كلية العلوم الاسلامية والعربية
إعداد : د . مرتضى بابكر الفاضلابي
وقد تناسى الهم عند احتضاره *** بناج عليـــه الصيعـــــرية مكـــــدم
هل ما علمت واستودعت مكتوم ***   ام حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
خليلي عوجا بي على أم جندب ***   لنقضي حاجات الفؤاد المعذب
ذهبتي من الهجران كل مذهب ***   ولم يكن حقا كل هذا التجنب
فاللزجر الهوب وللساق درة  ***  وللسوط منه وقع اهوج منعب
فادركتهـــــم ثانيــا من عنـــــانه ***  يمـــر كمـــر الرائــح المتحلــــب
ما بكاء الكبير بالاطلال ***  وسؤالي وما ترد سؤالي
غـــــزاً بعينيـــــــك ام بالعين عــــــوار *** أم ذرفت مذ خلت من اهاله الدار
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ***  واسيافنا يقطـــــــــرنا من نجـــــدة دم
ولدنـــــا بنــــي العنقـــــاء وابنــــي محــــــــــرق ***  فاكــــرم بنا خال واكـــــرم بنا ابنما
وإنك كالليل الذي هو مدركي ***  وإن خلا أن المنتأى عنك واسع
          عصر صدر الإسلام هو   الفترة الممتدة منذ البعثة النبوية إلى نهاية فترة الخلفاء الراشدين ( على بن   أبي طالب) . اتجه النقد في صدر الاسلام إلى   المضمون الذي تحمله الابيات الشعرية ومدى مسايرته لما جاء به الاسلام ، واتسم   بلدقة والتعليل .
   كان من الطبيعي أن يقل اهتمام الناس بالشعر في تلك الفترة بسبب   انشغالهم بالدين الجديد (الإسلام ) والقرآن الكريم الذي أُنزل على النبي (ص)   فصيحاً متحدياً العرب فيما بغوا فيه وهو الفصاحة والبيان . وننظر إلى النقد في   تلك الفترة من خلال شخصيتين : الأولى
   اولا : الرسول (ص ) .
   ولكن بالرغم من ذلك نجد أن العرب لم ينصرفوا   كليةً عن غرض الشعر ، بل ما زال الكثيرين منهم يهتمون بالشعر قديمه ومعاصره ،   مستعينين به في دعم المبادئ الجديدة التي جاء بها الإسلام . وعليه كثيراً ما دعا   النبي (ص) صحابته من الشعراء كحسان بن ثابت أن يتخذ من الشعر وسيلة دفاع عن   الإسلام والمسلمين والنبي (ص) ، وذلك لأن قريش ومن حالفها من العرب المعارضين   الإسلام في سنيه الأولى ، كانوا يستخدمون الشعر والشعراء في هجاء النبي (ص)   وصحابته والإسلام  الأمر الذي جعل النبي   يدعو حسان بقوله ( أهجهم ورح القدس معك ).
   وعليه نقول أن النبي (ص) كان يؤيد قول نوع معين من الشعر ، ذاك   الشعر الذي يدعو إلى المبادئ التي جاء بها الإسلامأو يبتعد عن الكفر   والشر وعبادة الأوثان ، والعصبية وغيرها من موبقات الجاهلية . وكان النبي(ص) في   كثير من الأحيان يطلب من أصحابه أن ينشدوه بعض ما يحفظون من شعر وكان يستحسن   بعضه ، ويستهجن بعضه اعتماداً على دقة تذوقه ، بل وحدث أن عرض آراءه النقدية   المتمثلة في تغيير بعض الصيغ لتتوافق مع مبادئ الإسلام 
   هذا بجانب أن مسألة تذوق الشعر كواحد من الفنون القولية ما زالت   موجودة في نفوس المسلمين ، والدليل على ذلك هو   :
   1 ـقصة إسلام كعب بن زهير   المشهور . التي فيها أنه حدث أن قام كعب بن زهير بإنشاد شعر ( قصيدة) هجا فيها   النبي(ص) والإسلام والمسلمين ، ووجدت القصيدة رواجاً بين الكفار حتى وصلت   النبي(ص) ، فأثرت معانيها على نفس النبي (ص) لدرجة أنها أثارت غضبه فأهدر دم   قائلها( كعب بن زهير) ولما بلغ الخبرُ كعب ، خاف على نفسه وبدأ يستجدي الصحابة   في التوسط بينه وبين النبي ليقبل اعتذاره ، ولم يجد منهم أذناً صاغية ، وبعد جهد   جهيد استعان بأبي بكر أقرب الناس للنبي(ص) ، فنصحه أبو بكر أن يدخل على النبي   ويعتذر له مباشرة . فتلثم ودخل علي النبي(ص) المسجد ، ومن ثم بدأ ينشد قصيدته   المشهور التي مطلعها
