الأدباء الشباب وردم الهوة القائمة !!
[align=justify]
أقف أولا عند مفردة " شباب" لأجد أنها كلمة تعريفية توصيفية لا تنقص ولا تزيد من قيمة الأدب المكتوب كما يتصور البعض .. فهي تشير إلى الأعمار لاالإبداعات وقيمتها .. وثانيا أقف عند الاهتمام المبتور والناقص بهذا الأدب وكأن القائمين على الثقافة يميلون إلى الأسماء المكرّسة متناسين أنها أسماء مرت بفترة الشباب ووجدت من يرعاها في يوم من الأيام .. يدفعني إلى ما قلته تلك الأمسية التي حضرتها في المركز الثقافي العربي باليرموك يوم الأربعاء 15/2/2006 للأدباء الشباب المبدعين: بشرى البشوات ، مرام اسلامبولي، خنساء الحكمية ، وسامر عبد الله .. ثلاثة منهم قرؤوا الشعر وواحدة هي بشرى البشوات قرأت القصة ..
في قصة " ثمة فرق يشبهني " قدمت القاصة بشرى البشوات نصا قصصيا ذا بنية متماسكة وموضوع جديد دافئ ، وكانت في عملية سردها قادرة على ربط المستمع وشده إلى متواليات تولّد حدثا لافتا يقوم على الفعل المضارع ، رغم اتكاء الرويّ على فسحة زمنية قصيرة .. والجميل أن بشرى تداخل ذات مولود في أيامه الأولى وتنقلنا في دائرة مشاعره ولوبان عينيه ، لتصل إلى شعلة القصة في النهاية حين نتبين أنّ هذا المولود اللقيط يقبض على معرفة أصله من خلال حادثة بسيطة .. أعترف أن بشرى البشوات قادتني كما الحضور بسلاسة وجمالية إلى ما تريد الوصول إليه ، فكانت قصتها ناجحة مكتملة البناء ..
قبل الانتقال إلى الحديث عن الشعر ، لا بد من الإشارة إلى اعتماد كل القصائد على لبوس قصيدة النثر ، ومثل هذا اللبوس يحتاج إلى قدرة فائقة لإقناع الحضور، لأن تعويض الوزن يحتاج إلى عدة عوامل داخل قصيدة النثر ..
الشاعر سامر عبد الله قرأ عدة قصائد تحمل الكثير من الدفء إلى جانب الصوت النثري الذي يتكئ على الصورة المفاجئة :" لا انشقاق في الوجه / يحسرك الولوج في الدهاليز / صيرورة أنها تلتحد / وبنيّ ينسج المضغة بسنارتين من الجمر / يا أبت ما الولوج في الناصية / سوى الولوج ".. هذا الازدحام في التصوير يحيل الذهن مباشرة إلى محاولة تغطية القصيدة بشباك لامعة تريد أن تحمي القصيدة من نفاذ العين إلى العمق .. وقد نطرب لصورة عند سامر عبد الله تقول :" نحن لن نعبر ضفاف الجنة / صوب ما لنا من حنجرة ضيقة / الوريد لا يتسع لآخر يحمل الصداع / وفينا كلّ نفس / يباس يلائم عرس البلاد".. .. يجتهد سامر من أجل إيصال القصيدة إلى مرفأ الأمان ،وهو شاعر مجتهد يعمل على تطوير قصيدته باستمرار..
الشاعرة مرام اسلامبولي تغزل شعرها بهدوء وروية ، وتميل إلى المقطوعة القصيرة التي تختزل الكثير .. تقول مثلا:" الغيمة البيضاء/ بصمة شاخت في الهواء/ الغيمة البيضاء/ حزن فاخر / يصعد منا ويعلق على حدود السماء ".. و"ظلنا / هو أسود خطايانا / من ثقلها / وقعت عن أرواحنا ".. أيضا :" الإعصار / ريح جنت من تشابه الجهات " الجميل عند الشاعرة مرام أنها واثقة من قصيدتها قادرة على بنائها بتميز .. والظاهر في هذه القصيدة ، بل البادي للعيان شدة الاعتناء بالتصعيد المكثف الآتي من طبيعة انسيابية في التعامل مع الشعر .. مرام أقرب إلى ما هو طبيعي غير مصنوع :" الليل صفحة سوداء / وأنا أسير / شهقتُ / لظلي لون أبيض !!/ تذكرتُ / أنك اليوم ابتسمت لي "... فانظر إلى هذا الظلّ الأبيض جراء ابتسامة !!..
الشاعرة خنساء الحكمية هي عازفة القصيدة الهامسة إلقاء وكتابة .. خنساء مسكونة بالكثير من الشعر الذي يبني الحكاية داخل الشعر .. فهي تلاحق الصورة والحدث معا :" وحده / صافحته بكفّ الروح / يدي قمر من الخضرة / ويده ليل من العشب / يفتح يديه للغيم الماطر / يروي الياسمينة / من غيمة حزينة / يضاعف دورة الزمان / يدخل كل المطارح / ومن فم مشرق / يغرد كلامه / جمرة تغلف قلبا من جليد / أو ربما عقارب تمر علي / لأجني ساعات العمر ".. نلاحظ كيف تبني خنساء حكايتها دون قطع مع المحافظة على الشاعرية الجميلة والصورة المدهشة .. تقول في قصيدة أخرى :" للياسمينة انتمي / ماء ويابسة / الماء قلّ/ حتى جفّ انتظاري / واخضرّ قلمي / واليابسة صارت مدى / أنا أمها .. وهي أمي .. بها أحتمي / تشرّد اسمي / من كل غصن / تحط عليه عيوني / الزهر لا يكفي / والشمس لا تكفي / والعمر لا يكفي / وأنا كي أبقى في كنفي / لا أكفي "..
ما قدمته يغطي جانبا بسيطا مما قدم في الأمسية ، ومما يشير إلى أن الأصوات القادمة تعني الكثير وتدعونا إلى الالتفات لها حتى نردم هوة ندّعي أنها جد عميقة وكبيرة حين نقول بغياب الأصوات الجديدة وهي بين ظهرانينا !!.. ألا يستحق هؤلاء ، ومثلهم كثر ، أن يأخذوا حظهم من الوصول والاهتمام والانتشار ؟؟..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|