ، لتشبعي نزواتك وغرورك ؟ .. متى ستبددين هذا الخوف الذي يعتريك كلما صرت قريبا منك ؟
أنا آت .. و سأصل إلى البحر عما قريب .. أكاد أتخيل صخب موجه من هنا .. و يتمثل لي وجهك وأنت تذرعين الشاطئ المقفر بعيدا لألحق بك .
[/align]

رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 03 / 2010, 28 : 02 AM   رقم المشاركة : [16]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

(15)


[align=justify]كثيرا ما نخطئ في حق شخص لا نعرفه حق المعرفة فلا نعطيه حقه من العناية أو التقدير اللذين يستحقهما .. ونحس بشيء من التعالي تجاهه فقط لأنه يزاول مهنة أو عملا مهينا في نظرنا ..
رفيقي الراعي تشبث بي وكأنه كان على موعد معي في الغابة ، و أصر على أن أقضي معه بضعة أيام ليريني أشياء هامة حسب قوله .. خجلت أن أقابل حفاوته بالإعراض و الرفض رغم شوقي لمتابعة الرحلة و الوصول إلى حيث يسبقني قلبي محموما متلهفا للقاء عصفورتي والعودة بها سريعا إلى عشي الذي طال فراقي له .
وصلنا القرية قبل المغرب بقليل .. اشتد نباح الكلاب من حولنا لكنها ما لبثت أن تراجعت عند سماعها لصفير تعودت عليه من رفيقي و أقبلت تتمسح بساقه .. وجدت نفسي محاطا بفتية و فتيات ينظرون إلي بفضول وقد علا سحنتهم سواد من أثر الغبار و بقايا حلوى مذابة التصقت حول شفاههم .. شعر أشقر منفوش و ثياب رثة .. لكن العيون كانت تنطق بالحسن و الجمال .. عيون كبيرة زرقاء بلون السماء .. أحببتهم سريعا و ابتسمت لهم .. جذبني رفيقي إلى واجهة أخرى من المنزل تطل على منحدر سحيق يبدو في نهايته مسرى النهر .. أشار لي إلى غرفته فولجتها لأجد لمسة تنم على ذوق رفيع .. كل شيء مرتب ومنظم بكل عناية .. قصص و مجلات أخبرني أنه يقتنيها من أخ محبوبته الذي يزورالمدينة أحيانا . كانت لوحة تزين صدر الغرفة الصغيرة عند رأس السرير تمثل صبايا و شبان يلعبون على العشب . أبديت إعجابي بكل ما رأيته ثم خرجت إلى الباحة المطلة على المنحدر لأجلس منهكا بينما انصرف هو لإعداد الأكل .. مرة أخرى أجد نفسي وسط سكون ينفث في كياني حبورا و طمأنينة .. نقيق الضفادع يتناهى إلي من المروج القريبة .. لا شك أن منبعا هناك .. أحسست بالحركة من حولي فوجدت رؤوسا صغيرة تطل من النوافذ ومن الباب ومن فوق السطح .. من كل مكان .. ابتسمت من جديد و أشرت إلى أحدهم بالاقتراب ففر بعيدا .. أخبرني رفيقي أنهم غير متعودين على غريب هنا .. حدثته عن رغبتي في أن يشاركونا طعامنا فنهض و نادى عليهم ..كنت متشوقا للتحديق في عيونهم دون أن ادري لماذا .. أثار انتباهي تعامل رفيقي مع إخوته السبعة .. يربت على رأس هذا و يقرص خد هذه و يحتضن هذه و يتفحص ذاك .. ثم يبدا الأكل فلا أراه يضع لقمة في فمه .. كل همه أن يطعم الصغار كأنهم عصافير .. آه .. العصفورة .. محبوبتي .. العينين .. الآن عرفت لماذا أحببت عيونهم ..
رفيقي لا يأكل .. ينظر دائما إلى الأفق مفكرا .. حتى وهو في سهوه ، يمد بقطعة خبز إلى هرتين تموؤان بالقرب من المائدة الصغيرة المستديرة .. تقبل علينا الأم ببعض القناديل الغازية و بعض الشموع فأحييها و ألحظ كبر عينيها .. تتحدث إلى ابنها البكر بمودة ظاهرة وتحمل صبيا لها بدأ يتثاءب من النعاس فتسرع إحدى بناتها لإعانتها .. شملني شعور بالحنان و المودة تجاه هذه الأسرة .. كل ما حولها ينطق بالحب .. الحب في الوجوه .. في العيون .. في الكلام .. في الحركة ..
