التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,861
عدد  مرات الظهور : 162,368,846

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > جمهوريات نور الأدب > الجمهوريات العامة > جمهورية كلّ العرب
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04 / 12 / 2009, 31 : 04 AM   رقم المشاركة : [1]
موسى اوشقري
كاتب نور أدبي
 





موسى اوشقري is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

المصير المجهول

إلى أمي التي عانت بسبي كثيرا..
إلى أبي الذي شملني بعطفه ورعايته وحنانه..
إلى جميع الأصدقاء الذين عرفتهم في حياتي..
أو أعانوني على إتمام هذا العمل..
إلى السيد حمزة الذي أعطاني بكفاحه المستميت من أجل تحمل عاهته المستديمة الشجاعة والعزيمة والكفاح..
إلى الجميع متشكرين..











سْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة:

ما الذي يجعل من حياة كل فرد قيمة منفصلة ومنقطعة عن باقي الناس الذين يعايشهم ويسايرهم. أهي ميزة أم سمة أم صفة مميزة.
هل نحتاج حقا إلى كل هذا لكي تكون حياتنا ذات قيمة ومغزى..
لا أعتقد أن هذا ضروري في حياة الأفراد والجماعات.. هناك دائما إحساس بالتميز وشعور بالتفوق. ولكن في حدود تجعل من الحياة قيمة مطلوبة لذاتها.. فهل يجب أن أكون غنيا أو مشهورا أو أن أكون مجرما خطيرا أو غبيا ساذجا لدرجة البله لكي تكون حياتي فلتة من فلتات الزمن و لكي يكون بإمكاني تدوين يومياتي أو تسطير سيرة حياتي..
كلا؛ وإلا لأصبح لزاما القيام بشيء مميز ومفارق للواقع وللوقائع العادية لكي يكون من حقي البروز والظهور ومن تم توجيه الخطاب أو النصيحة للآخر؛ وهذا ما يجعل العلاقة العفوية أمرا باطلا والتواصل ممتنعا.. فأي إنسانية هي هذه التي لا تقبل سيرة غير عتاة المجرمين، أو السياسيين أو المفكرين وكأن الحياة نفسها لا تسير حياتها الرتيبة إلا بهم..
نعم؛ لا بد لكل مجتمع من رواده؛ ولكن هل من اللازم أن يكون جنسا آخر غير الناس العاديين الذين نصادفهم في طريقنا أو نتعامل معهم في حياتنا اليومية.. هل لا بد من خلق هذه الهالة والقدسية.. وبالتالي صنع العتاة الذين يتحكمون في رقابنا من غير أن يصبح لنا الحق في محاسبتهم؛ وإرشادهم إن هم وقعوا في المحظور.. بل إن المحظور نفسه لا ينطبق حينئذ إلا على العامة.. ومن تمت ما قيمة الوجود ذاته غير هذا الاحتكاك القوي والتفاعل الغير العادل ما بين قوى مغايرة..
وفي حياتنا الكثير من القهر والظلم والجور الذي نؤثث له من غير أن نشعر بذلك ونحس.. ففي خطابنا اليومي وتعاملاتنا الإعتيادية نصنع الحواجز والفروق الإجتماعية ونرسخها حتى إذا ما وقعت الواقعة تساءلنا ما الذي يحدث؟ ولما يا رب يحدث هذا معنا..
في حياة كل فرد لحظات يعيشها بعمق.. وبرتابة أحيانا، غير أن الفروق الدقيقة التي لا تظهر للعين سرعان ما تطفوا على السطح خالقة غيمة من القلق والأحزان التي لا تجد تفسيرا لها في معهودنا وثقافتنا وعاداتنا..
أحيانا يقال لك توقف.. لا تفعل هذا.. لا تقل هذا.. لا تفهم لما وكيف .. تستمر تجادل أو في لا مبالاة شديدة؛ تتركب خلف ظهرك العقد والمشاكل ولا تحس بها إلا وهي تهوي عليك في دفعة واحدة.. تماما كما يحدث في قتال الشوارع حينما تقوم بحركة عفوية غير محسوبة.. تجد أعينا تراقب أدنى الأخطاء.. وفجأة تغوص في قعر من الصراعات التي لا تدرك أصلها ولا غايتها.. وفي الكثير من الأحيان لا يكتب لك أن تعرف إما بسب تورطك ودخولك معتركا صعبا تتعذر معه الرؤية الصافية أو تسجن فتنقلب كفة ميزان حياتك فتتيه في إعادة التوازن مع فقدان الآلية المحركة أو تكون في عداد ألأموات لا قدر الله..أو تتمكن من الإفلات والنجاة فتعد هذا ميزة وفخرا..المهم يتغير مسار حياتك وتتيه دفة توجيهك..
أحيانا يحدث أن تكون في الطريق لا شيء يدعوا إلى الريبة أو الشك، لا شيء بتاتا؛ تم فجأة تتوقف عجلة الأحداث، ويستمر السؤال ساذجا غبيا.. لما؟. تتوقف الحياة الرتيبة؛ أوتجد نفسك في نفق مغلق وتحس بحياتك ثقيلة بلا قيمة ولا معنى؛ أوتحس بالطرق كلها مغلقة موصدة في وجهك وتقول: كيف السبيل؟ أين المخرج؟ أين يكمن الخلل؟ ما العيب في أو الخطأ الذي ارتكبته حتى يحدث لي هذا؟..
وفي الكثير نغتر بوثيرة حياتنا وقيمها المتذبذبة فنخلق تصورا عفويا سرعان ما يدخلنا في محك صعب، ويقفز السؤال إلى الوجود هل بإمكاننا الاستمرار.. والخروج من المأزق..
نبحث حولنا عن مكمن الخطأ؛ عن الحلول.. ونسأل فلا نجد شيئا يدعوا إلى الريبة أوالشك.. نحتار نطرح السؤال تلو السؤال، ولا جديد تحت السماء..
ثقافتنا لا تفي بالغرض.. هناك خطأ ما تسلل إلى حياتنا فأنهكها.. فالسير العادي وتعاملاتنا مبنية على الصدق والإخلاص وحسن النية.. فما الذي عكر صفو حياتنا وجعلها نقطة سوداء مستمرة فجأة؟..
هل أملك الحل.. هل أحاول إعطاء تصور ما يمكننا في النهاية من تجاوز العقبات والمنزلقات.. كلا.. كل ما أحاوله هنا هو رصد مكامن الخلل الذي روع حياتي وجعل سيرها غير طبيعي.. أنا ذلك العبد المتواضع الذي عاش حياته كما يعيشها شبابنا المغربي المعاصر ببساطته وتعقيداته باحتا عن معنى الحياة ومغزى الوجود.. خالقا علاقات صداقة وأخوة. أو باحتا عن الحب والعلاقة القوية المتينة التي تخلق جوا ما من الإستقرار النفسي والعاطفي والذي يعطي للحياة قيمة وميزة تجعل الحياة ممكنة وسلسة..
غير أنني أنسى أو أتناسى أن الأمر هنا يتعلق بفردين متميزين من حيث الوضع الإجتماعي والثقافي، ومجالات التحرك والفضاءات المغلفة لكل كيان على حدة.. زادتها الغربة والتلاقح الثقافي ما بين بلدين ومجتمعين متمايزين حدة وتوثرا..
ليهزني السؤال كيف حدث هذا؟.. أين يكمن الخطأ؟.. هل في حياتها سرا ما أخفته سرعان ما طفا إلى الوجود لمجرد خطأ ما ارتكبته عفوا أو عمدا من غير أن اقصد ايلامها وجرح عواطفها.. لست أدري.. من اين تبدأ الرحلة وهل انتهت لست أدري..
هل أنا مميز حقا.. لم يعد الأمر مهما فلقد بدأت المشوار.. مشوار البحث عن الذات.. ولم يعد من اللازم طرح السؤال ولا أيجاد الجواب..المهم بدأت النجوى وطرح السؤال تلو السؤال لعل الغمة تنجلي يوما أو تخف حدتها ...
وفي النهاية فوجودنا البشري لا يحتاج إلى كثير تميز لكي نحكي حكاياتها ونروي وقائعها..ففي حياة كل واحد منا شيء ما يحكى.. شيء يستحق الذكر..
















الفصل الأول

الطفولة.

السؤال الذي ينتاب كل من يحاول كتابة سيرته الذاتية هو من أين ينبغي عليه أن يبدأ
هل من البداية بداية تسلسل الأحداث أم من بداية العمر؛ عمره.. هنا لا يمكنه المقارنة فالخطأ لا يمكن أن يحدث إلا إذا ما كان هناك شيء ما خاطئ في حياتنا.. إما بسب هفوة أو مسار غير آمنة، أو سلسلة أخطاء نتجت عفوا أو بسبب لا مبالاة أو نتيجة خلفيات الوسط الذي عاش فيه كل منا على حدة.
السؤال الذي لا يطرح أبدا هو هل حقا كل شيء يسير على ما يرام وأن الحياة ممتعة ويجب فقط عيشها من غير تعقيدات أو تفلسف يميز كل مرحلة أو جيل على حدة أم لا؟
عادة يلجا الآباء كما المدرسون في مرحلة لاحقة إلى الموروث الثقافي والرصيد المعرفي الجماعي الذي تزخر به كل جماعة على حدة معتبرين أن ما مكن الأجداد من الثبات والاستمرار سوف يمكننا أيضا من تجاوز العقبات.. وهو نفس الجواب الذي يتردد في الذكر الحكيم في غير ما صيغة أو أسلوب.:" إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم سائرون.." ومن تم فإن الأخطاء المتوقعة تصبح محصورة في جنوح، او ميل نزقي، أو سوء تربية، أو ردات فعل، أو إهمال جانب، أو تقليد غبي، أو تهور أو ما إلى ذلك.. كل هذه الأمور مجتمعة أو على حدة لا تفي بالغرض.. وهنا لا تختلف المنهجيات أو تتعارض؛ بل تعطي نفس النتائج مهما تغيرت البيداغوجيات والأساليب.. تشوهات غير متوقعة وقلاقل وأزمات نفسية أو مالية أو اجتماعية غير منتظرة..
فهل هذا كاف ليجعل رحلة البحث تبدأ من بداية العمر نفسه، لعل عنصر الخلل كامن فيه لا في سيرورة الأحداث ذاتها. من يدري؟ !..
لما لا أخوض غمار التجربة لعلي أستقي منها ما يبعث شعاع أمل ينير لي السبيل..

