كم يُناديْني قَمرُكَ أيُّها الليْلُ، كم يهتمّ لأمري.. وجميلٌ منهُ ذلك، يتفوّقُ على الكثير ممّن أتشاركُ معهم في الانتماءِ الخَلْقيّ.
يأبى القمرُ إلا أن ينشُرَ ضياءَهُ على كلِّ بقعةٍ مظلمةٍ في هذه الدنيا، لتتسلّلَ خيوطُ أشعّتِهِ إلى كلّ ركنٍ قاتمٍ، وأين يجدُ مثلَ نفسي في ظلامها؟
في نفسي دياجيرُ متداخلةٌ في بعضها، أراها كشبكةٍ من الخلايا العصبية، عقدٌ لا حصرَ لها ضاعت فيما بينها خطوطٌ واصلةٌ في كل الاتجاهات، الفرقُ هنا أن الإشاراتِ مهما كَثُرَت وتعدّدت يبقى لكلٍّ منها تميّزٌ ودلالةٌ واستجابةٌ وتأثير، سبحانَ من أعطاها القدرةَ على التّنسيقِ والإمساكِ بكلّ الخيوط دون تعبٍ أو اضطرابٍ..
أما في نفسي، فإشارةٌ واحدةٌ كفيلةٌ بأن تُحْدِثَ اضطراباً وفوضى عارِمَيْنِ في كل الكَيان، دون أن تجدَ سبيلاً للسّيْطرةِ عليها.
وعبرَ نافذتي أخاطبُ القمرَ: أقولُ:
ما أبدعَ خلقَ اللهِ فيكَ أيها القمرُ! بنورِكَ الذي قهرَ ظلمةَ الليلِ و وحشتَهُ وسكونَهُ، وقفْتَ صامداً قوياً ليلتفَّ حولَكَ جيشٌ من النّجومِ السّاطعاتِ، فوَهبْتُمُ اللّيلَ زينةً وملأتموهُ بهاءً، وقلبتُم وحشتَهُ أُنْساً وجمالاً!
أجَلْ صدَقْتَ! أبدَعَ اللهُ في خَلْقي، ولكنّه لم يهبني نوراً ! لقد وهَبَني اللهُ قدرةً على عكسِ نورِ الشَّمسٍ إلى الأرضِ، وبها وحدها قهَرْتُ ظلامَ الليل.
ولم أقِفْ عند هذا، بل قلبتُ غلبتي للّيل لصداقةٍ وشراكةٍ، وجيشُ النجومِ الذي ذَكَرْتَهُ شكَّلّ معنا فريقاً و وحدةً لا تتجزّأ، فهل باتَ الليلُ يُذْكَرُ دون القمرِ؟ وهل تسمعُ عن قمرٍ بلا نجومٍ؟
أتأملُ في كلامِ القمر، وأخْلُصُ للحقيقةِ بأن صِعابَ الحياةِ لن تتغيّرَ، وإنما تتغيرُ قدراتُنا وطرائقُ مواجهتنا لها، فبذا نقلبُ صراعَنا معها إلى شراكةٍ وقوّةٍ.