التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,839
عدد  مرات الظهور : 162,281,863

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > نور الأدب التخصصي > الأقسام > منتديات.التاريخ.والجغرافيا > التاريخ > تنقيح وتوثيق التاريخ
تنقيح وتوثيق التاريخ (هيئة إعادة توثيق وتنقيح التاريخ) بإشراف هدى الخطيب ود. منذر أبو شعر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 15 / 06 / 2013, 43 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

خلافة يزيد بن معاوية واستشهاد سيدنا الحسين

كان موقف الحسين من بيعة يزيد بن معاوية موقف المعارض ، وشاركه في هذه المعارضة عبد الله بن الزبير ، ولم يتهم كلاهما يزيد في سلوكه ، وإنما كان السبب في معارضته ، إرادة الشورى . وقد أوضح ابن عمر أن طريقة بيعة يزيد لا تشابه طريقة بيعة الخلفاء الراشدين ( تاريخ أبي زرعة1/229،تاريخ خليفة بن خياط 214، بإسناد صحيح) ، مع أن يزيد كان جدد البيعة لنفسه بعد وفاة أبيه معاوية.

كما أنَّ الحسين كان يرى نفسه أحق بالخلافة من غيره ، وأنها صائرة إليه بعد وفاة معاوية ، بسبب المكانة التي يتبوأها في قلوب المسلمين ، وكثرة المؤيدين له في الكوفة وغيرها .قال الذهبي ( محمد بن أحمد، ت:748 هجرية ): و لما بايع معاوية ليزيد تألم الحسين) سير أعلام النبلاء 3 /291).
وكان يزيد استشار الوليدَ بنَ عتبة ومروانَ بنَ الحكم فأشارا عليه أن يبعث في طلب الحسين وابنِ الزبير للبيعة. قال خليفة بن خياط ( العصفري ،ت: 240 هجرية): إنَّ ابن الزبير حضر عند الوليد ووعده أنه سيابيع يزيد علانية أمام الناس ، لكنه لما استدعى الحسين لم يكلمه بأمر البيعة ،وغادر مجلس الوليد من ساعته، فلما جنَّ الليل خرج ابن الزبير والحسين متجهين إلى مكة ،كل منها على حدة (تاريخ خليفة بن خياط 233) .
وفي طريق مكة التقى الحسين وابن الزبير بابن عمر وبعبد الله بن عياش (بن أبي ربيعة المخزومي،ت: 64 هجرية) وهما منصرفين من العمرة قادمين إلى المدينة ، فقال لهما ابن عمر : أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس وتنظران ،فإن اجتمع الناسُ عليه لم تشذا ، وإن افترق عليه كان الذي تريدان (طبقات ابن سعد 5/360، تهذيب أسماء الكمال 6/416من طريق ابن سعد ، وفي تاريخ الطبري 5/343 أن الذي لقيهما ابن عباس ، وهو تصحيف في اسم ابن عياش ، لأن ابن عباس كان موجوداً بمكة حينذاك ).
فلما علمتْ شيعة الكوفة بخروج الحسين إلى مكة ورفضه البيعة ليزيد ،اجتمع أمرهم على نصرته ،وكتبوا إليه ،وهو بمكة بالقدوم إليهم لمبايعته ،فأراد الحسين أن يتأكد من صحة أقوالهم ،فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب لينظر في أمرهم ويقف على دخيلتهم بنفسه (تاريخ الطبري 5/354،أنساب الأشراف 3 /159) فكتب إليه مسلم أن الأمر مهيأ لقدومه .
فتتابعت النصائح من الصحابة والتابعين تنهى الحسين عن الخروج إلى الكوفة ،ومن الذين نصحوه : محمد ابن الحنفية أخوه ،وابن عباس ،وابن عمر ،وابن الزبير، وأبو سعيد الخدري ،وجابر بن عبد الله ، وغيرهم ،فلم تؤثر هذه النصائح في موقفه ،وعقد العزم على الخروج ،وأرسل إلى حشمه بالقدوم إليه ،فقدم عليه من المدينة من خفَّ من بني عبد المطلب ، وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبياناً من إخوته وبناته و نسائه .فتبعهم محمد ابن الحنفية وأدرك الحسين قبل خروجه من مكة ،وحاول أن يثنيه عن الخروج، لكنه لم يستطع (الطبقات الكبير 5/266) .
كما جاءه ابنُ عباس ونصحه فأبى، وقال له: لولا أن يزري بي وبك ، لنشبت يدي في رأسك ، فقال الحسين: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إليَّ من أستحل حرمتها ، يعني الكعبة ، فقال ابن عباس فيما بعد : وكان ذلك الذي سلَّى نفسي عنه . وكان ابن عباس من أشد الناس تعظيماً للحَرَم (مصنف ابن أبي شيبة 5/96 وإسناده صحيح ، المعجم الكبير للطبراني9/193ورجاله رجال الصحيح ، وانظر مجمع الزوائد 9/192،وسير أعلام النبلاء2/292).
كما لقيه عبدُ الله بن الزبير فقال له: يا أبا عبد الله بلغني أنك تريد العراق ، قال : أجل ،قال: فلا تفعل ، فإنهم قتلة أبيك ، الطاعنين بطن أخيك ،وإن أتيتهم قتلوك (مصنف ابن أبي شيبة 7/477 بإسناد حسن) .
كما أدركه ابنُ عمر على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال له: أين وجهتك ؟ فقال: أريد العراق. وأخرج إليه كتب القوم ،وقال : هذه بيعتهم وكتبهم. فناشده ابنُ عمر أن يرجع ، فأبى الحسين، فقال ابن عمر : أحدثك بحديث ما حدثت به أحداً قبلك : إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا والآخرة ،فاختار الآخرة ، وإنكم بضعة منه ،فوالله لا يليها أحدٌ من أهل بيته . ما صرفها الله عنكم إلا لما هو خيرٌ لكم، فارجعْ، أنت تعرف غدر أهل العراق وما كان يلقى أبوك منهم . فأبى ،فاعتنقه وقال : استودعتك من قتيل (الطبقات الكبير لابن سعد 5/360،ثقات ابن حبان9/58 ،كشف الأستار3/232بإسناد رجاله ثقات ).
