التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,866
عدد  مرات الظهور : 162,392,719

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 29 / 05 / 2011, 25 : 02 AM   رقم المشاركة : [1]
د.يوسف جاد الحق
روائي وقاص

 الصورة الرمزية د.يوسف جاد الحق
 




د.يوسف جاد الحق is on a distinguished road

Post موت غير متوقع - قصة قصيرة - يوسف جاد الحق

(1)‏
كان يخشى الموت أكثر مما يخشاه أي أحد آخر. لازمه ذلك الخوف منذ الصغر وإلى أن بلغ الآن من العمر بدايات عقده الخامس. لا ينقطع عن التفكير: كيف سيغادر هذا العالم ذات يوم.. كيف يودع الشمس التي ستظل تشرق حتى بعد موته.. لمن يدع الليالي المقمرة الصافية.. لمن يدع الجمال والجميلات.. الحقول والمياه.. السفر.. الرحلات.. كل ما هو جميل في الحياة.. حتى المنغصات.. حتى المتاعب على كثرتها لم يكن من شأنها أن تطامن غلواء حبه للحياة بهذا المقدار.. أو لنقل خوفه الموت الذي سوف يحرمه منها.. وكان يضنيه أكثر وأكثر أنه يعلم أن صور الحياة هذه كلها، سوف تمضي بعد موته في مسيرتها دون اكتراث لما حدث له.. لكأنه لم يكن هاهنا أبداً..!‏
شاغل آخر كان يؤرقه في مسألة الموت هذه أكثر من الموت نفسه هو: كيف تكون ميتته..؟ الناس يموتون بوسائل عديدة، ولأسباب شتى لا يكاد يحصيها عد أو يحيط بها حصر، على مرِّ الأزمنة والعصور. بل إن لكل امريءٍ ميتته الخاصة به وحده دون سائر الخلق، فكيف تكون ميتته هو؟ تلك هي المسألة..! موت الناس قاطبة لا يعني له سوى أنهم ماتوا وتبقى ميتته وحده.. لأن موتهم لن (يسهِّل) الأمر عليه عندما تحين ساعته..!‏
صحيح أنه ما زال في أوسط العمر، وأن الزمن مديد، وأن السنين أمامه طويلة. ولكنها، طويلة كانت أم قصيرة فساعة موته آتية لا ريب فيها ذات يوم. تماماً كالمحكوم بالإعدام!! كلنا محكومون بالإعدام منذ لحظة خلقنا، والتنفيذ يبقى مسألة توقيت غير معلوم. هو تأجيل لأمر قطعي وحتمي بغير جدال.! "يخطر لـه أحياناً أن ينظر في ساعة يده، أو الساعة المستديرة المعلقة على الجدار في صدر مكتبه المزخرف بورق الجدران ذي الورود الحمراء، فيخيل إليه أن عقرب الثواني هذا يعمل دائباً على قطع خيط عمره كالمقص. كل ثانية تمر تحذف منه جزءاً لا يكاد يحس، بلا وناء في حركة رتيبة ثابتة مرعبة. وما هاتيك الورود حولها سوى باقات تحيط بجثمانه عند النهاية. وهي- هذه المقصلة- لا تتوقف ولا تهادن على مرِّ الدهور، منذ بدء الخليقة وحتى نهايتها، بصورة أو بأخرى يتكهن بها العلماء رجماً بالغيب، دون أن يدري أي منهم شيئاً عن الكيفية التي ستتم بها.‏
