المتعة والجذب في العمل الإبداعيّ
[align=justify]
هل يستطيع أيّ عمل إبداعي ، مكتوبا أو مشاهدا ، أن يتخلى عن عنصري المتعة والجذب ؟؟..أجيب مباشرة ، لأنه لا داعي للإطالة أن لا،فأي عمل يتخلى عن هذين العنصرين يفقد بريقه ويصبح بالنسبة للمتلقي عملا باردا لا يستحق المتابعة ، وتراه يستعجل الانصراف عنه إلى سواه..ولا داعي هنا للكلمات الكبيرة أو الشعارات التي تجعل من هذا وذاك ترفا أو ما يشبه الترف ، فحديثنا عن الإبداع ، ولا إبداع ينفصل عن الحياة بكل ما فيها ، ما لها وما عليها، أكان العمل الإبداعيّ يتحدث عن أهمّ قضايا الدنيا ، أم عن شيء عاديّ لا يخرج عن كونه شيئا يعاش ببساطة .. فأن تدور عجلة الحياة ، يعني أن يدور معها الفعل ، والفعل دائما له ردّ فعل ، مما يعني حركة يفترض أن تكون جاذبة مسيطرة على العين والذهن والتفكير ، ولا فعل في أي مكان من العالم يتخلى عن السؤال البسيط ، أو ذلك الذي نظنه بسيطا، وهو الذي يقول : ماذا سيحدث بعد ذلك ؟؟..
كل عمل إبداعي ، عليه أن يجيب عن هذا السؤال ، في السرد وسواه،وإن كان ذلك للسرد أقرب .. فمن جهتي أجد أنّ الشعر ملزم في جزئية من جزئياته أن يجيب عن هذا السؤال حتى يحتفظ بحركة جاذبة تجعل المتلقي يعايش حدثا أو حركة أو صيرورة .. السكون في أي عمل ، نوع من الموت،حتى وإن فلسفناه!! لأن الفلسفة هنا ستكون جامدة لا تحمل الحياة التي نريدها لها .. وقولنا بالحياة قول مقصود لذاته ، إذ الحياة حركة وجذب وتشويق وانتظار وأسئلة وأجوبة وتداخلات بين طباع عديدة ، تتباين وتتقارب لكن لا تلتقي حد التطابق .. وهو ما يخلق صفة الغليان دائما في كل فعل حياتي نعيشه أو نكتبه أو نشاهده.ولا ننسى أنّ الكتابة تكثيف وتركيز وتدقيق وتحريك، فإذا كانت حركة الحياة العادية لا ترينا أحيانا ظهور التباينات بشدة على السطح ، كون الأيام قد تبدو لنا متشابهة وهي ليست كذلك بالتأكيد ، فإنّ لحظة الكتابة تكثف وتجمع وتظهر وتجعل الأشياء واضحة بينة على السطح.. فالشخصية تتحرك أمام العين بكل ما فيها دون حاجة لرتابة قد تخفي الحياة جزءا منها ..الكاتب ملزم بأخذ خلاصة الأشياء ، وهذه الخلاصة تجعله يعطينا كما مدهشا من الإثارة والتباين والتضاد والجذب في السيرة التي يقدمها ، بعيدا عن البطء الذي يجعل كثيرا من الكتاب يفشلون في إيصال أعمالهم إلى الآخرين .. فالبطء قد يخدم مرة في عمل كبير له الكثير من المدارات،لكنه يقتل العمل حين يصبح هدفا وغاية أو وسيلة وحيدة يلجأ إليها المبدع ..الإدهاش كلمة رائعة في كل عمل ، وهو إدهاش يفترض أن يؤدي دوره ويخدم موضوعه لا أن يكون خارج إطاره أو وظيفته ..فهو شيء رائع ما دام يأتي في مكانه ويؤدي دوره بإتقان .. وكل إدهاش من اجل الإدهاش ليس إلا ، لا معنى له ، كالفعل الساكن الذي يعني في كثير من الأحيان الموت .. فالمتعة لها دورها ، والجذب له دوره، والإدهاش له وظيفته ..
كل عمل إبداعي سبيكة متكاملة متراصة متداخلة مدروسة موظفة متقنة .. الزيادة هنا شيء خاطئ ، والنقص هنا شيء ضار .. وهذا يحتاج إلى ميزان موهبة مدهشة ، وكمّ من الثقافة كاف ٍ لرفد حركة الفعل في ورد الفعل في أي عمل .. والمتعة التي نتحدث عنها ، أو الجذب ،من الضروريات التي لا تلغى بتنظير أو ما يشبه التنظير ..فالإبداع حياة ، حركة ، غليان ، صور متتابعة لا تتوقف، ومن الوهم أن نظن غير ذلك .. من هنا قيمة كل حركة في العمل الإبداعي دون زيادة أو نقصان ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|