[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/4.gif');border:4px outset green;"][CELL="filter:;"]
[ALIGN=justify]
هذا الكتاب " القرآن ومحمد " لمؤلفه د. يوسف جاد الحق ، صدر عن دار المسبار للطباعة والنشر والتوزيع في العام 2006 .. وهو في 600 صفحة من القطع الكبير .. ويسرنا في نور الأدب أن نقوم بنشر هذا الكتاب الهام ..
طبعا كما اشرنا سابقا ، كل الكتب المنشورة هنا متفق مع أصحابها لتنشر في " نور الأدب "
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/10.gif');border:4px groove green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
مقـدمـة
ليس سهلاً على المرء الخوض في مسلَّمات الحقائق الناصعة، التي يتبدى صدقها في ذاتها، دونما حاجة إلى برهان، لكي يقتنع بها من لا يريد الاقتناع أصلاً، أو يسعى إليه، بسبب من موقف مسبق ناجم عن موروث ثقافي ما، أو بسبب من عنادٍ يحسب صاحبُه أنه يتعرض للمهانة إذا ما هو امتثل للحق وأقرَّ بالحقيقة، حتى وإن تأكدت لديه. وهذا دأب الكثيرين مكابرةً واعتداداً بالنفس والرأي ليس إلا.
ذلك، دونما ريب من أشق الأمور على من يتصدى لمهمة من هذا القبيل. فأن تحاول إقناع مكابر في رابعة النهار، بأن الوقت نهارٌ وأن الشمس ساطعة تغمر الدنيا بنورها لأمر ليس باليسير، إذا ما كان في مواجهتك من سيقول: أثبت لي ذلك بالبرهان..! فبماذا يمكنك عندئذٍ أن تجيب؟ أو كأن يكون المطر منهمراً والسماء مكفهرة ملبدة بالغيوم فيجبهك بقوله: لا.. إن الجو صحو والسماء زرقاء وعلينا أن نقيم صلاة الاستسقاء..!
في هذا الكتاب قد تكون المسألة من هذا القبيل. فأن تحاول إثبات ما هو ثابت، لذي عقل وذي عينين لمن لا يريد التسليم عناداً واستكباراً فالمهمة من الصعوبة بمكان.
موضوع هذا الكتاب الرئيس هو:
مصدر القرآن، على أنه كلام الله وليس كلام بشر. وشواهد ذلك أكثر من أن يحيط بها حصر سنأتي على جملة منها كأمية الرسول عليه السلام، ومنها إعجاز القرآن البلاغي والمنطقي والفكري من جهة، والعلمي من جهة أخرى، ومنها ما يتعلق بالحياة والكون والإنسان. ومنها التعريف بالخالق، ومنها ما يتعلق بالحساب والثواب والعقاب والعدل الإلهي، ومنها توجيهات في العبادة والمسلك والخلق لبني الإنسان ومنهجية التعامل فيما بينهم. قضايا جمة كان ينبغي أن تدرج في مساق المسلمات بعد كل هذا الزمان منذ بعث الرسول عليه السلام، في زمن أصبحت فيه وسائل البحث والتقصي وأدوات العلم ومناهجه في المتناول. بيد أنك مضطر ــ برغم ذلك ــ إلى الخوض فيها جملة حيناً وتفصيلاً حيناً.
ولقد حاولت الاجتهاد برأيي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. وقد اعتمدت على ما قد أهتدي إليه عن طريق التأمل وإعمال الفكر والاستنتاج أكثر من اعتمادي على المراجع ــ إلا عند اقتضاء الضرورة فمنها ما لا غنى عنه كمصدر للمعلومات والأخبار ــ كيلا أكرر ما سبقني إليه آخرون. وليس غريباً أن أكتشف أو أن يكتشف غ3يري جديداً في هذا الشأن، مادام القرآن نبعاً غزيراً دافقاً لا يغيض ماؤه ولا يشحُّ عطاؤه، كمصدر لدراسات لا حصر لها جرت في الماضي، منذ نزوله وامتدت حتى يومنا هذا، ولسوف تظل كذلك إلى يوم الدين.
