رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]لم أرفع عيني فورا كما كنت أفعل سابقا عندما كنت أستسلم للهفة .. لهفة أضناها طول الانتظار .. صرت أتوجس من كل شيء حتى أحلى المفاجآت التي يمكن أن يحملها إلي ظهور هذا الظل الأنثوي المنبعث عن يميني .. تعودت مؤخرا أن أتلقى صدمة بعد أخرى وأن أتحمل على مضض فراق مر مذاقته بعد وصال خاطف .. بل إني بدأت أشك في أن من تزورني من الغيد مجرد أضغاث أحلام ..
أتلفت نحو أشيائي المحيطة بي في صمت مهيب فألمح حيرتها ووجومها ..وأغمض عيني لعلي أتأكد من يقظتي ثم أفتحهما لأجد ألا شيء تغير .. ولو كنت في حالة نفسية مغايرة لما أنا عليه الآن لوجدت نفسي أنط بين التلال والربى وأتسلق شجرتي لأنظر إلى الأفق الأزرق البهيج ثم أهرع نحو المرج المجاور للشلال وأستلقي في نشوة على العشب الملون بشقائق النعمان وكأنها شفاه تبتسم ..
شعرت لأول مرة بالوحدة .. وكنت أخشى أن تنظر أشيائي إلى عيني فتفضحني نظراتي الزائغة وتحس بالإحباط والمرارة .. كيف لي ان أشعر بالوحدة وشجرتي لا تفتأ تتمايل أغصانها حانية برقة ؟ وكيف لي أن أستسلم لهذا الشعور ومنبعي لا ينقطع تدفقه ليمنح نهري خريرا متواصلا وكأنه يترنم لي بأحلى الأغنيات ..
وكيف أنسى أن كوخي هناك على التلة يهفو لاحتضان جسدي العليل دوما فيمنحه من دفئه وسكينته ؟
والكهف ؟ .. والصخرة هناك تطل علي بحنو ؟ .. أشعر باستيائها لعدم مروري قربها والجلوس عليها .
وفي غمرة اهتمامي بأحاسيس أشيائي ، شردت عن الظل الواقف بجانبي وكأنه ينتظر ردة فعلي .
استجمعت شجاعتي ورنوت ببطء إلى القامة الهيفاء وأشعة الشمس تطل من ورائها حاجبة عني ملامح الوجه .
وأستطيع الآن أن أقول بلا تردد أن الوجه الذي رفعت عيني إليه كان شبه مألوف لدي لكني لم أجشم نفسي عناء تذكر صاحبته .. فقد كان يجمع في آن واحد جمال الغادة وبساطة حليمة وخيلاء دنيا ..
كانت هنا .. واقفة بكل شموخها .. بدا لي وجهها المستدير كبدر يعلو كبد السماء .. التقت عيناي بعينيها فسرت في جسدي قشعريرة .. كان فيهما جاذبية .. تميلان للكبر .. لكن أشد ما جذبني إليهما هو ذاك النداء الخفي للغوص في بحرهما الذي بدا لي عميقا لا قرار له .
كان كل شيء فيها ينطق بالبهاء .. حتى اني سهوت عما حولي فلم اعد أسمع شيئا أو أرى شيئا .. كل صوت تلاشى وكل ما كنت انظر إليه اختفى وكأني فقدت الوعي وانسقت بدون إرادتي إلى متاهة لا حد لها . لكن الشيء الأكيد هو أني ، سواء غبت عن وعيي أو صحوت فلن أستطيع وصفها رغم ما يشهد لي من براعة في ذلك .. فشعرها الكستنائي المنسدل على كتفيها وعيناها النجلاوان وشفتاها الشهيتان ، كل ذلك ألجم لساني وأخرس كلماتي فالتزمت حروفي الصمت في خشوع تام .
ها قد بدأ فصل آخر من فصول عشقي .. فهل سأكون في مستوى هذا البهاء ؟ وهل سأكون كفؤا لما حظيت به أم أني سوف أبقى نزقا على مر العصور ؟[/align]
|