نهضنا نتمشى .. تعمد أن نمر أمام منزل كبير تدل زخرفته و شرفاته عن ثراء فاحش .. نظرت إلى شرفة ينبعث الضوء منها وانتبهت إلى رفيقي يختلس النظر ثم يولي وجهه صوب الوادي .. كانت لهفتي كبيرة في معرفة هذه التي أخذت بلب مضيفي .. لكني تيقنت أنها ستكون قمة في الجمال لأن ذوقه لا يمكن إلا أن يوفق في اختياره ..
أخبرته برغبتي في الذهاب إلى المنبع فغير الاتجاه نحو صف من أشجار العرعر المصطفة على تلة صغيرة .. السكون شامل .. خرير المياه يتعالى كلما اقتربنا من المنبع .. السواد يلف المكان فيصعب تمييز الطريق الذي نسلكه .. جلسنا على صخرة تشق الماء شقين فينساب من جانبيها . رفيقي لا يمل من الحديث عن آماله و مشاريعه .. وكلها تصب في الاعتناء بأسرته و رعايته لها .
كم أود أن اسأله عن عواطفه و ما سيؤول إليه حبه المستحيل .. لكني أتراجع كي لا أثير همومه .. كنت أحس بنبضه و لهفته في أن يتحدث عن تلك التي لا يأمل بالفوز بها . نسيت للحظة لهفتي و شوقي لمن أحب و انشغلت بهذا القلب الكبير الذي ينبض حبا و ينفث حبا .. مسحة الحزن التي تعلو محياه انتقلت عدواها إلي فصرت أغالب دموعي في غفلة منه .. أشار إلى ربوة تطل على المنبع و أخبرني انه يحلم بإقامة بيت صغير خاص به .. كم أغبطه على اختياره و ذوقه .. أحس بتشابه في طبائعنا .. شرد فكري إلى عشي المطل على الوادي هناك أيضا .. كم تمنيت لو تحققت آماله في الفوز بمن يحب ، وعلى حين غرة وجدت نفسي أسأله :
- ما المانع من أن تبني مستقبلك من الآن ؟
سكت ولم يجب .. هل أزيد في معاناته ؟ .. صمته يجيبني أنه لا يمكن أن يفكر في نفسه و ينسى إعالة أسرة تكتظ بالأفواه الجائعة .. كم يبدو لي كبيرا .. تعلو هامته أمامي حتى تطال الأشجار المحيطة بنا في صمت و جلال وكأنها تعيش مشاعرنا و تشاركنا معاناتنا .
لم أدر كم لبثنا نتحاور في صمت .. لكني وجدت نفسي بعد ذلك مستلقيا على سريره الخشبي المحاذي لكوة تطل على الباحة .. استويت جالسا و صرت أطل من الكوة محدقا في الظلام .. شعور طاغ يدفعني للرحيل في هذه اللحظة .. الوقت مناسب لكي أنصرف .. لكن كيف أفعل هذا دون أن أعلم رفيقي ؟.. حسنا سأنتظره حتى يبزغ الفجر ثم أستأذنه .. شعرت براحة لاتخاذ هذا القرار و لبثت أنتظر ..
قد يكون من الإطناب التحدث عن اللحظة التي استيقظ فيها رفيقي و ما تلا ذلك من جولة قصيرة عبر القرية .. لكني أجد نفسي الان منطلقا عبر الوادي حاثا الخطى نحو البحر ..
ستبقى ذكراك أيها الراعي في قلبي .. وستبقى لي رمزا للحب و الوفاء والقلب الكبير .. تعلمت منك الكثير .. سوف أعود يوما ما لأجدك فزت بمن تحب .. الحب لا يعرف المستحيل .. لا يعرف الفوارق .. سوف تجني ثمار صبرك و شهامتك ايها الراعي الأمين .. كم أحبك .. كم أحبك ..
أصعد مرتفعا دون أن أحس بأية صعوبة .. نفسي في سباق محموم مع الزمن .. قلبي يوجعني بلهفته في الوصول سريعا .. وما هي إلا خطوات عبر أشجار تعلو قمة الجبل حتى وجدت نفسي أشرف على البحر .. و أخيرا ..
هاهو البحر .. صفحة ملساء يمتزج بالسماء هناك في الأفق البعيد .. الشاطئ يمتد بعيدا حتى يلفه الضباب .
أخيرا وصلت .. فهل تكون هنا بداية النهاية .. ؟
[/align]

رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 03 / 2010, 33 : 02 AM   رقم المشاركة : [17]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]

16



كم مر من الوقت و أنا أتأمل صفحة البحرالمنبسطة أمامي إلى ما لا نهاية .. وكم لبثت ألتفت تارة إلى اليمين و تارة أخرى إلى اليسار محاولا أن أميز شيئا على الشاطئ المترامي الأطراف .. ولا أدري لم انقلب حماسي و بهجتي بالوصول إلى شعور بالانقباض و القلق . هل لأن نهاية الرحلة توشك على الانتهاء و أنني على موعد قريب مع الفوز بمحبوبتي و العودة بها ؟ أم أني أتخوف لاشعوريا من الرجوع مرة أخرى خالي الوفاض .. هل يكون ما أعيشه الآن من أمل مجرد سراب وحلم لا ألبث أن استيقظ منه ؟ لماذا أنا مسمر القدمين هنا في أعلى الجبل ولا أسرع في الانحدار إلى الشاطئ ؟ ثمة شيء لا أدري كنهه يحثني على الرجوع و الاكتفاءبالانتظار هناك في عشي .. لكن هذا سيكون دليلا على عجزي وربما جبني و ضعفي أمام الشدائد .

ربما كان لما وصلت إليه من اقتناع جعلني أمد الخطى نحو المنحدر .. صعب أن تجد الطريق بين كل هذه الأشجار و النباتات الكثيفة .. لكني ، مدفوعا بحدسي وحاسة مشاعري، أسير بخطى ثابتة نحو الأسفل .. يغيب عني البحر لحظة ثم يظهر لي قبل أن يختفي مرة أخرى .
تغوص قدماي في الرمل الناعم وأنا أتجه نحو البحر .. و أقترب حتى أحاذي موضع انكسار الموج .. في صوت انكساره نغمة شجية تزيد النفس وحشة و حزنا .. لو كنت هنا في غير هذه الظروف لكنت أسعد حالا بما أرى و بما أسمع .. لماذا يتراءى لي كل شيء حزينا الآن ؟ .. أقترب من أحد قوارب الصيد وقد مال قليلا إلى اليمين .. المجذافان بداخله .. لمحت اسما أنثويا على جانبه فحرك أشجاني .. ترى لمن يكون هذا القارب ؟ وهل يكون صاحبه يكتوي مثلي بلظى الحب ؟ هل ينعم بالقرب ممن يحب أم أنه أطلق على قاربه اسم معشوقته كما فعل صديقي الراعي الذي سمى عنزته باسم محبوبته؟
نزعت حذائي وتقدمت أكثر وسط الموج المتداعي على الرمال المبللة .. أنعشتني برودته . نبهتني صيحات بعض النوارس إلى ما أنا بصدده الآن .. ومع تلك الصيحات و انكسار الموجوجدت نفسي أترنم :
ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان
وستسأل عنها موج البحر...
وتسأل فيروز الشطآن
ثم ، وبدون وعي ،انتقلت إلى مقطع آخر :
وسترجع يوما يا ولدي
مهزوما مكسورالوجدان
وستعرف بعد رحيل العمر
بأنك كنت تطاردخيط دخان
زاد انقباضي وشعرت بحاجة للبكاء .. أدرت ظهري للبحر ورنوت إلى أعلىالجبل ، هناك من حيث أتيت فبدت لي القمم موحشة بقتامتها . هل علي أن أعود كل تلك المسافة ؟ ما الذي جاء بي إلى هنا ؟ وما الذي أنتظره سوى أوهام و سراب .. أخذت أتمشى على الشاطئ المبلل .. أجمع بعض الصدفات أو بعض الحصى و أرمي به بعيدا كأنني أفرغ ما بصدري من ضيق .. وجدت راحة في السير وصوت الموج لا يزال يمتزج بصيحات النوارس .. وهناك حيث بدأ الضباب يتلاشى قليلا لمحت شبح عجوز محدودب جالسا القرفصاء بالقرب من مركبه وهو يصلح شبكته .. أخيرا وجدت من يؤنس وحدتي .
بادرني برفع يده قبل أن أبدأه بالسلام فأثر في ذلك وشعرت بعطف ومودة نحوه .. جلست إلى جانبه أراقبه في انكبابه على شبكته ولم أرد أن أشغله عما هو فيه . نحافته تثيرالشفقة و سمرته تكاد تصير سوادا .. لكن مظهره يدل على صلابة عوده .. تبادلنا بعض الكلمات وربما حدثته عن مأربي بطريقة ملتوية .. ابتسم و كأنه فهم تلميحي . ذكرتني ابتسامته بتلك التي ارتسمت على شفتي صديقي الراعي عند لقائنا في الكوخ .
