[read]
بربك رشيد هل ( الدار اللي هناك ) هي قصة
ما اراه أمامي رواية طويلة وممتعة
ربما أراها مسرحية بفصول
ولكن تارة نحزن وتارة نفرح وتارة نتألم
أجمل مافي هذه الرواية المرور بمراحل العمر
والأحداث التي تتبعها
أنتظر المزيد يارشيد
دمت بخير[/read]
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: الدار اللي هناك -2-
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوران شما
الأخ العزيز الأستاذ رشيد الميموني
قضيت السهرة هذه الليلة وأنا أقرا " الدار اللي هناك" من بداية
الجزء الأول وحتى نهاية ما كتبته , وقد استمتعت جداً جداً بهذه
القصة الرائعة وهذا السرد الشيّق . وعلى أحر من الجمر بانتظار
الفصول الأخرى من هذه القصة , التي أخذتني معها إلى كل مكان
في الجبل والوادي والدار , وإلى أسمى العلاقات الإنسانية .
مرة أخرى أسجل إعجابي وتقديري .
[align=justify]
العزيزة بوران .. حياك الله و رعاك .
كم يسعدني ان تترك هذه القصة المطولة أثرا في نفسك و كم يبهجني أنك تستمتعين بالسرد و الوصف الواردين فيها .
لا اخفيك سرا أختي أن لي ارتباطا وثيقا بهذه القصة دون غيرها مما كتبت .. لأني أجد نفسي فيها أكثر ..
كوني أختي دوما بالجوار وتقبلي كل محبتي .
[/align]
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: الدار اللي هناك -2-
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناهد شما
[read]
بربك رشيد هل ( الدار اللي هناك ) هي قصة
ما اراه أمامي رواية طويلة وممتعة
ربما أراها مسرحية بفصول
ولكن تارة نحزن وتارة نفرح وتارة نتألم
أجمل مافي هذه الرواية المرور بمراحل العمر
والأحداث التي تتبعها
أنتظر المزيد يارشيد
دمت بخير
[/read]
[align=justify]
الغالية ناهد .. تحية لك من أعماق القلب .
عندما اتحدث عن نصي هذا ربما أطلق عليه مصطلح "قصة مطولة" .. ولكن الذي يهمني هو هذه الحفاوة التي تحاط بها .. وأملي أن يدوم استمتاعك بمجريات القصة .
تقبلي كل معاني المودة و التقدير .
[/align]
أيها المبدع العاشق لكل ما هو راق و فني ، كلماتك وردت معبرة نثرتها سهاما أوغلت في صدورنا حتى سلبتنا كل العواطف و جعلتنا نعيش معك الأحداث من الالف إلى الياء، مزجت بين الحلم و الواقع، و الحزن و الفرح، و الفتور و الامل، فتشكلت حكايتك في قالب يعجز اللسان عن وصف جماليته، و تقف الأيدي لتصفق لروعته ، و تنحني كل الأقلام أمام إبداعه
صراحة أعجز عن تقييم هذه القصة التي أذهلتني و راقتني إلى أبعد الحدود لدرجة أني كنت أنوي القيام ببعض الاعمال فتركتها حتى انتهي من القراءة للأجزاء كاملة
فدمت مبدعا و قاصا رائعا رشيد
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: الدار اللي هناك -2-
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى الريف
أيها المبدع العاشق لكل ما هو راق و فني ، كلماتك وردت معبرة نثرتها سهاما أوغلت في صدورنا حتى سلبتنا كل العواطف و جعلتنا نعيش معك الأحداث من الالف إلى الياء، مزجت بين الحلم و الواقع، و الحزن و الفرح، و الفتور و الامل، فتشكلت حكايتك في قالب يعجز اللسان عن وصف جماليته، و تقف الأيدي لتصفق لروعته ، و تنحني كل الأقلام أمام إبداعه
صراحة أعجز عن تقييم هذه القصة التي أذهلتني و راقتني إلى أبعد الحدود لدرجة أني كنت أنوي القيام ببعض الاعمال فتركتها حتى انتهي من القراءة للأجزاء كاملة
فدمت مبدعا و قاصا رائعا رشيد
[align=justify]
الله الله يا ندى .. ما أجمل ما سكب يراعك من ثناء وإطراء على هذه القصة المطولة .. لكن علي أن أقول لك إنها أخذت مني الجهد و الوقت معا .. هل تدرين أن الجزء الأول استغرقت كتابته ثلاث سنوات ؟ والجزء الثاني سنتين ؟
أشكرك ندى من كل قلبي و أتمنى أن يستمر تواجدك هنا على متصفحي .
