دلالة القافية بين الحضور والغياب -3-
دلالة القافية بين الحضور والغياب 3-
وظائف القافية:
وظيفة الربط
وظيفة جمالية
وظيفة تنظيمية
1- وظيفة القافية:
لقد رأينا أن القافية كانت تشكل عنصرا أساسيا في نظام البيت العمودي إلى جانب الوزن إذ كان لكل منهما دعامة موسيقية للقصيدة، ورغم قانونها الموسيقي الصارم، فهو الذي استطاع أن يحفظ "حكمة العرب" كما يرى الجاحظ، كما انه الأساس الذي جعل من الشعر ديوان العرب، نظرا لارتباطه بالذاكرة والحافظة والرواية التي تلعب عناصر الموسيقى المكررة والرتيبة والعالية النبرة دورا تحفيزيا في جعلهاتقوم بدورها على أحسن وجه.
إضافة إلى أنها كصورة يأتي بها الشاعر المعاصر لا لمسألة تزيينية في البيت، بل إن وظيفتها مرتبطة بالمعنى "فهي بذلك عميقة التشابك مع السمة العامة للعمل الشعري، وانها لا تظهر كمثال واحد على الإعادة الصوتية، ولا ينبغي أن تدرس بمعزل عن الظواهر المماثلة لها في الجناس والسجع".
فالقافية إذن كمكون صوتي وكملمح دال قد خضعت لتوجيه جديد من طرف الشاعر العربي المعاصر مما جعلها تختلف في طبيعتها عن القافية التقليدية التي تعتبر صناعة شعرية لا ترتبط بالمعنى، فانحصرت وظيفتها في كونها فعلا دلاليا وتركيبيا وعروضيا للبيت الشعري، ومرتبطة دائما بما تقدمها لا بما لحقها لكن القافية الجديدة أصبحت أكثر تحررا وتنوعا، إذ صارت تحمل وظائف أكثر عمقا ودلالة أولها:
أ-وظيفة الربط:
إن المكان الطبيعي للقافية ووجودها في نهاية البيت مكنها بأن تقوم بالربط بين الأسطر، فهي كصوت إيقاعي، لا تقف أو تنحصر في نهاية البيت وإنما تمر قبل ذلك بسلسلة طويلة ذات حلقات متصلة تبدأ من مطلع البيت حتى نهايته، من أول سبب حتى آخر سبب، من أول تفعيلة حتى آخر تفعيلة لتظهر لنا أخيرا في نهاية البيت الشعري وهكذادواليك إلى أن تنتهي القصيدة "وتكرارها جزء هام من الموسيقى الشعرية، إذ أنها بمثابة الفواصل الموسيقية يتوقع السامع ترددها ويستمتع بمثل هذا التردد الذي يطرق الأذان في فترة زمنية منتظمة".
ب- الوظيفة الجمالية:
لقد ارتبطت جمالية القافية بالخصائص الصوتية المتقولبة في إطار البنية الإيقاعية "وهي داخلة مع نظام الوزن في علاقة ثنائية ذات طابع إشكالي قائم على التأثر والتأثير والتكيف والتكييف أو الفعل ورد الفعل".
ونجد الشاعر المعاصر نوع في صيغها وحروف رويها وكثف أيضاً من التجانس الصوتي مما جعلها تبرز في أشكال جديدة "إذ أن القافية تجسد بشكل واضح ظاهرة التماثل الصوتي سواء كانت هذه القافية جزءا من مفردة كاملة أم أكثر من مجرد مفردةواحدة،هناكدائماتشابه صوتي حيث لا وجود لتشابه معنوي .
ويزيد جان مازليغا J-mazaleyrat وظيفةأخرى للقافية إذ يقول:
لم تعدوظيفة القافية منحصرة في وظيفتها الجمالية بل تعدتها إلى وظيفة مبدعة Fonction créatrice التي تراعي علاقتها بالفكرة الشعرية والوظيفة المحركة التي تأخذبعين الاعتبار علاقة القافية بحركةالقصيدة وارتجاجها:"
ج- الوظيفة التنظيمية:
إن للقافية فعالية قيادية في ضبط مقادير الأبيات، ذلك أمر طبيعي وضروري في نفس الآن، إذ أن تحديد عدد المقاطع في البيت جزء من الشكل الشعري، كما أنها تمثلالسلطة الأولى في نظامالتفعيلة الإيقاعي، وتعرف حركة الداخلمن خلالها، وتكشف عن النظام الداخلي في إطار حركة النص الإيقاعية، إذ هي لذة للأذن، ومتعة للنفس، تخضعها لإيقاع منتظم انتظاما كاملايشيع فيها الطرب".
كما أنها تحدد نهاية البيت أم بالأحرى نهاية الكلام، وأيضانهاية الجملة النحوية، فأهميتها إذن تتجلى في أنها تقع في نهاية البيت أي في الموقع الأساسي للتنظيمفي اللغة العربية، مما يؤثر تأثيرا حادا على إيقاع النهاية –cadence– والذي هو أهم موقع – إيقاعيا – في البيت".
لكن مع التغيير الذي حصل في شكل القصائد المعاصرة اتخذت هذه الوظيفة شكلا آخر، "إذ انها تموضع حدودا حول الخيال السريع المسرف الذي يمكن أن يمتد أكثر مما ينبغي في كل موضوع، لولا تقييده بالجهد الذي تتطلبه القافية المحكمة".
هكذا إذن لم تعد القافية مجرد محطة نهائية يرتاح عندها القارئ بل تتطلب منه وقفة لاستجماع الصوت والاستعداد لما هو آت، بل غدت ذات طاقة خلاقة في تحريك الخيال، لها ارتباط وثيق وأساس بالفكرة والقاموس التعبيري.
- يتبع -
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|