أحسست بالدم يكاد يفور من وجنتي و غضضت ببصري و أنا أتلاعب بقصبة على الرمل .. سألته عن بعض الدور المتناثرة على أطراف الشاطئ وساكنيها فابتسم من جديد وطفق يحدثني عن كل بيت و ساكنيه حتى دب الملل إلى نفسي .. لم يكن في حديثه ما يثير الفضول .. لكنه وقبل أن ينتهي من عمله و ينهض بخفة أثارت دهشتي ، قال لي وهو يشير إلى الشاطئ :
- هذا من نعم الله .. كنز ولا كل الكنوز .. إن أحببت أن تفوز بالاستمتاع به أو بأي شيءآخر ، عليك بالقدوم فجرا وترقب طلوع الشمس ..
لم يكن في كلامه شيئا جديدا ، لكن شيئااستوقفني وتساءلت عما يعنيه بقوله "أي شيء آخر ؟".. نظرت إليه فوجدته يجمع الشبكة ويلقيها في المركب .. ثم قال :
- اليوم أنت ضيف عندي.. غدا سآخذك في جولة عبر البحرلترى صنع الخالق .. لا تبتئس .. كل شيء يهون .. هيا بنا .
كم أغبط هذا العجوز على تلقائيته و خلو ذهنه من كل مشاكل الدنيا .. لكن مهلا .. علمتني التجارب و إن كانت قليلة ، ألا أثق بالمظاهر .. من يؤكد لي أن هذا الشيخ لا ينوء بعبء ثقيل ؟ .. ألا يكون يضاهي صديقي الراعي فقرا و بؤسا رغم نشاطه و تفاؤله البادي على وجهه الذي غزته التجاعيد ؟
علي أن أعترف أن مبيتي عند الشيخ العجوز و خروجي صحبته بعدالفجر بقليل خفف عني وطأة ما كنت أحس به .. سهرنا أمام الموقد . كان الرجل يعيش وحيدا . لم اسأله عن أهله . كنت أستمع إلى حكايته وأجد في طريقة سرده متعة أنستني ما أنا فيه من غم .. صوت الموج يسمع جليا بالقرب من البيت . لكن لا شيء يرى في هذاالظلام الدامس .. كانت على المائدة الصغيرة شمعة تتوهج و على ضوئها كنت ألمحالتجاعيد على وجع العجوز وقد زادت عمقا ..
نسيت نفسي و نحن نمخر عباب الموج الهادرفي هذا الصباح الندي .. البحر صار هائجا لكنه ليس لحد الخطورة .. الرجل يجذف بحيوية منقطعة النظير و أنا في مقدمة المركب أجيل النظر في الأفق متفحصا ما يحيط حولنا منصخور تبدو كجزر صغيرة .. كدت أسأله عن وجهتنا لكن ترنيمته الجبلية ألزمتني الصمت .. خلت نفسي أمام عشي و البدويات يترنمن من بعيد ..
كانبكي ونبكي
ونطيح فدموعي
أيلي يا للا
ايلي يالعيلا
قوللي علاش كتبكي
قوللي علاش كتبكي
حبيبك دابا يولي
صرت أغالب دموعي و اخفي تأثري عن مضيفي .. لكنه لم ينتبه إلى ما كنت أعانيه .. واستمر المركب يشق الماء شقا و النهار يطلع رويدا رويدا .. حقا .. لقد كان على صواب حين تحدث عن الكنز .. لم أشعر قط بما أشعر به الآن من رهبة ممزوجة بالإعجاب لصنعة الخالق الباري .. كل شيء ينطق بالعظمة و الجمال .. البحر .. السماء .. الجبال التي تتراءى من بعيد .. الصخور الناتئة .. النوارس .. وأخيرا الشمس التيتشرق الآن .. بنفسجية اللون كبيرة القرص .. كل شيء يسبح .. كل شيء يبتهل .. يصلي .. يحب ..
الآن .. أرى المركب يدور على نفسه ليستقبل الشاطئ البعيد هناك .. الغارق في ضباب الصباح .. أنتبه من جديد إلى ترنيمة الشيخ و أنا أحدق في المدى البعيد .. أحس بالأشياء تتنفس مع تنفس الصبح .. شهيتي تتفتح .. لكن العجوز كان قد أعد لكل شيءعدته .. توقف عن التجذيف ليناولني رغيفا بالعسل و بيضا مسلوقا .. التهمته بلذة وبصري لا يحيد عن الشاطئ ، كأنني على موعد مع حدث قريب ..
والحدث القريب كان رؤية .. وفي هذه المرة كانت حقيقة .. أو هذا ما خيل لي ونحن نقترب من الشاطئ .. لأنني لمحت عند أقصى الجهة اليمنى ، حيث ينتهي سفح الجبل على شكل جرفسحيق ، شيئا يتحرك ، تحيط به هالة من البياض . دققت النظر فبانت لي هيئة غادة مستقبلة البحر وقد عبثت الريح بجدائل شعرها.
قلبي يخفق بعنف .. وصرت أحث العجوز في نفسي على الإسراع بالتجذيف ، وتمنيت لو كان لي مجذافا آخر لأزيد من سرعة القارب .. كدت القي نفسي في اليم لأسبح .. لكني تمالكت نفسي .. من تكون ؟.. هل هي .. ؟ ماأسعدني إذا تحقق حلمي أخيرا ؟ .. وما أشقاني إذا كان كل هذا حلما .. أو كانت الغادة ليست من أبحث عنها .




