عودة لنطق الحروف:ـ
هم من العماليق الذين كانوا قد استقروا بها ، وأطلق عليهم الهكسوس ، وهم كنعانيون ، على اختلاف فئاتهم من عموريين ، وأوجارتين ، وبونيين ، وبربر وفينيقيين ، وكل هؤلاء ـ كما سبق ـ قد خرجوا من نفس المنطقة ذات الموقع المتحدث عنه ، وخاصة الذين خرجوا منهم عن طريق الغرب ـ كنعوا ـ … وهنا ترى أن ما ظن أنه مفقود من الحروف …. اتضح أنه ليس كذلك عند العودة إلى جنوب جزيرة العرب ؛ مواقع أصول أولئك الراحلين ؛ لأن من قال بفقدان بعض الحروف من تلك اللهجات ، كان يجهل الطرق والأساليب التي كانت تنطق بها تلك الحروف ، في مواقع من رحل ، كالعبادل والغمر وفيفا وغيرهم ، من الذين
(1) هذه المنطقة بمواقعها تقع جنوب المملكة العربية السعودية ، وقد كتبنا عنها كتابةً مطولة في البحث الأم (( الحلقة المفقودة )) . (2) مقابلة شخصية مع الشيخ/ علي بن يحيى بن جابر اللغبي . أحد مشائخ العبادل . (3) ملامح فقه اللهجات العربيات القديمة ص: 345.
صفحة 19
لو سمعت أحفادهم اليوم وهم يتحدثون مع بعضهم لجزمت أن الكثير من أحرف الفصحى لا وجود لها في ألسنة هؤلاء الأحفاد ، والعكس صحيح ؛ لما يعتري ذلك النطق من قلب وإبدال ودمج ودمغ ، كحرف :
الضاد:ـ
الذي ينطقه بعض هذه المواقع بصور متعددة ، فهناك بعض من بطون فيفا ينطقونها (( فاء )) ـ إبدال ـ فيقولون في (( ضرب )) (( فرب )) وفي (( ضفدعة )) (( ففدعة )) في حين نجد بعضاً منهم ينطقونها بصورة مغايرة تماماً للنطق السابق ، أي نطقاً لا تستطيع أن تميزه أهو (( ثاء أو (( ظاء ))(1) … أما إن انتقلت إلى جيرانهم العبادل ـ ثلاثون كيلاً عنهم ـ فستجد لهم نطقاً يغاير نطق إخوانهم الفيافية ،…. إذ أنهم حين ينطقون هذا الحرف (( ض )) في محادثاتهم ؛ فإنك لا تستطيع أن تفهم الكلمة التي يدخل في بنيتها هذا الحرف ، إذ ينطقونها بصورة تظن أنهم أبدلوها بحرفين آخرين ، فكلمة (( ضلع )) مثلاً : ينطقونها هكذا (( شتلع )) … لكن هذا النطق ليس دائماً إذا نراهم ينطقونها بصورة مغايرة لها في كلمات أخرى ، ككلمة (( ضرس )) ينطقونها (( كرس )) … إذن فالضاد قد تحولت عند النطق ـ انقلبت ـ كافاً (( ك )) ، وليس هذا فحسب ، بل تجدهم ينطقونها في كلمة أخرى نطقاً هو أقرب إلى حرف (( ش )) ككلمة (( ضفدعة )) ينطقونها (( شفدغة )) والعين قلبت غيناً … ورغم كل هذا التباين في نطق تلك الحروف وعدمها نجد في فيفا من ينطق حرف (( الضاد )) نطقاً سليماً فصيحاً حتى في لهجته المتبلبلة ، ككلمة (( ضاها ـ ضاوي ))(2) … إذن فالأمر لا يخرج عن كونه تباين ألسن كان يحصل هنا ، كما كان يحصل هناك ؛ لأن من هم هناك ، هم أصلاً من هنا ، بدليل أن من سموا