تقبلي كل مودتي .
[/align]
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: الدار اللي هناك -2-
(5)
[align=justify]
تركت الرجل يستريح من وعثاء السفر وخرجت لأنحدر إلى الوادي . وجدت شبها كبيرا بين المكان و ذاك الذي قضينا فيه أياما في ضيافة صديق أبي يوم رحلنا عن القرية . نفس الصمت و نفس الهدوء كانا يلفان الوادي الموحش كما كان الشأن في الماضي و أنا أتطلع إلى قمة الجبل حيث قبر عمي الفاضل . يا للمصادفة .. حتى مضيفي الآن يحمل نفس الإسم .. هل يعني هذا أن شيئا ما سيحدث ، وأن إرهاصات مغامرة أخرى تلوح في الأفق ؟ لحد الآن ، لا شيء ينم على شيء من هذا القبيل . لكني في قرارة نفسي أحس بلهفة لاستكشاف جديد . بل يخالجني شعور أن دوامة من الغموض تحوم حولي و تدفعني للمجهول مرة ثانية . عندئذ انتابني خوف حقيقي من أن أضيع في متاهة قد لا أعود منها إلى أهلي . فعدت أدراجي مسرعا و صرت أستدني الصباح كي أغادر البلدة بأسرع وقت ممكن . وكم كنت أخشى أن يحدث ما يؤخر العم الفاضل أو يثنيه عن العودة إلى المجرى . وصرت ونحن جالسون حول المائدة أسأله عن أشياء لا أهمية لها ، وكأنه أدرك بحدسه توجسي فطمأنني قائلا :
- غدا إن شاء الله سنعود إلى هناك . لقد أرسلت في طلب البغال ، وإن كانت الأسرة هنا تتمنى لو طالت إقامتك .
- أنا أيضا استأنست بأولادك .. لكني ..
- حتى أخوك ، لمست منه لهفة لرؤيتك .
نظرت إليه فوجدته يحدق في .. أحسست بانقباض مفاجئ و سألته :
- هل هو بخير عمي ؟
- نعم ..
- لقد تركته مريضا .. هل عاوده المغص ؟
- قليلا .
كانت أجوبة الرجل المقتضبة تزيد من شكوكي وقلقي . ترى هل اشتد المرض على أخي من جديد وعادت به جدتي إلى طنجة ؟ آه كم اشتد شوقي إليه في تلك اللحظة ووددت لو أطير إليه لأحتضنه مع الصغيرتين .
بدا لي الليل سرمديا وانتابتني أحلام و كوابيس، لكني لن أنسى رؤية أخي وهو يناديني من أعلى الجبل وقد عاوده الشحوب . كان كمن يطلب نجدة . أسرعت إليه ، لكني كنت كلما دنوت منه ابتعد عني وتلاشى في ضباب كثيف بحيث لم يكن يبدو منه سوى وجهه النحيف الذي ازداد شحوبا .. وتكرر نداؤه و أنا اجري متوسلا إليه أن يتوقف حتى لمحته على شفا جرف سحيق فلم أملك أن صحت بكل ما أوتيت من قوة . وأفقت من حلمي لأجد نفسي جالسا على حافة السرير انتفض و قد تصبب جسدي عرقا . وفي الحال أقبل عمي الفاضل و بجواره زوجته وابنه البكر .. لا شك أن صيحتي بلغت أسماع من في الدار . يا لخجلي .
