[دكتور/ عادل محمد زيادة]

مَيْدَانُ التَّحْرِير بالقاهرة ... تاريخٌ وحَضَارة
تُعتبر قاهرة الخديوي إسماعيل من أعظم المشروعات التي تمت في القرن التاسع عشر، وكانت القاهرة عند تولي إسماعيل باشا عرش مصر عام 1863م تمتد من منطقة القلعة بسفح جبل المقطم شرقاً وتنتهي حدودها الغربية عند مدافن الأزبكية وميدان العتبة والمناصرة، وكان يفصلها عن نهر النيل مجموعة من البرك والمستنقعات والمقابر والتلال، ولأن معظم أحيائها كان قد دَبَّ فيها الانحلال العمراني قرر إسماعيل باشا أن يقوم بثورة عمرانية لعاصمة البلاد التي كانت في ذلك الوقت تمثل نموذجاً لإحدى مدن العصور الوسطى التي تحيط بها الأسوار وتتحكم فيها البوابات .
وإسماعيل باشا هو ابن إبراهيم باشا بن محمد علي الكبير، وُلد عام 1830م بقصر المسافرخانه بمنطقة الجمالية بالقاهرة الفاطمية، وتلقى تعليم اللغتين الألمانية والفرنسية في النمسا، ثم انتقل إلى باريس لتعلم الفنون العسكرية بالمدرسة التي أنشأها جده محمد علي الكبير هناك، وبعدها إلتحق بكلية "سان سير الحربية" عام 1848م. وقد تولى حكم مصر يوم 18 يناير سنة 1863م بعد وفاة عمه سعيد باشا، وقد عُرف إسماعيل باشا بقوة وعظمة شخصيته التي لا تعرف المستحيل، ولذلك منحه السلطان العثماني لقب خديوي أي "الفارس الشجاع" إعجاباً وتقديراً لشخصه وإنجازاته، وفي الأول من يونيو سنة 1879م تنازل إسماعيل عن عرش مصر لولده محمد توفيق باشا، وتوفي باسطنبول في الثاني من مارس سنة 1895م ونُقل جثمانه إلى مصر حيث دُفن بجامع الرفاعي بالقاهرة.
انتقى الخديوي إسماعيل تخطيطاً جديداً للقاهرة يضاهي به أجمل مدن أوروبا في ذلك الوقت وارتبط هذا التخطيط بالتخطيط الجديد لباريس الذي وضعه صديقه المهندس العالمي "هاوسمان" الذي قام بناءاً على طلب شخصي من الخديوي إسماعيل من الإمبراطور "نابليون الثالث" بمشاركة مهندس نمساوي في تخطيط القاهرة فأضاف إلى المشروع الكثير من عناصر وملامح باريس الجديدة حتى أطلق عليها كتاب الغرب "باريس الشرق".
وقد اشتمل تخطيط "قاهرة إسماعيل" على شبكات متكاملة للمرافق حيث لم يكن بها شبكات مياه أو صرف أو إنارة، فكانت تعتمد على السقاية والنزح والإضاءة بالقناديل، فصُمِّمَت شبكات لمياه الشرب وري الحدائق والصرف الصحي، والإنارة بالغاز، كما رُصفت الشوارع ببلاطات حجَرية. وخصص المشروع مسطحات ومناطق للغابات والحدائق العامة جُلبت لها الأشجار النادرة من الهند والسودان والصين وأوروبا ومعظمها من الأنواع التي جُلبت خصيصاً لغابة بولونيا الباريسية وحديقة الأزبكية بالقاهرة.
واحتلت المباني العامة بقاهرة إسماعيل مواقع متميزة عكست بوضوح النهضة العمرانية والثقافية لذلك العهد وكان منها : دار الكتب ودار المعارف، ودار الرصد، ودار الإحصاء، ودار الجغرافيا، ودار العلوم، ودار الآثار، ودار القضاء العالي، ومدرسة المهندسخانه، ومدرسة الصناعات والحرف والمدرسة الحربية بالعباسية، ودار الأوبرا ومسرح الكوميديا. واستهدف التخطيط أيضاً إنشاء مجموعة من القصور أهمها قصر عابدين ليكون قصراً للحكم وقد بُني سنة 1863م على مساحة 24 فدان ويضم 500 حجرة وقاعة وبلغت تكاليف بنائه في ذلك الوقت 700 ألف جنيه مصري (حوالي 14مليون دولار بتكلفة عام 1998م) وكان يشمل جناح الملك وجناح الملكة وغرف جلوس الأسرة المالكة وقاعات الطعام وخدماتها وجناح الملكة الوالدة ويتبع ذلك السلاملك والحرملك ثم قسم الصيدلية والمغسلة والكيّ وخياطة الملابس، كما يضم القصر مسرحاً كبيراً وقاعة للفنون ومتحف للفضيات ومتحف حربي واستديو للتصوير وجراج للركائب والسيارات.