[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 03 / 2010, 37 : 02 AM   رقم المشاركة : [18]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]

(17)




لم أنتظر حتى يقترب القارب من الشاطئ ..فألقيت بنفسي في اليم و سبحت بضعة أمتار غير مبال بالبلل الذي أصاب ملابسي و تسرب الماء إلى جسمي .. وما أن وطئت قدماي الرمل حتى عدوت في اتجاه غادتي وقد زادت الهالة التي تحيط بها بياضا .. وفي لحظة توقفت لاهثا .. ماذا لو كان ما أرى مجرد سراب أو أضغاث أحلام ؟ .. لكن غادتي هناك ولم تختف .. بل زادت ملامحها وضوحا و أنا أخطو ببطء نحوها ..


تتثاقل خطواتي و أنا أقترب منها .. ما هذا الشعور بالخوف الذي اعتراني فجأة ؟ أليس هذا الذي كنت أحلم به ليلا و نهارا ؟ أليس هذا سبب فراقي لعشي ومغادرتي لشجرتي و ساكنيها؟

ماذا سأقول لها و كيف سيكون وقع مقدمي على نفسها ؟ .. لكن لم كل هذا التساؤل ما دامت هي التي أوحت لي بالقدوم إلى هنا ؟
جلست على صخرة بجانبها ولزمت الصمت بينما جسدي يقطر ماء .. ثم ، بعد لحظات من التردد سألتها :
- تأخرت ؟
لم أتلق ردا .. خطفت نظرة إلى وجهها الساهم نحو البحر .. يا إلهي كم زادت فتنة .. حتى في حلمي لم تكن هكذا .. ماذا ننتظر ؟ .. ولم أتيت ؟ لم هي صامتة ؟ ..
- ها أنذا جئت لآخذك معي .. أمامنا طريق طويل ووعر ..
أخذ وجهها يتحرك نحوي فاستبشرت خيرا .. تأملتني طويلا قبل أن تعود لتنظر إلى البحر .. مددت ببصري إلى حيث ترنو فلم أجدإلا موجا متلاطما و قوارب متفرقة هنا و هناك ..
- لم ستأخذني معك ؟
ما هذاالسؤال ؟ هل تريد اختبار عواطفي نحوها أم أنها متلهفة لسماعي أردد كلمات الحب والغزل ؟
- لأنك طلبت مني ذلك .. و .. لأني .. أريدك معي .
- وما الذي يجعلك واثقا من أني سآتي معك ؟
- ألا تريدين أنت ذلك ؟ .. لقد رسمت لي الطريق إليك ،وهاأنذا أصل إليك كما كنت أرجو ..
يعود الصمت من جديد بينما يعلو حفيف الرياح حتى يقوى فيصير هديرا .. تأخذني سنة و أنا أتملى بجدائل شعرها المتطاير حاجبا جانبا من وجهها .. فتتركه حتى ينزاح لوحده .
- اسمعي .. لقد تحملت الكثير كي أصل إلى هنا و أجدك .. أريد فقط أن أعرف هل ما فعلته كاف لكي تثقي في مشاعري أم أنك تفكرين في شيء آخر تجربين به هذه المشاعر .. يكفيك أن تسمعي إلى هذه الرياح و هي تهدر .. وإلى تمايل الأشجار هناك على إيقاعها .. انظري إلى تلاطم الموج و صخبه .. حتى الرمال تحولت نقعا يخفي الأفق ويحجب الرؤية .. ألا يعني لك هذا شيئا ؟ .. تذكري فقط أنككنت تستلذين حكاياتي وهي تروي عن الرياح و الأمطار وتصف لك الوديان وقد اندفعت عبرها السيول .. هل نسيت الليل وما كان يحمله من أمطار و عواصف تزيده بهاء و روعة؟.. كنت تلتصقين بي وقصف الرعد يكاد يهد الأرض ويدك الصخور فأحس بارتعاشك و أعمل جاهدا لكي تطمئني .. كنت أحدثك عن ثورة الطبيعة التي ما هي في الحقيقة سوى تناغم بين عناصرها و تعبير عن الحب و الألفة بينها .. وكنت أؤكد لك أن هذه الطبيعة ما هي إلا انعكاس لما يعتلج في نفسي تجاهك ..
إذا كنت قد نسيت هذا فأنا أذكرك به .. انظري إلى ذاك الطريق المنحدر من الجبل .. من ورائه تركت قلوبا يعصرها الألم والحزن ، لكنها تحب .. و نفوسا هدها الفقر و الفاقة لكنها تحب .. وغلفها اليأس ولم يعد لها أمل في الحب نفسه ، لكنها مع ذلك تحب و تتشبث بالحب ..
سأنهض الآن لأرتب شؤوني وأعود من حيث أتيت .. سوف ألازم الشيخ بعض الوقت ريثما أستعد .. وسأنتظرك .. لك الخيار في أن تلتحقي بي .. أو تبقين هنا حيث تشائين .. لكن لتعلمي أنني إذاغادرتك فلن أعود .. ولن أستجيب لأية دعوة للحاق بك سواء كان ذلك حلما أو يقظة .. لقد عملت ما كان يتوجب علي عمله .. سأقضي الليلة هنا وسأنصرف عند الفجر ..
الشيخ العجوز منكب على شبكته عند مدخل البيت .. أو على الأصح بالقرب من الكوخ .. انتبه إلى وقوفي أمامه صامتا فلم ينبس ببنت شفة .. تأملته قليلا ثم نظرت إلى البحر متحاشيا الجهة اليمنى حيث تركت غادتي في تأملها .. لهفتي كبيرة لمعرفة هل لازالت هناك لكني كبحت جماح نفسي وعدت لأحدق في البحر ثم في الشبكة الملقاة عند قدمي ..
- هناك شاي لا زال ساخنا .. وخبز و سمن . كل و استرح .. جسدك في حاجة إلى الراحة .. ونفسك أيضا .
أثار قوله شجوني و دلفت إلى الداخل .. كنت جائعا لكني اكتفيت ببعض اللقيمات أسد بها رمقي ثم استلقيت على غطاء صوفي في ركن البيت و نمت ..
لا أدري هل كان هدير البحر يدوي كالمعتاد حين أفقت مرعوبا و قد أسدل الليل ستاره ، أم أنني تخيلت أن أركان البيت ستنهار علي .. كنت أحس كأن الموج لن يلبث أن يجرفني لشدة هديره وقربه الشديد مني .
الشيخ متكئ على جنبه اليمن يحدق في الشمعة المتوهجة و هي تتوسط المائدة الصغيرة .. انتبه إلى حركتي و أنا أستوي جالسا فابتسم قائلا :
- نمت كثيرا يا بني .. لكن لا تقلق .. النوم راحة .. لا زال الليل طويلا ..
فركت عيني محاولا تذكر ما مر بي خلال النهار ، فشعرت بانقباض وبحاجة للبكاء .. غالبت دموعي كي لا يلحظها الشيخ .. لكنه ظل يبتسم .. وقال وهو لا يزال ينظر إلى الشمعة كأنه يستوحي منها أفكاره :
- لا تجعل الهم يسيطر عليك و لا تسمح لنفسك بالاستسلام للكدر و الغم .. ماذا تساوي هذه الدنيا كي نحملها في قلوبنا ؟ .. لا شيء .. كل لحظة نقضيها مهمومين تنقص من عمرنا .. لا شيء يستحق الحزن ..
صوته رخيم هادئ .. يتغلغل في أعماقي و يشعرني بالأنس .. سألته :
- ألم تحزن قط في حياتك ؟ .. لا شك أنك كنت دوما سعيدا ولم يحدث لك ما يعكر صفوك ..
سكت طويلا حتى خلتأنني جرحت مشاعره بتذكيره بأشياء يحاول نسيانها .. وكأنما قرأ أفكاري فقال وهويبتسم دائما :
- أنا ككل إنسان .. سعدت و حزنت .. أحببت و كرهت وعانيت الكثير ..
نظرت إليه و كلي تساؤل ولهفة لمعرفة ماضيه .. وسأعلم فيما بعد أن هذه الليلة كانت منعطفا حاسما في ما يلي من الأيام بل في حياتي كلها .. فأصخت السمع ووهج الشمعة يزيد من رهبة الموقف .





[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 03 / 2010, 38 : 02 AM   رقم المشاركة : [19]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]

(18)