   بانت سعادُ فقلبي اليومَ متبولٌ*** مُتيَّمٌ اثرُها ولم   يُفْدَ مقبُـــولُ
إنَّ الرَسُولَ لنورٍ يُستضَاءُ به*** مُهنَّدٌ مِنْ سيوفِ   اللهِ مسلولُ
مجالدنا عن جذمنا كل فخمةٍ*** مدربةٌ فيها الفــــوانس   تلمـــعُ
  3  ـكما نشير إلى أن النبي(ص) قد نقد قصيدة كعب التي اعتذر فيها له ، والتي   مطلعها ( بانت سعاد) إذ قال كعب :
   إنَّ الرَسُولَ لنورٍ يُستضَاءُ به*** مُهنَّدٌ مِنْ سيوفِ   الهندِ مسلولُ
إنَّ الرَسُولَ لنورٍ يُستضَاءُ به*** مُهنَّدٌ مِنْ سيوفِ   اللهِ مسلولُ
الحمد لله حمداً لا نقطع له*** فليس إحسانه عنا بمقطوع
لا تأمنن إن أمسيت في حرم*** إن المنايا بجنبي كل   إنسانِ
فكل ذي صاحبٍ يوماً يفارقـه*** وكـــل زادٍ وإن أبقيتـــه   فــــــــــانِ
  6  ـ استحسانه   وإعجابه الشديد بقيم عفة النفس والقناعة وترك الخضوع لشهوات البطن التي صورها   عنترة بن شداد في قوله :
   ولقد أبيت على الطوى وأظله*** حتى أنال به كريم   المأكل
  ثانيا : عمر بن الخطاب.
   كان من أكثر الناس حفظاً للشعر ، وقال عنه ابن سلام أنه يكاد لا   يُعرض عليه أمراً إلا وأنشد فيه بيتاً من الشعرِ . والقصص التالية تشير إلى ذلك:
   1  ـ دار حوار بين عمر بن الخطاب وابن عباس ذات ليلة
   - عمر: أنشدني لشاعر   الشعراء
   - ابن عباس: ومن هو يا   أمير المؤمنين؟
   - عمر : ابن أبي سلمى
   - ابن عباس: وبما صار   كذلك ؟
   - عمر لأنه لا يتبع حوشي   الكلام ، ولا يُعاظل في المنطق ، ولا يوقل إلا ما يعرف ، ولا يمدح الرجل إلا بما   يكون فيه أليس هو الذي يقول :
   ابتدرت قيس بن عيلان غايةً*** من المجـــــــد يسبق   إليها يســـــود
سبقت إليهــــا كــــل طلــــق مبرز*** سبوق إلى الغايات غير   مجلد
فإن الحق مقطعه ثلاث*** يمين أو نفار أو جلاء
  إذ ورد في البيت اليمين   (القسم) ونفار أي المنافرة إلى حاكم يقطع بالبينات ،وجلاء وهو البرهان البيِّن   الذي يجلو به الحق
   3 ـ حديثه مع بعض ولد هرم بن سنان
   - عمر   : أنشدني ما قال فيكم   زهير
   " فلما أنشده بعض من شعر   زهير" 
   - عمر   : لقد كان يقوم فيكم   فيحسن
   - ولد هرم: يا أمير   المؤمنين كذلك كنا نعطيه فنجزل
   - عمر   : ذهب ما أعطيتموه وبقي   ما أعطاكم
   4 ـ وفد إليه جماعة من غطفان ، فأنشدهم   مجموعة أبيات أولها :
   حلفت ولـــــــــم أترك لنفســـــك ريبةً*** وليس وراء الله للمــــــرء   مذهــــــب
لأن كنت قد بلغت عني حياتي*** لمبلغك الواشـــــي أغش   وأكــــذب
ولســـــــت بمستبق أخــــاً لا تلمــــــه*** على شعث أي الرجال   المهذب
أتيت عارياً خلقاً ثيابـــــي*** على خوف تظن بي الظنون
فألفيت الأمانة لم تخنها*** كذلك كــــــان نوح لا   يخـــــــــــــون
ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه*** ولا أحاشي من الأقوامِ   من أحــدٍ
إلا سليمـــــــــان إذ قـــــال الاله لــــــــه*** قم في البرية فأحددها عن الفند
وخبِّر الجن إني قد اذنت لهـــــم*** يبنون تدمر بالصفاح   العمـــــــــــد
عميرة ودّع إن تجهزت غازيا*** كفى الشيب والإسلام   للمرء ناهيا
   من ذلك قول عمر بن الخطاب : " أنشدوني إلى أشعر شعرائكم ، قالوا من هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : زهير أبن أبي سلمى لأنه لا يعاظل في الكلام ولا يتبع حوشيه ولا يمدح أحدا إلا بما فيه " .