ويبدو أن مسلم بن عقيل والحسين لم يكونا يحيطان بكثيرمن أمور السياسة ، فمسلم بن عقيل وثق في تلك الآلاف المبايعة للحسين وظنهم مخلصين أوفياء ،ولم يدر أن العاطفة هي المسير لتلك الأعداد ، فأخطأ وأرسل للحسين يوهمه أن أهل الكوفة معه ، ووثق الحسين بكلامه ،فأيقن أن الكوفة ستقف معه مجرد مجيئه إليها ، ناسياً أن الكوفة هي التي عانى أبوه منها أشد المعاناة من التخاذل وعدم الامتثال لأوامره ،ثم كانت النهاية باغتياله ، وأن أخاه الحسن واجه الغدر والمكيدة من أهلها ، وكان يحذره منهم وهو على فراش الموت ،(فكأن جميع الذين نصحوه في مغبة خطوته ،كانوا يحملون حساً سياسياً واضحاً،وقتما حذروه وبينوا خطأه الذي سيقدم عليه).
وهنا تجدر الإشارة إلى مزاعم الإخباريين حول تحريض ابن الزبير للحسين على الخروج على يزيد، أنه ضاق من وجوده بمكة ،وأن ابن الزبير كان يطمع بالخلافة،فبخروج الحسين منها تخلو له مكةويتمُُّ له الأمر.
والحقيقة أن ابن الزبير لم يك سوى أحد الصحابة والتابعين الذين نصحوا الحسين بعدم الخروج .
** ** **
وكان عبيد الله بن زياد قدم إلى الكوفة ، فقام أهل الكوفة مع ابن زياد وتخلوا عن مسلم فقتل. فلما بلغ الحسين ذلك ، أراد الرجوع، فوافته سرية عمر بن سعد بن أبي وقاص وطلبوا منه أن يستأسر لهم ، فأبى ،فطلب أن يردوه إلى يزيد ابن عمه ،فيضع يده في يده ، أو يرجع من حيث جاء ،أويلحق بالثغور. فامتنعوا من إجابته إلى ذلك بغياً و ظلماً ، وكان من أشدهم تحريضاً عليه شمر بن ذي الجوشن
الكلابي ، فلحق به، ووقع القتال بينهم حتى أكرم الله الحسين و عدداً من أهل بيته بالشهادة .
قال ابن سعد (محمد بن سعد: 168 هجرية - 230 هجرية): كان عبيد الله بن زياد أمَرَ عمر بن سعد (بن أبي وقاص، ت:66 هجرية)أن يسير إلى الحسين، وبعث معه أربعة آلاف من عنده، وقال له:إنْ هو خرج إليَّ ووضع يده في يدي، وإلا فقاتله. فأبى عليه، فقال:إنْ لم تفعل عزلتك عن عملك وهدمت دارك. فأطاع بالخروج إلى الحسين، فقاتله حتى قُتل الحسين (الطبقات الكبرى 5 /128 ).
وقال الذهبي (محمد بن أحمد: 673 هجرية - 748 هجرية): وأما عبيد الله فجمع المقاتلة، وبذل لهم المال ،وجهَّز عمر بن سعد في أربعة آلاف، فأبى وكره قتال الحسين، فقال:لئن لم تسر إليه لأعزلنك ولأهدمن دارك وأضرب عنقك (سير أعلام النبلاء 3 /300 ).
فلا شك أن عبيد الله بن زياد هو الذي باء بإثم قتل الحسين، وعمر بن سعد كان أداة طيعة بين يديه،أغراه المنصبُ والمال !
أخرج ابن عساكر(علي بن الحسين:499 هجرية - 571 هجرية) في تاريخ مدينة دمشق 45 /49 بإسناد مستقيم لابأس به: أنَّ ابن زياد بعث عمرَ بنَ سعد، وبعث معه شمر بن ذي الجوشن.
(أي شك ابن زياد في طاعة ابن سعد له، فبعث معه شمر بن ذي الجوشن الكلابي ليتأكد من مقتل الحسين، أو قتْل عمر إذا لم يقتل الحسين).
وقال ابن حجر(العسقلاني أحمد بن علي: 773 هجرية- 852 هجرية): وكان عبيد الله قد جهز الجيش لملاقاة الحسين، فوافاه بكربلاء ،وكان نزلها ومعه خمسة وأربعون نفساً من الفرسان ونحو مائة راجل ،فلقيه عمر بن سعد بن أبي وقاص، وكان عبيد الله ولاه الري وكتب له بعهده عليها إذا رجع من حرب الحسين.(والري: تقع جنوب شرق طهران على بعد 6 كم).فلما التقيا قال له الحسين: اختر مني إحدى ثلاث: إمَّا أن ألحق بثغر من الثغور، وإمَّا أن أرجع إلى
المدينة، وإمَّا أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية. فقبل ذلك عمر منه وكتب به إلى عبيد الله، فكتب إليه: لا أقبل منه حتى يضع يده في يدي. فامتنع الحسين، فقاتلوه فقُتل معه أصحابه وفيهم سبعة عشر شاباً من أهل بيته. ثم كان آخر ذلك أن قُتل وأتي برأسه إلى عبيد الله، فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى يزيد .
قال ابن حجر: وقد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين والصحيح والسقيم ،وفي هذه القصة التي سقتها غنى (الإصابة 2 /81 ).
فكل من أطلق القول أنَّ عمر بن سعد بن أبي وقاص ،قتل الحسين،فإنما يقصد أنه كان أميرَ الجيش ،وليس المباشر قتله بنفسه.
قال الذهبي (محمد بن أحمد: 673 هجرية- 748 هجرية): قال عمر بن سعد بن أبي وقاص: ما رجع إلى أهله بشر مما رجعت به: أطعتُ ابن زياد،وعصيتُ الله، وقطعتُ الرحم (سير أعلام النبلاء 3 /303).
وقد وردتْ بعضُ الأخبار التي تحط من عمر بن سعد ،وكلها روايات تالفة ،من روايات الضعفى والمتروكين(انظرها في تاريخ مدينة دمشق 48 /45) ففي الأسانيد:
سالم بن أبي حفصة، وهو ضعيف أحمق.
وعبد السلام بن صالح الهروي: ضعيف متهم بالوضع.
وأبو بكر محمد بن عمر الجعابي: كان حافظاً، اختلط بأخرة، وكان رقيق الدين.
** ** **
وقال ابن عبد البر(يوسف بن عبد الله القرطبي: 368 هجرية- 463 هجرية): قتل الحسين يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ،بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة وعليه جبة خز دكناء ،وهو ابن ست وخمسين سنة ، قاله نسابة قريش الزبير بن بكار ، ومولده لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، وفيها كانت غزوة ذات الرقاع وفيها قصرت الصلاة وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة ( الاستيعاب 1/393،وانظر: نسب قريش للزبير بن بكار 24،والتذكرة للقرطبي 2 /645) .

