[frame="12 10"]
قصة: و للصحاري وجه المطر
[align=justify] زمن أول كان بأغاني المطر ولادة لذاكرته ..عندما تفنن الجرح في تعريته من كل الأكاذيب الباهتة ، في لحظة نسيان جامحة تلذذ في ترك المعالم الموقوفة عن سرد التأسفات ، توقف ليشطب امرأة النبؤة التي لم تقبر بين أنسجته و ظلت شيئا من الحنين، اتكأت بين الوسادة و الوسادة تسألها البعاد و الرحيل ، زمن ثاني في ذاكرته يصنع من أغاني الريح بيتا و مدينة ساجدة للموت لتغتال كل الرؤى الممكنة على قميصه المتسخ بعرق الذهاب و الرجوع ، زمن لمراسي الضياع تغنى بانتهاء مواسم الجفاف و حلول ربيع الشاي و الحليب ، خوف بزمنه المنسي أرغمه على السفر إلى نقطة المستحيل ، تيه و شيء من سكرات الهروب خلف مواعيد الوجوه الجارحة ، ساعة يده كانت تأكل أطفال عقاربها التسعة و الصخور المتراصة في جنون تعوي و تغيب ، رحلة و سيارة و بعض من أواني الركام تغتال بعد الطريق ، المدينة كانت أولى القبلات التي تنفس بها بقايا التراب ، عمامته المخضرة و العابثة بكل العيون و الصور أرادت في احتشام سجن وشاح عيون الخطيئة قبل المغيب.. ترجت و تمنت و هي كافرة .. و تمنى لحظة أن شربت أقدامه لهيب الأرض و حرقة السماء ،لو عاد بهيئة رجل زنجي لم يعرف قلبه أن للحب صومعة و قبرا للحطام .. تمنى أن يختصر كل الوجوه التي عرفها ليبعث بداخله موت الموانئ عندما تغيب و تنجلي.. تمنى أن تسكن تاء التأنيث و تولد بعمق المجامر ( نقوية ) ثانية ، و غنت ( النقوية ) عندما داهم المطر بعد المسافات و المدينة خائفة و منكسرة ، في بداية الصفر من الزمن العابس فتحت أشرعة أشواكها ، تجمعت بكل غطرسة الصخور المنسية و الرمال المنتهية ، تمحورت كذيل قنبلة مدمرة لتقتل بروعة المكان كل السدائل التي تجملت لليلة العيد ، كانت البيوت تسد منافذها بحطب الصحاري ، الصحاري سيف بخارطة الطبيعة عندما سال لعابها المسموم ، من بين ألف باب مشرعة كانت صبية بروعة جمال الأرض تنتظره كي يمر و يلقي بتحية رجل، ملحفتها المطرزة بلون الغبار جعلتها تبدو بهيئة أم القرى ، الغضب تفنن في شجب ملامحها الباهتة ، فكرت ثم فكرت في أشياءه الجميلة التي كان يحملها بيده اليمنى ، يده اليمنى سافرت إلى خارطة امرأة ثانية مازالت لحد البارحة تعيد مضغ لبانها و تتأفف ، تسأل عنه بعض الأبنية التي كان يهندسها بأنامله ، يصنع من ظلمتها قصرا لحلم قد يكون ، هي ذي دروب الصحاري التي سكنت من فوق رموشه و سكبت بدل لعابها غبار الأرض و عرق الليالي .
