الإعلامية والأديبة مريم يمق / شاعرة وقاصة وأديبة وإعلامية، مشرفة سابقاً عضو الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
مواجهة مؤجلة
وقفتُ أمامه كرجلٍ لرجل، لم أعد ذاك الطفل الذي يرى والده بطول نخلة، وبقوة جبل، رأيته اليوم كما يرى الندَّ نده. قررت مواجهته بكل شيء، سأفرغ حصاد سني عمري من ألم عذابٍ غرسه في صدري وأنا ابن تسع، يومَ احتضنت تربة قلبي الغضة تلك النبتة بحنان أم رؤوم، غذتها بالقتام، وسقتها بالدموع، وسهرت عليها بنوايا الثأر ممن سلبني أمي.
كبرت النبتة، تمددت جذورها الشائكة في شراييني، ولحمي، وعظمي، أرقت فكري، وأجرتِ الدمع في عيني، واليوم تجتاحني غصونها وثمارها بثورة داخلي المكفهر، متمردة، تصرخ بتحدٍ غريب لا أستطيع لجمه، تريد الظهور للعيان بعد كبتها عمرا في ظلام الأسر. سأواجهه بكل شيء، لن أخافه، فقد بلغت من العمر أشده، ومن الرشد سنامَه، بينما أحنى الزمن ظهره، وذهب بقوته، وأسكن لونه شحوب القلق، وعينيه حزنا غريبا.
سألني وهو يرتدي سترته الرمادية: مابك لماذا تنظر إلي هكذا؟
ضبطت نفسي، لم أجبه.
كرر سؤاله بنبرة عالية هذه المرة، حدقت في وجهه، والصمت يلفني كثعبانٍ، اقشعر بدني وصورة أمي تمثل في خيالي باكية عندما ضربها وهي حامل، وقعت أرضا وهي تصرخ بصوتٍ فظيع هزَّ أركان الغرفة، رأيتها تتلوى من الألم ويداها ترتجفان فوق بطنها، حدجني يومها بنظرة ارتباك وهو يرفعها عن الأرض، حملها وخرج بها إلى المستشفى، ومنذ ذلك اليوم لم تعد إلى البيت، كان يصطحبني أحيانا لزيارة قبرها.
طال انتظاري لهذا اليوم يا قاتل أمي، سأخبرك بأنني رأيتك تضربها، لن أرحم شيخوختك، ولن أقبل منك اعتذارا بعد أن أفرغ ما في جعبة قلبي من أقوال في أذن قلبك القاسي. أطرق برأسه أرضا، وسألني للمرة الثالثة: مابك لماذا تحدق بي هكذا؟
قلت له: أبي لقد رأ ..
قاطعني رافعا رأسه نحوي وعيناه مغرورقتان بالدمع: لا تكمل، لن أقبل اعتذارك عن زيارة قبر أمك هذا اليوم، هيا بنا لقد تأخرنا.
أحسست زلزلة في عمق كياني، سمعت أصوات انهيار جسور، وهدير عاصفة تقتلع نبتة ما كانت تعرِّش في داخلي. للحظة كدت أسقط فيها فوق الأرض، بعضي يصارع بعضي، حقد وغفران، حزن وسعادة، هزيمة وانتصار، لم أدر ماذا أصابني، كنت تائها في مهب ريح هوجاء عصفت بي دون رحمة، أسبلت جفنَيَّ والدموع تغرق وجهي، وعندما فتحتهما كانت يد أبي تمسح عنهما ماء الألم، وابتسامة حنانٍ دافئة فوق شفتيه، وهو يدعو لأمي بالرحمة.
أحسست بالخجل منه ومن نفسي التي أتعبتني عشرين عاما
الله الغفور الرحيم يغفر الذنوب و يقبل التوبة, هنيئا لمن يتحكم في غضبه فلا يقوم بما يندم عليه عمرا بأكمله.
قصتك إنسانية مؤثرة وكم نتمنى أن تخلو كل البيوت من العنف الذي يجرح و يدمر نفوسا.
