رد: الدار اللي هناك -2-
[align=justify](10)
ربما استمرت جدتي في الحكي لكني كنت مستسلما لنوم عميق أراح نفسي من كل ما عانته بالأمس من أحاسيس متضاربة وما أصاب جسدي من جهد وإعياء خلال النهار .
لكني حين استيقظت في اليوم الموالي أحسست بالنشاط يدب في أوصالي وفتحت عيني مبهورا بضوء النهار .. وكانت نافذة الحجرة تطل على الجانب الغربي من المنزل فكان الظل يضفي على المكان برودة الصباح المنعشة .. فاستويت جالسا وقد غمرتني فرحة لا توصف ، لكنها سرعان ما خبت حين عادت ذكريات الأمس تقبض على قلبي من جديد ..
وجدت أمي قد أعدت الفطور وجدتي جالسة بعتبة الباب تنثر الحب للدجاج منادية عليه بصوت اعتدته كل صباح باكر .. وحين لمحتني قالت مبتسمة :
- ها أنت ذا أيها الكسول .. ألم تقل لي إنك تحب الاستيقاظ باكرا لتستمتع بمنظر طلوع النهار ؟.. ثم ، لماذا تركتني أحكي لوحدي واستغرقت في النوم ؟
ضحكت من قولها وجلست بجانبها أنثر بدوري حبات القمح للدجاج . كان يمتعني أن أضع الحب في راحتي وأدعه ينقره فتدغدغني نقراته ، وقلت :
- كنت متعبا "عزيزة".. فلا تؤاخذيني .. أين أمي ؟
- ألم تحيها تحية الصباح ؟ هي في المطبخ .. على فكرة اليوم ستتغذى عندنا نسوة القرية ..
- يعني علي أن أختفي من المنزل ..
- الله يرضى عليك .. تفهم سريعا .
ضحكنا معا ثم نهضت مسرعا إلى المطبخ وعانقت أمي التي احتضنتني بشدة غير معهودة .. لاحظت في عينيها انتفاخا واحمرارا .. فأغضيت الطرف وتشاغلت بالنظر إلى أكوام الدجاج المذبوح .
- يعني عندنا اليوم "زردة" ..
- أجل .. وأتمنى ألا تذهب بعيدا حتى إذا احتجتك كنت بالقرب ..
- نعم أمي .. سأكون إما عند النهر هناك أو في المنبع مع سلام .
- الله يرضى عليك .
- هل ستكون زوجة القائد حاضرة ؟
نظرت إلي وقد علت عينيها شبه ابتسامة فخفت أن تكون لمحت احمرار وجنتي ، وقالت :
- طبعا .. وهل هي غريبة عنا ؟
خرجت دون أن أدري أية وجهة آخذ وجدت نفسي أتوجه إلى النهر الذي يكاد ماؤه يجف بعد صيف قائظ .. ودون وعي مني التفت إلى جهة منزل القائد الممتاز ، فلمحت زوجته مقبلة وبجانبها لطيفة .. خفق قليي بعنف ولم أدر إن كان علي تجاهلهما و الاستمرار في المسير أو التوقف لتحيتهما .. وعرفت المرأة ترددي فأشارت إلي بالدنو :
- صباح الخير ابني .. ألا تحيي صديقتك وتسال عنها ؟ .. لكن دعني أولا أعزيك في وفاة أخيك .. عظم الله أجركم جميعا .. ورزقكم الصبر على فقدانه .
أحسست بالدمع يغلبني لكني تشاغلت بالنظر إلى ما حولي وتمتمت :
- أجرنا وأجركم خالتي ..
كنت أسترق النظر إلى لطيفة فهالني شحوبها وهزالها .. وحييتها بإيماءة من رأسي فأجابت بالمثل .
- اسمع ابني .. لا شك أنك تعلم أننا سوف نتغذى معكم وسنكون منشغلات الآن .. لطيفة تحتاج لمن يرافقها لتتنزه بضواحي القرية فهل ترافقها ؟
نظرت لطيفة إلى أمها مستغربة ولم أدر إن كانت مستاءة من هذا الطلب أم أنها كانت تتمناه مثلي ..
- طبعا خالتي .. سأكون سعيدا بذلك .
- الله يرضى عليك يا ابني .. لطيفة .. لا تجهدي نفسك .. إذا تعبت اجلسي لترتاحي .. سأكون عند خالتك . يمكنك المجيء إلى هناك عند انتهائك من التجول .
- حسنا أمي .
صدر من لطيفة صوت واهن وهي تتابع خطوات أمها المدبرة ، تاركة إيانا واقفين وقد ساد الصمت . قزاد يقيني من مرضها . وفي تلك اللحظة مر أحد الفتيان وألقى التحية ، فعرفت أنه ابن القائد الجديد ، وكنت أعلم بإقامتهم المؤقتة ببيت رئيس الدائرة ، والد لطيفة ، ريثما ينتقل هذا الأخير إلى سكن خاص . وكان هذا يشعرني بدبيب الغيرة على هذا الامتياز الذي حظي به هذا الفتى الأنيق وهو يجاور لطيفة وربما يلتقيان صباح مساء . وكنت أتخيل الأسرتين تقضيان أمسيات وليال في السمر وتناول الطعام معا . لكن كل هذا تبدد بفعل وقع المفاجأة السارة التي أحدثها انفرادي بلطيفة والتجول معها لأول مرة بعد وقت طويل وتحت أنظار ذاك المنافس الجديد والوحيد .
[/align]
|