*****

لعله من المهم أن أعرج على الحي الذي قضيت فيه الطفولة. وقبل ذلك المدينة التي أنتمي إليها من حيت مسقط الرأس و النشأة.. المدينة التي لا يمكن لأي واحد أن يدرك كنهها وأسرارها ما لم يعش أجواءها. ويتنفس هواءها.. المدينة التي يسمع الزائر لها الكثير من الحكايات.. والعديد من الأوصاف والسمات.. حتى إذا ما احتضنته أجواءها وتنفس هواءها أدرك من الحقائق والخفايا ما لا تسمح المناسبة بسردها.. وتختفي الهالة.. لتجد نفسك وسط تيار يشدك نحو قاع صفصف و ووضع لا يميزه عن باقي الأجواء الأخرى إلا الحدود الجغرافية..
مستنقع آسن تتآكل في ثناياه كل أشكال المقاومة والتميز..
طنجة المدينة ذات الجرس اللامع.. الذي يشنف الآذان.. ويطرب المسامع حتى إذا ما وقفت على حقيقة الوضع بها هالك هذا التهالك المستميت على الدنيا.. حيت الكل يجري ليثبت وجوده وليصنع مستقبله اللامع أو يذوب بين الرعاع.. المدينة التي تموج موجا.. حيت كل شيء مباح.. ولا شيء ممتنع او محظور.. وحيت يعيش الثراء الفاحش والفقر المدقع جنبا إلى جنب.. وتتوالد المآسي كما المسرات هنا وهناك.. وحيت تتركز الجريمة جنبا إلى جنب مع هشاشة في البنية و تهالك في الأمن وحيت الليالي الحمراء تزهر وتزهو بالدم المسفوح المراق باسم نزوة أو شهوة او قربان باسم الشرع..
حيت تغيب الطمأنينة يغيب الود.. ويغيب الحب.. وتنهش الروح هواجس الغيرة والشك.. ولا يكاد القلب يطمئن حتى يجرفه التيار مرة ثانية.. وفي مدينة تنام وتصبح على وقع الجراح والآلام.. حيت تقضي الرتابة على الأغلبية الساحقة وتمتص المعامل الجهد وتطحن العواطف.. لا يمكن الحديث عن حياة مستقرة ومطمئنة.. تختلف أسماء الشوارع والأزقة والوقع واحد..
ومع أن التقسيم الأكثر اعتبارا هنا هو تقسيم الساكنة إلى قسمين.. أبناء المدينة الأصليين والنازحين الجدد إليها.. إلا أن هذا في الحقيقة لا يعني الحقد الذي يمكن لكل زائر للمدينة أن يحسه والحنق الذي يمكن أن ينتابه و الإمتعاض الذي قد يشل إرادته.. ففي الواقع فإن هذا لا يشير صراحة إلا إلى نمط العيش وأسلوبه. لا غير.. وحيت يدعي السكان الأصليون أنهم متميزون.. ففي أسلوب العيش لا غير.. حيت يتميزون بالحرص والإستعداد للآفات والأزمات شأنهم في ذلك شان أي إنسان مستقر في أي مدينة من المدن..
وحيت أن هذا الواقع لا يزيد الأمور تعقيدا أو يساهم في إيجاد مخرج لها.. فكان لزاما ان اعتبر أن قدري أن اعيش في أجواء هذه المذينة ليعد فرصو وضعتني أمام محك صعب وذلك منذ نعومة أظافري حيث تأثرت كثيرا بالأجواء المحيطة في تفاعل وانسجام حينا وحينا في يأس ونفور..

شاءت الأقدار إذن أن أولد وأنشأ في هذه المدينة بصخبها وناسها الذين تتراوح أمزجتهم وأذواقهم ما بين الطيبة لحد السذاجة والعنف والشدة لدرجة الجريمة..
ولم أذرك آثار ذلك على نفسيتي إلا حينما وجدتني أراجع أوراقي فأجد أنني وبفعل الأجواء المحيطة من جهة والواقع الأسري مدفوعا إلى خوض غمار الحياة من بابها الواسع في سن جد مبكرة.
فإذا كان خوض غمار تجربة الكفاح من أجل كسب المعيشة والمساعدة في أعباء الأسرة الصغيرة لا يشغل عادة بال التلاميذ بقدر ما يهمهم ملئ أوقاتهم باللعب والترفيه وأحيانا بملء الفراغات ببعض الهوايات مثل القراءة أو المراسلة أو جمع التحف والذكريات.. فإن همي كان بدءا مساعدة الأسرة في تحمل أعباء الحياة.. فكانت النتيجة حماسة غير محسوبة المخاطر..
ولكن ما الباعث الرسمي على ذلك.. هل كانت مجريات الوقائع والأحداث أم تصور ساذج للإمكانية تحقيق الوجود أو الثروة.. أو العيش الكريم.. ولعل الأمر لا يبرز ما لم نعط نظرة ولو موجزة عن أجواء الدراسة في مدينة صناعية وسياحية مثل طنجة.. مدينة تزخر بالثروات المتعددة والإمكانيات الغير المحدودة في تحقيق الذات وكسب الثروات..
ففي الغالب هذه الأجواء تؤدي إلى سرعة النضوج الفكري والانفتاح على الواقع من بابه الواسع مع وجود ثغرة.. لا تبرز وتتضح في الغالب إلا وقد تشكلت الأمور وتداخلت وتعقدت بحيث لا يمكن أبدا سبر الأسباب الرئيسة المؤدية إلى ذلك..
ففي مثل هذه الأجواء سرعان ما يتطلع الكل إلى الثروة والمجد.. بدءا بالأطفال الدين يجدون أجواء تنفر من الدراسة والتعليم وتتطلع دوما إلى المستقبل بشوق وحماس.. ولم أكن بدعا عنهم وإنما وجدت الدرب معبدا والظروف ملائمة.. وبالرغم من رفض الأبوين لهذا التصرف الغير المعقول.. حيت انقطعت عن الدراسة في مستوى الثانية ابتدائي الشيء الذي لا يؤهل عادة إلا إلى التعرف على الحروف دون باقي التفاصيل.. وقد يكون التلميذ محظوظا فيتمكن من التعرف على الكلمات.. لكن من غير قواعد ولا قوانين.. هذه الخاصية ذاتها التي تنتقل عفوا لتؤطر الوعي وتجعل التحليلات دائما ناقصة ومتهافتة ولا تكاد أبدا تلحق الفرصة لجني الثمار..
هكذا إذن كانت البداية.. مجرد تصور فرضي بإمكانية الوقوف إلى جانب الأبوين في تحمل الأعباء.. جوبه منذ اللحظة الأولى بالقصور وعدم النضج..
وما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي عدت فيه حاملا أجرة أول يوم عمل.. والذي كان عبارة عن عشرة دراهم.. والتي لم أتمكن من إيصال غير خمسة منها إلى البيت.. وأتذكر دهشتي من كون هذا المبلغ لا يساوي شيئا أمام مصاريف البيت.. وكانت صدمة أرجعتني إلى الواقع إلى حين.. حيت ندمت حين لا ينفع الندم على إستغنائي عن الدراسة.. وبالفعل توجهت دامعا إلى مدير المدرسة لكي أعود إلى الدراسة متداركا السنة الدراسية.. لكنني فوجئت بأنه علي أن أكرر السنة. الشيء الذي لم أستسغه حينها لأهجرها إلى غير رجعة. وأحمل هذا الهم والحسرة.. وإن لم تعاودني صراحة فإني ما زلت أجتر مرارتها في صمت وسكون..
إذن لم يكن من العبث أن أمر بهذه التجربة من غير فهم الحيثيات التي ساهمت من قريب أو بعيد في خلق هذا الفصل المرير والذي تحول إلى صراع خفي من أجل إثبات الذات في هذا المجال بالذات مجال التحصيل والدراسة وإن لم يحمل هذا الهم شكلا واضحا وصريحا في أي فترة من فترات عمري.. ولأنهج نهجا يساوق التصور الإعتيادي الذي يصور الدراسة على أساس أنها مجال تهذيب السلوك والتربية على الأخلاق الحميدة.. الأمر الذي دفع بي تمثل هذه الأخلاق في كل أطوار حياتي وجعلني أنفر من هذه المعادلة المفروضة والتي تنبعث من المثل الشائع.." كون ذيب أولا ياكلوك الذياب.." والتي أصبحت ميزة العصر بامتياز وسمة المدينة الغالبة على تصور الأفراد.. وتؤطر العقليات..
فلقد كنت دائما انفر من أجواء العنف والجريمة التي تتميز بها الأحياء الشعبية عموما والحي الذي نشأت وعشت فيه خصوصا.. وجعلني دائما أتمنى لو كان بإمكاني تغيير الوضع وتلطيف الأجواء.. و لكن هيهات هيهات.. فإن الواقع الذي تواجهه من غير سلاح سرعان ما ينقلب عليك لتتسرب إلى شخصيتك ملامح من الواقع.. وإن كانت أقل حدة فإنها في النهاية ترفض الواقع وتسايره من غير أن تدخل معه في صراع جاد او هدوء وسلام ينهي الأزمة ويخلق بعض الأمان والإطمئنان النفسي..
إذن كانت هذه هي البداية غير انها لم تكن كل الحكاية.. فالحكاية ليست ضد المدينة التي أعيش فيها والتي اختلط حبها في الوجدان بالدماء.. فصارت لونه وميزته.. ولكنها حكاية وسط الأجواء التي باتت تعرفها هذه المدينة المحبوبة عروس الشمال وجوهرته المتميزة بجمالها ونظارتها وتاريخها وناسها.. والتي تبنت اللإتجاه العام الذي يطبع الحياة المادية القائمة على أساس النجاح في الحياة والأعمال على أساس التفوق للأقوى والمعروف عموما باسم قانون الغاب والذي ميز كل العلاقات والذي يعد كل الأساليب والطرق مباحة فالغاية تبرر الوسيلة. وطالما الأمر كذلك فإنه لا يهم بأي الطرق تصل..
هكذا إذن شكلت العلاقة ما بين الذات والمدينة والقائمة على أساس النفور من الاجواء التي باتت تطبع العلاقات البينية ما بين السكان.. اللبنة الأولى في شخصيتي والتي قامت أساسا على الرفض المطلق لكل هذه التصرفات والأساليب.. ومن تم البحت عن البديل.. صحيح أنني سايرت الوضع من باب الرغبة في الوصول السريع إلى جمع الثروة من الأبواب المتاحة وخاصة العمل الشريف أو الهجرة إلى الخارج.. إلا أنني ولسبب أو لآخر لم أتوصل لذلك غير أنني أفتخر بأنني لم أقرب ولم أحاول في أية لحظة من اللحظات أن أدخل عالم الجريمة من تجارة في المخدرات او الغش والتزوير.. أو اية طريقة من الطرق الغير الشرعية وهو الأمر الذي يكلف دائما النفس غاليا.. حيث أنها دائما تتعرض للمضايقات باسم التأخر عن روح العصر أو عدم الأهلية أو التخلف وما إلى ذلك من الصفات القادحة والمثبطة للعزيمة.. إلا أنني لم أستسلم ولم أرضخ.

