الصمت صار جريمة
[align=justify]
هناك محاولة الآن، وربما تكون مستميتة، لقتل الأدب دون الترحم عليه وعلى أهله وقرائه .. وآفة ذلك، أو لنقل إن المرض الذي استفحل واستشرى، إنما كان جراء هجوم هؤلاء الذين ركبوا موجة قصيدة النثر والقصة القصيرة جداً ، فهذان مركبان لمن لم يجد مركبا من قبل .. فأنت تسمع بأسماء جديدة، وكأن أصحابها ولدوا حديثا، مع أن بعضهم تجاوز الخمسين، لم تسمع بها من قبل،مرتبطة بقصيدة النثر أو القصة القصيرة جدا .. وإذا كان من يكتب النثرية منذ سنوات طويلة لم يصل بعد إلى القدرة على إيجاد موطئ قدم، فكيف بمن يجيء اليوم، ول يملك من الموهبة شيئا أو ما يشبه الشيء ..!!..
مضحكون هؤلاء الذين تمهرجوا((من مهرجان )) ليضع الواحد منهم اسمه في زحمة الأسماء زاعما أنه صار من أهل الطريقة في القصة القصيرة جدا أو في قصيدة النثر، ولن تستطيع وإن أتيت بكل شيوخ النقد أن تقنع هذا الواحد أيا كان، أنه يعتدي ويخرب ويقلب ويتشقلب.. لأن من تمهرجوا معه أقنعوه أنه سبق شوقي والعقاد ومحفوظ والمتنبي، وأن كل من يقول غير ذلك، ما هو إلا معتد أثيم يريد إبعاده عن الطريق الصحيح الذي اختار .. فكيف بالله عليكم نقنع من سمع هؤلاء الذين تدكتروا((من دكتور)) بأنه فيلسوف زمانه، ووحيد عصره وأوانه، وأن طيب الذكر شكسبير لو سمع به لأجل موته حتى يحظى بمشاهدة سحنة هذا الفريد الوحيد !!..
والمشكلة أن قصيدة النثر ولدت عرجاء ومازالت ابتداء من التسمية وليس انتهاء بهذه الأسماء التي تنظر ولا تصل إلى شيء .. وأن القصة القصيرة جدا ولدت منذ العام 1970، أي قبل ثلاثين عاما، ورغم ذلك يطلع عليك نقاد من تفقيس هذا الزمان الغريب العجيب ليقولوا بثقة تكاد تفلقك وتفلقني معك، أن القصة القصيرة جدا التي ولدت قبل سنوات قليلة جدا(( فهم معجبون ب جداً)) ما تزال طرية العود وهي بحاجة لمن يقعدها، وكأن الأمر كله ما عاد ينقصه إلا وضع القواعد .. وإذا أنت نظرت في القواعد التي يضعون والشروط التي يشترطون لانتابك العجب العجاب، ومنه على سبيل المثال لا الحصر، أن طول القصة القصيرة جدا يمكن أن يكون بين سطور قليلة وصفحات!!ولا أدري كيف تكون القصة قصيرة جدا، ثم تأتي في صفحات.. سامح الله الدكتور سمر روحي الفيصل الذي كتب عن القصة القصيرة جدا قبل سنوات طويلة، فحدد وقعد وعرف ووضع النقاط على الحروف، وكان يريد أن يكمل في دراسة هذه الظاهرة حتى النهاية، لكن التدريس في الجامعة شغله، وترك للمقمطين فرصة أن يصولوا ويجولوا بعد أن أخذوا من كتاباته ما أخذوا ونسبوها إلى ذواتهم مدعين أنهم أول من نظّر وبكى واستبكى!!.. لو أن الدكتور الفيصل أكمل موضوعه هذا منذ سنوات وسنوات لأراحنا من نقيق الضفادع في عالم النقد الحديث أو ما بعد الحديث .. لأن الدكتور الفيصل عارف بموضوعه عالم به!!سامحك الله يا صديقي ..
وآفة الآفات ، إن لم نقل ثالثة الأثافي، أن المسؤولين عن الصفحات والأقسام الثقافية، يعرفون كل شيء عن كل شيء، إلا الثقافة، فهم أبعد الناس عن معرفتها ومعرفة ما فيها وما لها وما عليها .. فهم هكذا دون مقدمات صاروا مسؤولين عن الثقافة، وصارت أمور الشعراء والأدباء بين أيديهم، وهات يا رحمن يا رحيم !! إذ ما أن يقع شاعر جيد بين أيديهم حتى يصير عبرة لمن يعتبر ولمن لا يعتبر .. يأخذون في النصح والإرشاد وكأن الواحد منهم سقراط زمانه !!..
لنكن واقعيين وإن قليلا ونعلن وفاة قصيدة النثر .. فما عادت كل غرف الإنعاش تفيد، وما عاد يجدي الدواء في جسد ميت !!وإذا أراد أصحاب هذه النثيرة أن يثبتوا عكس ذلك فلن نطلب منهم الكثير، فقط ليقنعونا بأن هناك من وضع بصمة حقيقية في عالم هذا القصيدة النثر !! ولا داعي للتطبيل والتزمير بالعودة إلى التمسح بأعتاب الأديب الكبير محمد الماغوط، فهذا الأديب متعدد الجوانب، نبع ثر في الأدب كله، وقصيدة النثر عنده قطرة في بحر.. وربما من باب التذكير ليس إلا نقول إن الراحل يوسف الخال اختار عندما اختار القصيدة العزيزة على قلبه من موزونه (( خذوا كل شيء / زهوري حشائش داري / غناء العصافير عند الصباح )) أو كما ذكر الشاعر جودت نور الدين في حوار معه مؤخرا نقلا عن جبرا ابراهيم جبرا الذي (( تخوف من أن يكون هو وجيله قد مهد لهذا النوع من الشعر )) ..
لا يظن أننا نقف ضد الحداثة، أو أننا نميل لمحاصرة كل جديد .. بل نسعى لوضع الأمور في مسارها الصحيح ، فهؤلاء الذين يكتبون النثيرة وال جدا، يظنون أن التحلل من كل شيء هو الميزان ، وأن قتل الأدب وتمزيقه هو الدال على أنهم عباقرة عصرهم وأوانهم .. فنحن نطلب إعلان وفاة قصيدة النثر لأنها أصبحت جسدا بلا روح منذ وقت طويل .. ونطلب كنس المعتدين على فن القصة القصيرة جدا، لأن هذا الفن يقترب من الموت بخطوات سريعة .. ومهما تمهرج المتمهرجون فلا فائدة ترجى ما دام الذين تمهرجوا عددا من غير عدة، إذ كل واحد منهم أتى الحفل ظانا أنه دعي إلى وليمة عشاء قوامها الجمهور المسكين .. والجمهور القليل الذي أتى خرج وهو مقتنع أن الضحك على الذقون صار قوام مثل هؤلاء الأدباء .. السكوت ما عاد يجدي ..وما عاد يفيد .. هؤلاء يقتلون الأدب بكل قلة أدب !! ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|