شيء صغير يتكلم
أخواتي وإخوتي
رغبة مني بالنهوض بالمستوى العلمي لبراعمنا المتفتحة، و تبصيراً لهم بإبداعات الخالق جلّت قدرته، نشرتُ سلسلة من مقالات علمية مبسطة في قالب قصصي محبّب في مجلة تُعنى بإمتاع وإفادة الأطفال وتطوير مداركهم وتشجيعهم على البحث والمعرفة، ولعل تجربتي مع أولادي والأساليب التي اتبعتها لإشباع روح البحث لديهم، وتزويدهم بالمعلومات التي قد لا يصلون إليها عن طريق المدرسة كانت خير معين لي في هذا المجال.
ونشرت مقالاتي تباعاً تحت عنوان ضمّها جميعاً:" شيء صغير يتكلم"، وجعلت فيها تلك الأشياء تنبئ عن نفسها وتتولى مهمة تعريف الأطفال بخصائصها التي حباها الله بها.
وأستهلُّ هاهنا أولى مشاركاتي بالتعريف بقطرة زيت الزيتون:
الذهب السائل
(تظهر قطرة زيت الزيتون بلون أخضر مصفرّ، وهي سمينة بعض الشيء، ومنهمكة بأدب بتناول قطع من الدهون العالقة في شريان دموي)
هممم! لذيذة حقاً، لقد استمتعت بوجبتي الدسمة لهذا اليوم رغم أنني قد تعبت حقاً من كثرة الأكل.. تفضلوا وشاركوني الطعام يا أصدقائي، ولكن.. آه لقد تذكرت، فأنا وحدي من سيأكل هذا الطعام.. تذكّرت أنه يتوجّب عليّ شكركم يا أحبتي لأنكم أنتم من دعاني لتناول هذه الوجبة الدسمة لأنها سمومٌ أقوم بتخليص أجسامكم منها كي تبقوا بصحة وعافية، لذلك - و حبّاً بكم- فإنني أعتذر عن دعوة أيّ منكم إلى طعامي النفيس هذا من الدهون ، فهو لا يليق إلا بقطرة زيت زيتون نبيلة مثلي..صحيح أن قدماء البشر عرفوا عني الكثير من نفيس الخصال و غني الصفات فأسمونني بالذهب السائل، لكنني لم أشعر بالرضا يوماً إلا عندما دُعيتُ بالمباركة في القرآن الكريم، لأنها الكلمة الوحيدة التي أوفتني حقي من دقيق الشرح و الوصف.
متعة لا تجاريها متعة، أشعر بها كلما تزحلقت مع طعامكم إلى داخل أجسامكم، ذلك أنني مادة دسمة غير مشبَعة وذلك يعني أنني أعشق التهام ذرات الدهون المشبَعة اللذيذة والضارة بأجسامكم، كلما صادفت إحداها عالقة في الدم. ولأنني أكره الكسل و أمقت الخمول، أمارس دائماً رياضتي المفضلة برفع أثقال الكوليسترول النافع، و كنس الكوليسترول الضار و تجريف الدهون الضارة، كي تبقى جدران شرايينكم نظيفة لامعة.
أنا فخورة بكم يا أحبتي، حيث أثبت علم البشر الحديث أن أفضل الغذاء هو غذاء شعوب الشرق الأوسط بسبب اعتماده على الخضراوات الكاملة والحبوب وزيت الزيتون، في حين أن أخطر الأمراض ترتفع إلى ثمانية أضعافها في البلدان التي تعتمد في غذائها على اللحوم.
ولكن ما يحيرني هو أنّ الدراسات الطبية الحديثة قد سجّلت أعلى نسبة لانعدام لأمراض الشرايين أو احتشاء العضلة القلبية في مكان مأهول بالبشر يدعى جزيرة (كريت)، حيث سجّلتْ أكبر نسبة استهلاك لزيت الزيتون في الغذاء بين الدول، فلماذا لا تكون بلادكم يا أحبتي هي صاحبة النسبة الأعلى في استهلاكي و الاعتماد عليّ وأنا التي تزرع أشجاري بوفرة في أراضيكم؟؟
ولأنني أدعو أن تكونوا من أصحاب الأعمار الطويلة، فإنني أنقل إليكم ما يقوله الأطباء من أنّ عمر الإنسان هو من عمر الشرايين في جسمه، ولذلك فإنني أهمس في آذانكم: كلوني وادهنوا أجسامكم بي، ثم اتركوا الباقي عليّ، لأنني أنا من سيقوم بكل تلك المهام الوقائية و العلاجية لحمايتكم بإذن الله.
ليس الأمر بالسوء الذي تظنون، فالقليل مني يكفيكم.
إنّ ملعقة طعام واحدة مني في اليوم الواحد يمكن لها أن تفعل الأعاجيب في أجسامكم، فهي تنشط الكبد، و تحمي القلب و الشرايين و الأمعاء أيضاً، كما تخفف ضغط الدم وتقوي الدماغ، ذلك أن مئة من الغرامات مني تحوي كلاً من الماء و الكالسيوم و المغنيزيوم و الفوسفور والحديد والنحاس و الكبريت و الصوديوم والفيتامين b والبروتين، بالإضافة إلى مادة تمنع تخثر الدم .
كل واحدة من تلك المواد تقوم بوظيفة حيوية داخل أجسامكم أو على جلودكم يا أحبتي، و يسبب نقص بعضها أو أحدها متاعب و مشكلات في الجسم البشري.
إنّ كل غرام واحد من زيت الزيتون يحتوي على ثمان من الحريرات اللازمة لجسم الإنسان كي يتمكن من العمل، فكل من يأكل مئة غرام من زيت الزيتون في اليوم فكأنما حصل حقاً على نصف حاجته اليومية من الغذاء.
و لكن، ما أكثر حسّاد الناجحين! تؤلمني كلّما تذكّرتها تلك المقالات التي يكتبها بعض البشر ممن يحذّرون فيها من مضارّ زيت الزيتون.. وبعد سنوات من البحث و السؤال، تبيّن لي أخيراً أنها تعود إلى أصحاب معامل الزيوت الأخرى في الدول الغنية بقصد ترويجهم لبضاعتهم من تلك الزيوت، فيا أسفى على نفوس ظالمة من بني الإنسان تسعى جاهدة لتحقيق كسبها على حساب الآخرين. ولكن اطمئنوا يا أحبتي، فأنتم لستم ممن يستمع إلى أكاذيبهم.
وفي حال أنكم نسيتم عنواني، فإنكم ستجدونني دائماً في حوض البحر الأبيض المتوسط وفي منطقة الشرق الأوسط بالتحديد.. سأكون دائماً بانتظاركم، هناك داخل ثمار الزيتون المباركة حيث تمدّ أشجاري جذورها عميقاً لتتحد مع تراب الأرض الغالية .. أرض أحبتي من الأطفال الذين خلقتُ من أجل حماية أجسامهم و مدّها بالطاقة اللازمة كي تغدو شعلة المستقبل و أمل الغد المنتَظر.
قطرة زيت الزيتون