-3-
أعلنت الاضراب عن الطعام
رفضت تناول الشراب وحتّى الماء
لكنّي سرعان ما مددت يدي الى الماء العذب
وبدأ جسدي الهزيل بالتعب والموت البطيء
كان سجناً مفتوحاً
وكأنّ الخوف والأحلام كلّ ما يحمي الجزيرة
شعرت بأنّ كلّ شيءٍ سراب
حتّى الحارس القويّ كان من تراب
لا شيء سوى جُمانة
أكاد ألمس مركبي .. أراه أمامي
كيف تمكّنت جُمانة من تحقيق هذه الخدعة
كيف سجنتني دون سجن
زارتني جُمانة وكنت أستعد لتحدّي القدر
قالت جُمانة وكانت حزينة، للمرّة الأولى حزينة
لم يفكّر رجل بهجري يا قبطان
لكنّك تملك الشجاعة للعودة الى عالمك
أنتِ لست بحاجة الى قبطان ميّت!
أريدك أن ترى شيئاً قبل أن تغادر
أدركت بأنّها قد اقتنعت بقراري
سألتها وكان الخوف قد بدا على تقاسيم وجهي
أخبريني يا جُمانة – كم مضى على وجودي فوق
هذه الجزيرة؟
قالت مبتسمة: مضى على وجودك يومٌ واحد
هذا غير معقول! مستحيل..
كلّ شيء نسبيّ يا قبطان
لا تصدّق كلّ ما تراه عينك
لقد مضى على وجودي ما يزيد عن السنة
أجابت: لا يمكن لرجل احتمال الحياة على هذه الجزيرة طِوال هذه
الفترة من الزمن
أحياناً تكون الدقيقة طويلة كالدهر
وأحياناً تكون السنّة قصيرة كلحظة
كيف يكون هذا يا جُمانة؟
قلبك هائم هناك
أردت أن أخبرك بأنّ صاحبتك نورا في
غيبوبة
روحها تصارع من أجل الإنفلات من جسدها
إنّها مريضة يا قبطان
وكيف لي أن أساعدها؟
إذهب الى المحيطات .. حاول ان تقابل أمّي
كُنْ حَذِراً .. أخبرها بأنّك آتٍ من طرف جُمانة
لا تقاطعها حين تتحدّث
لا تقاطعوها حين تتحدّث
-4-
لم تكن هناك حاجة لطمر الرمل المحيط بالمركب
اختفى الرمل على عجل وارتفع الشراع عالياً فوق المركب
كم مضى من الوقت منذ مغادرتي المركب؟
كان هذا سؤالي الأول
اللعينة .. لقد خطفتك طِوال النهار
لم أكرّر سؤالي ثانية .. يا لنا من جهلة نحن البشر!
نهار واحد فقط حسبته الدهر كلّه.
كنت أنوي غزو الجزيرة
صاح الجنرال غاضباً
ضحكت في قرارة نفسي
وأدركت مدى العجز الذي يلفّ نهارنا ووجودنا
الهزيل.
كنت أراها في البعيد .. عيناها كتلة من لهب
جُمانة امرأة قادرة على تحطيم قلوب الرجال
دون هوادة
لهفتي وحرقتي ونورا البعيدة القريبة
كلّ هذا ساعد على خلاصي
أمّا الجنرال ورغبته الباهتة في القتال فكانت
مجرّد فقاعة انفجرت عند أول امتحان
لوهلة أصبحنا مجموعة من الغرباء فوق مركب
ضلّ الطريق
لوهلة أصبح كلّ منّا يبحث عن الخلاص
ولكن، لم يجرؤ أحداً على مغادرة المركب
وما زال في قصّتي بقية
نفخت جُمانة ببعض اللهيب الذي يعتمل في
روحها
ومضى المركب على عجل
ابتعدنا عن شواطئها المذلّة
وسرعان ما بان لنا بطن البحر الأزرق الجميل
شعرت بشيءٍ من الحريّة يهاجم خلايا جسدي
عدت مجدّداً سيّد الموقف
حضرت جيهان الى طرفي
وقرأت في أعينها مئات الأسئلة
والآن الى أين يا سيدي؟
أحاول ان أبتسم يا جيهان
لعلّ الخالق يُشْفِقُ على حالي
نورا ما بين الموت والحياة
وانا ما زلت عاشق.