وقد قتل معه كما يروي الحسن البصري ستة عشر رجلاً من آل البيت ما على الأرض يومئذ لهم شبه ، فقتل من أولاد علي رضي الله عنه العباس وعبد الله وجعفر وعثمان وأبو بكر ، وهؤلاء إخوته لأبيه.
وقتل معه من ولده ، عبد الله وعلي . عبد الله أمه أم الرباب ، وعلي أمه ليلى بنت أبي مرة .
ومن ولد أخيه الحسن بن علي، القاسم وأبو بكر وعبد الله .
ومن ولد عبد الله بن جعفر ، محمد وعون .
ومن ولد عقيل بن أبي طالب ، عبد الرحمن وجعفر وعبد الله ومسلم (تاريخ خليفة بن خياط 234 ،البداية والنهاية 8 /189).
وقال الذهبي (محمد بن أحمد: 673 هجرية- 748 هجرية): ويدخل فيهم من نسل فاطمة وغيرهم ،لأن الرافضة رووا أحاديث وأعداد مهولة في مَنْ قتل مع الجيش مِنْ نسل فاطمة فقط ، فذكرفطر بن خليفة أنَّ عدد من قتل من نسل فاطمة سبعة عشر رجلاً ، ولاشك أن هذاالعدد مبالغ فيه كثير جداً (تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 61) ص 21)،تاريخ خليفة بن خياط 235، المعجم الكبير3/104 و 119، وفطر بن خليفة المخزومي (ت:153 هجرية): ثقة في نفسه ، إلا أنه كان يروي عن كل أحد، ويدلس تدليس التسوية ،فيسقط شيخه الضعيف ويجعل الحديث من رواية شيخه الثقة).
** ** **
ثم حمل ابنُ ذي الجوشن رأسَ الحسين و أرسله إلى ابن زياد . أخرج البخاري عن أنس بن مالك : أتي عبيدُ الله بنُ زياد برأس الحسين بن علي ، فجعل ينكت وقال في حسنه شيئاً ، فقال أنس : كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، و كان مخضوباً بالوسمة (فتح الباري 7/119) ، والوسمة: نبات يخضب به الوجه ويميل إلى السواد .
وعند الترمذي و ابن حبان من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال : كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين فجعل يقول بقضيب في أنفه و يقول: ما رأيت مثل هذا حسناً يُذكر ، قلت : أما إنه كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم(صحيح سنن الترمذي 3/325،الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/59).
وزاد البزار من وجه آخر عن أنس قال : فقلتُ له إني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك ،قال : فانقبض (فتح الباري 7/121) .
فابنُ زياد تعنت أمام مطالب الحسين ، بل طلب أمراً عظيماً منه (أن ينزل على حكمه) وحُق للحسين أن يرفض ذلك ؛ لأن النزول على حكم ابن زياد فيه إذلال للحسين وإهانة له، ومِثل هذا العرض كان يعرضه الرسول صلى الله عليه وسلم على الكفار المحاربين ، وليس غيرهم !
كما أنَّ نصْح الصحابة للحسين يجب أنْ لا يفهم على أنهم يرونه خارجاً على الإمام ،وأنَّ دمه حينئذ يكون هدراً، بل إنَّ الصحابة أدركوا خطورة أهل الكوفة على الحسين وعرفوا أنهم يتصفون بالكذب ،وكل نصائحهم حملتْ هذه المفاهيم .
قال ابن تيمية (أحمد بن عبد الحليم 661 هجرية- 721 هجرية): وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يأمر فيها بقتل المفارق للجماعة لم تتناول الحسين ،فإنه رضي الله عنه لم يفارق الجماعة ،ولم يقتل إلا وهو طالبٌ للرجوع إلى بلده أو إلى الثغر أو إلى يزيد ، و داخلاً في الجماعة معرضاً عن تفريق الأمة ، و لو كان طالِبُ ذلك أقلّ الناس لوجب إجابته إلى ذلك ، فكيف لا تجب إجابة الحسين (منهاج السنة 4 /556 ).
وقال: ولم يقاتل وهو طالب الولاية ، بل قتل بعد أن عَرَض الانصراف بإحدى ثلاث .. قُتل وهو يدفع الأسر عن نفسه ، فقتل مظلوماً(منهاج السنة 6 /340).
** ** **
وقد كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بما حدث، ويستشيره في شأن أبناء الحسين ونسائه. فلما بلغ الخبر يزيد بكى وقال : كنت أرضى من طاعتهم - أي أهل العراق- دون قتل الحسين .. لعن الله ابن مرجانة ،لقد وجده بعيد الرحم منه ، أما و الله لو أني صاحبه لعفوت عنه ،فرحم الله الحسين (تاريخ الطبري 5/393 بإسناد رجاله ثقات ،عدا مولى معاوية وهو مبهم.وانظرأنساب الأشراف 3/219 وإسناده حسن) .
وأمره بإرسال الأسارى إليه، وإعطائهم عشرة آلاف درهم،فتجهزوا بها (الطبقات الكبير5/393).
فلم يحمل ابنُ زياد آلَ الحسين بشكل مؤلم أو أنه حملهم مغللين كما ورد في بعض الروايات.بل طمَعُه أن يقرَّه يزيد على الكوفة جعله يحملهم على صورة لائقة،علَّها تخفف من حدة وغضب يزيد عليه . قال ابن تيمية (أحمد بن عبد الحليم: 661 هجرية- 721 هجرية): أمَّا ما ذكرمن سبي نسائه والذراري والدوران بهم في البلاد ، وحمْلهم على الجمال بغيرأقتاب ، فهذا كذب وباطل ، ما سبى المسلمون ولله الحمد هاشمية قط ، ولااستحلتْ أمة محمد صلى الله عليه وسلم سبي بني هاشم قط ، ولكن كان أهل الجهل والهوى يكذبون كثيراً (منهاج السنة 4 /559 ).
و لما دخل أبناءُ الحسين على يزيد قالت فاطمة بنت الحسين : يا يزيد ،أبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا ؟ قال : بل حرائر كرام ، ادخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلتُ. قالت فاطمة : فدخلتُ إليهن فما وجدتُ فيهن سفيانية إلا ملتزمة تبكي (تاريخ الطبري 5/464).
وعندما دخل علي بن الحسين على يزيد قال : يا حبيب إن أباك قطع رحمي وظلمني فصنع الله به ما رأيت - يقصد أنه قد حدث له ما قدَّره الله له - .فقال علي بن الحسين:( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) - الحديد:22 -، ثم طلب يزيد من ابنه خالد أن يجيبه ، فلم يدر خالد ما يقول، فقال يزيد: قل له :( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)- الشورى:30- (تاريخ الطبري 5/464،أنساب الأشراف 3/220وإسناده حسن) .
وأرسل يزيد إلى كل امرأة من الهاشميات يسأل عن كل ما أخذ لهن ،كل امرأة تدَّعي شيئاً بالغاً ما بلغ، إلا أضعفه لهن في العطية . وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعا علي بنَ الحسين .
