[الشاعر الصارخ]

تراتيل من تعاويذ البدوي

ويحتضر الصيف سيدتي
ومن قبله قد شهدنا احتضار الربيع
وهذا الخريف يحاصرنا
بكل مراياه حتى التلاشي
ولاشيء عندي لأدفع عنك عواصفه
فعفوك عفوا
فلا تسأليني بماذا أقابل برد الشتاء
فأني كهذي الزهور ومثل الطيور
التي أعلمتني بأن الربيع كذلك يحتضر
وها تختفي منك كل العطور
ولم يبق إلاي في صيفك المحتضر
*****************************
فيحدث أن نلتقي
فصادفتك الآن مسكوبة من ضياء القمر
ومن وهج الشمس رغم اختلاف الدروب
وفي فجر ميلاد هذا الخريف التقينا
كما سطر الدهر سيدتي
فإني كما أخبرتك منجمة البدو جرح
على وجه هذا الزمن
فقد شردتني الفتن
ومازلت أبحث سيدتي عن وطن
فإني مللت حياة المدر
ولكن سيدتي هل يعود الربيع
فهل تذكرين نبوءات تلك المنجمة الآن
رغم توالي العصور
تقول بأن النهاية بدء البداية
وهذي الزنابق حتما ستنجب سر البنادق
وتلك حكاية
دعيني أفسر سيدتي لغز هذي الحكاية
فقد قلت سيدتي بدوي أنا
رغم تنكر هذي المدينة
فتلك خيامي وذاك بعيري ومرعاي خصب
إذا تبصرينا
فلن تستميل خطاي المدينة
وذلك حبي يشكل أبعاده
ويرفض هذي السجينة
وتلك جريمة
وقلت ستبعث أحلام هذي البوادي
على لحن موال جدي التليد
ومن هدهدات الوليد
ونمحو مرآيا السواد
فلا تسألي عن جراحات صدري
وكيف عساها تكون عذابات قلبي
لأني شربت هنا
حنظل الصبر من ليلنا مرتين
وخضت بحارا تخيف رؤى الأنبياء
وصليت في جبة كان حلاجها
لا يصلي بها ركعتين
*************************
من البدو أنحدر قلبا طريد
على نبضات النشور
كسر يغيب بين السطور
ولا تسأليني
إلى أين أمضي
فأحلامنا لا تزال صغار
فمازلت أحلم بالماء
والعشب عند الأصيل
و عند البكور
وأحلم بالنوق في أبلي
وموال حادي الركاب وقرض القريض
ونبض القوافي وطي الفيافي
بسيط أنا
لو تعلمين حياة البداوة لو تعلمين
صفاء الجمال و صبر الجمال
فكم دنستني شرور المدينة
فللبدو حب تغلغل في كبدي مستكينا
وخالط لون دمائي
فمازلت في عشقه مستهاما إذا تدركينا
و تلك قضية
***********************
إلى أين أمضي
فكل الحضارات لا تستميل هواي
فهذي النوايا كهذي المنايا
وكل البرايا تدين الثرايا
وكل القصور تحاورني
ويخجل مني الفراش الوثير
و أصرخ آه
ويخنقني ظلم هذي المدينة
**************************
إلى أين أمضي
وها أنت سيدتي تسألين غثاء الحضارة فينا
ورغوة هذا العجول الجهول
بريء أنا من مدينتكم
عريق أنا عن حضارتكم
فما تركتني هنا فريتكم وما هادنتني خرافتكم
وهذي المدينة أمست تساومني
فلا تشتهي أن أكون
وتبدي غواياتها
وقد لعبت كل أوراقها
عساها تزيل صفات البداوة عني
بكل حلاها تساومني
بكل الأسامي تحاورني
بفضل الحضارة بسم التمدن
لكنني بدوي وأرفض أي انتماء
**************************
إلى أين أمضي
وهذي المدينة ظالمة
أتثبتني تارة
وتنكرني تارة
وتخجل بي عادة
والحضارات تغزو خيامي ومرعاي في كل مصر
ومازلت أشدوك لحني الحزين
فكيف نجدد سيدتي فيك هذي الرؤى
وهل يرتضي الدرب كل الخطى
فلا تتخذيني هنا هزءا إذ تمردت يوما عليك
فإني سأمضي إلى غايتي رغم كل الحذر
فمازلت أمضي.... أخبئ
في الصدر شمسا إلى الموعد المنتظر
سلام فقد تدركين إذا جد فيك حنين الرجوع
معاني الفيافي ونبض القوافي
سلام إلى أن يطل صباح الربيع صباح الوجود
ونشدو هناك نشيد الخلود

[محمد الصالح الجزائري]

...وتومض بين ثنايا القصيد..
معانٍ بأبعاد حلم تماهى..
إلى شرفات الربيع تناهى..
وقد خبّأ كل الحكايا..
وفي آخر الليل من كل فصل..
يبوح بأسرارها للنجوم...
ــــــــ
عذرا يا شاعر كل الجنوب إذا شدني جمال أبياتك إلى عطفات البوح الملحّ علينا... قصيدك غاية في الفلسفة ! لأبياتك أبعاد وظلال وارفة بحجم صحرائنا الشاسعة!! شممتُ هنا عبق الجنوب الجميل الساحر...دمتَ كما أنتَ مبدعا إبداعا صارخا أيها الرجل...أخوك الجزائري..