أي إنسان هذا الذي يحدثني ؟ و أي قلب هذا الذي يحمل كل هذه الأحاسيس ؟ وأية نفس هذه التي تحملت كل هذا الذي اسمعه ولا زالت تعرك الأيام ؟
على وهج الشمعة الآيلة للذوبان ، أرنو إلى وجه الشيخ وقد زاد نور الشمعة تجاعيده غورا وعمقا .. بدت لي عيناه ساهمتين وهو يروي ماضيه وكأنه يعيشه .. بل أحسست أنه في لحظة من اللحظات قد انتقل إلى هناك ولم يعد أمامي سوى جسد نحيل تكاد عظامه تنفر من تحت جلده ..
-" أنا يا بني عشت كما يعيش كل إنسان .. تمتعت بكل شيء .. بالحب و بالألفة و المودة مع من جعلهم الله سندي في هذه الدنيا .. لن أحدثك عمن أحببت وقد صارت فيما بعد زوجتي .. ولن أحدثك عن صغاري الذين لم يسلم جزء من هذه الرمال من موطئ أقدامهم الصغيرة .. أحسست في يوم من الأيام أنني بلغت كل المنى و أني قد حزت كل الدنيا .. كم تغنيت بذاك الحب الذي حمل الكثير من الغزل .. حتى صرت شاعر المنطقة .. وتهافت علي الكثيرون يرومون سماع مقاطع مما أنظمه .. يا إلهي كم كانت رائعة .. سنوات قليلة عشناها كانت بمثابة دهر .. ثم .. "
نظرت إليه مستفهما و قد تأججت لهفتي ، فاستطرد قائلا :
" في أحد الأماسي ، جاءني الخبر المروع ..احتضن البحر أجسادهم .. كلهم .. فلم يترك لي ولا واحدا منهم يسليني في وحدتي و ينسيني فاجعتي .. انقلب المركب الذي امتطوه صحبة عمهم بعد أن ثارت الريح فجأة وعلا الموج فصار كالجبال .. "
صمت ولم أسأله عن الباقي .. كنت أحس بالألم الذي يعصر قلبه و تمنيت لو أعتذر له عن إثارتي لهذا الموضوع ذي شجون .. لكني اكتفيت بالنظر إلى الشمعة ، بينما ظل هو متكئا على مرفقه وهو يعبث بملعقة صغيرة ينقر بها على المائدة الصغيرة ..
هدير الموج يشعرني بوحشية البحر ويتمثل لي كغول يريد أن يبتلعني .. التفت صوب الباب .. فابتسم قائلا:
-" أنا مثلك صرت أهابه بعد الحادث ، بل صرت أمقته و أخرج كل صباح أتوعده بقبضة يدي .. وربما فاض بي الكيل و صرت أنظر إلى السماء وقلبي يتأجج غضبا و حنقا .. فلا أجد في نفسي سوى ضعفا أمام جبروت الطبيعة و عجزا أمام قوتها .. فاستسلمت يوما للبكاء وأنا جالس على الشاطئ أنظر إلى الأمواج العاتية و كأنني أنتظر أن تحمل لي جسد واحدا ممن ابتلعتهم .. ثم عاودت البكاء في الليلة الموالية .. وشيئا فشيئا بدأت الطمأنينة تدب إلى نفسي .. صرت أرى الأمور بعين أخرى .. وقضيت أياما أذرع الشاطئ ذهابا و إيابا .. وأصعد الجبل حتى القمة فأنظر إلى حيث كنت فأجد كل شيء صغيرا تافها .. هناك علمت أنني أحمل نفسي ما لا طاقة لها به .. وأنني أقترف إثما عظيما بحزني و ثورتي .. وانتهيت إلى قناعة أن الله أعطاني فشكرت و نزع مني فعلي أن أحمد .. وبدلا من أن أنصب العداء للبحر الذي ابتلع أحبتي و للريح التي أهاجت تلك الأمواج ، صرت أكن لهما من الحب ما لم أشعر به من قبل قط .. و بدأت علاقة جديدة تربطني بالبحر و بموجه .. و أخذت الرياح تبعث في قوة و تصميما ..
تتساءل كيف أعيش و لماذا كل هذا الضنى ؟ أعيش من البحر .. كل ما أقتات به يأتيني منه أو بسببه .. راودتني أفكار سوداء في البداية لكني نجحت في إبعادها عن ذهني .. وها أنذا الآن أعيش لكن ليس من أجل نفسي فقط ، بل لأجل كل وحد و كل شيء .. البحر صار رفيقي و الرمال مقعدي .. الأسماك و الطحالب و الصدف أنسي .. هناك فتيان و رجال يقدمون بين الفينة و الأخرى لأعلمهم مهارة الصيد .. الصيد يعلم الصبر يا بني .."