يحاول أن يشغل نفسه عن هذا اللون من التفكير، الذي لا ينفك ينغص عليه حياته، بوسائل شتى.. بالعمل المرهق حتى الإعياء.. بالإقبال على المتع وأسباب الترفيه ينهل منها في نهم لا حدود لـه. لكن ذلك لا يغنيه شيئاً. متى..؟ وكيف..؟ (متى) هذه معلومة ومجهولة في آن معاً. مجهولة التوقيت، لكنها معلومة كحتمية. أما (كيف) فتلك هي المسألة من جديد. مرضاً يموت..؟ وأي نوع من المرض..؟ ذبحة صدرية.. سكري.. سرطان.. أنفلونزا.؟ حتى الأمراض لكثرتها ما من أحد يستطيع لها حصراً.. بعضها وافد على الجسد من خارجه وبعضها كامن في داخله ذاته.. في جوهر عناصره وتكوينه.. ما الذي سيتعطل في جسده عندئذ لكي يفضي به إلى تلك النهاية؟ قتلاً يموت..؟ وأي نوع من القتل..؟ وما أكثر ما ابتكر من أجل قتل الإنسان بفضل العلم والحضارة، لا سيما هذه المعاصرة.. حتى وسائل الحضارة المميتة هذه لا ضرورة لها أحياناً.. يمكن أن يموت خنقاً دون كلفة على الإطلاق.. أو شنقاً، أو بواسطة سكين مطبخ.. أو رصاصة مسدس أو بندقية.. ولكنه- على حدِّ علمه- لا أعداء له يخشاهم على نفسه. اللهم إلا ذلك العدو الرابض هناك.. ولكن السّلْمُ قادم.. (مطمئناً نفسه). على الأقل ليس له أعداء بادين للعيان يعرفهم فيحذر شرهم.. قنبلة..؟ لغم لقد تجاوز سن الجندية، فهو إذن في مأمن من كل ذلك. سمٌّ زعاف يتجرعه..؟ إن زوجته تحبه.. وهي لا تفتأ تردد على مسمعه في كل حين أنها لا ترضى عنه بديلاً (ولكن كل الزوجات يقلن ذلك). كذلك أولاده يحبونه حتى الموت..!؟ حتى ماذا..!؟ حتى في محاولته البحث عن الطمأنينة يراه في مواجهته..! لكنه يعلم أيضاً أن كثيراً من الميتات المشهودة تأتي عن طريق هؤلاء الأحبة: الزوجة والأولاد والأصدقاء أيضاً. الزوجة. أي زوجة تلح في طلب المستحيل من زوجها طوال حياته معها، ويظل كادحاً من أجلها حتى القضاء عليه.. أو عليها.. والأولاد هم الذين يقصِّرون الأجل فيجلبون الهم والغم.. ثم الجلطة.. ثم هم بعد ذلك.. وعقب قيامهم بواجبهم من بكاء وإبداء للحزن يتهافتون على الميراث، إن كان هناك ميراث يذكر.. أو يعمدون إلى صب اللعنات على ذكرى أبيهم إن تركهم في فقر مدقع..! لكن زوجته هو وأولاده ليسوا كذلك.. إذن سيارة تدوسه في الطريق.. هذا أيضاً لن يحدث فهو يقود سيارته بنفسه.. وهي من النوع الفائق القوة والمتانة.. (شبح) وما أدراك ما الشبح؟ تدوس ولا تداس..! صحيح أن الكثير من الوفيات تحدث نتيجة لحادث يسببه سائق متهور.. ولكنه هو (عامر) ليس من هذا النوع، وهو بطبيعته يتجنب المتهورين.. كما أنه يلتزم قواعد المرور فلا يتجاوز عن اليمين ولا يقطع الإشارة الحمراء، ويتريث عند المنعطف.! وإذا ما فكر في الرجوع خلفاً استنفر ثلاثة أو أربعة من الجالسين على قارعة الطريق كيما يوقفوا لـه السير، وليعطوه الإيعاز اللازم بالتقديم والتأخير لتنتهي العملية بسلام شامل.. وعادل أيضاً..! إذن هو يستبعد الموت عن هذا الطريق الوعر. تبقى الطائرة كواحدة من أسباب الموت الحديثة أو لنقل الموت (الحضاري التقني الحافل بالوجاهة).. لا سيما إذا كانت من ذلك النوع المسمى (بوينج 747) أو الـ(إيرباص)..!‏
