الحب يحمل بالتقى والنقا من الدرن
تكلم قوم عن المحبة فصاح عارف بالله : كفوا عن هذه المسألة فتسمعها النفوس فتدعيها ، فأنشأ يقول
الخوف أولى بالمسيء اذا تأله والحزن
والحب يحمل بالتقى والنقا من الدرن
نعم يا أحباب فالشوق لا يسكن جارحة محب من المحبين الا تركها رميما ، وما العيش يا أحباب عند أرباب الوصول الا عيش المشتاقين ما داموا محبين واصلين ، لبسوا خلع الشوق فرتعوا في رياض الأنس والزهو والسرور ، ورفعت عنهم المكابدات ، فعاشوا بروح الله في أعظم القدر ، جعلوا الآخرة قرارا ولم يشموا من الدنيا مسكنا ولا دارا ، فالله الله يا أحباب الله ثم الله الله ، فهو الله سبحانه والله سبحانه وتعالى لم يمنع أعداءه دخول الجنة بخلا ، بل صان أولياؤه الذين أطاعوه لئلا يجمع بينهم وبين أعداءه الذين عصوه ، والله تعالى يا أحباب أحق أن يعبد ويسجد له فلو دمنا ساجدين له أبد الدهور والأزمان ما وفيناه سبحانه حق شكره على نعمة الايجاد ، فانظروا في الأمور كيف دبرها ، والمقادير كيف قدرها ، والخلائق كيف خلقها وهيأ لها أرزاقها ، ورأس الدين أن يعرف المرء نفسه ورأس معرفة الله أن يعرف المرء قدره ، ولا أحد يصل الى الله وعليه من غيره بقية ، فثلاث من أعلام المعرفة بالله ، الاقبال على الله ، والانقطاع الى الله ، والافتخار بالله ، ولو عرف الخلق ذل أهل المعرفة في أنفسهم عند أنفسهم لحثوا التراب على رؤوسهم وفي وجوههم ، ولو أبدى الله نور المعرفة للعابدين لاضمحلوا وتلاشوا ، فطوبى لمن سكنوا بقلوبهم الى الله وعرفوا نور الله بسر السر في الحجب ، فاذا اطلع الخبير عن الضمير فلم يجد في الضمير الا الخبير جعل فيه سراج منير ، ولن يستعذب العبد بنور مولاه اذا كان له جليسا وهو لم ير لنفسه سواه أنيسا