- مالك يا بني و ما الذي حدث .
لم استطع مغالبة دموعي هذه المرة فانفجرت باكيا و حدثته بين شهقة و أخرى عما رأيته في حلمي فربت على كتفي قائلا :
- لا تخف يا ابني .. هي أضغاث أحلام .. سيكون أخوك بخير غن شاء الله .
في تلك اللحظة انتبهت إلى الأفق موردا . لم اصدق أن الصبح قد بزغ ، فنهضت وقد عاد إلي بعض الهدوء و اعتذرت للرجل عما سببته من إزعاج فقال وهو يطلق ضحكة مزقت سكون ذاك الصباح الجميل :
- سأقبل عذرك بشرط .. وهو أن تمدد إقامتك معنا هنا .. اتفقنا ؟
ثم ربت من جديد على كتفي وقال :
- ليس هناك إزعاج .. بالعكس ، أنت أيقظت بعض الكسالى الذين يستعذبون النوم بدل النهوض للصلاة .. والآن هيا لنفطر.
عند الباب ، كان هناك بغلان في انتظارنا وقد ربطا إلى شجرة تين تفرعت أغصانها حتى غطت جزء من المنزل . تحلق حولنا جميع أولاد الفاضل باستثناء فاطمة التي لاح لي منديلها المخطط بالأحمر و الأبيض في الجهة الأخرى من البيت . ألقيت التحية على الجميع ، و فيما انشغل أهل الدار بتقبيل يد رب الدار ، و إعانته على إعداد سرجي البغلين ، تقدمت نحو فاطمة التي انزوت أكثر فأكثر وراء شجرة التين ، فناديتها :
- وداعا يا فاطمة .
عندئذ انبرت وهي تتعثر بخطواتها ، ومدت إلي بباقة من سنابل القمح على شكل ضفيرة وقالت بلهجتها الفظة المعتادة :
- هي لك .. سامحني .
أخذت الباقة وقلت مبتسما :
- أنا الذي جئت أطلب منك أن تسامحيني .. شكرا على هديتك الجميلة . لا بد أن تزورينا مع والدك في المرة القادمة .
- إن شاء الله .
وعدت أدراجي لأجد الفاضل يصدر آخر تعليماته لزوجته و بناته في حين وقف الطالب علي جانبا وهو يهمس دائما بآيات القرآن الكريم . عانقته بود و رجوته وأنا أنظر ناحية فاطمة ، أن يصحب معه أحد إخوته في رحلته القادمة إلى المجرى .
امتطيت أحد البغلين بمساعدة عمي الفاضل ، وجلست كما يجلس الفارس على جواده ، مما أثار ضحك الجميع . فنبهني الرجل إلى أن طريقة امتطاء البغال مختلفة عن تلك المتبعة مع الخيول ، بحيث جعل ساقي الاثنتين في جهة واحدة . وقبل أن ننطلق أشرت بيدي إلى الأسرة أحييها وهي على عتبة الباب ، وحانت مني التفاتة إلى الشجرة حيث بدا لي المنديل المخطط بالأحمر و الأبيض .. ووجدت نفسي أتمتم :
- على الأقل ، هذه تتصرف بتلقائية .. وليست كغيرها ممن تسبب الأذى لسواها .