من ثم فقد أقلع الرجل عن السفر بهذه الوسيلة أصلاً مضحياً بفرصة الموت الحضاري هذه، ولكيلا يدع للموت ذريعة يتخذها إزاءه، أو شركاً ينصبه لاصطياده في ساعة غفلة تحت وطأة إغراءات المضيفات والوجبات الأنيقة التي يقدمنها، فيثرن فيك كوامن الاشتهاء (للطعام طبعاً). بل يكفي- هكذا يقول لنفسه في خضم معركته معها لإقناعها- أن الطائرة تسلم المئات من البشر للموت المحقق بسبب شرارة ضئيلة في سلك كهربائي، أكثر ضآلة، ليحترق المحرك أو ينفجر "التوربين" ليذهب هؤلاء إلى العالم الآخر. وليصبحوا في خبر كان أو إحدى أخواتها..! وقد لا يكون مهماً أنهم ماتوا، فالموت يحصد الآلاف هنا وهناك في بقاع شتى من هذا العالم.. جياع أفريقيا.. ضحايا التاميل.. أهالي فلسطين.. شعب العراق.. لكن المهم (كيف ماتوا..؟) أحاسيسهم.. معاناتهم.. كيف واجهوا الموت..؟ هل رأوه قبل أن يموتوا؟ أم أنه انقض عليهم على حين غرة..؟ أما القنابل الذرية فهذه مستبعدة تماماً في ظل الأوضاع الدولية الراهنة، وهيمنة قوة وحيدة على العالم، لا تحتاج في تعاملها مع غيرها من الدول لأكثر من المبعوثين أو المخاطبة بالهاتف النقال أو الإنترنت، لإعطاء الأوامر وإبداء الرغبات.. هي إذن، ومن ثم لن تجد نفسها في أي وقت في حاجة إلى استخدام هذا السلاح الموضوع في الثلاجة، منذ هيروشيما ونجازاكي، أو ما يماثله من أسلحة الدمار الشامل العادل.. أيضاً.! ومن شأن هذا أن يَسْلم صديقنا (عامر) لهذا الوضع الدولي (الرائع) من احتمالات الإصابة بالذرة مباشرة أو بإشعاعاتها. ولكي يضمن عامر السلامة أكثر فأكثر لم ينتم إلى حزب، ولا هو انضم إلى جماعة. كما أنه اعتاد أن يجنح إلى السلم والمسالمة لدى أي بادرة تشير إلى احتمال شجار، عند احتدام نقاش بين زملائه من الكتّاب أو النقاد..! حتى قصصه القصيرة، والقصيرة جداً، والمتوسطة الطول خلت جميعاً من ذكر الموت، فهو لم يُمِت بطلاً واحداً ولا تسبب في موت بطلة، لا سيما إذا كانت جميلة.. وما أكثر ما يعمد، حين يجد أن المأزق أو الموقف يقتضي، حُكْماً وبالضرورة، أن تفضي الأحداث إلى موت أحد.. أيِّ أحد من شخوص قصته يعمد حينئذ إلى تحويل مجرى القصة برمتها في اتجاه آخر لينقذ، وببراعة نادرة، ذلك الذي أو تلك التي قد تتعرض للموت رفقاً بشبابها أو عطفاً على أطفالها حسب مقتضى الحال.!‏
يشعر حينئذٍ بابتهاج وحبور كما لو كان قد انتشل غريقاً من لجّة الماء فأنقذه في اللحظة الأخيرة من موت محقق. ومن ثم أمسى هذا مديناً له بحياته. وهذا الأخير لن ينسى له هذا الجميل أبد الدهر، أو ما بقي له من حياته المُستأنَفة..! واستطراداً بات صاحبنا على يقين بأن الكثيرين مدينون له بحياتهم.. وهؤلاء هم أبطال قصصه وشخوصها.. وهو لهذا ينتظر من الباري عز وجل حسن الجزاء في الدنيا وعظيم الثواب في الآخرة على صنيعه هذا..!‏
(2)‏