كما أرسل إلى المدينة يستقدم عليه ذوي السن من موالي بني هاشم ومن موالي بني علي .و لعله أراد باستقدامه لهؤلاء الموالي إظهار مكانة الحسين وذويه ،ويكون لهم موكب عزيز عند دخولهم إلى المدينة .
** ** **
وبعد وصول الموالي ،أمر يزيد بنساء الحسين وبناته أن يتجهزن ، وأعطاهن كل ما طلبن ،حتى أنه لم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر بها . وقبل أن يغادرن قال يزيد لعلي بن الحسين: إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك ونعرف لك حقك فعلت (الطبقات الكبير5 /397).
قال ابن تيمية (أحمد بن عبد الحليم: 661 هجرية- 721 هجرية) وأكرَمَ أبناء الحسين وخيَّرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة ،فاختاروا الرجوع إلى المدينة) منهاج الإسلام 4 /559 ).
وعند مغادرتهم دمشق كرر يزيد الاعتذار من علي بن الحسين وقال : لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلا أعطيتها إياها، ولدفعتُ الحتفَ عنه بكل ما استطعتُ ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن الله قضى مارأيتَ. كاتبْني بكل حاجة تكون لك (تاريخ الطبري 5/462).
وأمر يزيد أن يرافق ذرية الحسين وفدٌ من موالي بني سفيان ، وأمر المصاحبين لهم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا ومتى شاءوا ، وبعث معهم محرز بن حريث الكلبي وكان من أفاضل أهل الشام (الطبقات الكبير5/397).
وقال ابن كثير (إسماعيل بن عمر القرشي:700 هجرية- 774 هجرية): وأكرم يزيد آل الحسين وردَّ عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه ،وردَّهم إلى المدينة في محامل وأهبة عظيمة (البداية والنهاية 8/235).
** ** **
ولو لاحظنا موقف يزيد بن معاوية من الحسين طوال الفترة التي كان خلالها معلناً الرفض التام لبيعته ،والتي استمرت أربعة شهور (شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة ) وجدنا أن يزيد لم يحاول إرسال جيش للقبض على الحسين أوابن الزبير ، عاملا بوصية والده ، أن يرفق بالحسين ويعرف حقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكنه وجَّه اهتمامه نحو العراق ،على الأخص نحو الكوفة التي بدأت تنذر بانفتاح جبهة داخلية في الدولة،فعيَّن عليها عبيد الله بن زياد أميراً، فاستطاع ابن زياد بما وُهب من حنكة و دهاء و حزم أن يسيطر عليها ويقتل دعاة التشيع بها .
كما أنَّ يزيد لم يغفل عن تحركات الحسين. ولما عزم الحسين على التوجه إلى الكوفة كتب يزيد إلى ابن زياد رسالة يخبره بقدوم الحسين إلى الكوفة قائلاً له : بلغني أن حسيناً سار إلى الكوفة وقد ابتلى به زمانك بين الأزمان و بلدك بين البلدان وابتليتَ به بين العمال .. فضع المناظر والمسالح واحترس على الظن وخذ على التهمة ،غير ألا تقتل إلا من قاتلك ، و اكتبْ إلىَّ في كل ما يحدث من الخبر ،والسلام عليك ورحمة الله (مجمع الزوائد 9 /193 ورجاله ثقات إلا أن الضحاك لم يدرك القصة .وانظر تاريخ الطبري 5/380) .
فعند النظر إلى المقطع الأول من كلام يزيد ،نشعر أنه ينبِّه ابن زياد إلى مكانة الحسين وعلو قدره ،وإلا فما معنى ( قد ابتلي به زمانك بين الأزمان) ،فإنْ كان حريصاً على قتل الحسين لما أطراه لعامله وحذره منه ، كما لا يعني هذا النعتُ حمْل ابن زياد على الاستعداد له بكل ما يستطيع ،لأن الحسين خرج في عدد قليل ويزيد يعرف هذا . وليس في عبارات يزيد ما يدل على أنه طلب من ابن زياد الاجتهاد في القضاء على الحسين ،بل إن الشق الثاني من الرسالة يلزمه بعدم قتل أحد إلا في حالة قتال المعتدي ،كما أنَّ فيها طلباً مؤكداً بوجوب الرجوع إلى يزيد في كل حدثٍ يحدث ، فالمقرر في كل ذلك يزيد نفسه .
و بعد اقتراب الحسين من الكوفة واجهه ابن زياد بالتدابير التي سبق ذكرها، وأرسل إلى الحسين عمر بن سعد قائداً على سرية ألجأت الحسين إلى كربلاء يوم الخميس الموافق الثالث من المحرم (تاريخ الطبري 5/409) .
واستمرت المفاوضات بين ابن زياد وبين الحسين بعد وصوله إلى كربلاء حتى مقتله في العاشر من المحرم . أي إن المفاوضات استمرت أسبوعاً واحداً تقريباً ،ومن المعلوم أن المسافة التي تفصل بين دمشق والكوفة تحتاج إلى وقت قد يصل إلى أسبوعين ،أي إن ابن زياد اتخذ قراره دون الرجوع إلى يزيد ، أو أخذِ مشورته أي إنه كان قراراً فردياً لم يشاور أحداً فيه ،وهذا الذي جعل يزيد يؤكد لعلي بن الحسين أنه لم يكن يعلم بقتل الحسين ولم يبلغه خبره إلا بعد ما قتل .
قال ابن تيمية (أحمد بن عبد الحليم : 661 هجرية- 721 هجرية): لم يأمر يزيد بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله (الوصية الكبرى 45 ).
وقال: إن يزيد بن معاوية لم يأمربقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكنْ كتب إلى ابن زياد أنْ يمنعه عن ولاية العراق، والحسين رضي الله عنه كان يظن أنَّ أهل العراق ينصرونه ويفون له بما كتبوا له ..ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ، ولم يَسْب لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردَّهم إلى بلادهم ،أما قيلهم إنه أُهان نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات ، وأُهِنَّ هناك .هذا كله كلام باطل ،بل كان بنو أمية يعظِّمون بني هاشم ،ولذلك لماَّ تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر ،وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها ،فهم كانوا يعظّمون بني هاشم ،بل لم تُسْبَ هاشميّة قط (منهاج السنة 4 /472 ).
** ** **
ولقد صُنفت المصنفات في لعن يزيد بن معاوية والتبريء منه ، فصنف القاضي أبو يعلى (ابن الفراء محمد بن الحسين، ت:458 هجرية) كتاب:مَنْ يستحق اللعن. ذكر منهم يزيد بن معاوية.
وألف ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي البكري ، ت :597 هجرية) كتاب: الرد على المتعصب العنيد المانع مِنْ ذمِّ يزيد.
واتهم الذهبي (محمد بن أحمد ،ت : 748 هجرية) يزيد بن معاوية فقال : كان ناصبياً، فظاًّ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ويفعل المنكر .
