رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]كنت أنظر خلسة إلى وجه العجوز وهو يتنقل بين المائدة الصغيرة وبين رف تناثرت عليه بعض الملاعق والسكاكين وخيوط وإبر إضافة إلى مقص مهترئ وقنينات علاها الغبار ،بعضها يحوي دواء والبعض الآخر فارغ .. بدت لي من قسمات وجه الجامدة ، المفعمة طيبة ، شبه ابتسامة .. ترى هل يسخر من تصرفاتنا ويعتبرها صبيانية أم أنها ذكرته بصباه وشبابه ؟
جلس قبالتنا وصب لنا الشاي .. لكننا كنا ننظر إلى شفتيه لعلها تنبس بما ينقذنا من حيرتنا .. ولم أدر متى وكيف بدأ الكلام .. بل إني لم أع ما قاله إلا بعد أن وجدت نفسي أذرع الربى الممتدة عند أسفل الجبل متجها من جديد إلى أعلاه بخطى حثيثة وكأن أشباحا تطاردني ..
وحليمة ؟ أين تكون ؟ .. هل تخليت عنها أم أنها رفضت مرافقتي ؟ هل ستعود وحدها ؟ .. ليتني أعي ما حدث وأتذكر ولو نزرا يسيرا مما قاله لنا العجوز .. لكن مع وغولي في الغابة من جديد واستنشاقي لعبير السنديان بدأ ذهني يصفو ويسترجع بعض كلمات البحار الطيب ..
"ستظل ذكرى الراحل تؤرقما وتنغص عليكما صفوكما رغم كل الذرائع التي اتخذتماها لتنجذبا إلى بعضكما البعض .. ففي قرارة نفس كل منكما شعور بالذنب وبالإحساس بالخيانة تجاهه .."
قال أشياء أخرى .. لكني ، وتحت تاثير الأحاسيس المتضاربة ، كنت شاردا بذهني .. أنشد الوحدة والهدوء متمتما بهمس :"سامحني يا صديقي .. كنت أحسب أنني أحبها من أجلك .. لكني أحببتها فقط لأن نفسي هفت إليها ورغبت فيها .. سامحني .. سامحني ."
كنت أردد هذه الكلمات وأنا أقترب من الكوخ وألقي عليه نظرة خاطفة بوجل .. بدا لي موحشا .. تأملته قليلا ثم سلكت طريقا بجانبه ..
إلى العش الدافئ من جديد .. من يدري ؟ لعله يمنحني ما أصبو إليه من سكينة .. أو لعله يأتيني بشيء أبدا حياتي به من جديد ..[/align]
|