رآها في ذلك الصباح. كانت لعوباً طروباً كما عهدها. انقضّت عليه تعانقه. باغته ذلك، وإن كان يعرفه عنها في مناسبات سلفت. أما وجه المباغتة هذه المرة فقد كان أنها أقدمت على ذلك على مرأى من الحضور جميعاً في ذلك المكتب، موظفين وزوَّاراً.. ومن بينهم بنات جنسها أيضاً. لم تحمر لها وجنة، ولم تطرف لها عين. ذلك حدث لـه هو، حتى أنه حاول أن يداري ارتباكه أمامهم ولم يفلح. عرفها منذ زمن، حين عملت في مكتبه للتدرب على الكتابة. لم تتعد علاقته بها القبلة أو ضربة خفيفة على ظاهر يدها بعد أن تضع أمامه فنجان القهوة. سعى إلى أن تتجاوز علاقتهما ما هو أبعد شأواً بيد أنه لم يفلح أيضاً. لم تمكنه (بارعة) من التمادي، وإذا حدث أن حاول ذلك صدَّته بنظرة صارمة، لا يدري آنئذٍ من أين جاءت بها في تلك اللحظة، فتسمِّره في مكانه تماماً، كأنها قوة مغناطيسية مسيطرة تشل يده أو تجمد قبلته المزمعة في مكانها في الفراغ. أيقن أنها كانت تدرك تماماً متى توقفه، لكأنها تقرأ أفكاره.. بل هي تقرأ حتى ما بين سطور تلك الأفكار..! لماذا..؟ إقدام وإحجام..؟ تشجيع ثم صد..؟ سهولة ثم امتناع..؟ حيَّرته في أمرها، لكنه اعتاد ذلك مع الأيام، وتكيَّف معه، بل تقبَّل واقعها هذا كما هو.‏
(3)‏
نشأت (بارعة) في كنف زوج أمها الذي تزوجته هذه الأخيرة عقب طلاقها من أبيها.‏
كان الرجل فظاً، أقرب إلى البداءة المنفِّرة في تصرفاته جميعاً، بما في ذلك علاقته الحميمة مع أمها. في المرة الأولى التي شهدته فيها إلى جوارها في الفراش، وكانا شبه عاريين.. كان ذلك مصادفة.. قفزت الأم.. سحبت الملاءة تغطي ما ظهر من جسدها. أشاحت الفتاة بوجهها وهي ترتجف ذعراً واشمئزازاً. لم تتصّور أن هذا يحدث لأمها.. ومع هذا الرجل المثير للاشمئزاز.. لفورها كرهت مرأى جسد الرجل عارياً. كما أن رؤيتها لجسد أمها ملاصقاً جسده أثار فيها غير قليل من النفور نحو جسد الأنثى أيضاً. وإذ تصادف أن تكرر المشهد على مرأى منها مرات ومرات، لازمها هذا الشعور بل تأصل لديها الإحساس بالنفور من الجنس الآخر. باتت تخشى الاقتراب من أي فتى يحاول التودد إليها، وحين أفضت بذلك إلى زميلة لها في سنوات دراستها الأخيرة، سخرت منها، ثم نصحتها بأن تكون أكثر انطلاقاً وتودداً نحو الشاب الذي يرغب في صداقتها، وإلا فإنها ستجد نفسها عانساً في نهاية المطاف.. وربما إلى الأبد (عقدة لا بد أن تعملي على حلها يا بارعة لا سيما وأنك تدركين أسبابها وبواعثها.. حلُّها يظل ميسوراً إذن..).‏
فكرت فيما قالته الصديقة عقب انصرافها. كانت محقة فيما قالت. ورأت العديد من زميلاتها يتصرفن بانطلاق يثير لدى البعض استهجاناً.. ماذا ينقصها هي..؟ ولم لا تتصرف مع الآخرين كما تتصرف الأخريات..؟‏
(4)‏
فكر (عامر) حين التقيا لدى الزملاء في ذلك الصباح أن يدعوها للعودة إلى العمل معه. قرر أن يحسم تردده إزاءها.. ألم تقبِّله أمامهم جميعاً دونما وجل..؟ لعلها راغبة فيه هي أيضاً وهو لا يدري.. لعلها تنتظر منه جرأةً أكثر.. تذكر الكثير من مواقفها المتناقضة فعزا ذلك، ربما إلى دهائها ومكرها.. دلالها أو أي شيء آخر.. سيدعوها إذن.. ثم لكل حادث حديثه بعد ذلك..‏
فكرت (بارعة) في الأيام التي سبق لها أن قضتها تعمل مع (عامر). لم لا يكون هو..؟ أكبر سناً؟ لا بأس.. كثيرات يتزوجن من هم في مثل أعمار آبائهن.. وأحياناً أجدادهن.. لسبب ما.. لظرف ما.. وهو على أية حال ليس في مثل سن أبيها لو بقي على قيد الحياة حتى الآن. لكنه متزوج أيضاً يا بارعة..! وماذا في ذلك أيتها الحمقاء.. ما أكثر اللواتي يتزوجن من متزوجين.. ولهم أولاد أيضاً.. فلماذا تكونين استثناء..؟‏