بالكنعانيين ، ـ وهم من هذا الموقع ـ كانت لهجاتهم ، لهجات هذا الموقع وما حوله ؛ من حيث التعدد والتباين ، ولذلك كانت بعض هذه اللهجات تنطق بعض هذه الأحرف بصور مختلفة ، كحرف الضاد ، فظن من ليس له علم بلهجات أصولها في مواقعها أنها مفقودة …. فحرف الضاد الذي وجدناه ينطق بصور مختلفة متباينة حينا ً, وحيناً ينطق نطقاً سليماً ، وجدنا مثله لدى بعض الناطقين ممن سموا بالكنعانية وأخواتها ، ولذلك قالوا : إن بعضاً من تلك اللهجات ـ الكنعانية ـ كان فيها صوت حرف الضاد ينطق صريحاً وسليماً ، كما وجد متمثلاً باسم (( بيض ملك )) … وكاللهجة الإبلائية التي وجد في بعض نقوشها ـ وهي كنعانية ـ في كلمتي (( وضاؤم … )) بمعنى (( وضوء )) .. و(( حامضو)) بمعنى (( حامض )) …))(3)…. ومما يؤكد ان هذه الحروف كانت موجودة ، وإنما طرق وأساليب النطق التي كانت تنطق بها تلك القبائل وبطونها ، وتمازجها حيناً وتباعدها حيناً آخر ، تبعاً لذلك ، هو ما أربك أولئك الذين كتبوا عنهم ـ بعد مضيهم
بقرون طويلة ـ ، مع عدم رجوعهم لمواقعهم الأصلية التي رحلوا عنها ، كل ذلك جعلهم يتخبطون في كل ما قالوه عن ألسنة تلك الأمم ، كقولهم : (( .. وأماالكنعانية
(1) لهجات فيفا ، محمد بن مسعود الفيفي مخطوط ص: 85. (2)محمد بن قاسم اللغبي العبدلي ، تسجيل صوتي , محمد بن مسعود الفيفي / لهجات فيفا / مخطوط ص: 106. (3)ملامح من فقه العربيات القديمة ص: 243ـ244.
صفحة 20
فكانت تستغني عن استعمال حروف (( الألف ـ والواو ـ والياء ـ والهاء )) في أحوال كثيرة … مع أنه ليس في الإمكان أن تفهم الكلمة بدونها .. فمثلاً (( بيت )) كانت تكتب (( بت )) وكلمة (( قول )) صوت كانت تكتب (( قل )) ومدينة (( صيدا )) كانت تكتب (( صدن ))….))(1) …. وإذا كانت ـ ماسميت ـ بالكنعانية ـ ، كانت تستغني عن استعمال هذه الحروف في حالات كثيرة … فقد كانت في حالات أخرى تستعملها … أي أن بعض البطون كانت تستعمل هذه الحروف نطقاً وكتابةً ، وبعضها كانت لها طرق تختلف عن سابقتها ، وكلا الاستعمالين لا يخرجان عن ألسنة لهجات قبائلهم ، سواء كانوا في أرض بابل أو في مواقعهم الأصلية ، أو في أي بلاد سكنوا فيها ، لأن ذلك إرث توارثته ألسنتهم منذ زمن تبلبل أصولها في جنوب جزيرتهم وخارجها ،ولذلك قالوا : (( .. كشكشة بكر ، وشنشنة تغلب ، ورنة العراق … وغمغمة قضاعة ، وطمطمانية بني حمير …))(2) إذن فهناك طرق وأساليب كانت لتلك القبائل وبطونها لنطق كلامها ، …. وتلاحظ ـ هنا ـ أن ما قاله المستشرقون عن طرق .. استعمال تلك الأحرف عن من سموا بالكنعانيين ، لا يخرج عن واحدة مما أشار إليه مؤرخوا العرب ، فالرنة ، والغمغمة ، والإدغام ، .. وخصوصاً الرنة والغمغمة ، فلأنهما كانا في أرض العراق ـ بابل ـ ، وإذا كان الاستعمال الكنعاني ـ كما قالوا ـ كان غير واضح ، لعدم استبانة المُخَاطََََََب ما يقول المُخَاطِب ؛ لنقص كلامه لبعض تلك الحروف ـ الألف والواو الياء والهاء ـ .. والحقيقة هي غير ذلك؛ لان تلك الأحرف كانت موجودة ومستعملة في الكلمات التي قالوها ، وإنما الأمر أن هناك طرقاً ، كما قلناه ـ سواء كان ذلك في النطق أو في الكتابة ، ففي الكتابة ـ مثلاً
الكتابة و النقوش : ـ
وهو ما وصل لأولئك المستشرقين الذين قالوا ما قالوه ، عن نقص تلك الأحرف ـ نجد أن مؤرخي العرب يقولون عن الألف عند أهل تلك المواقع : (( إن كتبة حمير كانوا يكتبون بحذف الألف إذا وقعت في وسط الكلام ، وقفاهم المسلمون في كتابة المصحف ، فطرحوا ألف الرحمن ، والإنسان ..))(3).. إذن فوجود كلمة (( قل )) بدل (( قول )) ،.. لا يعني أن حرف الألف لم تكن موجودة في لهجة من سموا بالكنعانيين ، وإنما هي موجودة ، ولكنهم كانوا يحذفونها نطقاً فقط ، فسرى ذلك قانوناً في الكتابة عند أهل هذه المواقع الذين سمي من خرج منهم بالكنعانيين ، ومن بقي بالحميريين ، بدليل وجود ذلك في المصحف الشريف ، ومثل الألف والواو والياء ، لأن كل واحد منها تنقلب إلى الأخرى ، فالألف تقلب واو والعكس كذلك ، وتقلب ياء والعكس كذلك ، وتقلب هاء والعكس كذلك ،(4) .. إذن فالأمر ليس كما قاله من لا علم له بأصول هذه اللهجات موقعاً وإنسانا ًً… لكنه استعمال لا يفهمه إلا أهله ، كالهمداني وأحفاده ، بدليل ماسبق أن اشار إليه مؤرخوا العرب حول أساليب وطرق نطق (( الرنة والغمغمة إلخ … )) فهذه الطرق رأينا الكثير يقولون بخطئها وشذوذها في اللسان العربي والسبب لأنهم حاولوا أن يضعوها على موازين فصيح تلك الألسن ، وهذا غير صحيح ، لأن هذه الحالات تمثل فترات تبلبل تلك الألسن ـ كما سبق أن قلنا ـ داخل الجزيرة وخارجها ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ولغنسون ص:60ـ61. (2) الطبري ـ تاريخ ـ ص:320ـ321/1. (3) الإكليل ـالهمذاني : ج4 . ـ مجلة الفيصل عدد ( 76) سنة ( 1983م ) ص: 81. (4) يرجع لهذا الموضوع لبحث (( الحلقة المفقودة في عربية اللهجات السامية ـ لعبد الرحمن الرفاعي
صفحة 21
فالرُنُّة :ـ
