قصة: و للصحاري وجه المطر
[align=justify]... زمن أول كان بأغاني المطر ولادة لذاكرته عندما تفنن الجرح في تعريته من كل الأكاذيب الباهتة ، و في لحظة نسيان جامحة تلذذ في ترك المعالم الموقوفة عن سرد التأسفات ، ثم توقف ليشطب إمرأة النبؤة التي لم تقبر بين أنسجته و ظلت شيئا من الحنين، و توضعت بين الوسادة و الوسادة تسألها البعاد و الرحيل ، و زمن ثاني في ذاكرته يصنع من أغاني الريح بيتا و مدينة ساجدة للموت لتغتال كل الرؤى الممكنة على قميصه المتسخ بعرق الذهاب و الرجوع ، و زمن لمراسي الضياع تغنى بانتهاء مواسم الجفاف و حلول ربيع الشاي و الحليب ، خوف بزمنه المنسي أرغمه على السفر إلى نقطة المستحيل ، تيه و شيء من سكرات الهروب خلف مواعيد الوجوه الجارحة ، ساعة يده كانت تأكل أطفال عقاربها التسعة و الصخور المتراصة في جنون تعوي و تغيب ، رحلة و سيارة و بعض من أواني الركام تغتال بعد الطريق ، المدينة كانت أولى القبلات التي تنفس بها بقايا التراب ، و عمامته المخضرة و العابثة بكل العيون و الصور أرادت في احتشام سجن وشاح عيون الخطيئة قبل المغيب.. و ترجت و تمنت و هي كافرة .. و تمنى لحظة أن شربت أقدامه لهيب الأرض و حرقة السماء لو عاد بهيئة رجل زنجي لم يعرف قلبه أن للحب صومعة و قبرا للحطام ..
تمنى أن يختصر كل الوجوه التي عرفها ليبعث بداخله موت الموانئ عندما تغيب و تنجلي.. تمنى أن تسكن تاء التأنيث و تولد بعمق المجامر ( نقوية ) ثانية ، و غنت ( النقوية ) عندما داهم المطر بعد المسافات و المدينة خائفة و منكسرة ، و في بداية الصفر من الزمن العابس فتحت أشرعة أشواكها ، تجمعت بكل غطرسة الصخور المنسية و الرمال المنتهية ، تمحورت كذيل قنبلة مدمرة لتقتل بروعة المكان كل السدائل التي تجملت لليلة العيد ، و كانت البيوت تسد منافذها بحطب الصحاري و الصحاري سيف بخارطة الطبيعة عندما سال لعابها المسموم ، و من بين ألف باب مشرعة كانت صبية بروعة جمال الأرض تنتظره كي يمر و يلقي بتحية ، ملحفتها المطرزة بلون الغبار جعلتها تبدو بهيئة أم القرى و الغضب تفنن في شجب ملامحها الباهتة ، فكرت ثم فكرت في أشيائه الجميلة التي كان يحملها بيده اليمنى و يده اليسرى مسافرة إلى خارطة امرأة ثانية مازالت لحد الساعة تعيد مضغ لبانها و تتأفف ، تسأل عنه بعض الأبنية التي كان يهندسها بأنامله و و يصنع من ظلمتها قصرا لحلم قد يكون ، هي ذي دروب الصحاري التي سكنت من فوق رموشه و سكبت بدل لعابها غبار الأرض و عرق الليالي ،
و السائق كان يحكي عن قصص الضياع عبر المسالك المتشعبة ، ثم توقف في نقطة منتصف الوصول ، هي ذي ( قارة النص ) قالها و إبريقه المعد لأكواب الشاي أراد الصلاة ، و لم يرد شرب الأول منه لكنها كانت العادة و إلا وجبت عليه فدية الترحال و المبيت ، اخرج سيجارته الأخيرة و أجتر ذكريات الصبا و كيات السفر المميت ، و وجه لامرأة توسدت رمل البيت المكتنز ، قالت لها أختها الصغرى إن ( الشناوي ) الذي تنتظرينه لن يعود إلى العمل هنا مرة أخرى و الحب الذي تنشدينه منه سطر من المستحيل ، تأففت و غيرت جنبها المتكئ ، كانت تحدق في السماء و تسألها أن تكتب له سلامة المسير ،