****

ما الذي يحدث حينما تنشا في ظروف مثل تلك التي عشت فيها. وحينما يكون لزاما عليك مواجهة الحياة بصرامة وصدق من أول يوم تتفتح فيها عينيك على الواقع وعلى الحياة بصخبها وهمومها؛ بفرحها وأحزانها.. وأنت لا تملك من الخبرة إلا ما يسمح لك إلا بالحد الأدنى من التسيير والتوجيه..
لقد شاءت الأقدار أن أنشأ وأولد في أسرة عاملة مجاهدة.. حيت كان الأب دائم الغياب بحثا عن قوت الأسرة.. فكان كثير السفر والتجوال بحثا عن العمل والرزق له ولأبناءه.. ولقد صادف أن كان غائبا في إحدى خرجاته حينما وضعتني أمي؛ فتكفلت الخالة جزاها الله عنا خيرا بالوقوف إلى جانب أمي وتحمل النفقات الضرورية واللازمة للإحتفال بمثل هذه المناسبة حسب العادة المغربية.. والتقاليد الطنجية.. ولم يتمكن الأب لظروف عمله من الحضور إلا قبل يوم واحد قبل الإحتفال بالعقيقة..
وليغلف الغياب المستمر للأب الجانب الكبير من حياتي.. ولربما كان هذا هو الدافع والحافز الذي حدا بي في مرحلة متقدمة من حياتي، وبالتحديد في سن الثامنة من عمري إلى التفكير في الخروج من المدرسة لعلي أتمكن من مساعدة الأسرة الكريمة في تحمل أعباء الحياة.. ليس من المهم هنا نجاحي في ذلك أم عدم نجاحي في تحقيق الغرض؛ بقدر ما يهم الحيثيات التي وجهت تفكيري وأطرت مسار حياتي..
حقيقة لقد كان من المتبادر إلى الدهن أن عقلية الشارع هي التي دفعت بي إلى مغادرة الدراسة باكرا.. ولكنها لم تفعل أكثر من كونها أطرت التصرف في حد ذاته وسهلت العملية.. بل أوجدت المبرر لا غير.. في حين كان التصرف في حد ذاته ناجم عن وعي غير ناضج بمتاهات وسراديب الحياة..
من هنا إذن بدأ الوعي بالحياة ينمو.. مع وجود طفرة لا يمكن محوها أو تجاوزها بمجرد الوعي بها أو إدراكها.
فلقد نشأت في ظروف لا أقول عنها قاسية ولكنها على جانب نموي العاطفي والعقلي شكلت منعطفا حادا في حياتي.. فلقد كنت عاطفيا وحنونا ومحبا للخير في وسط لا يعترف بالعواطف ولا يهتم بالمشاعر وإنما همه التهكم والسخرية.. وما لم تكن همجيا هجينا وعنيفا قوي البنية شديد المراس لا يعترف بك ولا يقدرك أحد.. فكيف بطفل صغير خرج ليواجه الشارع وجها لوجه وهو لا يعرف عنه إلا النزر القليل..
فمنذ خرجت من المدرسة وأموري في ارتباك شديد..
وحيث أن الأب لم يعد راض عن تصرفاتي منذ اللحظة التي أنهيت فيها دراستي.. وسار يحمل موقفا قاسيا عني.. فلقد صرت شديد الخوف منه.. الشيء الذي حدا بي في إحدى المرات والتي تأخرت فيها عن الدخول إلى البيت باكرا إلى التردد في طرق الباب خوفا من العقاب؛ فكانت النتيجة أن قضيت أول ليلة في الشارع.. وكانت البداية ولم تكن النهاية حيث قضيت ليالي بطولها في الشارع أناضل من أجل دفع البرد والجوع واعتداءات الرفقاء وشغبهم..
وليستمر الاحتكاك الغير المتوازن والمتميز بالتوتر و الخوف والشدة والعنف في أحايين كثيرة السمة التي طبعت المرحلة الباكرة من حياتي وطفولتي.. ومع أنني لم أكن ميالا للعنف متسامحا ومتنازلا عن حقوقي.. إلا أنني كنت أبدا أواجه بالتصرفات الصارمة والقاسية من طرف الرفقاء..
ولتجنب العراك معهم كنت ميالا إلى التساهل والسلم والتفاهم بالتي هي أحسن.. مع التسامح.. والتنازل عن الحق.. ولربما كان هذا هو الأمر الذي جعل الكل يحترمني ويعتبرني صديقه ورفيقه.. وفي الحقيقة..فإن تصرفات الكل كان يطبعها الخوف والريبة.. لذلك كان لا بد من الحوار الهادئ والهادف من أجل رفع الحجب وإزالة الشك وطمأنة الخاطر لكي يرتاح إليك الغير..
وهكذا مرت مرحلة كبيرة من حيات طفولتي في مواجهة الخوف من عقاب الوالدين.. وتصرفات رفقاء الشارع الغير المستقرة والمتذبذبة..
ولقد كان من الطبيعي وسط هذه الأجواء أن أفكر في مخرج يحقق لي الهدفين معا: الإستقلال بحياتي والخروج من المأزق الضيق الذي وضعت نفسي فيه بسب تصرف غير واع وطائش..
فكان لا بد من التفكير بروح العصر ومن زاوية فكر طفولي وعاطفي.. فكانت المحاولات الأولى لمغادرة تراب الوطن بواسطة الهجرة السرية؛ والتي لم تكن هاجسي لوحدي وإنما كانت الهاجس المسيطر على روح العصر وقيمه.. لدرجة صارت النكث الساخرة والمتهكمة تنذر بالمغرب وأهله وتصف ساكنته بأنها لو فتحت أمامها أبواب الهجرة لما بقي بها أحد لكثرة ما سيطرت الفكرة على ساكنته.. والتي لم يكن ينقصها خير غير أن أساليب الحياة والت اتخذت طابعا خاصا وغربيا يعتمد على ما تملك لا من تكون.. وبقدر ما تملك من متاع وقيم مالية وأرصدة بنكية تزداد احتراما وتقديرا في أعين الكل..
ولكم كان يحز في نفسي.. أن أفتح عيني على هذا الواقع المزري الذي بات العرب يعيشونه؛ لا من باب التخلف، ولكن من باب استبدال قيمه القائمة على الكرم والجود والصبر والفخر، وقيمه القائمة على بساطة العيش، وحب الخير والكرم والصبر على الشدائد، وعدم النظر إلى الظروف المادية بقدر ما كان المهم السلوك والتصرفات والمعاملة الجيدة الرفيعة.. فمنذ طغت المادية على حياة المغاربة مالت الكفة وانتشرت الجريمة والعنف.. وطغى التوتر وعدم القناعة والرضا بالنصيب على الكل؛ وصار الهم هو توفير متطلبات الحياة، والتي لم تعد تقف عند حد معين؛ وإنما صار أسلوب الحياة الإستهلاكية السمة والميزة الطابعة لروح العصر. فبقدر ما تستهلك توجد.. وتكون قيمتك مساوية ومساوقة لقدرتك الإستهلاكية و شراء كل جديد ومبتكر من مبتكرات العصر واختراعاته.. فعاد المجتمع بذلك استهلاكي الطابع؛ ومن تم كانت التغييرات الجذرية والتي قلبت الموازين وجعلت الكل لا يقتنع بما لديه؛ ولم تعد العلاقات سلسة ولا سهلة ميسرة، وإنما طغت الاحتكاكات والتنافر وحب الظهور والتميز جنبا إلى جنب أمام قيم النفاق والشقاق..
وهكذا وجدتني في مواجهة صارمة مع هذا الواقع، الشيء الذي دفع بي إلى تكثيف المحاولات حيث قضيت أشهرا بطولها في الميناء لعلي أفوز بفرصة ذهبيه لمغادرة هذا الوطن الذي لا يقدر ناسه وقدراتهم ومؤهلاتهم الفكرية والمادية.. وإنما يسعى دوما إلى الضغط عليه.. الأمر الذي يثقل كاهله فيسعى جهده للخروج منه.. وتبديل أماكن إقامته لعله يصادف هدفه أو يظفر بالعيش الكريم.. فكانت الهجرة الداخلية والخارجية الكثيفة؛ ولم يعد للطبيعة أي دور؛ فليس عدم إنتاجية الأرض الجيدة هو الذي يدفع بالهجرة القروية وإنما كون الفلاحة لا تحدث الأثر الجيد إلا بطول السنين والمشقة الكبيرة.. في حين يحتاج المواطن المعاصر إلى ظهور النتائج الفورية القائمة على الربح السريع.. وحيث توقفت إمكانيات تكوين الأسر وفتح بيوت جديدة والحفاظ عليها إذا ما تم تكوينها فكان لزاما على الكل إلى السعي الحثيث من أجل تكوين الثروة على حساب القيم الحقيقية الشيء الذي يوفر ظروف العيش الرفيع دون القيم النبيلة والكفيلة بخلق أجواء التفاهم والتعايش..
حقيقة أنني في بداية محاولاتي للهجرة السرية لم يكن وعيي بكل هذه الأمور مكتملا .. وكان الحافز هو مسايرة روح العصر قبل أن أكتشف العقم والهوة الفاصلة التي تحمله في طياتها.. وهذا ما دفعني إلى المثابرة على المحاولة تلو المحاولة لعلي أجتاز تراب هذا الوطن حتى إذا ما تحقق الحلم وأصبح واقعا أفقت على حقيقة الواقع.. وهزتني أسئلة واستفسارات الشرطة الإسبانية والتي وجدتني حبيسا بين أيديها والتي كثفت الأسئلة عن الأسباب التي دفعت بي إلى مغادرة الوطن والحلول بالتراب الإسباني .. لما وكيف وما هي الدوافع والأسباب وأسئلة أخرى كثيرة ومحرجة الشيء الذي حدا بي إلى مواجهتها بفخر وكبرياء متحديا تهكمهم وسخريتهم بل وحتى رفعا للشك في حرمة وقدسية وطني وكرامة أراضيه وقيمته بين بلدان المعمر صارخا في وجههم بأن الأمر لا يتعلق إلا بعمل طائش مني لا غير وأنني لست في حاجة للحلول بالتراب الإسباني من أجل تحقيق وجودي وتوفير حاجاتي.. فكان الاستجواب التالي:
_ ما الدافع الذي دفع بك إلى مغادرة وطنك المغرب؟
_ لقد جئت طمعا في العمل في بلدكم؟
_لما أليس في بلدكم عمل لتقوم به؟