حين فاتحها (عامر) فيما اعتزمه- العمل معه- إثر خروجهما معاً من لدن أصدقائهما الكتاب، سرَّته كما فاجأته موافقتها السريعة، وكأنها كانت تنتظر منه ذلك مما أكد لـه صدق حدسه وحسن تدبيره. وليكن ذلك منذ الغد يا حلوتي..!‏
(5)‏
انقضت أيام على عودتها. تغلَّب على تردده. زاد من تودده إليها. طفق يداعبها كلما لاحت فرصة وخلا المكتب من الرواد. لمس استجابة منها على نحو غير ما ألفه منها فيما مضى. دعاها لتناول العشاء معه ذات مساء في أحد مطاعم المدينة الفاخرة. كانت سهرة ممتعة لكليهما في أجواء المكان المبهرة. تبادلا أحاديث- لم تكن مقصودة في حد ذاتها- حول الكتابة والكتاب، النقد والنقاد. شهَّرا ببعض الزملاء.. نددا ببعض آخر. وكان لا بد من اتهام هذا بنضوب القريحة وذاك بسرقة أعمال (سيرفانتيس) تحت شعار الاقتباس حيناً ومزاعم التجديد حيناً. أما الكاتبات الناشئات فلم تنج واحدة منهن من تعريض (بارعة)، لا سيما الشاعرات. عموديات، أو صاحبات تفعيلة، أو ناثرات..!‏
عرض عليها الذهاب إلى المكتب لدى خروجهما، لجلب أوراق نسيها هناك. ولما كان الوقت لا يزال مبكراً فقد لبت طلبه بعد قليل من التردد. ومن أجل أن يكتسب شيئاً من الشجاعة تعينه على الإقدام على ما اعتزمه. لم ينس أن يتناول بضعة كؤوس في مطعم قريب. حاول أن يقدم لها واحدة لكنها أصرَّت على الرفض تحسباً لشتى الاحتمالات. وكأنها حدست ما يجول في خاطره. كانت تنوي مسايرته في حدود الممكن طبقاً لوصية صديقتها. دخلا المكتب في حذر تفادياً لإثارة ظنون من قد يصادفهما من الجوار.‏
لم ينتظر طويلاً. اقترب منها متأثراً بنشوة الشراب. أدهشته استجابتها في سهولة أكثر مما كان يتوقع. مضى مطمئناً للحصول على مزيد، محدثاً نفسه أنه كان عليه أن يتصرف هكذا منذ زمن.. لعن تردده.. سخط على الفرص السانحة التي أضاعها بغباء. أثاره ما ظهر من جسدها لانحسار ثيابها، رغماً عنها. انقض عليها وكأنه يريد التهامها دفعة واحدة.. بدا لها عامر فجأة وحشاً مفترساً.. بل هذا جسد زوج أمها ملاصقاً لجسدها هي.. صعقت.. انتفضت للإفلات من بين يديه.. أطبق عليه بقوة ثور هائج.. حسب أنه ترددها المعهود ليس غير.. تدفعه عنها بكل ما أوتيت من قوة.. لكنه يجثم على جسدها مشبعاً إياها ضماً وتقبيلاً. راح يمزق ملابسها.. يشد شعرها في جنون.. تصرخ.. تضربه بقبضتها.. تركله بقدميها المحتفظتين بالحذاء.. تواصل الركل بشراسة لبؤة جريحة. سقطت ركلاتها على كل مكان من جسده.. أصابته سريعاً وتباعاً في أماكن قاتلة.. صرخ ألماً.. أيتها المجنونة.. خارت قواه سريعاً .. ارتمى بعيداً عنها.. لم تصدِّق أنها أفلتت من بين يديه.. لملمت ما شعث منها.. غادرت المكان فيما كان الرجل يحتضر.. مردداً بصوت يتحشرج.. يتلاشى.. أهذه هي ميتتك؟ أهذه ميتتك..؟ أهذه هي.. هيـ..؟‏

