إشكاليات قصيدة النثر
[align=justify]
كثيرون يقفون من قصيدة النثر موقف المهاجم الناقم الكاره ، كونها القصيدة التي تمردت على الوزن من جهة ، وعلى كل قاعدة من جهة ثانية .. وهناك من يدافع عنها دفاع المستميت كونها قصيدة الحرية والانطلاق والانفتاح والتحرر من كل قيد.. ويقف كل من المدافعين والمهاجمين متسلحين بالكثير من الأمثلة والبراهين والأقوال .. وحتى لا ندخل في دوامة لا نهاية لها إن وقفنا هنا أو هناك ، مع أو ضدّ قصيدة النثر .. نرى أنّ الحكمة تقتضي عدم إلغاء أي فن ، أو إقصاء أي لون ، مهما كانت المبررات.. فأنا مع قصيدة النثر حين تقنعني بفنها وعطائها وضدها حين لا تستطيع أن تقدم لي وجبة تغنيني وتضيف إليّ.وهو موقف أقفه من كل جنس أو نوع أدبي .. وهو الموقف الذي يجب أن يكون حين نقيم أو ننظر لكل فن في الحياة ، فليس هناك سيئ في الأصل أي الحامل ، بل السيئ يأتي من المحمول .. وهنا يمكن أن نرى أسباب التهجم الذي لا يرحم على قصيدة النثر من كثيرين ..
كل فن ، وكل نوع أو جنس أدبي، بحاجة ماسة إلى من يسيجه ويحميه ويعطيه قوة تمكنه من الدفاع عن نفسه في وجه الجميع .. ونعرف أنّ الفن الذي تتوفر له أسماء كبيرة تدعمه وتقويه وتشعل فتيل تميزه ، يكون فنا محميا بما يحمل ، وحين يتعرض له احد ما بالهجوم أو العداوة يجد بما يحمله القدرة على الدفاع والوقوف والثبات لينكسر أي هجوم بشكل مباشر .. فالنماذج الكبيرة والمتميزة والعظيمة تعطي من يدافع عن فن ما قوة ومنعة وسياجا متينا .. وفي مثل هذه الحالات يكون الاستمرار من نصيب الفن .. كما يعرف كل المهاجمين ، مهما اشتدت هجماتهم أنهم يحاربون شيئا قويا لا يمكن كسره والقضاء عليه .. فهل توفرت لقصيدة النثر هذه الإمكانيات ؟؟..
إشكاليات قصيدة النثر ، وهي إشكاليات كبيرة ، أوجدت قصيدة مهلهلة ضعيفة لا تستطيع الدفاع عن نفسها .. من هذه الإشكاليات غياب القواعد الواضحة ، إلى جانب غياب الوزن أساسا .. مما جعل الكثيرين يستسهلون الكتابة تحت تسمية قصيدة النثر وادعاء الحرية المطلقة .. فصار كل من يريد التجريب يدخل عالم قصيدة النثر مصرا على أنه شاعر متميز وكبير ، دون أن يملك أي أداة من أدوات الكتابة الجيدة المتمكنة ..وإذا نظرنا إلى كمّ ما ينشر من مقطوعات تحت تسمية قصائد النثر لعجبنا وتعجبنا من كثرة الأخطاء والتعديات والتجاوزات ونسف كل شيء .. ومثل هذه المقطوعات التي تشوه قصيدة النثر ، وكلّ كتابة أخرى ، تلقى من يدافع عنها دفاع المستميت وكأنه يخوض معركة مصيرية .. وطبيعي أنّ الخطأ البادي والظاهر والواضح ، لا يمكن أن يحمل مقومات الدفاع عنه ، فهو مكسور أصلا، والمكسور لا يجبر بالكلام عن حسنات غير موجودة ..
تحتاج قصيدة النثر لشعراء حقيقيين متمرسين أشداء يكتبون قصيدة النثر بوعي وإدراك ، لأنهم بهذه الكتابات يشكلون حماية لفن قصيدة النثر .. فأنت تؤمن بفن ما ، عندما تشدك نماذج من هذا الفن وتأخذك إليها .. وهذا للأسف لا يتوفر ، إلا فيما ندر، لقصيدة النثر .. فكل الذين أتوا من باب الاستسهال، ولأنّ القواعد غير موجودة ، أتوا ضعفاء غير قادرين على زرع شجر يعطي الحديقة شكلها الجميل، ويعطي القراء الثمر الذي يشد ويفيد.. وهذا يعني أنّ قصيدة النثر ستبقى بين أخذ ورد طويلين ، كونها لا تجد من يحميها الحماية المطلوبة ، وكون التنظير وحده لا يأتي بفن متميز قوي .. قصيدة النثر بحاجة إلى داعم قوي كبير، وعند توفر هذا الداعم ستستطيع قصيدة النثر أن تقف بثقة في وجه كل المهاجمين ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|