رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]
في غفلة من العيون وفي أوج الحنين إلى صفحات عشي الدافئ ، وجدت نفسي أتسلل إليها لأطلع على أول إطلالة لي على عشي أو على الأصح موضع عشي الذي بنيته وتعهدته .. ولا زلت أذكر مرافقتي لكلماتي وهي تشد عضدي لأبني العش و أعيش فيه أعذب اللحظات وأبهاها .
كلماتي .. انطلقي الآن .. الهي و ارتعي .. فلا أنا ولا أي أحد يمكنه منذ هذه اللحظة أن يكبح جماحك ..
تلك كانت أولى كلماتي .. أما الآن .. فلازلت وفيا لها وممتنا لما أسدته لي من خدمات جلى .. وها أنذا أذرع الحقول وأصعد التلال و الربا ، مستأنسا ببزوغ البدر .. أتنقل بين الأماكن .. أحادثها و تحادثني .. أنادمها وتنادمني .. أتفقد كل شيء من حولي .. كل شيء كان له علاقة بعشي .. العصفورة ، البوم ، المنبع ، الشجرة ، الجدول .. وأخيرا .. العنزة ذات القلادة التي صارت تتبعني أينما ذهبت . أحس بها تستكين حين نصل إلى حيث يرقد صديقي الراعي في أمان .. وكأنها تستعيد ذكرياتها معه .. فأجلس و أحدق فيها مليا .. صارت قطعة مني .. لا أطيق فراقها .. وحين أعود كل مساء ، أجد حليمة على عتبة البيت تتأمل حنوي على العنزة فيزيد وجهها إشراقا والمح في عينيها لهفة للانطلاق عبر الربا لترتع و تلهو معي و تطلق العنان لرغباتها الصبيانية ، لتصرخ و تصيح و يردد الصدى صوتها عبر الجبال و الأودية ..
حليمة تعشق السير عبر الجداول حافية .. والاستلقاء على المرج الأخضر لتتأمل السماء .. حليمة تهيم بالجبال و تحلم بقضاء ليال في الكهوف أو الأكواخ المتناثرة هنا وهناك .. حليمة تنتشي بالسير تحت المطر وتستلذ بقطراته تنساب على جسدها .. حليمة تهفو لرحلة إلى الشاطئ للقاء البحار العجوز والإبحار بعيدا .. وحين أحدثها عن مركب هناك تسرح عيناها في الأفق لتتخيل و تحلم .
كل هذه يطل من عينيها النجلاوين فيلاقى صدى في نفسي .. وأتأملها لحظة فتغض ببصرها متشاغلة بالنظر إلى حليمة الأخرى و هي تتمسح بركبتي .. فأمسح على ظهرها محادثا إياها برقة وهمس :
- سيكون لك ما شئت .. اطمئني .. فسوف أجوب بك كل الأماكن لتحيي من جديد صباك .. سنشد الرحال و ننشد الآفاق .. لا رادع يردعنا و لا حاجز يقف في طريقنا .
كلماتي .. لك الآن أن تسرحي و تمرحي كما كان شأنك منذ البداية .. فما أحوجني إليك في هذه اللحظات و أنا أعيش أزهى أيام حبي .
[/align]
|