تشبه طريقة الرتج في الكلام : أي أنها تمنع أول الكلام ، فإذا جاء منه شيء اتصل أول الكلام بآخره .. وهذا النطق لا يزال موجوداً في كثير من المواقع التي تحيط بموقع الأثر الذي نتحدث عنه ، وهو الموقع الذي قلنا برحيل من سموا بالكنعانيين منه ، ، إلى أرض العراق وغيرها … وهذا الأسلوب في النطق ، هو قريب من غمغمة قضاعة ـ وهي أيضاً من هذه المواقع رحلت إلى أرض العراق ـ ؛ وهي أن تسمع الصوت ولا يبين لك تقطيع الحروف ، عندما تأتي بين حرفين ، كما في ( أنف )) التي تكتب وتنطق (( أفّ )) و (( أتّ ـ وأنت )) و (( أفّس ـ أنفس )) وهذا كله كان موجوداً في الكنعانية ، وفي لهجات الموقع الذي خرجوا منه قديماً ، وإلى الآن ، فمثلاً ـ وإن كان سبق الحديث عنه بكثرة ـ ، المعينية والسبئية كانوا ينطقون (( سنبلة ـ سبّل )) بدون نون ، والقتبانيون كانوا ينطقون (( أنف ـ أفّ )) وأهل فيفا إلى الآن يقولون (( أنف )) بعكس العبادل الذين ينطقونها (( أفّ ))(1) ، إذن فمن سموا بالكنعانيين لم يكونوا يستغنون عن تلك الأحرف ، وإنما هو استعمال يعود لواحد من تلك الطرق والأساليب … وإذا عدنا إلى نفس الموقع ـ الذي نتحدث عنه ـ سنجد أهله إلى الآن يقولون (( بت )) ويقصدون (( بيت ))(2) … وإذا أردنا زيادةً فليس هناك أقوى من أدلة : ـ
النقوش :ـ
فإذا رجعنا إلى بعض النقوش الكنعانية ، ووقفنا عند بعض من جملها ، فسنجد جل خصائصها لاتبعد عن خصائص المواقع التي هاجروا منها في جنوب جزيرة العرب ، وهي مواقع معينية الآثار إلى الآن ، … كهذه الجملة الواردة في نقش (( كلموا )) : (( ص ـ وانخ تمخت مشكبم ليد وهمت شت نبش كم نبش يتم بام ومن بين(3))) وترجمتها ـ كما وردت ـ (( وقد حميت أهل مشكب حتى سكنوا إليّ سكون اليتيم إلى أمه … ومن أبنائي (4).. )) .. وبتأمل نص الجملة السابقة وترجمتها تجد شيئين رئيسيين يلفتان نظر كل من له معرفة بلهجات قبائل المواقع التي نتحدث عنها بجنوب جزيرة العرب الآن ، …. من ذلك وجود حرف (( ص )) في بداية النقش ، …. .. وعندما تعود لترجمة العبارة السابقة ، تجد اللهجة التي كتب بها النقش ، كانت تستخدم هذا الحرف (( ص )) رمزاً لدلالة التأكيد والتحقيق، وهي (( قد )) ، كما قال ذلك مترجم العبارة السابقة ، وإذا رجعنا إلى الموقع الذي نتحدث عنه ، سنجد أن هناك تفصيلاً وتنوعاً لاستعمال هذا الحرف (( ص )) بحسب تعدد هذه المواقع …. فمثلاً : لو اتجهنا صوب موقع جبل رازح ـ من جبال النظير ـ والغمر، وبعض مواقع بجبل العبادل ؛ سنجد أن استخدامهم لهذا الحرف يتم على عدة استخدامات ،…. فهم إن شدّدوا هذا الحرف ونطقوه مفخماً ، فهم يقصدون به حرف التوكيد (( إنّ )) الموصول بضمير شأن …. كأن يقولوا لمن سأل : (( من فعل هذا ؟ )) أجابوه بقولهم : (( صا ـ ص ـ محمد ))(5) أي (( إنه محمد )) … أما إن أولوه
(1)لهجات اليمن/ شرف الدين.(2) علي يحيى جابر اللغبي ( تسجيل ) .(3) ولغنسون ص:63. (4) المرجع السابق ص: 63.
(5) تسجيلات ميدانية من نفس المواقع المتحدث عنها .ورسالة خطية من الأستاذ/ محمد بن مسعود الفيفي.