وتابعه ابن كثير(إسماعيل بن عمر القرشي، ت: 774 هجرية) فقال : وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم ،والحلم ،والفصاحة ، والشعر ،والشجاعة ،وحسن الرأي في الملك ،وكان ذا جمال وحسن معاشرة ،وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات ،وترك الصلوات في بعض أوقاتها ،وإماتتها في غالب الأوقات.
واستدلوا بلعنه بما صنعه جيشه بأهل المدينة ،وأنه أباحها ثلاثاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح: من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولاعدلاً.
الرد على هذه الشبهة :
إنَّ الذين خرجوا على يزيد بن معاوية من أهل المدينة كانوا بايعوه بالخلافة ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبايع الرجل الرجل ثم يخالفه ويقاتله ، فقال صلى الله عليه وسلم: من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ،فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر .
فالخروج على الإمام لا يأتي بخير ،ومعركة الحَرَّة تعتبر فتنة عظيمة ،والفتنة يكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل ، حتى لا يتميز لكثيرمن الناس ،ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته،ويكون فيها ظهور قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير.
وسبب خروج أهل المدينة على يزيد:
-غلبة الظن بأن بالخروج تحصل به المصلحة المطلوبة ،وترجع الشورى إلى حياة المسلمين ،ويتولى المسلمين أفضلهم .
فهم متأولون ،والمتأول المخطئ مغفور له. فخروجهم كان بتأويل، ويزيد قاتلهم لأنه يرى أنه الإمام ،وأنَّ من أراد أنْ يفرق جمع المسلمين فواجب مقاتلته وقتله .
أما إباحة المدينة ثلاثاً لجند يزيد يعيثون بها يقتلون الرجال ويسبون الذرية وينتهكون الأعراض ، فهذه كلها أكاذيب وروايات لا تصح ، فلا يوجد في كتب السنة ،أو في تلك الكتب التي أُلِّفت في الفتن خاصّة ،ككتاب الفتن لنعيم بن حمَّاد المروزي (ت:228 هجرية) ،أو كتاب الفتن لأبي عمرو الداني (عثمان بن سعيد،ت: 444 هجرية) أيُّ إشارة لوقوع شيء من انتهاك الأعراض ،وكذلك لا يوجد في أهم مصدرين تاريخيين مهمين عن تلك الفترة ( أنساب الأشراف للبلاذري أحمد بن يحيى:ت 279 هجرية ،وتاريخ الطبري محمد بن جرير:ت 310 هجرية) أيُّ إشارة لوقوع شيء من ذلك ،وحتى تاريخ خليفة بن خياط (العصفري،ت: 240 هجرية)على دقته واختصاره، لم يذكر شيئاً بهذا الصدد ،وكذلك أهم كتاب للطبقات وهو كتاب الطبقات الكبير لابن سعد(ت: 230 هجرية) لم يشر إلى شيء من ذلك في طبقاته .
نعم، لقد ثبت أن يزيد قاتل أهل المدينة ، فقد سأل مهنّا بن يحيى الشامي (ت: 248 هجرية، وهو من كبار أصحاب الإمام أحمد، لزمه 43 سنة) الإمام أحمد عن يزيد فقال : هو فعل بالمدينة ما فعل ! قلت : وما فعل ؟ قال : قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل . قلت : وما فعل ؟ قال : نهبها .وإسناده صحيح، أما القول بأنه استباحها فإنه لايصح فيه شيء .
والروايات التي ذكرت وقعة الحَرَّة:
ابن سعد : خبراً واحداً عن الواقدي .
والبلاذري :عن هشام الكلبي عن أبي مخنف خبراً واحداً ، وعن الواقدي ثلاثة أخبار .
والطبري :عن هشام الكلبي أربعة عشر خبراً ، وهشام الكلبي ينقل أحياناً من أبي مخنف في خمسة أخبار .
والطبري أيضاً :عن أبي مخنف مباشرة خبراً واحداً . وعن الواقدي خبرين .
واعتمد أبو العرب (محمد بن أحمد التميمي ،ت: 333 هجرية) في كتابه المحن ،على الواقدي فقط ،فنقل عنه أربعة وعشرين خبراً . ونقل الذهبي خبرين عن الواقدي .
وذكرها البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان الفسوي (ت: 277 هجرية، من كتابه المعرفة والتاريخ).
وأول من أشار إلى انتهاك الأعراض هو المدائني المتوفى سنة 225هـ .
ويعتبر ابن الجوزي أول من أورد هذا الخبر في تاريخه .
وعمدة هذه الروايات الواقدي ، وهشام الكلبي ، وأبي مخنف، إضافة إلى رواية البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر .
والروايات التي جاءت من طريق الواقدي ، ومن طريق أبي مخنف تالفة، في أسانيدها مجاهيل وضعاف لامتابعة لرواياتهم.
والروايات التي جاء فيها هتك الأعراض ،(وهي التي أخرجها ابن الجوزي من طريق المدائني عن أبي قرة عن هشام بن حسّان) : أنه ولدتْ ألفُ امرأة بعد الحَرَّة من غير زوج ، والرواية الأخرى التي أخرجها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان : قال : حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن المغيرة قال : أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام .فزعم المغيرة أنه افتض ألف عذراء، فالروايتان لا تصحان:
فابن الجوزي ينقل من كتاب الحَرَّة للمدائني ،فلماذا لم ينقل الخبر الطبري والبلاذري ، وخليفة بن خياط وابن سعد وغيرهم ، وهم نقلوا عن المدائني في تآليفهم ؟
فهل يكون الخبر أُقحم في تآليف المدائني ، خاصة أن كتب المدائني كانت منتشرة في بلاد العراق ، وفيها نسبة لا يستهان بها من الرافضة ، ولهم دولتهم التي سيطرت على العراق ، وبلاد الشام ، ومصر في آن واحد ، في القرن الرابع الهجري ، قبل ولادة ابن الجوزي، وهو ينقل منها وجادة دون إسناد ؟
وفي إسناد البيهقي: عبد الله بن جعفر ،ذكره الذهبي في (ميزان الاعتدال ( 2/400وقال : قال الخطيب (البغدادي أحمد بن علي، ت:463 هجرية): سمعتُ اللالكائي (هبة الله بن الحسن ،ت:418 هجرية) ذكره وضعفه . وسألتُ البرقاني (أحمد بن محمد،ت:425 هجرية)عنه فقال : ضعّفوه ،لأنه روى التاريخ عن يعقوب(بن سفيان الفسوي ، ت:277 هجرية) أنكروا ذلك ، وقالوا : إنماحدَّث يعقوب بالكتاب قديماً فمتى سمع منه ؟
وراوي الخبر هو : المغيرة بن مقسم الضبي (ت: 136 هجرية)، من الطبقة التي عاصرت صغار التابعين،فهو لم يشهد الحادثة وروايته للخبر مرسلة،وهومن المدلسين الذين لا يحتج بهم إلا إذا صرحوا بالسماع.