كنت أستمع إليه ساهما كأنني تحت تأثير سحر أو منوم .. ولم أشعر إلا وهو يسألني فجأة :
- ترى لماذا – برأيك – حكيت لك كل هذا .. وقد آليت على نفسي ألا أسر به لأحد ؟
ولما لم أحر جوابا ، تابع حديثه :
- كنت سأتصرف بأنانية لو تركتك تتخبط في معاناتك و يأسك .. وخفت أن يستبد بك اليأس إلى ما لا تحمد عقباه فتخسر كل شيء .. هكذا تعلمت من محنتي .. أنت في مقتبل العمر يا بني ولا يجب أن تستسلم للقنوط عند أول عقبة أو تجربة .. نفسك صافية وقلبك طيب ما دمت تحب .. لا تحصر حبك في زاوية مغلقة .. اتركه يعشش و يفرخ و يطير .. اجعل حبك يحضن كل شيء .. انظر حواليك يبد لك كل شيء جميلا ينطق بجمال خالقه .. أنت قطعت المسافات و جبت الجبال و الوديان وأتيت هنا مشبعا بالآمال .. لكني أراك محبطا وحزينا .. وهذا ظلم لنفسك ولقلبك .. عد من حيث أتيت أو ابق معي إن شئت .. لكن أطلق العنان لمشاعرك تسبح في ملكوت الله .. واجعل حبك بعيدا عن كل نزوة طارئة ..وإذا كان شيء مقدرا في الغيب ، فسوف يكون حتما رغما عنا .."
أستطيع القول أنني – و أنا الآن في طريق عودتي – أشعر كأنني أفيق من حلم أو أنني لا زلت أحلم .. لكن القوة التي أحس بها و الهدوء الذي تسلل إلى نفسي تجعلني أخطو بتؤدة بعد أن كنت أتلهف لطي المسافات كي اصل إلى عشي بأسرع وقت ممكن .. الآن ، صار كل ما حولي عشي ، بل أعشاشا متناثرة هنا و هناك تنتظر مني لمسة حنان أو نظرة ود .. حقا ، لا أنكر أنني ألتفت أحيانا ، رغما عني ، إلى الوراء متوقعا أن يتبعني طيف تحفه هالة بيضاء .. وقد أحسب حفيف الريح هفهفة أو جدائل شعر ..
أصعد الجبل المطل على البحر وصدري يزيد انشراحا .. الأشجار تقف أمامي مصطفة كأنما تحييني و تعبر عن امتنانها لنظرتي الودودة إليها .. حتى العصافير التي انطلقت في ذلك الصباح الندي كانت تحوم حولي منتشية بما علا محياي من بشر و إشراق .. حاولت تمييز عصفورتي الجريحة بينها أو رفيقها الغائب فلم أفلح .. يا إلهي كم أنا مشتاق لعشي و شجرتي و عصفورتي التي هناك .. كم هي لهفتي كبيرة لمعانقة الربى من جديد و مجالسة الجداول والشرب من المنبع الصافي .. و الركض بين الوديان المكسوة بالغابات الكثيفة .
على قمة الجبل أنظر .. إلى هناك .. حيث الكوخ الصغير و المركب المائل على الرمال .. يبدو لي شيء يتحرك ، فيتحرك قلبي معه .. ويطغى حبي له فتدمع عيني رغما عني ..
وداعا أيه الشيخ الجليل .. قد يكون وداعي لك أبديا ، وقد تسعفني الأقدار في لقياك و التملي بمحياك .. وداعا أيها الشاطئ الطيب .. سوف أعود يوما لأستلقي على رمالك و أنعم بمياه بحرك ..
الآن .. كل شيء اختفى عن بصري .. فلم أعد أرى إلا الجبال تحف بي من كل جانب .. هناك طريق يمتد إلى اليمين .. هل أسلكه و أعرج على منزل صديقي الراعي لأطمئن عليه أم أن لهفتي لمعانقة عشي ستدفعني لأحث الخطى كي اصل سريعا ؟
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 03 / 2010, 08 : 03 AM   رقم المشاركة : [20]
ناجية عامر
زجالة / تكتب الشعر الزاجل والمحكي باللهجة المغربية

