رد: اللغة العربية وما تتعرض له - ندوة تنتظر إسهاماتكم - المشكلات والحلول وأسباب الضعف
اللغة جسم حي ومتطور باستمرار ، لكل عصر لغته ، مفردات ومعان ومناخ ثقافي وفكري
نحن نشهد نشوء لغة عربية اكثر حداثة، البعض يسميها لغة الصحافة، او لغة الاعلام ، وهي في الحقيقة اللغة الفصيحة السهلة المعاصرة الأكثر سرعة في التكيف مع الواقع. البعض يقول انها مليئة بالأخطاء النحوية وأخطاء القواعد، واخطاء الصياغة. لا اعرف ، لست خبيرا لغويا، لكن ما يعرف بلغة الصحافة أصبحت اللغة المسيطرة حتى في الثقافة ، في الأدب النثري والشعري. هناك ما صار يعرف ب "المتفق عليه" في استعمالات اللغة.. ما الحل ؟ العودة الى الخلف مستحيلة... ومن يظن ان اللغة في يجب ان تهود الى مصدرها القديم يعيش في وهم خارج المنطق التاريخي لتطور اللغات.
لكل عصر لغته وسماته ومميزاته ، التي تتأثر بالحديث ( من الحداثة ) وتتطور دون انقطاع ، دون تصادم مع القديم ، ان مفردات لغة عصر مضى ، لا تلائم مفردات اللغة في عصر آخر أحدث ، على الرغم من انها تنبع منها وتتطور على اساسها. من هنا رؤيتي ان المشكلة لا تتعلق مباشرة باللغة، بل بمستوى تطور مجتمعاتنا ، بمستوى فهمنا لدور اللغة، بمستوى نهجنا في التعامل مع التطور الحضاري العاصف حولنا، هل نخترع تعابير تولد ميتة ، ام نتبنى الاصطلاحات التي اوجدتها الحضارة الانسانية التي للأسف لسنا مساهمين فيها رغم ان العقول العربية خارج اوطانها هي جزء من هذه الحضارة.
وهنا لا بد من سؤال مصيري: هل يمكن ان نخضع لسيبويه والكسائي الى أبد الآبدين ؟
هل كان يمكن ان يصبح نزار قباني الشاعر الأكثر قراءة وتأثيرا لو لم يصر على نهجه الحداثي لغة واسلوبا وأفكارا ؟
هل يوجد في اللغة العربية لغة فصحى كلاسيكية ولغة فصحى أخرى حديثة ؟ أم ان الفصحى هي فصحى واحدة تتطور وتتعدل حسب الظروف الحياتية والواقع الاجتماعي والاقتصادي المتحرك ؟
لا يمكن برايي نفي مروث اللغة العامية وتعابيرها المفعمة بالدقة والحرارة والتي لا بديل لها أحيانا بالفصحى.
كذلك لا يمكن القول ان تراثنا بلغته ومفرداته لم يعد ذا اهمية. اذ لا شيء يتطور من العدم . اما مدى العلاقة الدينامية بين الموروث والحديث ، بين اساليب التعبير القديمة وأساليب التعبير الحديثة ، بين اساليب الصياغة القديمة وأساليب الصياغة الحديثة ، فتلك برأيي تبقى مسالة للغويين ..
لأوضح موقفي: لا يجوز ان ننقطع عن الموروث اللغوي والثقافي ، بنفس الوقت لا يجوز كذلك ان يقف الموروث حاجزا أمام التطور الدائم للغة.
من هنا نصل الى سؤال هام : هل اللغة وسيلة أم غاية ؟
ملاحظة لتوضيح فكرتي: أثناء قراءتي لكتاب " الثقافة والامبريالية " للمفكر الفلسطيني د. ادوارد سعيد ( ترجمة بروفسور كمال أبو ديب ) وقعت بفخ المفردات المعجمية والصياغات اللغوية المركبة، مما جعلني أكرس جهدا مضاعفا لفهم لغة الكتاب العربية اولا ، قبل أن افهم الطرح الفكري المثير للكتاب. كنت قد " تورطت " قبل "الثقافة والامبريالية " بقراءة كتاب لادوارد سعيد أيضا ، ولنفس المترجم ، كتاب "الاستشراق "، هزمتني لغة الكتاب شديدة التعقيد والغرابة، لم أستطع الصمود في معاناة القراءة والبحث عن تفسير للمعاني ، كنت وكأنني اقرأ كتابا بلغة اجنبية لا اتقنها جيدا، لم افهم ضرورة هذا التعقيد والنبش لايجاد مصطلحات عربية لا يستعملها جيلنا ، ولن يستعملها أحد من الأجيال المقبلة، ذلك بدل تطوير اللغة العربية وتسهيلها ، كما حدث ويحدث بمختلف اللغات العالمية!
كتاب ادوارد سعيد " الاستشراق" قراته فيما بعد مترجما للغة العبرية ، بلغة واضحة وسهلة الفهم . لماذا الترجمة العبرية مفهومة لقارئ مثلي يعيش نبض اللغة العربية ويعشقها ولا يستطيع قراءة نفس الكتاب بلغته الأم – اللغة العربية ، التي تشكل محورا لعالمه الابداعي ؟
اذن لمن نصدر كتبنا
؟
لمن نكتب اذا كنا غير مفهومين بصياغاتنا ؟
اذا عجزنا كمثقفين عن فهم ترجمة بلغة عربية راقية بلا أدنى شك ، فما هو حال سائر المواطنين ؟
كيف نصبح شعبا قارئا ، حين نعجز عن فهم المقروء؟
الأخطر ، كيف يصبح لنا دور اجتماعي وسياسي في تقرير مستقبل أوطاننا ، اذا كنا عاجزين عن فهم ، على الأقل ... لغتنا البسيطة المستعملة في وسائل الاعلام ؟
|