والراوي عن المغيرة هو عبد الحميد بن قرط الضبي، وهو ثقة اختلط قبل موته ، فهل سماعه للخبر كان قبل اختلاطه أم بعد الاختلاط ؟ (والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ).
كما أنَّ الخبر روي بصيغة التمريض ،(زعم المغيرة ).
أمّا الرواية الأخرى التي جاء فيها وقوع الاغتصاب ، والتي ذكرها ابن الجوزي، أن محمد بن ناصر ساق بإسناده عن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي عن خالد الكندي عن عمّته أم الهيثم بنت يزيد قالت : رأيتُ امرأة من قريش تطوف ، فعرض لها أسود فعانقته وقبّلته ، فقلت : يا أمة الله أتفعلين بهذا الأسود ؟ فقالت : هو ابني وقع عليَّ أبوه يوم الحَرَّة.
وخالد الكندي وعمّته :مجهولان ،ليس لهما ترجمة .
والرواية التي ذكرها ابن حجر في الإصابة أن الزبير بن بكار قال : حدثني عمّي قال : كان ابن مطيع من رجال قريش شجاعة ونجدة ، وجلداً ،فلما انهزم أهل الحَرَّة وقتل ابن حنظلة وفرَّ ابن مطيع ونجا ، توارى في بيت امرأة، فلمَّا هجم أهلُ الشام على المدينة في بيوتهم ونهبوهم ، دخل رجلٌ من أهل الشام دارَ المرأة التي توارى فيها ابنُ مطيع ، فرأى المرأة فأعجبته فواثبها، فامتنعتْ منه ، فصرعها ، فاطلع ابن مطيع على ذلك فخلّصها منه وقتله.
فهي رواية منقطعة ،فمصعب بن الزبير توفي سنة 236هـ، والحَرَّة كانت في سنة 63هـ ، فيكون بينه وبين الحَرَّة زمنٌ طويل .
فلا رواية ثابتة من طريق صحيح، في إباحة المدينة،رغم أنَّ ابن تيمية ، وابن حجرأقرَّا بوقوع الاغتصاب ، دون إيرادهما مصادرهما التي استقيا منها الخبر ،ومن أراد الاحتجاج بأي خبر كان ،لا بد من ذكر إسناده ، وهو ما أكده ابن تيمية حينما قال في المنهاج : لا بد من ذكر(الإسناد ) أولاً ، فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده فبجُرْزَةِ بقل لم يقبل منه ، فكيف يحتج به في مسائل الأصول ؟
فكيف نقبل الحكم الصادر على الجيش الإسلامي في القرون المفضلة بأنه ينتهك العرض دون أن تكون تلك الروايات مسندة ، فيمكن الاعتماد عليها ؟
وعلى افتراض صحتها ،فأهل العلم حينما أطلقوا الإباحة، فإنما يعنون بها القتل والنهب كما جاء ذلك عن الإمام أحمد ،فاستغل المغرضون لفظ – الإباحةوأقحموا فيها هتك الأعراض ،فحكى الواقدي أن عدد القتلى بلغ سبعمائة رجل من قريش والأنصار ومهاجرة العرب ووجوه الناس ، وعشرة آلاف من سائر الناس ! وهو الذي أنكره ابن تيمية فقال : لم يقتل جميع الأشراف ،ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ،ولا وصلت الدماء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا تذكَّرنا أن المدينة كانت تضم الكثير من الصحابة والتابعين ، وبعضهم لم يشترك في المعركة كابن عمر ، وأبي سعيد الخدري ، وعلي بن الحسين ،وسعيد بن المسيِّب ، فلن يقف هؤلاء مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون النساء المؤمنات يفجر بهنَّ ، حتى التبس أولادُ السفاح بأولاد النكاح كما زعموا !
كما أننا لا نجد في كتب التراجم أو التاريخ ذكراً لأيِِّ شخص قيل إنه من سلالة أولاد الحَرَّة ( الألف ) كما زعموا .
ولم ينقل إلينا أن المسلمين وقتما فتحوا المدن الكافرة، أنهم قاموا باستباحتها وانتهاك أعراض نسائها ! فكيف يتصور أن يأتي جيش يزيد لينتهك أعراض المؤمنات ، بل أخوات وحفيدات الصحابة !؟
ومن العجيب أنَّ هناك مَنْ نسب إلى يزيد بن معاوية أنه لما بلغته هزيمة أهل المدينة بعد معركة الحَرَّة ، تمثل بهذا البيت :
ألا ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا
جَزَعَ الخزرجِ مِنْ وَقعِ الأسَلْ
فهذا البيت قاله ابن الزبعرى بعد معركة أحد ، وكان كافراً ويتشفى بقتل المسلمين ، وذكره ابن كثير، وقال: فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فعليه لعنة الله وعليه لعنة اللاعنين ،وإن لم يكن قاله فلعنة الله على من وضعه عليه ليشنع به عليه .
وأنكر في موضع آخر من كتابه نسبة هذا البيت إلى يزيد ،وقال : إنه من وضع الرافضة، وجزم ابن تيمية ببطلانه فقال : ويعلم ببطلانه كل عاقل.
واستدلوا بجواز لعن يزيد بما روي عن الإمام أحمد، (وأخرجها أبو يعلى الفراء بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل) قالأحمد:يا بني هل يتولى يزيد أحدٌ يؤمن بالله ! فقلت : ولم لا تلعنه ؟ فقال : ومتى رأيتني ألعن أحداً ، ولم لا يُلْعَن مَنْ لَعَنه الله في كتابه ؟ وقرأ قوله تعالى: (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم).
وهذه الرواية لا تصح:
- قال ابن تيمية:هذه الرواية التي ذكرتُ عن أحمد منقطعة ليست ثابتة عنه ، ثم إن الآية لا تدل على لعن المعيَّن .
كماثبت عن الإمام أحمد النهي عن اللعن ،حين سأل عصمة بن أبي عصمة أبو طالب العكبري (ت: 317 هجرية) الإمام أحمد عن لعن يزيد ، فقال: لا تتكلم في هذا ،قال النبي صلى الله عليه وسلم:لعْنُ المؤمن كقتله، وقال :خير القرون قرني ثم الذين يلونهم. وقد كان يزيد فيهم فأرى الإمساك أحب إليَّ .
قال الخلال (أبو بكر أحمد بن محمد ،ت: 311 هجرية): وما عليه أحمد هو الحق من ترك لعْن المعيَّن ، لما فيه من أحاديث كثيرة تدل على وجوب التوقي من إطلاق اللعن.
وقال تقي الدين المقدسي (عبد الغني بن عبد الواحد، ت:600 هجرية) :إنَّ المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق لا المعيَّن ، كما قلنا في نصوص الوعد والوعيد،وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار،فإنَّا نشهد بأنَّ المؤمنين في الجنة،وأنَّ الكافرين في النار، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة،ولا نشهد بذلك لمعيَّن إلا مَنْ شهد له النص،أو شهدت له الاستفاضة على قول ، ثمّ إنَّ النصوص التي جاءت في اللعن جميعها مطلقة ،كالراشي والمرتشي ،وآكل الربا وموكله ،وشاهديه وكاتبه.