 الصورة الرمزية ناجية عامر
 





ناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond reputeناجية عامر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ


نهنئ أنفسنا بعودتك أخي رشيد لنور الأدب، كنا واثقين من أنك لن تغادرنا بالمرة و أن اطلالتك المفاجئة ستكون حتما يوما ما، ها أنت عدت و الحمد لله وعشك الدافئ الذي ألفنا المرور به كل يوم لنقرأ لك الجديد.

لك مودتي
توقيع ناجية عامر
 
خير خليل لك من ذكرك الله اذا نسيت وأعانك على ذكره اذا ذكرته

آحذر الحكيم ان أهنته و العاقل ان أحرجته و المجنون ان مازحته و اللئيم ان أكرمته
ناجية عامر غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تربويات رشيد الميموني خولة السعيد الدراسات 6 04 / 07 / 2020 42 : 11 PM
قراءات في فضاءات أ. رشيد الميموني Arouba Shankan جمهورية الأدباء العرب 15 30 / 03 / 2020 42 : 12 PM
عندما أشتاق لك يا رشيد الميموني جمال سبع رسائل في مهب العمر 18 04 / 04 / 2012 02 : 01 AM
هل نسيتم رشيد الميموني ؟ حسن الحاجبي مجلس التعارف +أمثال وطرائف 2 27 / 04 / 2011 58 : 04 PM
(عش رشيد..)للكاتب رشيد الميموني دينا الطويل نقد أدبي 29 28 / 08 / 2010 21 : 12 AM


الساعة الآن 59 : 08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|