وتُعد منطقة وسط القاهرة بمثابة متحف مفتوح لتراث إنساني يمثل مصر منذ بداية تحديثها يتضمن عدداً كبيراً من المباني التراثية يتعدى الثلاث مائة مبنى داخل مساحة تقدر بحوالي 700 فدان، يعود تاريخ إنشائها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهي مبانِ جامعة للطرز المعمارية المختلفة مثل الكلاسيكي Classic ، وعصر النهضة Reaissance ، والآرت ديكو Art Deco ، والفن الجديد
Art Nouveau والباروك Baroque بغزارة زخارفه، والمدرسة التعبيرية Expressionism والمدرسة العقلانية Rationalism والإسلامي المتطور. ويمكن القول أن منطقة وسط القاهرة تمثل معرضاً لأعمال المعماريين الأجانب الذين استُدعوا من فرنسا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا من أجل بناء نهضة مصر العمرانية.
ويمثل ميدان التحرير قلب القاهرة الحديثة وأيضاً مدخلها الرئيسي ويقطع الميدان شارع التحرير (الإسماعيلية سابقاً) المتصل بكوبري قصر النيل ويمتد شرقاً إلى ميدان باب اللوق وميدان عابدين وهو الشارع الذي أراد به الخديوي إسماعيل ربط ثكنات قصر النيل بقصر عابدين، كما امتد الشارع غرباً من كوبري الجلاء إلى حي الدقي. وأُطلق على الميدان والشارع اسم "الخديوي إسماعيل" نسبة إلى سراي الإسماعيلية التي بناها على جزء من الأراضي والأملاك التي أهداها إلى زوجته الثالثة "جشم آفت خانوم" وكان إلى جوار مدخل كوبري قصر النيل من الجهة الشمالية قصر "نازلي هانم" كريمة محمد علي باشا والذي حل محله "ثكنات قصر النيل" ومقر نظارة الحربية التي هدمت بعد جلاء الاحتلال البريطاني، وشُيد مكانها عدة مباني هامة مثل مقر جامعة الدول العربية وفندق النيل هيلتون ومبنى الحزب الوطني، كما شُيد بالميدان على جزء من سراي الإسماعيلية مجمع المصالح الحكومية، ويضم الميدان أيضاً سراي الأمير كمال الدين حسين ابن السلطان حسين كامل (وزارة الخارجية القديمة قبل نقلها إلى مقرها الجديد بماسبيرو) وأيضاً مبنى المتحف المصري. وقد صُمم ميدان التحرير بحيث تتوسطه قاعدة لتمثال الخديوي إسماعيل الذي شرع الملك فؤاد الأول في عمله إلا أنه لم يوضع بمكانه نظراً لوصوله إلى مصر بعد قيام ثورة يوليو 1952م بأيام قليلة، وفي عام 1955م أُقيمت بالحديقة المطلة على الميدان نافورة كبيرة وساعة زهور، ومع زيادة كثافة المرور بالميدان بُني كوبري دائري للمشاة لفصلهم عن حركة السيارات وقد أزيل الكوبري تدريجياً مع بداية إنشاء مترو الأنفاق، وأُطلق على الميدان اسم "السادات" إلا أن اسم "التحرير" ظل ثابتاً في ذاكرة الناس، وربما بإقامة تمثال الخديوي إسماعيل في موضعه الذي خُصص له يعاد لذاكرة الدولة نقاؤها .

[مرمريوسف]

الاستاذ الدكتور /عادل

تحية طيبة وبعد نشكر سيادتكم على هذه المعلومات القيمة ولكن لى سؤال لماذا رجع د / حواس للوزارة مرة أخرى رغم انه متهم .

[نصيرة تختوخ]

[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]شكرا على استجابتك د. عادل و على هذه المقال الرائع الذي يعرفنا أكثر بتاريخ ميدان التحرير الذي صار و لاشك معلمة مصرية جديدة سيزورها كل تواق لاكتشاف مصر.
دمت بكل الخير و زادك الله علما.[/align][/cell][/table1][/align]