هذا البحث ليس في تاريخية النص القرآني، كأسباب النزول، أو تاريخية الوقائع، فأسباب النزول ـ كما وضعها الأولون ـ ليست مصدراً ذا دلالة قطعية. كما أنه لا يتعلق بمسائل فلسفية كخلق القرآن أو قدمه وأزليته مما ذهبت إليه جماعات كالمعتزلة وغيرهم من معارضيهم. أما تاريخية الوقائع فتأتي ضمن السياق لمقتضى الضرورة.
غاية البحث هي إثبات نسبة القرآن إلى مصدره، وتنزُّله على محمد عليه السلام قبل ظهور الدراسات والتفاسير اللاحقة لزمان نزوله. سبيلنا للبرهنة على ذلك هو ما صدَّقته الأيام، وما أثبتته البحوث العلمية في الكون والحياة وسائر أوجه النشاط البشري، وما أكدته النبوءات والإرهاصات لمستقبل ما بعد النزول، فتطابق مع ما سبق وروده في القرآن بتتابع الأيام على مدى القرون اللاحقة؛ معتمدين في ذلك جدلية المنطق بالمحاكمة العقلية لبلوغ اليقين. فحين يثبت أن القرآن هو، بالقطع، كلام الله تعالى فلا مناص بعدئذ من التصديق بالرسول والرسالة ــ الكتاب وما تضمنته آياته في كل مسألة.
المصدر الإلهي للقرآن، أي أنه كلام الله دون غيره وأن محمداً رسول الله، تلقَّاه وحياً نزل به الروح الأمين، هو موضوع هذا البحث.
ولا ريب في أن أيَّ دارسٍ منصفٍ، غير منحازٍ ولا متحامل لابد واجدٌ في القرآن نصاً يستحيل على بشر بمفرده الإتيان بمثله كنتاج لعقله وتفكيره، ناهيك عن الإحاطة بسائر ما احتواه على النحو الذي هو عليه. إذ هو معجزٌ في مضمونه الشامل المحيط، ومحتواه الضافي بكل ما في الكون من خلق وخلائق.
وينبغي ألا يفوتنا التنويه، بل التأكيد على أنه ما من كتاب ظهر للناس، على ظهر البسيطة، ومدى الزمان، يربط ما بين السماء والأرض كالقرآن. فهو الكتاب الوحيد الذي ظلَّ على صفائه، وبقي على نقائه كلمةً كلمة، وحرفاً حرفاً، دون أن يتعرض لتحريفٍ أو تعديلٍ أو تغييرٍ أو تبديلٍ من أيِّ قبيل. وهذا من أسرار إعجازه المبهرة. فقمة الإعجاز، قبل أي شيء، أن يبقى القرآن كما هو، كما تنزل على رسول الله (عليه السلام) بحكم إرادة إلهية مقتدرة أعلنت، منذ البداية، عهداً بحفظه وسلامته وديمومته. وكان ذلك في حدِّ ذاته بمثابة التحدي المعجز ــ الذي ما برح قائماً ــ بأن أحداً من البشر لن يستطيع العبث به، وأن أحداً منهم ــ ومن الجن أيضاً إمعاناً في التحدي ــ لن يستطيع تقليده من بعيد أو قريب.
ومهما يكن من أمر فلابدّ من الإقرار بأن هذا الذي نقدم في هذا الكتاب لا يعدو كونه جهداً متواضعاً محدوداً، أو لنقل إنه محاولة لفهم الظاهرة الفريدة المتفردة في حياة البشرية، والتي هي كلمات الله المنزلة على محمد عليه السلام. إنه لكتاب الله حقاً بحيث تجد أنك، بعد أن تضع بحثاً فيه بهذا الحجم، لم تتجاوز العتبة إلى المدخل، بل لعلك واجدٌ أنك لم تقترب منها إلا قليلاً. كمن يقف عند شاطئ المحيط، وفي ظنه أن في وسعه أن يمخر عبابه سباحة، طولاً وعرضاً، بيد أنه لا يلبث أن يدرك أنه لم يصب، بعد جهده كله، أكثر من غرفة من مائه بالكاد تملأ قبضة من كفيه.
ليس لي أن أزعم أنني (فقيه مجتهد) أو ما هو من هذا القبيل، بيد أني أتمثل معنى القول المأثور: للمجتهد أجران إن هو أصاب وأجر واحد إن جانبه الصواب.
والله ــ أولاً وأخيراً ــ من وراء القصد.
المؤلف
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]