من إسرائيل إلى بويا عمر
عند نهاية كل عام يتم اختيار صورة السنة , وهناك آلاف الصور التي تتنافس لكي تقدم في لقطة واحدة ما ازدحم به العالم لمدة 365 يوما , وفي الغالب تفوز صور بلا معنى أو تحمل القليل من حقيقة هذا العالم المجنون .
ومؤخرا , رأيت صورة وجدت أنها يمكن أن تفوزبسهولة بجائزة أفضل صورة للسنة , إنها صورة بلا دماء ولا أشلاء ولا وجوه حزينة ولا قنابل ولا دبابات ولا ذباب يغطي وجوه الأفارقة الجوعى , إنها صورة يمكن أن تكون عادية جدا في تأصيلها للظاهرة لكنها مرعبة في ثناياها .الصورة لامرأة تسير في شارع شبه خال , ووجهها لا يظهر لأنها التقطت من الخلف , بينما يسير قربها على بعد مترين , شاب أشقر يرتدي سروال جينز وقميصا أبيض , وتتدلى قرب أذنيه ضفيرتا شعر , بينما تظهر يده اليسرى مرمية نحو المرأة التي تبدو وكأنها تريد أن تتحاشى شيئا ما , هو عبارة عن سائل أحمر .
المرأة فلسطينية , والشاب الأشقر إسرائيلي , والسائل الأحمر نبيذ رماه نحوها من كأس في يده,والمناسبة هي أنه يريد أن يدنسها بالخمر خلال صيامها في أحد أيام رمضان .
الصورة واضحة إلى درجة مقززة , والسائل الأحمر يبدو مثل ثعبان أحمر يلتوي في الهواء ويخرج لسانه , والمعنى الموجود في قلب هذه الصورة يجعلها صورة قوية , قوية جدا , لكنها لايمكن أن تفوز بجائزة أحسن صورة لأن صورة إسرائيل ستتدنس أكثر مما هي مدنسة .
هذه الصورة التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" تلخص إلى حد كبير واقع إسرائيل وطبيعة "شعبها"وأي تعليق عليها سيفقدها قيمتها . عندما رأيت تلك الصورة استعدت صورة "تسيبي ليفني"المتهمة بارتكاب جرائم حرب , وهي تزور المغرب قبل أسابيع وتبتسم في اطمئنان وهي تتحدث في فندق بقلب"طنجة"رغم كل الدعوات القضائية الرسمية إلى ضرورة اعتقالها .
ليفني لم تستطع زيارة لندن مؤخرا لأنها تعرف أنها ستحاكم هناك كمجرمة حرب , وجاءت إلى المغرب لأن نجل وزير الخارجية المغربية هو من وجه إليها الدعوة باسم معهد "أمانديس" .
في العادة , نعرف أن الآباء الأغنياء يشترون لأبنائهم لعبا جميلة , وعندما يكبر الأبناء يشترون لهم دراجات نارية وسيارات , وكان من الممكن للطيب الفاسي أن يشتري لابنه سيارة فيراري جديدة ليلعب بها مع أقرانه , عوض أن يمنحه لعبة إسمها "معهد أماديوس"والتي حولها إلى وسيلة لاستفزاز المغاربة كل عام عبر دعوة مجرمي الحرب إلى المجيء إلى المغرب .
تذكرت أيضا خبرا حول عودة عدد من المغاربة الذين قاموا مؤخرا بزيارة لإسرائيل وأمضوا هناك قرابة أسبوع , وعادوا يعبرون عن إعجابهم بالتجربة الإسرائيلية بعد أن زاروا عددا من المستوطنات التي أنشئت على أشلاء ودماء آلاف الأطفال والنساء .
هذه المجموعة المكونة من تسعة أشخاص عاشرهم زعيمهم , لا تفتقر فقط إلى الحس السياسي , بل إنها تفتقر إلى الحس الإنساني لإدراك أن إسرائيل ليست عدوة الفلسطينيين فقط , بل عدوة الإنسانية , وفلسطين ليست قضية عربية , إنها قضية إنسانية بامتياز , والأطفال الفلسطينيون الذين تفجر القنابل الإسرائيلية أحشاءهم هم آدميون في البداية والنهاية .
لهذا السبب يجب التعامل مع أصدقاء إسرائيل من المغاربة على أنهم مريضون نفسيا ويعانون من خلل كبير في أدمغتهم , إن كل الأشخاص الذين يقرون في لحظة هذيان حضاري إقامة جمعيات صداقة مع إسرائيل , أو زيارة هذا الكيان الهلامي و التعبير عن إعجابهم بتجربته , أو يدعون وجوها إسرائيلية إلى المجيء إلى المغرب , لا يحتاجون في الحقيقة إلى بيانات إدانة ولا إلى وقفات إحتجاجية ولا إلى أي شيء من هذا القبيل , كل ما يحتاجونه هو مصحة نفسية تتم فيها العناية بهم , لأنه يستحيل أن يكون الإنسان متمتعا بكامل قواه العقلية ثم يقول إنه معجب بالتجربة الإسرائيلية . أكيد أن حمقه سيكون في مرحلة متقدمة ويحتاج إلى علاج مكثف , لأن التجارب الإسرائيلية تتلخص فقط في مذابح مثل كفر قاسم ودير ياسين وجنين وغزة وغيرها كثير , لذلك أجد من المناسب خلق جناح خاص في ضريح "بوياعمر" للمعجبين بالتجربة الإسرائيلية , ومن الطبيعي جدا أن كل مغربي قادم من إسرائيل أو عضو في جمعية للصداقة مع تل أبيب يجب أن يجد له مكانا في هذا الضريح الذي يقال إنه يعيد الرشد إلى رؤوس كل الحمقى و المضطربين نفسيا .
منقول بأمانة عن جريدة المساء المغربية
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|