_ بلى..ولكن سمعت بأن الفرص هنا أوفر والأجر أنسب..
_هل لا يوجد لديكم شغل.. أم أن الأجور غير مناسبة او كافية..
_الأشغال موجودة غير أن الأجور غير كافية..
_ما هو الأجر الذي كنت تناله مقابل شغلك وعملك؟
_كنت أعمل بعشرة دراهم للأسبوع الواحد..
فلما ترجم له المترجم المبلغ أصيب بالدهشة وناله العجب ..
_ بكم بكم.. رددها في أسلوب ساخر ..
وتوالت قهقهته فجرحتني نبرته الشيء الذي استفزني ودفعني إلى مواجهته بصرامة وعزة نفس وكبرياء..
_تركت بلدي والدمع في عيني.. تركتها رغما عني.. لا كرها لها ولا لكونها لا تعترف برجالها ولا لعدم توفر الظروف بها وإنما كان تهورا مني وتصديق للإشاعات بأن أوروبا تمنح فرصا أفضل لتحقيق الثروات والوصول السريع إلى قمة النجاح..
نعم تركتها وأنا نادم على خطوتي هذه وقدومي إلى هذا البلد.. تركتها والحنين يشدني إليه لا هروبا من نارها وإنما تبعا للتقليد الذي وجدته أمامي.. وبدل الأمان الذي كان لزاما علي أن أشعر به حينما قدمت.. إذا بي تنالني الحسرة والأسف على تركي لبلدي.. ووطني فلا كرامة لإمرء بعيدا عن وطنه الأم.. وأضفت بحماسة أكبر إنما قدمت وفي نيتي خدمة وطني والمساهمة في الرفع من شأنه وجلب الثروة لعلي أحقق مشروعا منتجا به.. أما الآن فلا حاجة لي بكم ولا بالعمل عندكم..
ومع أنهم تجاوزوا عن ردي وحاولوا إقناعي بالبقاء وتقديمي إلى دار لرعاية وإعادة تأهيل المهاجرين السريين وخصوصا القاصرين منهم .. دار الشبيبة . إلا أنني رفضت رفضا قاطعا وقررت العودة إلى بلدي بالرغم من محاولة المحامي الدي ناب عني أن يفهمني أن هذا في صالحي وأن الدولة الإسبانية ستتكلف بتعليمي ورعايتي إلى أن أبلغ سن الرشد والعمل .. فكانت النتيجة أن وجدت نفسي بين يدي زبانية ميناء طنجة حيث استقبلتني الشرطة استقبال الأبطال بالصفع والرفس والضرب المبرح..
غير أنها أعطتني فكرة وتصورا واضحا عن معاملة وموقف المخزن مع المواطنين.. ولقد قضيت في ضيافتهم وترحيبهم فترة يومين حيت كيلت لنا كل أشكال الإهانة والاحتقار.. فمرحبا بوطني الأم وبصدره الحنون فمهما يكن فهو مغربنا ووطننا الذي يجب أن نشكر الرب على وجودنا به..
كيف يعقل إذن أن لا تكون النتيجة الحتمية لموقف كهذا إلا صدمة قوية.. وذهول شديد.. بل وحيرة عميقة.. فكيف يمكن لفتى يافع في حدود الرابعة عشر سنة أن يتصرف أمام موقف كهذا..
لقد تأثر بالغ الأثر؛ وبدل أن يجنح للإنتقام.. قرر التجاوز بسماحة معقولة.. فلربما عد تصرفه جنحة يستحق عليها العقاب اللازم.. وحيث أن الظروف العامة والمعاهدات الدولية كانت تجنح إلى الحد من الهجرة السرية إلى البلدان الأوروبية باستعمال كل الأساليب المتاحة والمتوفرة ومنها الترهيب.. فلقد كان من الضروري أن ينال عقوبة مماثلة.. لكنه وأمام الموقف الشجاع الذي وقفه أمام السلطات الإسبانية كان ينتظر أسلوبا ألطف في التعامل، خاصة أنه لم يرحل بسبب تواجده بالتراب الإسباني بصفة غير رسمية.. وإنما لكونه رفض_ وبحس وطني سليم وأمام التهكم الذي قوبل به_ إتباع الإجراءات الرسمية المتعارف عليها والتي قد تنتهي لا بتثقيفه ثقافة غربية وإسبانية فحسب وإنما قد تنتهي به إلى اعتناق الديانة المسيحية .. حسب الأساليب التبشيرية المعتمدة على منهجيات تتوافق مع كل شخصية على حدة..
على العموم كان من الطبيعي أن يخشى العودة إلى البيت.. فقرر البقاء في الميناء لفترة لعله يجد حيلة أو مبررا كافيا يمكنه من تجاوز المحنة والعودة من غير حزازة أو حرج إلى البيت..
هكذا إذن قررت البقاء في المرسى لفترة متجاوزا كل الظروف والعقبات ومتناسيا هذا الأسلوب قانعا بمحاولتي الفاشلة ومقررا عدم تكرار المحاولة..
وهناك في المرسى تعرفت على شلة من الأصدقاء والذين تجمعني بهم وحدة الظروف وإن فرقتنا الأهداف خاصة وأنني قررت الكف عن كل محاولة للهجرة السرية..
ومع أنني مررت بالتجربة وتجاوزت البحر وتعرضت لما تعرضت له إلا أنني لم أحاول ثنيهم عن المحاولة تلو المحاولة..
ولقد حدث حينها أن أحد الفتيان المرافقين لي ضمن الشلة؛ أن هاتف أمه والتي تقيم بإحدى جهات المغرب والتي يرمز لها هنا ب"داخلية" او " الداخل" أو " العروبية" ليس بالمهم.. المهم أنه حاول إقناعها أنه سوف لن يتوقف عن المحاولة حتى يحقق الحلم ويصل إلى أوروبا حيث يمكنه تحقيق مستقبله.. بل وأن يخرج والدته وأسرته الصغيرة من شبح الفقر والحاجة وأن يحقق لها السعادة والإستقرار النفسي والمادي.. وأنه سوف يرفع رأسها حتى يمكنها أن تتباهى به بعد أن يحصل على سكن لائق وسيارة من آخر "موديل" وأن يفعل المستحيل لكي يصل إلى كل هذا.. في حين اكتفت هي بسؤاله عن صحته وحاله وظروف عيشه.. ليس بسبب حنان الأم فحسب وإنما لإعتقادها في صدقه وقوة عزيمته ولعلها فعلت ذلك لإقتناعها بأن ذلك ممكن لحصول الوقائع والتجارب التي تؤكد ذلك من غير أن تذرك أن هذا قد ينتهي بفقدها لفلذة كبدها؛ ومتناسيا من جهته أخد الحيطة والحذر لينتهي به الأمر تحت عجلات إحدى الشاحنات لنقل البضائع فلا يبقى من شخصه إلا ذكريات جمعتنا وإحدى فردتي نعله البلاستيكي.. وذلك بعد ليلة ممتعة قضيناه معا نجتر الذكريات وخاصة ذلك اليوم الذي قررت فيه التكلف بإعداد وجبة الغذاء آمرا كل منهم ليحضر نوعا معينا من الخضر أو التوابل أو بإحضار الكافي من الخبز..
فلقد كنا شلة تجمعنا وحدة الفقر وهموم الهجرة.. كما يجمعنا سقف واحد حيث كنا نقيم في مركب صيد مهجور.. والذي كنا نعده بفيلتنا الرحبة الرائعة.. ومع أننا لم نكن نتوفر على الأواني اللازمة إلا أن هذا لم يمنعنا من إتمام المهمة.. ولكم سخرنا ليلتها من الظروف التي انتهت بها الوليمة.. حيت لم نجد صحنا فكان كيس بلاستيكي عوضا عنه في حين لم نتمكن من طبخه إلا في إحدى علب الزيتون من فئة خمس كيلو طالما لم نكن نتوفر على قدر لذلك.. ولقد كانت لحظة لا تنسى ولطالما راجعناها وضحكنا بسببها وتمنينا ان نعيد الكرة غير أن هذه الحادثة المروعة كانت لنا بالمرصاد.. ومع انها كانت بمثابة الصفعة القوية التي أعادتني إلى الواقع إلا أنها لم تمنع البقية من تكرار المحاولة إلى أن تمكن من تمكن من الهجرة والإستقرار بالديار الأوروبية في نفس الوقت الذي قررت فيه العودة إلى المنزل.. حاملا صورة الحادثة المفجعة طرية في خاطري.. وليستقبلني أبي بصفعتين كانتا بمثابة الرحمة والعفو الأبوي..
ولقد ظلت هواجس الموت تنتابني بين الحين والآخر وتحد من رغبتي في تكرار المحاولة.. معتبرا أن موقفي ذاك كان وليد اللحظة والحماسة المتوقدة والمنبرية للدفاع عن قدسية البلد وقيمته في نفوس ساكنته.. ولطالما جلست في مكان خال وناء متطلعا إلى المرسى ومفكرا في اللحظات التي قضيتها بها وعن محاولتي تلك وموقفي متسائلا إذا ما كنت على صواب أم لا وهل كانت فرصة مواتية أضعتها أم لا، حتى إذا ما وصل بي قطار الذكريات إلى تلك الحادثة المروعة تذكرت حماسة ذلك الفتى اليافع ورغبته الصادقة في إسعاد أسرته والعودة بما يمكنه من خدمة بلدة ووطنه الأم ثم نهايته المأساوية تحت عجلات الشاحنة، إغرورقت عيني بالدموع وتملكتني حالة من الرهبة والذهول.. مع شديد الأسف لضياعه.. ولا ينتهي الموقف إلا برفع أكفي داعيا المولى سبحانه وتعالى أن يشمله برحمته ومغفرته وحسن ثوابه..
ولقد مرت فترة غير قصيرة على هذا الحال والمنوال.. تجاوزت الستة أشهر بقليل.. قضيتها ما بين البيت والشارع ومحاولة إقناع النفس بالرضا بالواقع و الاقتناع بما يوفره المجال من عمل سانح.. ولم تكن أبدا محاولاتي ألبحث عن عمل بالجادة فلقد كانت هناك هوة عميقة ما بيني وبين الواقع؛ فما زالت نفسي لم تقتنع بالمكتوب والمقدر علي ولا تجد راحتها إلا في تحقيق الحلم بالوصول مرة ثانية إلى الديار الإسبانية بوابة أوروبا..
وبعد لأي قررت دخول التراب الإسباني من باب سبتة بعد أن راج في الوسط أنها أنسب للهجرة السرية وأضمن لذلك..
*****