يجدر بي القول ، وأنا أغادر "تزخت" ، ورغم لهفتي للقاء أسرتي ، وسعادتي بتواجدي الوشيك بين أحضان قريتي من جديد ، أحسست بألفة غريبة تجاه بلدة الطالب علي . حتى و أنا أنحدر إلى الوادي أو أصعد الجبل ممتطيا البغل الأشهب ، كنت ألتفت بين الفينة و الأخرى لأتملى بمنظر البيوت التي بدت منغرسة في خضرة يانعة بهيجة . وشملني شعور بالمودة الطاغية تجاه الطالب علي و إخوته و خصوصا فاطمة .. نعم ، أحسست أني كنت قاسيا معها وتمنيت لو تزورنا حقا كما طلبت منها لأعوضها عما نالها مني من إساءة و أبرهن لها عن مودتي نحوها مثلها مثل جميع إخوتي . ولا أدري ما الذي جعلني أتذكر فجأة أخي و مرضه وينقطع حبل أفكاري لأسال عمي الفاضل دون وعي :
- متى رأيت أخي لآخر مرة عمي ؟
لم يجب الرجل للوهلة الأولى ، ومرت لحظات قبل أن يجيب و هو يشد لجام البغل كي نأخذ وجهة أخرى :
- عندما كنت أستعد للمجيء .. لم هذا السؤال يا بني ؟
- فقط ، أريد أن أطمئن عليه .
- يبدو أنك تحبه كثيرا .
لم أرد . وغلبتني الدموع . وانتبه هو إلى ذلك فلم يعقب . واستمرت رحلة العودة و نحن صامتان حتى وصلنا إلى قمة الجبل من حيث تلوح المجرى بعيدا بمنازلها البيضاء الناصعة . هناك بزغ أول شعاع للشمس عن يسارنا . أما سفوح الجبال ، فقد كانت سابحة في ضباب الصباح الكثيف . كان المنظر بهيا وشعرت بشهية للأكل من جديد . جلسنا نستريح قليلا بالقرب من ساقية صغيرة تروي بعض حقول الذرة هناك . ويبدو أن الفاضل أيضا شعر بالجوع فأخرج من قب جلبابه خبزا و تينا جافا .. كم كان لذيذا . وفي تلك اللحظة أقبل علينا أحد البدويين متوجها إلى بلدة مجاورة لـ"تزخت" . حيانا وهو ينزل من على ظهر بغله ، ثم جذب نحوه عمي الفاضل غير بعيد مني ليتبادل معه الحديث . لم أكترث لذلك ، لكني سمعته يسأله :
- هل هذا هو ابن القبطان ؟
أرهفت السمع ، فلم أميز شيئا مما يقولان ، لكني كنت متأكدا من أنني محور حديثهما لأنهما كانا يلتفتان نحوي بين الفينة و الأخرى .. عماذا يتحدثان يا ترى ؟ ولم كل هذه السرية المحيطة بحوارهما ؟
[/align]
رشيد أصبحت وكأنني من هذه الدار وأريد معرفة كل الأحداث وبأسرع وقت
لا زالنا ننتظر الأحداث وما تحمله من مفاجآت
وأنا بدوري يهمني أن اعرف عما كانا يتحدثان
وما هي السرية المحيطة بجوارهما ؟
لكني كنت متأكدا من أنني محور حديثهما لأنهما كانا يلتفتان نحوي بين الفينة و الأخرى ..
عماذا يتحدثان يا ترى ؟ ولم كل هذه السرية المحيطة بحوارهما ؟
دمت بخير
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: الدار اللي هناك -2-
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناهد شما
رشيد أصبحت وكأنني من هذه الدار وأريد معرفة كل الأحداث وبأسرع وقت
لا زالنا ننتظر الأحداث وما تحمله من مفاجآت
وأنا بدوري يهمني أن اعرف عما كانا يتحدثان
وما هي السرية المحيطة بجوارهما ؟
لكني كنت متأكدا من أنني محور حديثهما لأنهما كانا يلتفتان نحوي بين الفينة و الأخرى ..
عماذا يتحدثان يا ترى ؟ ولم كل هذه السرية المحيطة بحوارهما ؟
دمت بخير
[align=justify]
الغالية ناهد ..
تحية أخوية صادقة من اعماق القلب ..
لقد جاء تعليقك هذا ليعطيني شحنة معنوية كبيرة لاستئناف القصة المطولة .. والحقيقة أني اقضي وقتا طويلا في نقلها من الورق على الوورد ثم نسخها على صفحة المنتدى .. وكما قلت سابقا ، فإني أستمتع جدا بإعادة كتابتها و أعيش أحداثها من جديد ..
