هيئة المحكمة الموقرة ...الحضور الكرام ...
القضية التى نحن بصدد عرض ملابساتها أمام حضراتكم والتى وُكلت بالدفاع فيها عن هذا الأب المكلوم والرابض خلف القضبان ينتظر حكم الله عليه والذى يجريه على قلوبكم وألسنتكم ...بكل قناعة بلا أدنى شائبة من تردد أو شك ...بأنه سيخرج برئ من هنا مرفوع الجبهة...وضاء الجبين بالحق.. على صدره وسام العزة والشرف ...مُؤيد منكل من كالوا له الإتهامات وفتوا في شرفه وعقله ورموه بما ليس فيه ...وأنالشاب ليس إبنه حتى تمتد يده إليه بالقتل... وجَهّلوا نسبه إليه بما يُسقط إتهام على أمهِ الشريفة العفيفة ذات الثوب الأبيض الناصع النقى بالعزة والكرامة والشرف.التى تجلس هنا فى الصف الأمامى متتبعة هذا الأب القاتل _كما أُطلق عليه من قِبل الجميع _وهى تعلم ووقر فى قلبها أن زوجها سيخرج من هنا برئ بما إقترفت يداه فى الحق .وأصبح قلبها فارغ كأم موسى عليه السلام .
حضرات السادة الكرام ...كنت فى بادئ الأمر وبعد أن قرأت عرض القضية كخبر فى صفحات الجرائم والحوادث قد هالنى ما قرأت من ملابسات وفظاعة هذه الحادثة غير المسبوقة والحصرية فى بلادنا المتدينة ...ووجدتنى أصرخ مستنكرا ً ...كيف لأب أن يقتل إبنه...فلذة كبده ...قطعة من ذاته ؟ وما هو الجرم الذى إرتكبه هذا الشاب المشهود له بالكمال ليستحق عليه القتل ؟ ومن نفذ فيه هذه الجريمة البشعة ؟ إنه الأب .نعم إنه الأب ..وساقنى الشيطان لكثير من التخيلات والترهات والإفتراضات التى تضفى على الشاب هالة من القدسية والشهادة ...كما أننى تصورت أن هذا الأب ربما مأفون أو من متعاطى المخدرات ...ولكن ...ولكن ...تفاجأت بأنه بكامل قواه العقلية وأيضا ً مشهود له بالصلاح والإستقامة والإجتهاد فى دينه وعمله ...ثم كانت المفاجأة الثانية ...ألا وهى أننى مُوكل بالدفاع عنه نعم موكل عن أب قاتل لإبنه ...يالا الهول ...إستخرت الله فشعرت بالإرتياح للقضية وحدثت نفسى عله يكون مظلوم فينجيه الله على يدى ...فتوكلت على الله وأعددت عدتى وشحذت فكرى وحضرت دفاترى لرحلة البحث عن الحقيقة وإطلعت على إعترافات الأب ...الذى لم ينكر التهمة ...هذا كان كافياً للإقتياده لحبل المشنقة لينفذ فيه القصاص العادل الذى طالبت به النيابة المدعية بالحق المدنى وهو الإعدام شنقاً ...لتجلب حق المجتمع من القاتل حتى يأمن كل مواطن تحت سماء بلادنا على نفسه وماله وولده ...ولكن هناك شيئ ما بداخلى جعلنى غير مستريح لإنتحاء القضية هذا المنحى أو تركها ولكن بعد البحث والتدقيق والتمحيص فى جنباتها وخاصة أننى جلست وتكلمت مع الأب وبعض الشهود وإطلعت على بعض الكتابات والإعدادات لبعض أعمال الشاب المقتول ..وعلمت ما لم يعلمه الجميع وعلمه الله ثم علمه الأب ...فالشاب المقتول هو من الشخصيات العامة والهامة فى مجتمعنا ...وتتابعه الكاميرات والصحف ليل نهار لعمله بالإعلام الفضائى والصحافة والسينما وهو من الوسامة والذكاء وطلاقة اللسان والفكر والسليقة الممتازة ما جعله قدوة لمعظم الشباب فى بلادنا مما كان له الأثر الفكرى على إقتياد فكر من إتخذوه قدوة لهم ... فلم يحمد الله على هذه المنزلة العالية التى حباه الله بها فأفسد فى الأرض ببث الفكر الشيطانى عبر كتاباته وبرامجه ومواقعه الالكترونية التى يرتادها محبيه سواء بالكلمات أو الصور أو الأفلام الإباحية ...