السائق كان يحكي عن قصص الضياع عبر المسالك المتشعبة ، توقف في نقطة منتصف الوصول ، هي ذي ( قارة النص ) ،قالها و إبريقه المعد لأكواب الشاي أراد الصلاة ، لم يرد شرب الأول منه لكنها كانت العادة و إلا وجبت عليه فدية الترحال و المبيت ، أخرج سيجارته الأخيرة و أجتر ذكريات الصبا و ويلات السفر المميت ، وجه لامرأة توسدت رمل البيت المكتنز كانت قد تجملت ، قالت لها أختها الصغرى إن ( الشناوي ) الذي تنتظرينه لن يعود إلى العمل هنا مرة أخرى ، و الحب الذي تنشدينه منه سطر من المستحيل ، تأففت و غيرت جنبها المتكئ ، كانت تحدق في السماء و تسألها أن تكتب له سلامة المسير ، على امتداد شجرة غطاها الشوك و التراب ، كانت عقرب غريبة تحكي للظل و للهيب عن قصصها مع الموت و العذاب ... تحكي و تتلذذ في طبخ الأحجية بلغة السم و الأرجل مرتعدة و خائفة ، و في لحظة و عي منتهي ارتمى عليها بضربة واحدة ، عندما باعته الأمسيات لعنة التحدي حملها بيده ، و غنى للجميع أغنية أن للصحاري وجه بشكل العقارب ، كان النوم رائعا بعد أكلة من ( التقلة ) تحت ضوء القمر ، كانت الحشائش المصفرة من اثر الشمس تحرص المكان ، الماء عانق جوف ( القربة ) .. ( القربة ) منحته حنان الجليد عندما تناسته حضارة المدن ، عيدان الحطب اختلط لونها بلون الرماد بعد أن أعطت للشاي نكهة العندليب ، الأفرشة الجلدية التصقت بوجه الأرض ،طبعت فوق الوجنات قبلة و بعضا من ترانيم المجون ، الظلمة.. الظلمة .. الظلمة .. مصباح كهربائي كان ينتظر سطوع شمس النهار ليستريح و ينام ، شريط لأغنية ( التندي ) ظل في جهاز السيارة يلف و يدور ، يده .. يا يده حملت رأسه و الجسم متكئ تسأله عن معنى أن ترحل و تهيم ... سألته نقطة البداية عن كل المدن التي ما منحته دفئها لحظة زارها الضياع و ارتحل ... سألته و سيجارة ( الإستون ) احترقت بين أنامله للمرة العشرة ، سأله الذي توسد نصف صخرة عن اسمها و سنها .. هل سترمي كل المطامع و تنتظره حتى يعود؟ .. هل بصدرها دفئ السماء عندما تشتاق العيون لحكاية الرموش – قالت له و ساعتها ترمق خصلاتها في عجلة .. أحبك لكني احلم أكثر من بساط الأرض عندما يسجنه الشتاء و يفر من بين يديه الربيع- سقط أجندتها التي دون بها رقم الهاتف و العنوان في إناء الحليب ، ثانية واحدة و بعض المسافات التحقت بصدر امرأة جديدة بجوفها سكن حلم بسيط ،رجل بمثله هو و فقط ، أمها صرخت و هي تمسك بالدلو لكي تخرج الماء من البئر المنزلي – متى تحلبين العنزات يا طفلة؟ قامت و ارتجاجات الخوف ساكنة في عمق عمقها ، لباس ( التسغنس ) اتسخ ليبقى ما غطاه فاتن حد الدهشة ، نظرت في قدها الممشوق و السدائل تشبكت بكل المساحات المكتنزة ، سألت شيئا من أنفاسها الصاعدة و النازلة لتمسكه بكفيها ، عضت على شفتيها و بكت لأن كل هذا ما فتن رجلا كان بالأفق يمارس حرفة هندسة الأشياء الغريبة ، سافرت و سافر بين الأوجه ،وجه واحد أسرها كما تأسر أغصان الغابة القاتلة زهرة صغيرة ،على امتداد قشور كانت تبحث عن معنى الرحيق .
الأبنية الطينية المشرئبة الأسقف كانت تنتظر قطرة من ماء الصيف القادم من بعيد ، النساء في أرحامهن طفل لغد قد يكون ليحمل بين أكفه موسما جديدا للغناء بعد سنين النواح ، هو انتظر بكل جوارحه لحظة الخروج من عالم السفر إلى عالم السكون، ليقتل وجها قديما لامرأة ما انفكت تزوره على مساحات اليقظة ،لتخبره أنه لن ينساها ما نسيت الأرض شكل السماء ، الشارع الذي سكنت به كان أولى القبلات التي صلى بها و المغيب يغشاه بالسهاد، الباب الثالث اقترب منه ،صدر الحنين بدمه و صمت الريح أراد أن يقترب ، الخطوات انتقلت مرة أخرى إلى مدينة أخرى للروابي و رحيق الزهور ،كلمات غابت عن الألسن ، الحليب سقط من يدها و صوته المبحوح و هو يتحدث إلى صديقه جعلها ترتعش كما ترتعش الأرض ساعة الزلزال المميت ، نظر إلى الباب ربما يفتح من قبل أناملها ، انتظرت هي منه ابتسامة أخيرة ، العيون التصقت لأول مرة و لحظة الفرح سكنت وجنتيها ،أشعلت ما بقي من العيدان المترامية ، انه ( الشناوي ( قرر أن يكون ببوح الصحاري معلما لامرأة ( التندي ) و الحطب ، لتنجلي مواسم الحيرة على امتداد الريح ..الريح شكل ثاني للأوجه المبتسمة عندما تدركها ساعة الحقيقة ، قالت له و قال لها و البداية قد تأتي عشية تمزيق كل الصور القديمة و الرحلة بلون الحليب.[/align][/frame]