  7 ـ كذلك بلغ عمر بن الخطاب قول واليه على ( ميسان ـ بلده في العراق ـ ) النعمان بن عدي 
  ألا هل أتى الحسناء أن حليلها *** بميسان يسقي من زجــاج وحنتم
لعــــل أميـــــــــــر المــــــؤمنين يســؤوه *** تنادمنا فـــــي الجـــــوسق المتهـــــدم
ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكل نعيم لا محالة زائل
فتنتج لكم غلمان أشام كلهم *** كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
فإن الحق مقطعه ثلاث *** يمين أو نافار او جلاء
الليـل ليـل والنهـار نهـار *** والارض فيها الماء والاشجار
حكــم المنية في البرية جـــــــار *** ما هــــــــــذه الدنيــــــا بدار قــــــرار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره *** وكـذا تكون كواكب الأســحار
أبكيـــــه ثم أقـــــــــــول معتذرا لـــــه *** وقفـت حين تركـــــــــــت الأم دار
لقـــــــــد تركــــــت أمـير المـؤمنين بهـــــــــا ***  للنار يوما ذليل الصخر والخشـــــب
غادرت فيهم بهيم الليل وهو ضحى *** يشـل وسطهـــــــا صبح من لهــــــــــــــــــب
حتى كــــــــان جلابيب الدجــــــى رغبت *** عن لونها أو كان الشمس لـــم تغـب
ضــــــوء من النار والظلمـــاء عاكـــفـــــة *** وظلمة من دخان في ضحى شحب
أحـب الفتــــــــــى الفـواحـــــــش صـــــــــدره  *** كأنــه به عن كــــــــــل فاحشـــــــة وقــــــــرا
يعلم دواعي الصدر لا باسـطا أدى *** ولا مانعـــــــــا  خيرا ولا ناطقا هجـــــــــرا
ترى النفس ما يكفيك من سد خلــــه *** وأن ازداد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا
حمال الويه هباط أودية *** شهاد أندية للجيش جرار
أولا : قضية عمود الشعر العربي .
لو أن الخلاخل صورت لها *** وشاحا جالت عليه الخلاخل
ثانيا : الموازنة والسرقات .
كانك افلت في ارض هش *** اتاها وابـــــل من بعـــــــــــد رش
كأنك بعرة في افك كبـــــش ***  مدلات وذاك الكبش يمشي
قوم بنجد عهدتهم *** سقاهم الله من النو
نو تلألأ في دجى ليلة ***  مظلمة كالحة لــــــو
لو سار فيها فارس لانثنى *** على بساط الارض منطو
منطو الكشح هضم الحشى *** كالباز قد إنقض من الجو
جو السماء والريح تعلو به *** قد شم ريح الارض فعلو
فعلو لما عيل منه صبرهم *** فصاروا نحو القوم ينعــــو
ينعو رجالا للثنى شرعتهم *** كفيت ما لاقو ولاقــــــــــو
إن كنت لا تفهم ما أقول *** فأنت عندي رجل بــو
البو سلخ قد كسى جلده *** بالـــــف قرنان تزيد أو
أو أضربه باسطوانة على رأسه *** تقول فـــــي ضربتها قــــــــو
رابعا : المبالغة والاعتدال
لنا الجفنات الغر يلمعنا بالضحى *** واسيافنا يقطــــرنا من نجـــدة دم