علمني يا حقدي...
[frame="1 90"]عَلِّمْنِي يا حقدي الأسودَ
كيف أثورْ...
عَلِّمْنِي كيف أصيرُ كبركانٍ أعمى
يتناثر في كلِّ مكانْ،
يحرقُ،
يُهلكُ،
ويُدمِّرْ...
عَلِّمْنِي أنْ أتحرَّرَ من طيبةِ قلبي،
من سجنِ الأخلاقِ المُثلى،
كي أغدوَ وحشاً في غابةِ وطني،
وحشاً لا تنهشهُ
أنياب السادةْ..
عَلِّمْنِي يا حقدي الطاهرَ
كيف أُنقِّبُ في تربةِ يأسي وقنوطي
بحثاً عن فجرٍ حرْ...
بحثاً عن شمسٍ دافئةٍ تتألقُ حباً،
في عزِّ القَرْ...
بحثاً عن قمر أبيضَ،
ونجوم زُهرْ...
تتلألأ طهراً،
في زمني هذا،
زمن العهرْ...
عَلِّمْنِي يا حقدي الثائرَ
كيف أُفجِّرُ ذاكرةَ الأمس المرهقةِ بذلِّي...
فأنا، مذْ كنتُ جنيناً،
عبدْ..
وظلَلْتُ طوالَ شبابي...
عبدْ...
لكني أكرهُ أن أُدفنُ عبداً، بعد مماتي،
في قبر مهملْ،
عند حوافِّ القهرْ...
أكرهُ أن يَقْرَفَني الناسُ وذاتي،
مع أنِّي ما زلتُ،
ـ وهذا سرْ ـ
أحلمُ أن أتحرَّرَ من أصفادي يوماً،
من خوفي الأعمى وشكوكي السوداءْ،
لأُغَنِّي، مرَّةْ،
دون قيودْ...
ولأرقصَ مرَّةْ،
دون قيودْ...
لأسيرَ على كلِّ الأرصفةِ الممنوعةِ،
لو مرَّةْ،
في وطنِ الأسرْ...
لأُصليَ دونَ شعور بالرهبة،
من عين تترصَّدنُي خِلْسَةْ،
كي يكتبَ صاحبُها بي تقريراً،
يقبضُ، من جلَّادي،
أجرَهْ،
آخرَ أيامِ الشهرْ...
أحلمُ أن أتحرَّرَ من خوفي مرَّةْ،
لأصيرَ،
ولو مرَّةْ،
إنساناً حرّاً
حرّاً.... حُرْ...
عَلِّمْنِي يا حقدي النابعَ من أعماقِ أنايَ المغدورةْ...
تلك الشاردةِ بخوفْ،
في صحراءِ الأزمنةِ التعِبَةْ...
تتسكَّعُ بين الخيبةِ والرفضْ
صرخةَ عِزٍّ وبقايا شمعةْ،
عَلِّمْنِي كيف يصيرُ العقلُ حذاءً،
في هذا الزمنِ الأصفرِ...
كيف؟!
كيف يصيرُ التافهُ بطلاً،
والمجنونُ عظيماً...؟!
عَلِّمْنِي يا حقدي المترعَ بالأحزانْ،
كيفَ أُمزِّقُ جلدي المُترهِّل حَذَراً،
كي أهربَ من ذلِّ صَغَارِي،
كي أنسى وجعي وشجوني،
كي أرجعَ طفلاً يضحكُ،
أو أُصبحَ جثةْ...
عَلِّمْنِي يا حقدي الآتي من رحمِ الإذعانْ،
كيفَ أغشُّ وأكذبْ،
كيفَ أُزيِّفْ،
كيفَ أبيعُ الناسَ وأهلي والأوطانَ بقرشٍ،
لأزيدَ ثرائي....!
لأصيرَ "عظيماً"،
في زمن الأوثانْ...
عَلِّمْنِي...،
فأنا ـ مذْ جئتُ إلى هذي الدنيا ـ
جوعانُ وعارٍ..
محزونٌ بردانٌ خائفْ...
أرتجفُ، بذلٍّ،
تحتَ الأقدام المحشوَّةِ في الأحذيةِ الفظَّةْ...،
تعلو رأسي قسراً،
وتدوسُ بأعماقي الإنسانْ،
كي أبتهلَ،
لغير اللهِ،
وأسجدْ...،
وأسبِّحَ بسجايا السلطانْ...!
عَلِّمْنِي يا حقدي المجنونْ،
كيف أمارسُ إخراجَ الصرخةِ من حنجرتي:
(لا) مجنونةْ
عَلِّمْنِي...،
كيف أقيئ خرافاتِ الماضي،
وشعاراتِ الزيفِ المكتوبةَ بالأوهامْ،
والمعلوكةَ علكاً،
في أفواهِ زبانيةِ الوطنِ المأسورْ،
وسماسرةِ الكلماتِ الجوفاءْ...
دمشق 2013[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|