حكاية جدي
*كان جدي يغمض عينيه ويركض في الحقل مسرعا حاملا زوادته علىخصره وبيده اليمنى جاروف يسوي به الأرض,
والحقل واسع يقبع على منحدر جميل, باكرا عند مطلع كل فجر يحمل إبريق الشاي متجها إلى عرزاله
يشعل النار في الأسفل, ويغلي الشاي ببطيءممل,
وفي بداية الربيع يشتري خاروفا صغير يطعمه بنهم كي يكبر, يتحسسه كل صباح على ظهره وعندما يأتي العيد يذبحه نأكل نصفه والنصف الأخر يوزعه على الجيران.
*كان جدي أيام شبابه زير نساء "كما يقال" يمسك بالدبكة على الرأس [ المقدمة ] تتحلق حوله النساء عازبات ومتزوجات مثل عقد من اللؤلؤ, يغار منه شباب القرية, أما جدتي كانت لا تغار وبقي وإياها يتبادلان الحب حتى النهاية, وفي الليل تختبئ بين ساعديه 0
*
أيام الصيف كان جدي يسهر على سطح بيتنا هو ومجموعة من رجال القرية يتسامرون ويتبادلون الحكايات والأحاديث عن أحداث حدثت وأحداث لم تحدث ضحكاتهم وأصواتهم تملئ المكان.
*
كان جدي يتردد على المدينة أسبوعيا وكنت ألح عليه كل مرة الذهاب معه لكنه كان يرفض، أخيرا أخذني معه لم يمسك بيدي تركني على راحتي مبهورا بزحمةالمدينة تهت عنه قليلا, ركض خلفي كالطير ولما اشتد لهاثه ارتميت على الأرض ابكي .
*
كان لجدي غرفته الخاصة وفي احدي الزوايا تجلس باسترخاء خزانة صغيرة زجاجها مكسور تحتوي بعض الكتب القديمة لصادق الرافعي ومصطفى لطفي المنفلوطي وجبران خليل جبران وعدد كبير من الكتب الدينية وفي الزاوية الأخرى دُق مسمار طويل بالجدارعُلق عليه عشرات " السبحات " كان قد جمعها من أصدقائه القادمين من بيت الله الحرام وعلى رف مجاور المهباج والمحماسة الذين يصنع بهما قهوته, وخلف الباب مصمودة كالعروسة النرجيلة المزينة بالخرز الملون والسلاسل الفضية . وفي منتصف الحائط صورة قديمة لوالد جدي الذي هاجر إلى الأرجنتين منذ فترة طويلة وانقطعت أخباره ولم تصله منه سوى عشر رسائل.
كان محظور عليناالدخول إلى الغرفة خوفا من العبث بمحتوياتها لكني كنت ادخل خلسة بين الحين والحين اخذ كتابا اقرأ به وأعيده دون أن يحس بي احد قرأت العبرات والنظرات وتحت ظلال الزيزفون والمجنون و و .
*
ذات فجر صرخت جدتي بأعلى صوتها استيقظ جميع من في الدار.
ركض الجميع إلى غرفتها كانت بداية النهاية لرجلا بمعنى الرجولة كان إذا غضب اهتز وإذا اهتز كاد يتصدع البيت, وإذا ضحكك الفرحة عمت الجميع وعند الشروق اجتمع المحبين يعزون ويأخذون بالخاطر ،طلعت رائحة البخور ونبت الحزن في الصدور وصارت الحسرات كبيرة كالأشجار.
وعندما انتهى العزاء دخلت غرفة جدي وجدت جميع الأشياء لفها الحزن.ومن ذلك اليوم أصابع يدي لا تكف عن الكتابة وكلما اتعب أتثاءب ذكريات ثم أنام.