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
د.يوسف جاد الحق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29 / 05 / 2011, 43 : 05 AM   رقم المشاركة : [2]
منى كبارة
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية منى كبارة
 





منى كبارة is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

رد: موت غير متوقع - قصة قصيرة - يوسف جاد الحق



لقد كتب الدكتور مصطفى محمود في هذا الموضوع وهو الموت..مقال تحت عنوان ( لغز الموت )
قال فيه:


لماذا نرتجف من الرعب حينما نفكر فية .. وتنخلع قلوبنا حينما نصدقة وتضطرب حياتنا حينما ندخلة فى حسابنا ونضعة موضع الاعتبار .
السبب أنة الحادث الوحيد المصحوب برؤية مباشرة .. فما يحدث داخلنا من موت لا نراه .. لا نرى كرات الدم وهى تولد وتموت .. لا نرى الخلايا وهى تحترق .. لا نرى صراع الميكروبات وهى تقتلنا ونقتلها .. وخلايا لا ترى نفسها وهى تفنى ..
كل ما يحدث فى داخلنا يحدث فى الظلام .. ونحن ننام ملء جفوننا وقلوبنا تدق بانتظام وتنفسنا يتردد فى هدوء .
الموت يسترق الخطى كاللص تحت جنح الليل .. ويمشى على رؤوسنا فتبيض له شعراتنا .. شعرة .. شعرة .. دون أن نحس .. لأن دبيبة وهو يمشى هو دبيب الحياة نفسها .
ان أوراق الشجرة تتساقط ولكن الشجرة تظل ماثلة للعيان دائمة الخضرة دائمة الازدهار .. تظل هكذا حتى تهب عاصفة تخلعها من جذورها وتلقى بها فى عرض الطريق ..
وحينئذ فقط يبدو منظرها قاتما يبعث على التشاؤم .. تبدو فروعها معروقة عارية .. وجذورها نخرة .. وأوراقها مصفرة .. لقد انتهت .. لم تعد شجرة .. أصبحت شيئا آخر .. أصبحت خشبا .
وهذا هو ما يحدث .. حينما نشاهدالانسان وهو يسقط جثة هامدة انة يبدو شيئا آخر ويبدو الحادث الذى حدث فجأة .. حادثة غريبا بلا مقدمات .. لقد انتهى الانسان كلة فجأة ..ويبدأ العقل فى التساؤل .. هل أنتهى أنا أيضا كلى فجأة .. كما انتهى ذلك الانسان .. وكيف ولا شئ فى احساسى يدل على هذة النهاية أبدا .
كيف يحدث هذا .. وأنا جياش بالرغبة .. ممتلئ بالارادة .. بل أنا الامتلاء نفسه .
كيف يتحول الامتلاء الى فراغ .. وفجوة .
أنا .. أنا ؟ ! .. الذى أحتوى على الدنيا .. كيف أنتهى هكذا وأصبح شيئا تحتوى علية الدنيا .



فالموت فعلاً لغز كبير نقف جميعاً أمامه حائرين ..حيرة بطل قصتنا المسكين !
نعم مسكين..فكم أشفق عليه من مثل هذه الميتة البشعة
اللهم أحسن خاتمتنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا..

د. يوسف
ما أروعك.. عزفت على أوتار الكلمات فكانت سيمفونية رائعة
لواقع نلمسه جميعاً ..أخذتنا فيه لأدق التفاصيل
حتى فوجئنا بنهاية لم تكن في الحسبان..

خالص تحياتي وتقديرى ..
وبارك الله فيك وفي قلمك المتألق..




منى كبارة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29 / 05 / 2011, 29 : 11 PM   رقم المشاركة : [3]
فاطمة البشر
جامعة بيرزيت ، رئيسي الكيمياء / فرع التسويق، تكتب الخواطر والقصص القصيرة

 الصورة الرمزية فاطمة البشر
 





فاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond reputeفاطمة البشر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: فلسطين

رد: موت غير متوقع - قصة قصيرة - يوسف جاد الحق


شوقتنا بقصتك ،،
كلمات منتقاة ،،
لله درك عزيزي
سلمت يمينك " د.يوسف "
ودي ووردي
توقيع فاطمة البشر
 
أنا لم أكن يوما إلا أنا ....

تلك الفتاة التي تحلم بغد زاهٍ مشرق ...

تلك الفتاة التي تنثر حباً وأملاً ...
تلك الفتاة التي ترسم حلماً ...
تلك الفتاة التي ستصنع مجداً ...

ولا تزال تنتظر الأياام......


فاطمة البشر


https://www.facebook.com/fatima.bisher
فاطمة البشر غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
متوقع, موت, يوسف جاد الحق, غير, قصيرة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بــرغـــي - قصة - يوسف جاد الحق د.يوسف جاد الحق الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. 2 15 / 04 / 2011 33 : 02 PM
المحاكمة - مسرحية - يوسف جاد الحق د.يوسف جاد الحق المسرحية 1 19 / 09 / 2010 08 : 10 PM
أزمنة الغربة ـــ يوسف جاد الحق د.يوسف جاد الحق كلـمــــــــات 2 29 / 08 / 2010 05 : 12 AM
الأصدقاء ـــ قصة: يوسف جاد الحق د.يوسف جاد الحق الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. 1 08 / 06 / 2010 48 : 03 AM
الطبيب... والاسكارس ـــ يوسف جاد الحق د.يوسف جاد الحق الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. 0 07 / 06 / 2010 48 : 08 PM


الساعة الآن 49 : 01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|