شكرا ناهد على ثنائك و تشجيعك الدؤوب .
وتقبلي مني كل المحبة .
[/align]
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: الدار اللي هناك -2-
(6)
[align=justify]
عاودني الانقباض وتمثل لي مرة أخرى وجه أخي المريض . هل غادر القرية إلى طنجة مع جدتي من جديد ؟
لبثت أنظر صوب الرجلين حتى افترقا وأشار إلي البدوي مودعا فرددت التحية . وأقبل الفاضل نحوي بوجه جامد لا يحمل أي تعبير . بل إني شعرت أنه يريد إخفاء بعض الوجوم الذي علا سحنته . أمسك بزمام البغل و قال :
- هيا بنا الآن .. هل استرحت جيدا ؟
- نعم .. بما فيه الكفاية .
وكنت لا أزال أنظر إلى الجهة التي سلكها البدوي فسألته وأنا أمتطي البغل :
- هل هذا الرجل من هذه النواحي ؟
- نعم ، هو من "تلاعطية" .. بجوار "تزخت" من الجهة العليا .
- يبدو أنه قادم من المجرى ..
صمت قليلا و أجاب :
- نعم .. هو آت من السوق وقد مر من هناك .
- عمي .. هل حدث شيء ؟
- حدث شيء ؟ كيف يعني ؟ .. لم السؤال ؟
- لاشيء.. فقط لأني لاحظت أنك و الرجل كنتما تتحدثان و تنظران إلي ..
حاول الابتسام فجاءت ابتسامته باهتة لكنه تصنع المزاح و قال :
- لديك فراسة قوية كما يبدو .. ما شاء الله عليك .. لا تشغل بالك .. لا شيء إن شاء الله .. غير أن أباك أوصاني بإيصالك إلى بلدة "ترية" قبل الذهاب إلى المجرى .. يعني علينا الآن تغيير الاتجاه .
- "ترية" ؟ لماذا ؟ ألا ترى كم هي بعيدة في أعلى الجبل ؟
- ربما كان لديه مهام لدى العم "عمار" يريد أن تقضيها أنت بنفسك . لا تقلق .
لكني كنت في هياج استطعت التحكم فيه حتى لا أصرخ ، تأدبا واحتراما لعمي الفاضل فقلت بلهجة شاكية :
- عمي .. من فضلك .. لن أذهب إلى "ترية" .. قل لي ماذا حدث .
- اهدأ يا بني .. فقط لأن لا أحد بمنزلكم الآن .. لقد اصطحبوا أخاك إلى طنجة .
- أخي ؟ .. كلهم ؟ هل هو مريض غلى هذه الدرجة ؟
وبكيت .. لم أستطع مقاومة دموعي ، فعلا شهيقي .. بينما كان الرجل ينظر غلي بعطف . و أبطأ سير بغله حتى اقترب مني وحاذاني وهو يقول :
- لا عليك يا بني .. سيشفى بإذن الله .. جدتك محتاجة لمن يعينها في السفر .
- لكنها لم تحتج لهذه المساعدة من قبل ..
- ربما لأن أباك لم يكن لديه الوقت لمرافقتها ، وهو الآن في رخصة كما تعلم ..
وجدت كلامه مقنعا لكني لم أهدا واستمرت أسئلتي كالسيل الجارف :
- وأمي ؟ كيف تسافر بأختي الاثنتين ؟
- حسب ما فهمت .. كان سيأخذكم في رحلة إلى تطوان قبل ذلك .. وبما أنك كنت معنا ، لم يشأ المناداة عليك لمعرفته بحبك للطبيعة .
هدأت قليلا .. ولهفتي تزداد للوصول سريعا إلى المجرى . وشعرت بحاجتي للوحدة . فما أن بلغنا المنبع أسفل الجبل و وصلنا حيث التقيت بلطيفة لآخر مرة ، حتى نزلت عن ظهر البغل وأسلمت لجامه لعمي الفاضل قائلا :
- عمي .. لقد اقتربنا .. أريد متابعة الطرق مشيا ، بعد إذنك .
