سمر رمضاني // دموع سهيلة
أذكر أن أحد الأصدقاء في مهنة التدريس حضر إجازته في علم الإجتماع واهتم فيها بموضوع خربشات الطلبة على طاولات الدروس وعلى هوامش كراريسهم ,ومدى ارباط ذلك بتفسير السلوك لدى المراهق.
كان ذلك قبل أن يصبح لكل طالب وطالبة حائط فايسبوكي يشكو إليه لواعجه , فكان القلم يرسم قلبا نازفا وسهما يخترقه علامة على أولى تمثلات الحب في أذهان الصغار,وكانت أحلى أيام الدراسة تلك التي تقاذفنا فيها وريقات الحب داخل حجرة الدرس في غفلة من الأستاذ,لذلك كنت كلما اشتكى أحد زملاء المهنة من هذا الأمر ذكرته بأيام الدراسة, فنضحك ساخرين من شغب تلامذتنا لأنه لا يرقى إلى مستوى شغبنا نحن حين كنا صغارا.
وكنت غالبا ما أغفر لتلامذتي خيالهم الجامح ,فأمزق رسوماتهم التحرشية ببعضهم البعض,متوعدا إياهم بعقاب شديد لا يحيق بأحد منهم أبدا , لولا أن سهيلة فاق خيالها كل خيال .
بعينين دامعتين ومظهر كظيم حضرت سهيلة ذاك الصباح,متثاقلة الخطو لا تقوى على شيء . كان الشرود باديا على محياها ,وما إن دق الجرس معلنا نهاية الحصة حتى بادرت إلى استدعائها للإستفسار عن السبب.منذ يومين وأنا أبيت في الشارع,زوجة أبي طردتني من البيت ,وأبي لم يكلف نفسه عناء السؤال عني ,أنا الآن أتضور من الجوع .
عزفت سهيلة على الوتر الحساس ,إذ انتابتني حالة عاطفية جياشة وأنا أسمع لها .وما كادت تنتهي من رواية مأساتها حتى بعثت بمن يجلب لها وجبة دسمة مشفوعة بمرطب ومشروب عصير .
إنزوت سهيلة في ركن قصي تتلذذ بوجبتها في الوقت الذي باشرت فيه الإتصال بالإدارة قصد تيسير الحصول على سرير بدار الطالبات لصالح تلميذة يتيمة الأم يتهددها الجوع والتشرد .إستجابت الإدارة فورا ,ثم سأل السيد المدير عن إسم الفتاة المعنية,وما إن نطقت بإسمها حتى انفجر كل الطاقم الإداري بالضحك . أتقصد سهيلة ؟؟؟ عوض الله عليك يا أستاذ .ومعذرة أننا لم نخبرك بأن سهيلة مصابة بداء الكذب . ولكنها كانت تبكي وتذرف الدموع . تلك دموع سهيلة يا أستاذ فلا تجزع .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|