لأنه لم يبق أمام خيار آخر غير الهجرة السرية كان لا بد
من المحاولة والإصرار إلى أن يتحقق الحلم أو يعم الضياع.

قررت العمل لفترة لعلي أحصل على ثمن التذكرة للوصول إليها.. ومع أنني لم أتمكن من توفير إلا حوالي 25درهم إلا أن هذا لم يمنعني من إتمام المحاولة وكان في نيتي أن أصل إلى تطوان حيث تقيم خالتي ومنها أستقل الحافلة إلى الفنيدق " كاستيخوا" كم يسمونها بمنطقة الشمال.. غير أنني ولسب ما قررت أن أحاول الوصول إلى تطوان عن طريق " اوطو سطوب" لذلك قر عزمي على السير لعل أحدهم يرأف لحالي ويمكنني من الوصول إلى قصدي.. ولقد اجتزت ما لا يقل عن عشرين كيلومتر قبل أن يتوقف أحدهم؛ وكان صاحب شاحنة متوجها إلى "شفشاون " الشاون" بالتعبير المحلي.. ولقد استغرب من حالي وسألني عن حالي وقصدي فلما أفرغت ما في جعبتي رق لحالي ولظروفي فقرر إعانتي بما يمكنه.. فأعطاني معلومات عن كيفية الوصول إلى الطريق الصحيح إلى وجهتي كما منحني مبلغ 50درهما ليمكنني ذلك.. ولكم استغربت للطفه وجوده وكرمه وقدرت موقفه ووقوفه إلى جانبي ولربما اعتبرتها معونة من السماء وفألا حسنا بتحقيق المقصود مما رفع من معنوياتي.. ولم أتوقف إلا وأنا أمام باب سبته منبهرا بسحرها وجماله فاغرا فاي من شدة الفرحة والدهشة وصرخت من أعماقي
_ واو..واو..
وتصورت نفسي بين أسوارها وأحضانها وهي ترحب بي :
_أهلا بك يا ابني.. بين أحضان وطنك.. حللت معززا مكرما في بلدك الذي لن يتخلى عنك ولن يسمح بضياعك..
ولما كنت قد وصلت إلى المنطقة في وقت متأخر من مساء ذلك اليوم الماطر، في أوج فصل الشتاء من سنة1997حيث أنستني رغبتي الشديدة في أخد الحيطة والحذر؛ فلقد كان همي الوحيد هو كيف يمكنني الوصول إلى الجهة الأخرى من الحدود.. ولما كانت المرة الأولى التي أصل فيها على المنطقة حيث لم أكن أعرف بها أحدا يمكنه أن يأويني لقضاء الليلة هناك ويساعدني في تدبير حالي فلقد كانت الفرصة محدودة بحسب ما أملك من نقد لتغطية مصاريف المئونة الكافية لليلة أو ليلتين لا غير وما لم أتمكن من إجتياز الضفة خلال يومين أو ثلاثة على الأكثر فإنني لن أتمكن أبدا قط من تحقيق الحلم والوصول إلى النتيجة المرجوة..
لذلك كله قضيت فترة طويلة بالمنطقة مترددا بين الإقدام على المحاولة أو دراسة الإمكانيات المتاحة والتخطيط الجيد للطريقة التي تمكنني من إجتياز الحدود بين الدولتين.. ولم أكن هناك لحسن الحظ لوحدي وإنما مثل أي ثغر آخر فإنه لا يخلو ممن يحاول المحاولة ذاتها.. فكان أن تعرفت على شاب من الشباب الراغبين في الهجرة السرية " حراك" ساندني في موقفي ذاك.. ووجهني بالنصائح اللازمة والتي استقاها من تجربته الذاتية لطول الفترة التي قضاها هناك.. محاولا البحث عن ثغرة ينفذ منها.. ولقد وقف إلى جانبي وعرفني بالمنطقة والأجواء المحيطة مما يسر على الأمر وخفف من وطأة الأحداث.. ولما جن علي الليل وأنا مصمم على البقاء وتكرار المحاولة كان لا بد أن أبحث عن مأوى أقضي فيه الليل.. وبما أن المنطقة لا يوجد بها إلا مطعم ومقهى فلقد عرجت على المقهى لوجود إمكانية المبيت هناك.. وبالفعل قضيت ليلتي الأولى هناك حيت انضممت إلى المجموعة. بعد أن نال مني الجهد والخوف لإنقطاع المنطقة وعزلتها المخيفة؛ حيث يغيب الأمن وتنقطع الرحمة والرأفة، ولصغر سني وحداثتي التي جعلت الكل يستغرب لتواجدي بالمنطقة وحيدا منفردا في الحين الذي لا يمكن لأي شخص آخر أن يقبل على المنطقة إلا برفقة مجموعة أصدقاء أو رفقاء..
وحينما وصلت إلى المقهى قضينا فترة نتدارس فيه ألإمكانيات المتاحة وتساءلت لما لا يمكننا أن نجتاز الحدود من خلال قطع مسافة كافية لتغطية وجودنا والتمويه على سلطات الحدود.. ونمت وقد قررنا خوض المغامرة عن طريق البحر؛ غير أنني لشدة تعبي وعنائي في ذلك اليوم نمت نوما عميقا ولم أستفق إلا صباحا لأنتبه إلى أن بقية الرفقاء قاموا فعلا بالمحاولة واجتياز الحدود عن طريق السباحة بحرا وكان الإتفاق أن ينذر من يسلم من يد الشرطة البقية.. ولم انتبه يومها إلا بعودة من وقع بيد الشرطة والذي أعادته الشرطة الإسبانية إلى الحدود المغربية ليخبرني بأن زميلنا الثالث قد تمكن من الهجرة وأنه نجح في ذلك.. و قبل ذلك أوص صاحبي هذا بأن يخبرني بأنه لم يقم بإيقاظي من النوم خوفا علي من الغرق لصغر سني وإعيائي الشديد لحظتها.. ومع أنني تأثرت كثيرا إلا أنني فرحت لتمكنه من تحقيق رغبته والوصول إلى الضفة الثانية..
ولقد كان تمكنه من ذلك حافزا لنا من أجل تكرار المحاولة..
ولقد كنا جلوسا تحت القنطرة الفاصلة ما بين البلدين حيت كان مهربوا السلع المعاشية يمكنوننا من سلعهم المهربة بواسطة حبل مخصص لذلك قبل أن تفاجئنا الشرطة الإسبانية بالقذائف المكونة من كرة الغولف.. وضخ المياه علينا من أجل تفرقتنا وإبعادنا عن الحدود.. وهكذا كان لابد لنا من أن نغادر المنطقة حيث عرجت على المطعم هناك التقيت صدفة بمجموعة من الأصدقاء المنحدرين من منطقة طنجة والذين كانت تجمعني بهم سابق معرفة وكانوا من أبناء الحي الذي أقيم به.. وبعد فترة قضيناها نسأل بعضنا بعضا عن أحواله وصحته وبقية ظروفه وعما أحضره إلى باب سبته.. وما إلى ذلك من الأسئلة.. قررنا الإحتفال بالمناسبة حسب إمكانياتنا المتواضعة.. فطلبنا صحنا صغيرا من الفاصوليا و خبزتين.. وكان الغداء غير كاف طبع لشخص واحد فكيف بثمانية.. ولكن لدفئ المناسبة لم يكن همنا الغذاء بقدر ما كان الإحتفال بالمناسبة السعيدة وترك بصمات في حياتنا وذكريات نستلذ مراجعتها بين الحين والآخر.. ولم تمر اللحظة طبع دون جو فكاهي وساخر من قسوة الأقدار. وضيق الحال وقلة ذات اليد إلا أنها أزمة وحدت بيننا وساوتنا بعضنا ببعض.. وكانت ليلة ثانية تلك التي قضيتها في المقهى وقد تقلصت الفرص أمامي كثيرا واستنزفت النزر اليسير من المال الذي بقي معي..
وفي صباح اليوم الموالي قررت خوض التجربة مرة ثانية..
ولأنني كنت شديد العياء والتعب.. فلم أنتبه لنفسي إلا وهي تبحث لها عن سقف تحتمي به من وابل المطر الذي تكاثف هطوله يومها.. وقد وقع اختياري على موضع ضيق تحت سقف من الزنك كان بمثابة سترة لظهر مركز للشرطة والمخزن المغربي.. هناك افترشت قطعة من الكارتون واستلقيت عليها.. لتأخذني سنة من النوم ولم انتبه إلا وأحد رجال القوات المساعدة يأخذ بخناقي ويرفعني من الأرض بقوة ومثانة ويوجه لي كيلا من الصفعات والشتائم القادحة ويجرني بعيدا عن المركز.. وهناك استفز الموقف الحضور الذي لم يبخل بإطلاق الصيحات المنكرة للتصرف القاسي الذي ووجهت به.. حيث توالت الصيحات والهتافات الداعية إلى إخلاء سبيلي؛ وواصمة التصرف بالجبان والسلطوي المتعسف.. كما نعتته بالتعدي الصارخ و"الحكرة" والاستصغار من شأن المواطنين والتمييز في المعاملة..
ولا بد أن تصرخ الأصوات المستنكرة بصوت واحد:
_ تودعوننا بالعصي والشتائم؛ وتستقبلوننا بعد عودتنا ظافرين منتصرين بالترحيب والتهليل، وكأن الهم الوحيد المداخيل لا الأشخاص في حد ذاتهم..
وما يروج في مثل هذه المناسبات من خطاب استنكاري..
وبالفعل قام بتوقيفي لفترة يسيرة تحت المطر قبل أن يأمر أحد مرؤوسيه بأن يذهب بي إلى المركز وهناك يرشني بالماء بعد أن دفعني إليه بقوة وعنف واصفا إياي بالحثالة والوضاعة وقلة الشأن.. لكنه ورأفة منه قام بإبعادي عن أنظار رئيسه وأخلى سبيلي..
ولقد تركني وأنا مشدوه مأخوذ بقوة وشدة القسوة التي قوبلت بها وبالعقاب الذي نلته.. وتساءلت: هل فقدت الرحمة من القلوب .. ألست بالمواطن ولي كرامة وحرمة.. ألم يكن بإمكان إفهامي أن الموقع الذي ضبطت فيه ممنوع على العموم.. مع أن الغريب في الأمر أنه لم يكن كذلك فلما إذا أتلقى كل هذا العنف وتكال لي كل هذه الإهانات..
ولقد كانت ليلة لا تنسى وموقفا لن يمحى من الذاكرة..
غريب ووحيد بدون مال أو سند أو رفقة.. فما العمل غير محاولة العودة إلى طنجة بكل الطرق والأساليب المتاحة..
وفي جو بارد وقارص وتحت وابل المطر قررت التوجه إلى الفنيدق راجلا ووجلا خائفا قطعت المسافة الفاصلة.. وحينما بلغت محطة التاكسيات.. توسلت إلى السائقين بأن يقلوني معهم.. وأن يوصلوني إلى وجهتي غير أنهم إعتذروا بأن نهاية خطهم هو المضيق " الرينكون" وطالت توسلاتي لهم من غير أمل أو جدوى.. وبع فترة قرر أحدهم إيصالي إلى المضيق مجانا.. ولما وصلت إليه كان الليل قد حل والظلام الكثيف يغلف الجو غير أن مسحة من الراحة والاطمئنان نالتني لحظتها ووجدتني مشدودا إلى هذه الرضا السعيدة وقد انجذبت إليه انجذابا شديدا من أول وهلة وغمرني إحساس لذيذ وممتع..
ومع أنها كانت ليلة حالكة باردة وقاسية قضيتها تحت وابل المطر لا يسترني غير كيس بلاستيكي لا يكاد يمنعني من المطر بله البرد.. بعد أن أعيتني الحيلة في إيجاد ما اقتات به وأسد به رمقي وأهدأ من جوعي.. ولقد قادتني رجلي إلى المرسى الصغير المخصص للصيد الساحلي بالمنطقة حيت طمعت أن أجد من يمنحني بعض الطعام المتوفر هناك غير أنني لم أنل إلا دخان ورائحة السردين الطري المشوي..
بعدها خرجت من المرسى يائسا قانطا متسائلا عن مصيري المجهول.. وسائلا المولى عز وجل عن حل ومخرج.. ومناجيا النفس.. أي مصير قذفت نفسي فيه وهل أستحق كلما يقع ويحدث لي هل هذا المصير قدر محتوم أم أنني من ساهم في صنعه وترسيخه هل سيدوم علي الحال هكذا طويلا أم لا بد من أن يوجد مخرج آمن.. ودارت بي الدنيا وتصورتني ضائعا هائما من غير عمل قار أو ماوى متوقف المصير مجهول الغاية.. مرتبك الخطوات.. وحلمت بالعودة إلى البيت غير أنني خشيت أن أعود خائبا خالي الوفاض وأن أتحمل نظرات الوالدين اليائسة إلي وكأنني بدل أن أكون المعيل والمعين فإذا بي حمل ثقيل يتقل كاهلهم ويزيدهم هما وغما..
وطالت جلستي واشتدت حالتي وبلغت من اليأس مبلغا عظيما.. وزاد البرد والجوع والخوف من وساوسي وضاعف هواجسي.. وهناك تمتد يد الرحمة إلي مرة ثانية وتمد لي يد العون..
فبينما أنا كذلك أقبل شخص كريم عزمني على كأس قهوة بإحدى المقاهي التي تزخر بها المنطقة هناك وعلى رشفات الكأس الساخن جرى حوار هادئ سألني فيه عن حالي والباعث الذي قذف بي إلى هذه المنطقة النائية عن مدينتي.. فما انفككت أن سردت عليه حكايتي من بدايتها إلى نهايتها.. فطمأنني بأنه لا يجب علي أن أخاف وأنه سيمنحني مبلغا يساعدني في العودة إلى طنجة..
وفي الصباح الباكر استقلت الحافلة المتوجهة على مدينة طنجة وأنا مغمور بأحاسيس متموجة هي عبارة عن حنين دفين إلى هذه المدينة الساحلية الصغيرة والتي لم ينلني من سحرها وجمالها إلا هذا الإحساس الدفين والغامض نحوها.. في نفس الحين الذي تردد فيه السؤال كيف أواجه أهلي وبأي مبرر أواجههم..

