الوطء في الأصل: الدَّوْس بالقدم، سمي به الغزو والقتل، لأن من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في إهلاكه وإهانته. قال تعالى في ثواب الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم سنة تسع ندب في غزوة تبوك كلَّ من أطاق النهوض معه إلى الشخوص، إلاَّ من أذن له، أو أمره بالمقام بعده: (ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلاَّ كُتب لهم به عمل صالح)، أي لا يطأون أرضاً يغيظ الكفار وطؤهم إياها، ولا يصيبون من عدو الله وعدوّهم شيئاً في أموالهم وأنفسهم وأولادهم، إلاَّ كتب الله لهم بذلك كله، ثوابَ عمل صالح قد ارتضاه. ويقال: واطأت فلاناً على كذا أواطئه: وافقته عليه، معيناً له، غير مخالف عليه، وحقيقته كأن كلاًّ منهما وطئ برجله مكان رِجْل صاحبه، ثم استعمل في كل موافقة. قال تعالى في قيام الليل والقراءة فيه: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ)، أي إن ناشئة الليل، وهي ساعاته وأوقاته، أشد ثباتاً من النهار، وأثبت في القلب، أي أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع للخاطر، في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار، لأنه وقتُ انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش، فيواطئ سمعُك وبصرُك وقلبُك بعضه بعضاً.
** ** **
وأوْفى فلاناً حقه، ووفاه (بتشديد الفاء): أعطاه وافياً - أي تاماً - وأكمله له. وتوفاه الله: قبض رُوحه. ومعنى التوفي في كلام العرب: استيفاء العدد، فكأن الميت استوفى مُدَّته التي وُفيت له وعدد أيامه وشهوره وأعوامه في الدنيا. تقول: استوفيت من فلان، وتوفيت (بتشديد الفاء المفتوحة) منه مالي عليه، أي لم يبق لي عليه شيء. قال تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم)، وقال: (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا)، فقال: توفته رسلنا، و«الرسل» هي جمع، وملك الموت واحد، وذلك لأنه جائز أن يكون الله تعالى أعان ملك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت، فيكون «التوفي» مضافاً إلى ملك الموت، وإن كان ذلك من فعل أعوان ملك الموت، إذ كان فعلهم ما فعلوا من ذلك بأمره، كما يُضاف قتلُ من قتل أعوانُ السلطان وجلْد من جلدوه بأمر السلطان، إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده. وهذا من باب (المجاز العقلي)، أي إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير صاحبه لعلاقة بينهما، وهذا كثير في كلام العرب: قال ابن عباس: كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم (صحيح البخاري، الحديث 2936)؛ وفي حديث أنس بن مالك: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي وكسرى (صحيح مسلم، الحديث 1774)؛ وفي حديث عبد الله بن عُكيم الجهني، وهو صغار الصحابة، وإسناده صحيح: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم (سنن النسائي 3 / 147).
** ** **