وقد نهاه الأب عدة مرات حتى اسقط فى يده ...ولم يتمكن منه فى مكمن ويثنيه عن مشواره فى الإفساد والفساد وينقذ بنات وشباب الأمة من براثن فكره المتطرف غير السوي والذى حاد عن مارباه عليه هو وأمه وسهرا الليالى لخلق رجل يفخر المجتمع به كلبنة تعلى شأنه فلقنوه تعليمه الدينى والثقافى وأهتما به بدنياً وفكرياً . ولكن هيهات وفكر الأب أن يسلمه للعدالة ولكن لم يكن هناك دليل مادى يدينه ...فماذا يفعل الأب الذى يرضى الله فى كل صغيرة وكبيرة وهو يرى إبنه يتمادى فى غيه وفساده ويرى الفساد ينتشر ويربو على يديه وهو الذى قرأ وصف الله له هوأمثاله بقوله : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)(البقرة 205)
فسمعنا عن المنتحرات والمنتحرين حباً فيه والمغتصبين للأعراض بناء على فكره والكافرين بالله على يديه ...وللأسف هو ناجي من كل جريمة لم يرتكبها بيده وإن كان هو طرف ضليع فيها ..محرض عليها ومشترك فيها وهو مبتسم مرتاح البال
هيئة المحكمة الموقرة ... أيها الحضور المحترمين ماذا تفعل إذا حرق أحداً كل ما زرعته وما تمنيته فى الدنيا والآخرة ...ماذا تفعل إذا هدم أحداً بيتك الذى أفنيت العمر تقيمه ؟ ماذا تفعل إذا دمر أحدهم أولادك فكرياً حتى أصبحوا لايفرقوا بين الحق والباطل وإختلطت الأمور عليهم ؟ ماذا تفعل إذا إغتصب أحداً إبنتك أو جعل ولدك ينتحر ؟ كل هذا دون دليل مادى تمسكه عليه ..هل ستسكت وتضع يدك على قلبك ليهدأ بين جوانحك...لا والله سيحركك الله لتقتص منه وأنت أعلم بجريمته حتى لو أدى هذا لقتلك فهذا سيكون قدرك الذى قدره الله لك ...هذا ما فعله هذا الأب لقد إقتص لكل هؤلاء ...لقد إقتص لكل أب مكلوم ولكل أم ثكلى ولكل ولد تشوه فكره ولكل من إقترف إثم بموجب إقتناعه بفكر الشاب المقتول ....
قال الله تعالى فى محكم كتابه والذى لا يأتى الباطل بين يديه ولا خلفه (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبواأو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم فيالآخرة عذاب عظيم ه إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفوررحيم [ المائدة : 33 ، 34
إذا ًحكم الله نافذ فى ذلك الشاب المفسد والذى لم يرتدع بالنصيحة ولم يترك وراءه أى دليل ليقدم إلى المحاكمة بكل هذه الآثام التى أدمت قلوب الأباء والأمهات والوطن ...لفقد أو إنحراف أبناءهم الشباب
بعد أن وضحت ملابسات الحادث نأمل أن تستمع المحكمة التى تمسك ميزان العدل لتقيمه ...لبعض الشهود من الثكالى والمكلومين على وقائع فساد المقتول ودوره فى إنتحار وتخبط وتحويل الأفكار الدينية السليمة لفكر أعور شيطانى يجعله يعبد الشيطان دون شعور بالإثم ...نهيب بعدالتكم أن تبرؤا ساحة موكلى والخروج من هنا مرفوع الرأس نقى السيرة والسريرة بما إقترفت يداه من تطهير لدنس ثوبه وثوب الوطن من ذلك الولد الفاسد ...عسى ربى يبدله خيراً منه .ولكم جزيل الشكر على سعة صدركم.
هنا تعالت أصوات الحضور للمطالبة بالبراءة لموكلى ورفعت الجلسة للمداولة ونطق الحكم أو تحويلها لدائرة أخرى ليترافع محامى آخر عن الأب القاتل