- حسنا يا بني .. وما دمت لا تريد الذهاب إلى "ترية" ، فستبقى معي في المركز حتى يعود أهلك ..
- حسنا .. أشكرك عمي .
شملتني راحة وأنا أتمشى في طريق مألوف لدي .. وكانت الشمس قد بددت الضباب الذي كان يحجب عني رؤية الجبال المحيطة بي . فزاد الجو بهاء خصوصا و أن الطريق كان يخترق حقول الذرة الخضراء التي كانت لا تزال مبللة بالندى ، فانعكست أشعة الشمس عليها و صار لمعانها يخطف الأبصار .
ولا أدري كيف انبعثت لطيفة أمامي فجأة عند آخر منعرج ، كان الأرض انشقت عنها . كانت واقفة على بعد أمتار وسط الطريق . توقفت مرتبكا لحظات .. نظرت إليها بذهول ، ثم أحنيت رأسي وتابعت السير. فلاحقني صوتها وقد اعتراه بعض الوهن :
- الحمد لله على سلامتك .
لم أصدق أنها كلمتني بعد الذي حصل مني في آخر لقاء لنا ، فغمغمت بكلمات كرد على تحيتها و تابعت المسير ..
- أرسلني أبي يدعوك للقدوم عنده الآن .
توقفت والتفتت إليها مندهشا ، فوجدتها تحدق في بعينيها النجلاوين .. كم كانت جميلة وقد قصت شعرها إلى حد الأذنين ، فبدت لي قامتها قد زادت بعض الطول .. لكن أثر ذلك لم يدم طويلا فقلت بريبة :
- لماذا ؟
لم تجب .. بدا عليها بعض الارتباك ، فأحسست بالأرض تميد بي وتراجعت خطوات إلى الوراء قبل أن أطلق ساقي للريح وصوتها يلاحقني :
- انتظر لنعود معا .
كانت دعوتها ستسعدني لو كانت الظروف مختلفة .. هذه المرة ، كنت متأكدا من أن الأمر خطير ، وأن هناك شيئا يريدون إخفاءه عني . حديث البدوي مع عمي الفاضل وهما ينظران إلي .. حديث عمي الفاضل عن أخي .. الذهاب إلى "ترية" .. سفر والدي المفاجئ .. دعوة القائد لي للمكوث عنده .. ماذا يحدث يا ربي ؟ .. صرت عرضة لأفكار سوداء تغزو مخيلتي ، وفي كل مرة أحاول طردها ، تعود من جديد .. والحلم ؟ ماله يحجب عن بصري الرؤية فلا أرى سوى أخي في شحوبه وهو يتلاشى وراء الجبل ؟
ما زلت أعدو وأكاد أتعثر مرارا حتى وصلت إلى أطراف القرية . وجدت نفسي أمام والد لطيفة يتجاذب أطراف الحديث مع بعض الشيوخ و المقدمين بحضور قائد المجرى الجديد . ترى هل وقوفه في هذا المكان صدفة أم لعله حدس ما سوف يقع فجاء بنفسه إلى هنا . مررت بالقرب منه ملقيا التحية فناداني :
- أهلا ولدي .. حمدا لله على سلامتك .
- الله يسلمك ..
- تعال .. ريثما يأتي أبوك من المستوصف .. هو هناك مع الطبيب .
- ألم يسافر ؟
- كان على وشك السفر و ..
كدت أفرح .. لكن سحنة القائد المتجهمة جعلت فرائصي ترتعش والتفت من حولي متسائلا :
- ماذا حدث ؟ ولماذا لم يسافر ؟
- اصبر يا بني .. هاهو قادم .