واستدلوا بجواز لعنه بأنه كان يقارف المسكرات، وينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويدع الصلوات.ونقل ابن عساكر عن عمر بن شبة اتهام يزيد بشرب الخمر(وأرشده أبوه إلى شربها ليلا فقط).
وجميع تلك الروايات نقلا عن الواقدي ، وأبي مخنف ، وعوانة بن الحكم ، وعمر بن شبة .وجميعها روايات منقطعة ،وأسانيدها ضعاف:
فمحمد بن زكريا الغلابي: كذاب يضع الحديث.
ومحمد بن حفص بن عائشة :ولد تقريباً بعد المائة من الهجرة ، فروايته ضعيفة للإرسال.
ومن الغريب أنَّ ابن كثير بعد إيراده لهذا الخبر تعقبه بقوله : قلت : وهذا كما جاء في الحديث من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز وجل . فيفهم من تعقيب ابن كثير كأنه مؤيد لهذه الرواية التي لا تحظى بأي نسبة من الصدق.
قال ابن تيمية: ولم يكن يزيد مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه.
وقال عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (ت:600 هجرية) عن يزيد: خلافته صحيحة ، وقال بعض العلماء : بايعه ستون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد زورت أحاديث في ذم يزيد كلها موضوعة لا يصح منها شيء.
وسُئل ابن تيمية عن يزيد فقال : افترق الناس في يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثلاث فرق: طرفان ووسط .
فأحد الطرفين قالوا : إنه كان كافراً منافقاً ، وإنه سعى في قتل سبط رسول الله تشفياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقاماً منه ،وأخذاً بثأر جده عتبة وأخي جده شيبة وخاله الوليد بن عتبة وغيرهم ممن قتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب وغيره يوم بدر وغيرها ،وقالوا تلك أحقاد بدرية وآثار جاهلية .
وهذا القول سهَّل على الرافضة الذين يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان، فتكفير يزيد أسهل بكثير .
والطرف الثاني: يظنون أنه كان رجلاً صالحاً وإماماً عدلا، وأنه كان من الصحابة الذين وُلدوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحَمَله بيده و برّك عليه. وربما فضَّلَه بعضهم على أبي بكر وعمر، وربما جعله بعضهم نبياً .
وهذا قول غالية العدوية والأكراد ونحوهم من الضُلاّل .
والقول الثالث : أنه كان ملكاً من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ،ولم يُولد إلا في خلافة عثمان ،ولم يكن كافراً ،ولكن جرى بسببه ماجرى من مصرع الحسين وفُعل ما فعل بأهل الحرة ، ولم يكن صحابياً ولا من أولياء الله الصالحين.
وهذا قول عامة أهل العقل والسنة والجماعة.
ثم افترقوا ثلاث فرق: فرقة لعنته ،وفرقة أحبته ،وفرقة لا تسبه ولا تحبه ،وهذا هو المنصوص عن الأمام أحمد وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين (سؤال في يزيد ص26).
** ** **
وقد ناصب أهلُ السنة أهلَ البيت العداء ،ولذلك سُموا بالنواصب.
كما غالت الرافضة بتكفيريزيد ولعنه ورميه بكلِ قبيح. ووُضعت في حقه أحاديث كثيرة موضوعة.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16 / 06 / 2013, 15 : 07 PM   رقم المشاركة : [2]
سلمان الراجحي
مهندس الكترون يهتم بالتاريخ العربي والإسلامي ويكتب الشعر