*****

لأن البيت كان الحضن الوحيد الذي أجد الدفء فيه كان لابد من العودة ومواجهة المصير بعزيمة وقلب صامد.
وفي الصباح الموالي عدت إلى منزلي مرغما.. فلم يعد لي في الأفق ملجأ سواه..
وكان الاستقبال باردا.. كما كانت نفسيتي مرتبكة مهزوزة، ومشاعري منقبضة وكأنني أرزح تحت ثقل يخنق الأنفاس ويزيدني عبئا وسوء حال.. مطأطأ الرأس حانيه. شارد الدهن ضعيف العزيمة و الإرادة.. ثقيل الخطوات متنازع المشاعر.. وانتابني إحساس وكأنني أعيش في مغارة مظلمة وأفق مسدود..
ولما وقفت بين يدي والدي، حائر النظرات ضائع العزيمة.. وبخوني لغيابي الطويل؛ وتهاطلت علي أسئلتهم.. وأنا حائر العزيمة قليل الحيلة.فكيف يمكنني أن أخبرهم أنني ذهبت لغرض محاولة الهجرة السرية.. وأنا اعلم أن خبرا كهذا لن يفوتهم بل لقد صرحت به مرارا ولكن لما الهجرة السرية.. ظل الجواب حبيس اللسان..
فلم يكن همي الهجرة من أجل إتباع تقليد سائد.. ولا من أجل الهروب بعيدا عن الحالة المعيشية المزرية التي كانت تعيش فيها أسرتي الصغيرة.. ولكن من أجل إنقاذ الأسرة من الفقر الذي تعانيه؛ ومن أزمة السكن التي تنكوي بنارها..
فبيتنا المتواضع المكون من غرفة واحدة كبيرة مقسومة إلى غرفتين؛ يتم الولوج إليهما عبر باب واحد..في حين ظلت الساحة الداخلية مفتوحة الفضاء متربة.. ولم يكن المطبخ إلا عبارة عن كوخ مسقف بالزنك.. في حي لم يتخلص بعد من السكن ألصفيحي..
فحي بن كيران حي معروف ببناءة العشوائي.. حيت تصطف البنايات من غير نظام أو تنظيم.. وكان الفقر، ورفض السلطات منح التراخيص أو تغاضيها عن البناء العشوائي مقابل مبالغ مالية مؤدات إلى مقدم الحي، الذي يوزع الغنيمة الباردة بينه وبين باقي زملائه. وأحيانا يصل قائد المقاطعة نصيب مفروض..
فمما كان يساهم في نمو الأحياء الصفيحية أو البناء العشوائية، التعقيدات البيروقراطية؛ والزبونية، وغلاء التعويضات والالتزامات المؤدات بدل الحصول على التخطيط الهندسي والخبرة عن التربة وما إلى ذلك... الأمر الذي كان يثقل كاهل المواطنين ويجعلهم يفرون بل ينفرون من دفع الواجب..
ولم يكن بيتنا بدعا عن باقي المنازل المبنية في ظل هذه الظروف الإدارية والقانونية وكذا المالية والإجتماعية.. علاوة على غلاء مواد البناء وارتفاع أجرة المعلم والعامل المساعد..
ولم يكن أبي إلا عامل بناء بسيط، ولم تكن أمي إلا سيدة بيت متواضعة.. فكان الدخل محدودا وهزيلا، وحاجاتنا متزايدة متنامية باستمرار..
وهناك وقفت.. لا أدري أي اتجاه أتبع وأي طريق أخوض..
فلقد كان تعليمي متواضعا ولا يكاد يعني شيئا يذكر؛ وفرص الشغل أمامي محدودة. وهاهي ذي طريق الهجرة السرية تغلق في وجهي إلى غير رجعة بعد أن بلغ مني اليأس مبلغا شديدا..وتقاذفتني حيرة قاتلة وقلة حيلة ثقيلة الوطأة..
وفي ظروف بائسة قضيت الفترة الأولى بعد عودتي من المضيق ومن محاولة الهجرة السرية بباب سبته..
فما كان بإمكاني بعد هذا إلا أن أعود لعملي السابق بأجره المتواضع بل والرمزي.. عشرة دراهم للأسبوع الواحد مقابل تعلم حرفة النجارة..
لكن بالله عليكم كيف لفتى يائس وغير مقتنع بجدوى التعلم وغير جاد في إختياره لهذه الحرفة؛ والتي لو اتبعها بصدق وعزيمة لأصبحت يديه تسبك ذهبا،خاصة مع تنامي المدينة واتساع العمران بها وتطور مستويات المعيشة..
هكذا قدر علي أن أقضي فترة طويلة ما بين البيت والعمل، استغرقت سنتين منها وأنا أعمل بأجرة عشرة دراهم أسبوعيا، قبل أن يرتفع إلى عشرون درهما للأسبوع الواحد..وذلك في فورة المراهقة وبلوغ سن الشباب.. حيث ان النتيجة كانت مراهقة بصفحة بيضاء..وشباب منفتح على مصير مجهول.. بدون سند ولا حبيب ولا أمل في خلق علاقة حب أو ممارسة الحياة بشكل سليم..
ومع أن الأمل في الهجرة السرية لم ينقطع تماما؛ فما زال شوقي وحنيني إلى تكرار المحاولة، وعدم الاستسلام لليأس، يحفزني ويقودني بين الفترة والأخرى إلى المرسى.. متطلعا متشوفا للفوز بفرصة ذهبية تكون المنعطف الحاد الفاصل ما بين مرحلتين وما بين حياتين..
وهناك وفي إحدى الخرجات وجدتني في منطقة "المون" المحاذية لمرسى المدينة وهي منطقة صخرية اصطناعية للحيلولة دون بلوغ الأمواج الهائجة..
وكانت في مدينة طنجة ولسنوات عديدة مأوى " الحراكة" حيت يتكدسون هناك في ظروف أقل ما يقال عنها جد قاسية..
فكثيرا ما تصادف بها مجموعات تعرضت للنصب والاحتيال وفقدت مبالغ مالية مهمة تتجاوز الخمسة ملايين سنتيم.. يكون حالها حين مقدمها غير النهاية المأساوية التي تنتهي بها.. ففي الأول يقضون فترات في إحدى الفنادق او النزل المتواجدة بمنطقة الميناء.. تم شيئا فشيئا يفقدون أموالهم وأملهم في وجود وسيط ملتزم وقلما يوجد وإن وجد تحولوا مباشرة إلى إحدى الضيعات أو الفيلات أو سكن قريب من المنطقة الساحلية ما بين طنجة ومليلية وفي الغالب في منطقة الدالية .. أما الغير محظوظين فينظافون إلى غيرهم من الفقراء أو الذين تعرضوا مثلهم للتلاعب والاستفزاز والإستغلال والنصب حيث تنعدم الحيلة أمامهم فلا هم يستطيعون متابعتهم بالمحاكم ولا يتمكنون من مواجهتهم لقلة حيلتهم ولشدة الناصبين.. وكثير منهم ضن أنه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمه حتى إذا ما كان عرض البحر تعرض لسوء المركب وكثافة الركاب وعدم الخبرة بالمنطقة فقد يصل إلى الشاطئ سليما أو يفقد روحه في عرض البحر ولكن الذي يصل إلى الساحل فليس الساحل الذي يتصور وإنما جانب من الساحل المغربي..
هناك التقيت بشاب يعاني ظروفا خاصة.. خاصة وأنه تعرض للسرقة من طرف مجموعة لصوص اعترضوا سبيله.. فلما حاول الدفاع عن نفسه كان مصيره جرح غائر في معصمه.. فلما حاولت الإقتراب منه ناله مني الخوف والشك وحسبني من ضمن العصابة التي اعترضت سبيله غير أنني طمأنته ورجوته أن يثق بي وبالفعل سرعان ما منحني ثقته.. هناك طلبت منه أن يعجل بالذهاب إلى المستشفى ليتلقى العلاجات الضرورية.. غير أنه إقترح الدخول أولا إلى المرسى ومحاولة الصعود إلى أحد المراكب الراسية والخاصة بشحن البضائع.. ولما بلغنا السور كان من الصعب عليه أن يبلغ قمته بدون مساعدة هناك تفضلت برفعه إلى أن صعد في الوقت الذي تمكنت فيه لخفتي ورشاقتي من تسلقه في سرعة وخفة بالغة.. وبعد ذلك وجهته إلى أن كذنا نصل إلى مركب هناك للشحن غير أن أحد الحراس رآنا فتبعنا حاملا عصا غليظة ومتوجها إلينا بأقصى سرعة.. صارخا في أوجهننا ومنبها لنا لمغادرة المنطقة.. وكان صاحبي هذا في غفلة عنه لولا أن نبهته فجرينا متسللين ما بين البضائع والسلع والركامات المتكونة من مراكب معدة للإصلاح وشباك منشورة .. فما هي إلا لحظات حتى كنا خارج المرسى.. حينها كررت دعوتي له بوجوب الذهاب إلى المستوصف او المستشفى بعد أن هالني ما نزف من دم من جرحه الغائر العميق الذي يحمل دليل تعرضه الفعلي للسرقة.. وقادتنا خطواتنا إلى مستشفى محمد الخامس حيت تلقى الإسعافات الضرورية وخيط جرحه وكان المكلف بدلك ممرض.. في الوقت الذي كان فيه باقي الأطباء يغطون في نوم ثقيل وكأن لا مسؤولية ملقاة على كاهلهم بل الأدهى والأمر أن الممرض لم يستنكف أن يطلب الثمن مقابل أدائه واجبه المهني خاصة وأن المركز الصحي عمومي..