[/align]
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: الدار اللي هناك -2-
(7)
[align=justify]
تقدم أبي نحوي خطوات ثم توقف .. تلاقت عينانا .. تخاطبتا في لحظة صمت .. نطقت عيناه بكل شيء .. كان فيهما صراخ و نحيب صامت .. فنطقت بجهد جهيد بصوت مختنق :
- أبي ..
فتح ذراعيه فألقيت بنفسي في حضنه .. شعرت بدموعه ساخنة على وجنتي فبكيت بحرقة أنا أساله بين كل شهقة :
- كيف ؟ .. و .. متى ؟
أخذ بيدي وأشار مستأذنا إلى القائد الذي بدا عليه التأثر .. بل إني لمحته يمسح دمعه بكم بذلته . وذهبنا إلى النهر لنجلس على ضفته كما كنا نفعل أنا و جدي من قبل . تنهد أبي وهو يحاول ألا يستسلم للبكاء وقال :
- فجر هذا اليوم .. رحمة الله عليه .. كنا نستعد للذهاب به إلى طنجة بعد أن عاوده الألم بحدة . لكن القدر .. لم يمهله .
يعني في الوقت الذي كنت أعيش ذاك الحلم الغريب ..
- رحمة الله عليك يا أخي .. آه يا أبي ..
وضعت رأسي على كتفه و جسمي ينتفض من البكاء و النحيب . و تركني أبي لحظات أبكي قبل أن يأخذ ذقني في راحته و يتأملني بعينين محمرتين ، لكنهما مفعمتان عزيمة و قوة :
- هون عليك يا بني .. أخذ الله أمانته ولا راد لقضائه .. علينا بالصبر الجميل .
رنوت إليه بعينين ذابلتين ودمعي لا يزال يسيل بغزارة وقلت :
- ونعم بالله .
- علينا الآن أن نهتم بأمك ، فهي لا تزال تحت الصدمة وأنا أعول عليك أن تظهر أمامها كرجل .. قوي .
كفكفت دمعي بظهر يدي وقلت :
- كن مطمئنا أبي .. سأفعل اللازم .
شعرت بحزني يتبدد شيئا فشيئا أمام مسؤوليتي الجديدة رغم أني حديث العهد بالمصاب الجلل . صار يتوجب علي الآن أن أكون عند حسن ظن أبي ، خاصة وهو ينظر إلي بثقة و يربت على كتفي راضيا . قلت له بأسى :
- هل يمكنني رؤيته ؟
- طبعا ..
قلت شاردا :
- مسكين .. كم لعب معي .. وكم عنفته .
- إياك أن تستسلم لهذه الأفكار . الشجار طبيعي بين الإخوة ، وهو سيكون سعيدا هناك بذكرياته معك . لكن لا تعذبه بتأنيب ضميرك .
وددت لو أعانق أبي في تلك اللحظة وقد نسيت للحظة حزني . فقد محا كل أسى علق بنفسي من جراء معاملتي الفظة لأخي في بعض الأحيان . فنهضت وتوجهت إلى المنزل بخطوات مترددة .
وجدت أمي تتوسط بعض النسوة وإلى جانبها جلست أم لطيفة وزوجة القائد الجديد للمجرى . أحسست و أنا أعانق أمي بذراعيها تضمانني بقوة .. بكت و انتحبت ، لكني حاولت جاهدا أن أتمالك نفسي . ولولا وجود المعزيات اللائي كن يملأن الحجرة لما تركتني أفارقها لحظة . كنت أحس بلهفتها في أن أبقى بجوارها . فتراجعت إلى الخارج وأنا أمسح دمعي بينما كانت تشيعني بنظراتها .. ولحقت بي أم لطيفة تواسيني و هي تربت على راسي .. آه كم كانت لمستها تعني لي الكثير وكم كانت تحمل الحنان و الدفء معا .
مسكينة أمي .. جزعها و لهفتها علي صارا مضاعفين الآن بعد رحيل الفقيد العزيز . خرجت لأجد أبي يتحدث إلى فقيه القرية ، فزاد ألمي وأنا أتخيل مراسيم الدفن . فاقتربت وانتظرت حتى فرغا من الحديث وقلت بصوت خافت :
- أبي .. هل من الضروري أن أكون حاضرا حين ...