 الصورة الرمزية سلمان الراجحي
 





سلمان الراجحي will become famous soon enoughسلمان الراجحي will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: العراق

رد: خلافة يزيد بن معاوية واستشهاد سيدنا الحسين

شكرا أ.منذر على هذا الاسهاب في الموضوع...

ولكن لنقيم الموقف الآن في وقتنا...هل من الممكن يضع الامام الحسين يده بيد يزيد.؟

اذن لماذا خرج عليه هل يمزح...وهو القائل هيهات منا الذله...

ألم يخشى يزيد قيام الناس عليه بعد أن علم الناس بأن بنات رسول الله سبايا.؟

لقد ضرب يزيد المدينه وأباحها متفق عليه أكثر علماء الامه...

لقد ضرب مكه بالمنجنيق وهدم الكعبه وأحرقها...

ماذا تقول برجل كهذا.؟ تقول أنه جميل تحبه البنات...

شاعر أليف وذو خلق ومحبوب...لله درك يارسول الله...

شكرا لسعة صدركم وأعلم أن الموضوع حساس لايحتمل النقاش

علما أنه لاالنواصب ولا الروافض ولا المعتدله يختلفون بامامة الحسن والحسين

لانهما امامان قاما أو قعدا وهم قاما...وأنت أعرف مني بذلك أخي العزيز...

وهم آل بيت النبوه وولدا رسول الله...

تحياتي وتقديري
توقيع سلمان الراجحي
 كن كالنخيل عن الاحقاد مرتفعا

ترمى باحجار لتعطي أطيب الثمر
سلمان الراجحي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معاوية, الحزين, خلافة, يزيد, سيدنا, واستشهاد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هل انصف التاريخ يزيد بن معاوية ؟ سراج منير جمهورية كلّ العرب 0 07 / 05 / 2018 36 : 12 AM
هذا تاريخنا 00 يزيد بن معاوية سراج منير جمهورية كلّ العرب 0 06 / 05 / 2018 13 : 10 AM
في ذكرى عاشوراء - سيدنا الحسين سيّد شباب أهل الجنة- أرجو التجاوب لفتح ملف وافي عنه هدى نورالدين الخطيب شخصيات إسلامية مشرقة و قصص هادفة 8 10 / 11 / 2014 33 : 11 PM
خلافة معاوية بن أبي سفيان د. منذر أبوشعر تنقيح وتوثيق التاريخ 4 21 / 06 / 2013 55 : 12 PM
في زمن معاوية الشاعر المصري جلال عابدين د. ناصر شافعي قصيدة النثر 2 06 / 04 / 2009 45 : 05 PM


الساعة الآن 13 : 08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|