وبعد مغادرة المستشفى بعد شجار عنيف مع الممرض.. توجهنا إلى المحطة الطرقية لمدينة طنجة لنقضي بها ليلتنا من غير تناول أي شيء ومفترشين الأرض لا تسترنا غير السماء والملابس الهزيلة التي كنا نرتديها.. قضينا فترة منها نتجاذب الحديث عن المستقبل وتصوراتنا له وعن أحلام الهجرة والوصول إلى الأراضي الأوروبية .. وعن الثروة والسيارة الفارهة والرفيقة الجميلة.. واستمر الحديث وتشعب.. فلما هممنا بالنوم نزع معطفه الذي يستره من البرد إمتنانا منه وشكرا فغطاني به فيما ضل يعاني شدة البرد وهو يرتعد من غير أن يحاول إستعادته إلى أن نال منه النوم فنمنا نوما متقطعا..
هكذا دامت صداقتنا أربعة أيام كانت الأجمل والأروع في حياتي مع قساوتها وشدتها هناك لمست عن قرب إنسانية صديقي فرسخت معزته في القلب وازدادت مع طول الأمد.. افترقنا بعدها بعد أن عدت إلى البيت مرت ثلاثة أيام قبل أن أعود بحثا عنه.. غير أنني لم أجده وإنما وصلني أنه قد جاء أخوه فرافقه إلى البيت. وكانت نيته قبل ذلك أن يبتاع الآلات اللازمة ليعمل ميكانيكي بالمحطة غير أن قدره اختار له طريقا آخر.. فكانت عودته إلى البيت راحة له وسبب فرحتي وحزني في آن فبقدر ما كنت فرحا بعودته إلى البيت بقدر ما حز في نفسي أن أفتقد صديقا غاليا عزيزا وناذرا مثله ولكم تمنيت حينها وما زلت لو تشرفت برؤيته ولقياه مهما طال العمر وتطاولت السنين ولو بعد سبعين عاما فالصداقة كنز لا يفنى..
وبعد فترة وجيزة.. وبينما كنت أشاهد أحد البرامج بقناة .. 2m المغربية المعروف بجديته وتناوله للموضوعات الحساسة والراهنة "تحقيق" والذي كان اسما على مسمى رائعا جذابا.. وما هي إلا لحظات حتى أفاجئ به يستجوبه معد البرنامج ومقدمه.. فلم أتمالك نفسي بالصراخ:
_إنه هو إنه هو صديقي الذي أخبرتكم عنه..
ومرت الأيام بعد ذلك ثقيلة ورتيبة مملة لا جديد فيها يذكر..
وهنا لست أدري كيف أصف هذه المرحلة من حياتي والتي امتدت طول طفولتي ومراهقتي والبدايات الأولى من شبابي..
ففي لحظة تهور خرجت من المدرسة.. فكانت الشرخ الذي امتد طويلا وليشل حياتي.. ويربك حساباتي.. زادته طيبتي وسماحتي وقلة الجرأة والتردد الشديد والتي قيدت يدي وقلصت الفرص بين يدي.. فانسابت حياتي من غير أمل ولا مستقبل منظور ولا واقع حال يفرح ويسعد الخاطر..
فمراهقتي طفولة مستمرة وصداقة رومانسية عفوية.. وعلاقات عفيفة مقتصرة على الزمالة والأخوة..
ومع أن الشارع كان حافلا بالمؤثرات السلبية من تدخين وإدمان المخدرات وفساد إلا أنني أحمد الله أنني لم ينلني من ذلك شيء.. وإنما كان همي معرفة الحياة و سلك دربي بالتي هي أحسن في أسلوب لين وتعامل طيب وإنسجام تام مع الناس.. ومع أن النبل إذا زاد على القياس كان عقبة وانقلب على صاحبه بما لا تحمد عقباه فلقد كانت نتيجة حكمتي وصبري وسماحتي أن عشت على هامش الحياة منزويا منطويا على ذاتي لا شيء يثيرني أو يشدني إليه أو يرغبني في إتباعه..
ومرت الطفولة كسحابة صيف بيضاء من غير مطر.. ولأجدني في مفترق الطرق من غير سند ولا مخرج أو مفر..
ولم تكن تلك نهاية المشوار ولكن بداية منعطف ضيق.. إما إقبال على الحياة من بابها الواسع أو الإنزواء في الظل..
كانت الآمال أمامي ضيقة والفرص محدودة ولا مجال رحب للتحرك.. فلقد أضعت العمر جريا وراء سراب لا ينال لا لأنني حاولت وأصررت على الهجرة السرية وإنما أيضا لكوني كنت دائما أطمع في فرصة سانحة من غير أن أبدل مجهودا يذكر.. ففي الواقع كانت نفسيتي والتي أقبلت على الحياة باكرا، ظلت حبيسة شروط موضوعية لا يمكن تجاوزها بمجرد إدراك مكمن العيب أو الخطأ؛ فالجرأة تآكلت من عالمي، ولم يعد الإقبال شرطا منهجيا في حياتي؛ وإنما تركت الأمور تسير على هواها مطمئنا إلى سذاجة وبراءة في أن الحياة لا يمكن أن تستمر على وثيرة واحدة؛ وأن التغيير لا بد أن يحصل في يوم من الأيام.. وزادتها حدة كوني أعيش يوما بيوم سالما معافى؛ وأن الجديد المطلوب لم يكتمل تصوره بعد بله الإعداد له والترتيب لتحقيقه، شأني في ذلك شأن الغالبية المسحوقة التي تجد الطريق أمامها ممهدا للنزول السريع إلى الحضيض؛ ومحاولة الخروج منه في يوم من الأيام.. في حين نقاوم لنعيش اليوم أو الشهر أو السنة، وأن نحقق كذا هدف أو أهداف؛ ليضيع العمر في إنتظار الذي يأتي أو لا يأتي..
الحياة إسرار وبدونه لا تكتمل الصورة، ويتماها التصور مع المعيش اليومي، والمقدور عليه، في حين لا تنال القمة إلا بالإصرار والثبات وعدم الإلتفات إلى الوراء؛ وإنما تقدم لا يعرف الخجل أو الوجل..
حقيقة أنني كنت متسامحا في حياتي الطفولية وفي شبابي؛ لكن هذا لم يكن يعني أنني كنت ضعيف البنية أو الشخصية، بل على العكس من ذلك تماما؛ إلا أن هذا في النهاية لا يعني شيئا طالما ظروفي المادية استمرت على وثيرة واحدة، حتى لإنني بدأت أتصور أو يتبادر إلى دهني أن الحياة ممكنة بدون تغطية مالية مهمة، لكن هيهات.. فلا شيء يمكنه أن يدوم طالما كانت الظروف المادية صعبة..
فلا يمكن بناء أسرة، أو ربط علاقة متينة مع شريك محتمل للحياة ما دمت خالي الوفاض.. قليل الجهد، جانحا إلى الطرق السهلة والميسرة..
هكذا إذن استمرت حياتي على وتيرة واحدة، يحدوني أمل جاد في التغيير؛ في نفس الوقت الذي ظلت فيه مؤهلاتي محدودة، ومجال تحركي ثابتا محصورا.. فكيف إذن يمكنني العيش الكريم، وخلق الأمل في الحب والحياة.. كيف لي أن أحافظ على الحب إذا صادفته.. وكيف لي أن أطمئن على حياتي ومستقبلي.. أسئلة كثيرة لست مؤهلا للإجابة عنها؛ وحده المستقبل يفند أو يؤكد تصوراتي ويحقق أو يستغن عن آمالي وتطلعاتي

