رحلة مع الروح تبدأ من الألا سكا
بينما كنت أطوف في سيتكا إحدى مدن الألا سكا الشاسعة الروسية سابقا والأمريكية حاليا (لمن لايعلم فإن الألاسكا كانت جزء ا من الاإمبراطورية الروسية و قد باعها القيصر ألكسندر الثاني للأمريكيين لأن بلاده كانت تعاني من صعوبات مالية)
مع شخصيات رواية "إتحاد الشرطة اليديشية" لمايكل شابون, استوقفتني إحدى عبارات الكاتب على لسان رجل انتشى بفوزه في مباراة شطرنج أمام لاعب محترف.
قال الرجل أن روحه, ذاك العضو العجيب, لم تعد كذي قبل منذ أن ذاقت الفوزفي مباراة الشطرنج تلك.
وصف الروح بالعضو العجيب ,أثار استغرابا و تساؤلات لدي.
فكلمة عضو تشير إلى جزء في نسق متفاعل و هذا صحيح جزئيا ربما بالنسبة للروح لكن هذه الأخيرة ليست مادية وعلاقتها بالجسد مختلفة تماما عن علاقة أعضاءه الأخرى به.
لا شعوريا نبشت ذاكرتي في معلومات متعلقة بالسياق.
فوجدت نفسي أمام حوار إريستوديم و سقراط .
سقراط:'أي الصناع أولى بالإعجاب , الذي يخلق صورا بلا عقل ولا حراك أم الذي يبدع كائنات ذات عقل و حياة؟
إريستوديم: 'طبعا الذي يبدع الكائنات المتمتعة بالعقل و الحياة , إذا لم تكن من نتائج الإتفاق"
سقراط:'و هل يمكن أن يكون من الإتفاق أن تعطى الأعضاء لمقاصد و غايات خاصة, عين ترى, وأذن تسمع و أنف يشم و لسان يتذوق، والعين تحاط بحراسة لحساسيتها و ضعفها ، فتقفل عند النوم ، أو عند الحاجة ، و تحرس بالرموش و الحواجب، و يجعل للأذن جهاز خارجي يجمع لها الصوت، و هل يمكن أن يكون كل ذلك من نتائج الإتفاق؟
و الميل المودع في النفوس للتناسل، و الحنان المخلوق في قلوب الأمهات بالنسبة للأولاد، مع ندرة أن ينفع ولد أمه أو أباه، و الطفل الذي يلهم الرضاعة بمجرد ولادته.
هل يمكن أن يكون كل ذلك من نتائج الإتفاق؟
إريستوديم:'لا ، إن ذلك يدل على الإبداع و على أن الخالق عظيم يحب الكائن الحي، و لكن لماذا لا نرى الخالق؟
سقراط:'و أنت أيضا لا ترى روحك التي تتسلط على أعضائك ، فهل معنى هذا أن نقول أن أفعالك صادرة عن اتفاق و بدون إدراك؟"
سقراط عزل الروح عن الأعضاء و لم يعتبرها واحدة منهم وكذلك فعل أفلاطون لكنه جعل من العقل و النفس و الرغبة مجتمعين مفهوما مرادفا لكلمة "روح" .
فالعقل يحاول حفظ التوازن و الرغبة تتمثل في متطلبات الجسد و النفس تجمع متطلبات العاطفة و الشعور تحت لوائها.
الروح بالنسبة لأفلاطون غير مادية و غير فانية وفي تناغم مع الجسد لأنها تؤثر عليه.
أما أريسطو فهو يخالفه الرأي لأنه يرى أن الروح فانية و مرتبطة إرتباطا متلازما ووثيقا بالجسد , إنها بالنسبة له مبدأ حياة و كينونة .
و إن كان أريسطو لم يعرفها بدقة فقد جاء ديمقريطوس بعده ليقول أن:'الروح مكونة من ذرات متحركة ,متفرقة ,متوزعة على كل الجسم و أنها بعد هلاكه تتناثرولا يبقى منها شيء"
تعاريف هؤلاء الفلاسفة متباعدة أحيانا لكنها تعكس محاولاتهم الجادة لتفسير هذ ا اللغز الكبير الذي هو الروح.
إذا ابتعدنا عن زمن الإغريق و حتى عن الألاسكا سنجد أن للبوذيين أيضا تفسيرا عجيبا للروح أو لنختزلها في ما يسمونه 'الكارما.
الكارما عند البوذيين هي الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها و الضمير و هي التي تؤثر في نوعية الحياة الجديدة بعد الإنبعاث.
لأن الصفات السيئة وعواقبها لشخص ما بعد وفاته تبدأ رحلة للبحث عن جسد لتتمكن من التغييروالوصول إلى التحرر التام .
يمكن الاستنتاج إذن أن هناك حسب هذه الديانة عملية لإنتقال الأرواح وهذا ما ليس متداولا في كل الثقافات.
مع أن الفكرة ذاتها قد بنيت على أساسها حكايات و روايات و أساطير .
الآن إذا عدنا للديار الإسلامية و بحثنا في كتاب الله العزيز الحكيم سنجد :
"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " و نجد أيضا:(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) .
و كذلك:'وإذا قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون .فإذا سويته و نفخت فيه من روحي , فقعوا له ساجدين"
و دون أن ننسى:"و نفس و ما سواها .فألهمها فجورها و تقواها.قد أفلح من زكاها.وقد خاب من دساها"
صدق الله العظيم في آياته إجابات تقصر علينا الطريق و تخفف عنا عناء بحث مضني قد لا يشفي الغليل.
الروح و النفس في الإسلام سواء هما من عند الله وجب علينا تهذيبهما و تعليمهما وتزويدهما بمحاسن الأخلاق , فالحمد لله على ما وهبنا و لنزين أنفسنا دوما كما قال الشاعر:
صن النفس و احملها على ما يزينها == تعش سالما ً و القول فيك جميل
Nassira
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|