صفحة 22
فعلاً فيقصدون به التحقيق : أي حرف التحقيق (( قد )) … أما إن نطقوها مخففة ؛ أي حرف (( س ـ سا )) ، فهي عندهم حرف جر بمعنى (( إلى )) مثل قولهم : (( آتي سنحك )) أي (( آتي إليك )) ، وبعضهم يقول : (( سنّك )) أي (( إليك )) ، ويشارك من سبق في النطق الأخبر جهات : هروب ومنجد ، وبعض العبادل … والقبائل التي يوجد بها الموقع الأثري ، وهم قبائل بني معين ، وفيفا الذين لا يوجد في لسانهم النطق المفخم ، بل ينطقونها في كلا الاستعمالين (س) وهذا يعني أن اللهجة التي كتب بها النقش ـ السابق الذكر ـ لا يبعد أن يكون أهلها ـ اللهجة ـ قد هاجروا من نفس المواقع التي وجدناها تستعمل حرف (( ص )) بنفس طرق استعمالها لديهم ، سواء كانت الترجمة لاستعمال هذا الحرف صحيحة كما هي في اللهجة التي كتب بها النقش أو أنها كانت لا تمثل إلا لسان من نقش النص ـ كما قالوا ـ … فإن الحقيقة واحدة ، وعلى ذلك فلهجة النقش لا تخرج عن لهجات جنوب جزيرة العرب بدليل آخر نستطيع أخذه من العبارة السابقة ـ عبارة النص ـ وهو أن كاتب النص جعل علامة جمع المذكر السالم (( ميماً )) بدلاً من علامته المعروفة في لسان القرآن الكريم ـ الياء والنون ـ ، وهي قوله : (( من ـ تمخت ـ مشكيم …)) ، أي : (( المشكبين … أو أهل مشكب )) … وإذا رجعنا إلى كثير من النقوش التي وجدت قديماً وحديثاً في الكثير من المواقع التي أشرنا إليها ، فسنجد نفس الاستعمال لهذه الصفة ، أي أنهم كانوا : (( يختمون جمع المذكر السالم بالميم مثل: (( حميرم .. أي الحميريين …. ))(1) … وليس هذا فحسب ما يؤكد صدق انتماء أولئك الذين لايزال نسلهم ونسل أحفادهم يتعاقب في هذه المواقع ….. بل هناك الكثير من الصيغ والرموز التي وجدناها واحدة الاستعمال عند الجميع ، سواء من كان منهم قد سمي بالكنعانيين أو غيرهم كالآكاديين والبابليين وغيرهم … أو من بقي منهم على تسميته التي عرف بها في موطنه كالمعينين والسبئين ، لأنا لو رجعنا إلى نقوش كنعانية أخرى ـ قديمة ـ سنجد أنهم كانوا يستخدمون هذه الصيغة : (( إل )) ، للنفي عموماً ، إضافة لبعض الاستعمالات التي يحدد مدلولها في الجملة التي وضعت بها المقصود منها في هذا الاستعمال …. فمن استعمالها للنفي ـ مثلاً ــ ، ورودها في بعض عبارات نقش (( اشمنعزر )) ملك صيدا ، التي وردت عبارته الحادية عشرة بهذه الصورة : (( حلت زوايت زرع مملت ها أم أدم همت أل يكن لم شر ش لمطوا ….))(2) … وقد وردت ترجمتها هكذا : (( الخلة ونسل ذلك الملك أو ذلك الإنسان ، لا يكون لهم جذور من تحت )) (3)….. وهذا الاستعمال ـ الكنعاني ـ (( لإل )) رمزاً للنفي ، لم يكن قاصراً عليهم وحدهم ؛ لأنا لو عدنا للموقع المتحدث عنه ، سواء من كان بهذا الموقع معاصراً لإخوته الذين خرجوا من عندهم واستقروا خارج جزيرتهم ، وظلوا على تسميتهم بالمعينيين ، أو السبئيين فيما بعد ، سنجد أنهم كانوا يستخدمون نفس الاستعمال الذي سمي كنعانياً …. فقد جاء في بعض النقوش التي قيل إنها كتبت بلهجات معينية،أوسبئية؛؛
(1) لهجات اليمن قديماً وحديثاً ـ أحمد شرف الدين ص: 17.(2ـ3) ولغنسون ص: 69ـ70، ومشافهة: عن محمد بن قاسم اللغبي وسلمان العبدلي .