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg 849570949.jpg‏ (7.5 كيلوبايت, المشاهدات 0)
موسى اوشقري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14 / 12 / 2009, 11 : 04 AM   رقم المشاركة : [2]
موسى اوشقري
كاتب نور أدبي
 





موسى اوشقري is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: المصير المجهول

آسف على الازعاج ضننت ان الجمهورية مفتوحة على الابداع؛ فيما هي مفتوحة على النقاش. وكان بودي لو أطرح موضوعا يستحق الحوار والنقاش، إلا أنني وجدتني اكتب هذه السيرة والتي إن حملت في طياتها موضوعا ما فهو خاص. حيث تنتشر ظاهرة الاعتماد على الجنس اللطيف من أجل فتح ..وتكثر هنا بطنجة حيث يصبح الزوج مجرد خادم بالبيت؛ فيما تتحمل المرأة أعباء المصروف وما إلى ذلك ..
وأنا لا أرغب في طرح الموضوع غاية ما كنت أطمح إليه، أن أبحث عن نافذة أنفتح من خلالها على العالم؛ واجد لي موطأ قدم.. أعبر من خلاله عن أرائي وهمومي. واتنفس من خلال الكلمة.. فعذرا وارجوا إلغاء المشاركة؛ في انتظار فتح موضوع جدي للحوار الهادف والسلام
موسى اوشقري غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
هي قصة واقعية عاشها بطلها كما رواها وهو صاحب الصورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إلى ذاك المجهول رشيد الميموني كلـمــــــــات 8 03 / 01 / 2021 58 : 12 PM
المجنون فتيحة الدرابي الخاطـرة 9 07 / 05 / 2012 25 : 02 PM
في انتظار نعش المجنون حبيب عزيزي قصيدة النثر 0 20 / 10 / 2009 37 : 01 AM
شذى الليمون ثرثرتك خيري حمدان الخاطـرة 2 25 / 10 / 2008 25 : 08 PM
الحب المجهول عماد الدين عميروش الخاطـرة 11 23 / 09 / 2008 18 : 02 AM


الساعة الآن 42 : 12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|