العصافير
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/10.gif');border:4px groove green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
[1]
أخذ الولد الذي ما تجاوز العاشرة يراقب العصافير وهي تطير.. تمنى أن يفرد جناحيه ليحلق بعيداً في الجوّ.. مدّ ضحكته وغزل من كركرتها خيوط الحلم والأمنيات.. لم تعرف أمه ماذا يريد.. ولا عرف الأب.. عيناه تنقطان ذكاء كما قال معلم الصف.. وأفكاره يمكن أن تصوغ ألف حكاية وحكاية كما تقول الجارة الأقرب إلى البيت.. الكل اتفقوا على تميز الولد.. والولد يعرف تماماً أن عليه أن يصبح استثنائياً في قادم الأيام.. أمه – كما تمنت دائماً – تريده طبيباً يداوي الجميع.. والوالد يسعى أن يحقق من خلاله حلماً ما استطاع أن يحققه.. لذلك أراده مهندساً يشيد ويعلي البناء.. فتل الوالد شاربيه، وتنهد.. وتابع الولد مراقبة العصافير وتطيير الحلم.. يضحك فتضحك الدنيا.
[2]
المخيم يغلي ويفور.. والولد يتشيطن كما لم يتشيطن من قبل.. لأول مرة يستطيع أن يطير ركضاً.. يملأ الشوارع بالضحكات والكركرات والصراخ.. يمسك الحجر.. يقذفه.. ثم يضحك.. الأولاد الذين التفوا حوله وجدوا فيه القائد الحربي الذي يريدون.. أخذ يعطي الأوامر، والصغار يطيعون.. ألفوا جيشاً أربك جنود الاحتلال الذين أخذوا يطلقون الرصاص في كل اتجاه.. تخيلوا أن الحجارة تأتي من كل مكان.. فأخذوا يطاردون الأمكنة والاتجاهات كلها.. والمخيم يضحك.. يمدّ الكركرة ويقفز في الشوارع وعلى أسطحة البيوت.
[3]
رفض الولد أن ينام.. الرصاصة التي عضت اللحم والعظم جعلته يتلوى.. أعطوه كل المسكنات فما استكان.. رأى الرصاصة بعد أن فتح عينيه في المشفى.. كانوا قد أخرجوها من جسده.. راقب العصافير وهي تطير.. من فوق السطح سحبته الرصاصة فاندفق يسبح في بركة دم. دموع الوالدة والوالد تملأ المخيم بغيوم أو حكايات عن رحيل الحلم.. قال: “أوقفوها حتى لا تهرب العصافير بعيداً.. أريد معها أن أطير”.. ولأن الأم لم تستطع أن تتماسك فقد عضّت على الشفة السفلى، حتى انبثق الدم واختلط بمطر العينين.
[4]
رافقه الأولاد من المشفى إلى البيت.. العصافير تفرد أجنحتها وتضحك ثم تناديه.. حكى للوالد كيف دعاه أحد العصافير ليطير معه.. بكى الوالد بصمت وتطلع إلى البعيد.. تدفق الأولاد يحكون عن بطولات قائدهم الصغير.. يقفزون في البيت مقلدين قفزاته.. يصرخون ويمثلون التقدم والانسحاب.. ضحك الولد، فامتد الضحك الدامع في البيت.. بعدها أعطى آخر الأوامر فشكل الأولاد جيشهم، واندفعوا في شوارع المخيم..
[5]
كبر الجرح وامتد.. تماسك الولد حين رأى كل هذا القلق في العيون.. تشنج الصدر فأنَّ والتوى.. شدت الأم على أطراف أصابع اليد.. الوالد انسحب وأخذ يحدق من النافذة.. جسده يهتز مع النشيج.. العصافير تفرد أجنحتها وتنقر قلب الفضاء، وشيئاً من فضاء القلب..
[6]
اتكأ الولد على طرف السرير وبدا أكثر نشاطاً وحيوية من أي وقت مضى.. ضحك.. مدّ الكركرة ولهث.. حكى عن العصافير التي دخلت من النافذة.. حار الوالد وقلّب الطرف ولم يقل أي شيء.. اقتربت الأم فضمها الصغير إلى صدره قال: “لا تخافي.. بعيداً لن أطير” شدّته إليها.. انطوى جسده أو كاد.. زقزقت ضحكته.. تراخى القلب وآثر أن يستريح.. عندها فرد الولد جناحيه وطار بعيداً في الفضاء..
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|