صفحة 23
قولهم : (( إل يمنعوا .. أي لا يمنعوا … ))(1) .. وهذا الاستعمال ، نجده بعينه الآن في موقع بني معين ـ الموقع المتحدث عنه ـ ، وكذلك في المواقع الأخرى حوله كالغمر والعبادل ، وجهات النظير ، وصعده وغيرها … وإذا كانت هذه المواقع كانت ولازالت تتحدث بهذه الصيغ والخصائص والرموز التي عثرت عنهم ، في نقوشهم التي عثر عليها في مواقعهم … أفلا يعطينا ذلك يقيناً أن تلك اللهجات التي كتبت بها تلك النقوش هنا وهناك أنها واحدة ، وهذا يؤكد ما سبق الإشارة إليه ـ باختصار ـ في هذه الوريقات ، وبإسهاب في البحث الذي أخذت منه هذه الوريقات ـ، يؤكد أن أولئك الذين سموا بالكنعانيين ؛ هم معينيون وإن غلب عليهم مصطلح الكنعنة، وهذا ما ذهب إليه المستشرقون أنفسهم ، الذين أكدوا على هذه الحقيقة حينما قارنوا بين الكنعانيين والمعينيين أرضاً ولغةً وخطاًّ إلخ ـ كما سبق ـ … وبهذا كله يتأكد لدينا بناءً على كل ماسبق ؛ أن من سموا كنعانيين ..،،
أسماء القبائل والبطون واحدة :ـ
هم معينيون ، وتحديداً من نفس الموقع الذي وجدنا به الأثر الذي جرّنا للحديث عنهم وهو موقع قبائل بني معين الواقع بجبال منطقة وادي جازان … بدليل ـ إضافة لما سبق ـ أن كثيراً من أسماء البطون والقبائل التي كانت تنضوي تحت تسمية الكنعانية ، بقيت تحتفظ بأسماء آبائها العربية المعينية الأصلية بعد هجرتها وتفرقها في شتى الأقطار والبلدان والأقاليم ، كما كانت تسمى بها في مواقعها في جنوب جزيرة العرب ، والتي لا تزال أكثر جذورها باقية بها، إلى الآن …. والتاريخ سجل للماضي والحاضر … ومنه روي (( أن السيدة سارة ـ رضي الله تعالى عنها ـ زوج نبي الله إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، قد توفيت بقرية في بلاد الشام تدعى (( جيرون )) من بلاد بني حبيب الكنعانيين …))(2) وهنا تلاحظ أن تسمية هذه البطون الكنعانية بقيت كما هي عربية لم تتغير ، بل إذا عدت إلى الموقع الذي نتحدث عنه وما حوله من مواقع ممتدة الآن لوجدت قبائلاً وبطوناً لا تزال تسمى بنفس تلك التسمية ، وهم قبائل (( آل حبيب )) ـ بني حبيب ـ ووائلة والجهرة … ومثلهم قبائل وبطون الجويَّين من شعوب كنعان …. فقد روى التاريخ أن نبي الله لوط ـ عليه الصلاة والسلام ـ (( حينما خرج مع عساكر كنعان وفلسطين للقاء ملوك الشرق الذين زحفوا إلى أرض الشام ….. وأنه عليه الصلاة والسلام ـ قد تراجع أمام المهاجمين الذين : (( أصابوا من أهل يَسْعيين إلى فاران التي في البرية ، وكان بها الجويون من شعوب كنعان أيضاً … ))(3) … وبالرجوع إلى المواقع التي نتحدث عنها بجنوب جزيرة العرب ، وجدنا أن هناك أكثر من موقع في هذه المنطقة يحمل ساكنوه هذه التسمية ، فمثلاً ـ هناك جوّة بني شراحيل جهة الحقو ، وبني مالك ، وهناك : جوّة آل أمشيخ (( الشيخ )) جهة فيفا الناحية الشرقية ، أي أنها في الوسط بين فيفا وبني مالك جهة جماعة وعاصمتها (( منَّبة )) ، وهناك جوّة الخبراية شرق العارضة ـ جازان ـ ، وهناك جوّة قحطان (( سراة عبيدة )) … إذن فالحبل كان موصولاً … ولذلك لا تستبعـد أن يكـون أولـئك الكـنعانيـين هـم فـعلاً من
(1) شرف الدين لهجات اليمن. (2) ابن خلدون ص: 69/2. (3) ابن خلدون ص:64/2.