و على امتداد شجرة غطاها الشوك و التراب كانت عقرب غريبة تحكي للظل و للهيب عن قصصها مع الموت و العذاب ... تحكي و تتلذذ في طبخ الأحجيات بلغة السم و الأرجل مرتعدة و خائفة ، و في لحظة و عي منتهي ارتمى عليها بضربة واحدة ، و عندما باعته الأمسيات لعنة التحدي حملها بيده و غنى للجميع أغنية أن للصحاري وجه بشكل العقارب ، و كان النوم رائعا بعد أكلة من ( التقلة ) تحت ضوء القمر و الحشائش المصفرة من اثر الشمس تحرص المكان ، الماء عانق جوف ( القربة ) و ( القربة ) منحته حنان الجليد عندما تناسته حضارة المدن ، عيدان الحطب اختلط لونها بلون الرماد بعد أن أعطت للشاي نكهة العندليب ، الأفرشة الجلدية التصقت بوجه الأرض و طبعت فوق الوجنات قبلة و بعضا من ترانيم المجون ، الظلمة.. الظلمة .. الظلمة و مصباح كهربائي كان ينتظر سطوع شمس النهار ليستريح و ينام ، و شريط لأغنية ( التندي ) ظل في جهاز السيارة يلف و يدور ، و يده يا يده حملت رأسه و الجسم متكئ تسأله عن معنى أن ترحل و تهيم ... و سألته نقطة البداية عن كل المداشر التي ما منحته دفئها لحظة زارها الضياع و ارتحل ... سألته و سيجارة ( الإستون ) احترقت بين أنامله للمرة العشرة ، و سأله الذي توسد نصف صخرة عن اسمها و سنها و هل سترمي كل المطامع و تنتظره حتى يعود: و هل بصدها دفئ السماء عندما تشتاق العيون لحكاية الرموش – قالت له و ساعتها ترمق خصلتها في عجلة احبك لكني احلم أكثر من بساط الأرض عندما يسجنه الشتاء و يفر من بين يديه الربيع- و سقط أجندتها التي دون بها رقم الهاتف و العنوان في إناء الحليب ، ثانية واحدة و بعض المسافات تلتحق بصدر امرأة جديدة بجوفها سكن حلم بسيط و رجل بمثله هو و فقط ، أمها صرخت و هي تمسك بالدلو لكي تخرج الماء من البئر المنزلي – متى تحلبين العنزات يا طفلة- قامت و ارتجاجات الخوف ساكنة في عمق عمقها ، لباس ( التسغنس ) اتسخ ليبقى ما غطاه فاتن حد الدهشة ،
نظرت في قدها الممشوق و السدائل تشبكت بكل المساحات المكتنزة و سألت شيئا من أنفاسها الصاعدة و النازلة لتمسكه بكفيها ، غضت على شفتيه و بكت لأن كل هذا ما فتن رجلا كان بالأفق يمارس حرفة هندسة الأشياء الغريبة ، و سافرت و سافر بين الأوجه و ووجها واحدا أسرها كما تأسر أغصان الغابة القاتلة زهرة صغيرة على امتداد قشور كانت تبحث عن معنى الرحيق .
الأبنية الطينية المشرئبة الأسقف كانت تنتظر قطرة من ماء الصيف القادم من بعيد ، و النساء في أرحامهن طفل لغد قد يكون فيحمل بين اكفه موسما جديدا للغناء بعد سنين النواح ، و هو انتظر بكل جوارحه لحظة الخروج من عالم السفر إلى عالم السكون ليقتل وجها قديما لامرأة ما انفكت تزوره على مساحات اليقظة لتخبره انه لن ينساها ما نسيت الأرض شكل السماء ، الشارع الذي سكنت به كان أولى القبلات التي صلى بها و المغيب يغشاه بالسهاد، الباب الثالث اقترب منه صدر الحنين بدمه و صمت الريح أراد أن يقترب ، الخطوات انتقلت مرة أخرى إلى مدينة أخرى للروابي و رحيق الزهور و كلمات غابت عن الألسن ، الحليب سقط من يدها و صوته المبحوح و هو يتحدث إلى صديقه جعلها ترتعش كما ترتعش الأرض ساعة الزلزال المميت ، نظر إلى الباب ربما يفتح من قبل أناملها و انتظرت هي منه ابتسامة أخيرة ، العيون التصقت لأول مرة و لحظة الفرح سكنت وجنتيها و أشعلت ما بقي من العيدان المترامية ، انه ( الشناوي ( قرر أن يكون ببوح الصحاري معلما لامرأة ( التندي ) و الحطب ، لتنجلي مواسم الحيرة على امتداد الريح و الريح شكل ثاني للأوجه المبتسمة عندما تدركها ساعة الحقيقة ، و قالت له و قال لها و البداية قد تأتي عشية تمزيق كل الصور القديمة و الرحلة بلون الحليب.[/align]
جمال سبع
maktoob.com fata-abi@