مسح أبي على رأسي براحته وقال برقة :
- طبعا لا .. على فكرة ، ألم يحدثك عمك الفاضل عن ذهابك إلى "ترية" عند عمك "عمار" ؟
- أجل .. أرجو المعذرة أبي .. كنت منشغلا بمرض أخي فلم أنفذ أمرك ..
- لا عليك .. اذهب عنده رفقة صديقك "سلام" الأرنب .. وعد إلي بوثائق سيسلمها لك عمك .. يمكنك المكوث عنده الوقت الذي تشاء .
- حسنا أبي ..
وكأن حملا ثقيلا انزاح عن صدري . كانت مرافقة النعش وحضور عملية الدفن أقسى ما يمكن أن أتحمله . فدخلت المنزل من جديد وقصدت الغرفة حين كان جثمان أخي مسجى في كفنه البيض ، والفقيه بالقرب منه يتلو سورة يس . اقتربت في وجل فعرف الرجل قصدي وأزاح طرفا من الكفن عن وجه الحبيب .. آه ما كان أبهاه و أنضره وهو مغمض العينين .. لا أثر للحياة في جسده العليل الذي طالما لها و رتع معي بين الربا . انحنيت على وجهه وقبلته على جبينه و خده و شفتيه .. ولا أدري كيف شعرت بدفء شفتيه حتى كدت أفضي بشكوكي حول وفاته إلى الفقيه .. وبكيت . ثم تذكرت أن أمي قد تدخل بين لحظة و أخرى فتمالكت نفسي وهرولت إلى خارج الغرفة أبحث عن صديقي وأنا أنتحب في صمت .
اتجهت نحو المنبع حيث يوجد منزله عل بعد بضعة أمتار . وكأني به كان ينتظرني ، إذ أطل برأسه الصغير عبر كوة صغيرة وأشار لي أنه قادم فورا .
انتبهت إلى وجود ثلة من الفتيات يتقدمن نحو المنبع من طريق آخر . كنت أعرفهن كلهن لملازمتهن لطيفة طول النهار . اقتربن مني مترددات ، ثم رأيت إحداهن تتقدم على استحياء قائلة :
- الله يعظم أجركم يا أخي .
وحذت رفيقاتها حذوها وهن يتمتمن في تأثر بالغ لمست صدقه في نبرات صوتهن :
- في سبيل الله أخي .. الله يبدل المحبة بالصبر ..
وجدت نفسي من جديد وجها لوجه أمام لطيفة وهي تنبعث من مؤخرة الشلة . مدت يدها بحذر ، فلم أملك إلا أن أصافحها .
- في سبيل الله ..
كنت لا أزال تحت وطأة الصدمة و الحزن رغم الهدوء الذي شملني بعد حديثي مع أبي ، فعاودني البكاء ولم أستطع قول شيء ، وأشحت بوجهي كي لا ترى دمعي . لكن بعد فوات الأوان . مسحت دمعي براحة يدي ثم نظرت إليها من جديد لأشكرها في صمت .. هي أيضا لم تقل شيئا . لكن عينيها كانتا تنطقان بالألم والأسى . بل إن صوتها تهدج وهي تقول مستدركة :
- الله يعظم الأجر ..
ثم تجهش بالبكاء و تولي مدبرة ، وتتبعها رفيقاتها مهرولات نحو المنبع القريب . لم أدر هل كانت تشاطرني حزني أم أن ألمها كان نابعا من معاملتي الفظة لها وأنا في طرقي إلى "تزخت" .. ربما الاثنان معا .
لبثت أنظر إليها وهي تبتعد وقد أحاطت بها رفيقاتها .. نفس المنظر الذي حدث أثناء رحلتي الأخيرة .. لكن في هذه المرة كان الوضع مختلفا .
[/align]