صفحة 24
أصول هذه المواقع في جنوب جزيرة العرب ، شأنهم في ذلك شأن البونيين ـ منهم ـ الكنعانيين ـ الذين خرجوا من مواقع آل البوني في جبال القشم جهة اليمن ، والتي لازالت تدعى بهذه التسمية إلى الآن … إذن فأصحاب تلك الأسماء هم امتداد لهؤلاء ، وقد حافظوا على أسماء أسرهم ولم يغيروها ، بل أبقوها كما هي على عادة آبائهم وأجدادهم الأصلاء ، ولذلك وجدنا ألسنتهم نسخاً من ألسنة هؤلاء ؛ بدليل أن التاريخ قد روى أن أحفاد عمليق ؛ قد كان خروجهم من جنوب جزيرة العرب من جهتين ، جهة الشمال الشرقي ؛ وهم من سموا بالفينقيين ….. ومنهم من خرج من جهة الشمال الغربي ، وهم من سموا بالكنعانيين ، وقد سبق الحديث عن أسباب تسميتهم بذلك …. على هذا فالكنعانيون هم معينيون ، وتحديداً من موقع بني معين ؛ الذي كانت كل هذه الوريقات حوله …. وهم من معين جبال وادي جازان الواقع بجنوب المملكة العربية السعودية الآن … جنوب جزيرة العرب …. وبعد أظن أني قد وفقت في إجابتي لما طلب مني حول موقع أثري من مواقع آثار منطقة جازان ، وأهميته … ،، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين وإلى موقع آخر نتحدث عنه قريبـاً بـإذن الله تـعـالى ؛؛
عبد الرحمن بن محمد بن يحيى الرفاعي
====
صفحة 25
ملحق يوضح الصور التي
أخذت من الموقع : ـــ
1_ الصورة رقم (1) توضح الموقع الأثري ؛ بالمعبد القائم بأعلى الجبل ـ كما ستوضحه الصورة الثانية …. و توضح كذلك الطبيعة الساحرة و الجمال الخلاب حول الموقع . و نلاحظ إلى اسفل من الخلف من بعيد تظهر مساكن القبائل الآن ، حول آثار المدينة القديمة ، وبالقرب من المعبد بعض مساكن القائمين عليه قديماً.
الصورة رقم(1)
2ـ الصورة رقــم ( 2 ) ـ توضح موقع المعبد القائم إلى الآن ، و طبيعة المكـان
حوله ، وإلى اسفـل منه من الناحية الشـمالية ، لاحظ بعض الآثار التي كانت قائمة اسفل منه و تظهر أنها كانت لحمايته ، و تلاحظ من الخلف من جهة الجبـل الخـط غير المعبـد الموصل إلى موقع المعبد و المدينة الأثرية التي كانت حوله ، و جمال طبيعة الجبال حوله التي تكاد تتحول خضرتها إلى سـواد .
الصورة رقم(2)
3 ـ الصورة رقم ( 3 ) وكذلك صورة رقم ( 4 ) ـ و توضح موقع المدينة الأثرية ، و قد دمرت تدميراً كاملاً و تلاحظ فيها مواقع المساكن التي دمرت ، و سعة المدينة و جمال الموقع الذي نامت عنه أعين القائميـن على السياحة و تلاحظ في الصورة أحد أبناء قبائل بني معين الذين يصرون على أن هذه المدينة و معبدها هي قرنو (قرنا) ، و هو واحد من الذين دلونا على الموقع و ما به من كنوز أثرية …. و تلاحظ خلفه أكوام المدينة المدمرة و بعض البقايا من صورها .
صورة رقم ( 3 )
صورة رقم ( 4 )
4 ـ صورة رقــم ( 5 ، 6 ) ـ و هما يوضحان بقايا آثار المقبرة ، و بقايا القبور الكثيـرة المنتشرة بـداخلها و تلاحظ قدمي أحد أبناء بني معين الذين كانوا معنا أثناء تجوالنا ، و ترددنا على هـذا المـوقع .
الصورة رقم ( 5 )
الصورة رقم ( 6 )
5 ـ صورة رقــم ( 7 ) و تلاحظ فيها بقايا ، صور المدينة المدمر ….. و تلاحظ في الصورة رقم ( 7 ) أحد شيوخ بني معين يقف و جزء من الصور ، خلفه و داخله يظهر جزء من موقع المدينة الجميل ، و هو من الشيـــوخ المعمرين المتعصبين على أن هذه المدينة هي ( قرنو ـ قـرنا ) ….
الصورة رقم ( 7 )
6 _ الصورة رقــم ( 8 ) أخذت لصخرة منصوبة داخل المعبد مكتوب عليها بالمسنـد ( خي امتاب ) ، و حينما سألنا أحد
الشيوخ الذين كانوا معنا أجاب إن
الكتابة التي عليها تعني ، أن من كان يذنب
من أهل هذه المدينة يأتي و يقف أمام هذه الصخرة و يعتـرف بذنبه ، و يطلب التوبة و الصفح عما ارتكب ، و تفسير الكتابة حرفياً ، هو
( أن خي ، تأخذ مدلول خي الجمل الذي يوضع فوق ظهره و يحمل عليها الأحمال ، و (امتاب ) أي مكان التوبة ( و المعنى كله هو ( المكان الذي يتحمل الذنب عنك ويتوب عليك و قد ترجم الأخ محمد بن مسعود الفيفي خط المسند المكتوب عليها، لأنه يجيد قراءته و كتابته .
الصورة رقم ( 8 )
7 ـ الصورة رقم ( 9 ) ـ و هي توضح صخرة كبيرة داخل المعبد ، يطلق عليها النصب ، …… أي أنها الصخرة التي تذبح عندها القرابين التي يتقرب بها لصنم المعبد الموجود ، في هذا الموقع ، و الصخرة كبيرة جداً كما هي في الصورة رقم (13) التي تلاحظ أنها قد وضع بها حفرة صغيرة في وسطها قلم أثناء التصوير .
الصورة رقم ( 9 )
إذ هناك نقر كثيرة ، كل واحدة منها خاصة بشئ من ذلك ، كالنقرة التي نلاحظها في
الصورة رقم ( 10 ) و تلاحظ أن يد أحد الزملاء تشير إليها … أما الصورة رقم ( 11) فهي توضح إحدى تلك النقر ، ولكنها كما ترى هي أكبر تلك النقر ، و هي خاصة يصب بها دمـاء القرابين التي تذبح تقرباً لصنم هذا المعبد و مثلها الصـورة رقـم : ـ
9 و12 ،13 ، 14 ،.
الصورة رقم ( 10 )
الصورة رقم ( 11 )
الصورة رقم (12 )
الصورة رقم (13)
الصورة رقم ( 14)
و هو يوضح إحدى النقر المحفورة على هذه الصخرة ، و هي خاصة لوضع شئ ما قد كانوا يضعونه في هذه النقرة تقـرباً .