تحياتي لك أخت زاهية
الإعلامية والأديبة مريم يمق / شاعرة وقاصة وأديبة وإعلامية، مشرفة سابقاً عضو الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
رد: مواجهة مؤجلة
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نصيرة تختوخ
الله الغفور الرحيم يغفر الذنوب و يقبل التوبة, هنيئا لمن يتحكم في غضبه فلا يقوم بما يندم عليه عمرا بأكمله.
قصتك إنسانية مؤثرة وكم نتمنى أن تخلو كل البيوت من العنف الذي يجرح و يدمر نفوسا.
تحياتي لك أخت زاهية
بوركت عزيزتي أستاذة نصيرة، صدقت وأجدت ، اشكرك راجية لك سعادة دائمة
أختك
زاهية بنت البحر
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: مواجهة مؤجلة
مهما بلغت النفس من درجات الحقد و الرغبة في الانتقام ، فإنها جبلت دائما على الخير و التسامح ..
استمتعت جدا بهذه القصة الضاربة في أعماق النفس الإنسانية .. و الأروع فيها ذاك التحول السلس الذي طرأ على التوجه العام للقصة و المنحى الذي أخذته في النهاية ..
أحييك أختي زاهية و أنتظر منك المزيد ..
مودتي .
الإعلامية والأديبة مريم يمق / شاعرة وقاصة وأديبة وإعلامية، مشرفة سابقاً عضو الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
رد: مواجهة مؤجلة
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
مهما بلغت النفس من درجات الحقد و الرغبة في الانتقام ، فإنها جبلت دائما على الخير و التسامح ..
استمتعت جدا بهذه القصة الضاربة في أعماق النفس الإنسانية .. و الأروع فيها ذاك التحول السلس الذي طرأ على التوجه العام للقصة و المنحى الذي أخذته في النهاية ..
أحييك أختي زاهية و أنتظر منك المزيد ..
مودتي .
رشيد الميموني أخي المكرم
أهلا بك ومرحبا، التسامح قد يأتي متاخرًا جدا، ولكنه يأتي بعد جدب ارضه
وعثار طريقه بما يفتح للبصيرة في النفس الإنسانية
نوافذ نور تضيء لها ماغمَّ عليها ردحا طويلا من الزمن، لايدري أحدنا كم
لاقى صاحب الفكرة من عذاب يتحدى هدوءه واطمئنانه وسعادته
بما يلقيه عليه من وساوس ضارية. يأتي التسامح وقد يصيب وهمًا في مقتل أو حقيقةً
بطمسٍ بغيض يُدفن فيه حقٌّ لآخر، ولكن في ظروف خاصة جدا جدا لابد من استقباله بالأحضان.
بارك ربي فيك ورعاك
أختك
زاهية بنت البحر
بسم الله الرحمان الرحيم
* أسجل بداية فرحي واعتزازي بهذا النص النثري المؤثر المعبر لأختنا الغالية، الشاعرة الأصيلة المتمكنة من فنون القول الشعري، تنظمه بدربة وذوق رفيع: زاهية بنت البحر.
* يزهو القص الوجيز بنضج النص وهو يركز عدسة التبئير على تصوير حالة استعداد للمواجهة، بين ابن وأبيه. اكتملت صورة موت الأم في ذهن الشاب وتيقن بعد تحليل الوقائع أن أباه هو من قتلها بضربة لا مبرر لها، في لحظة غضب.
* فنانة هي زاهية عندما تختار زاوية تصوير الحدث بعناية ودقة.
* أومأ القص الوجيز إلى عواقب العنف الزوجي يمارس على الزوجة متلبسا بمجموعة معقدة من العقد الاجتماعية والنفسية . نفرغ من قراءة النص فيسلمنا إلى تدبر المغزى.
* لا أتصور لحظة أن تمتدّ يدي على سكن الروح ورفيقة العمر الجميل. لم أر والدي قط يعنف أمي فتربيت على احترام المرأة أما وأختا وزوجة وزميلة وصديقة.
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: مواجهة مؤجلة
الديبة زاهية بنت البحر
يبدو بان المواجهة ما بين الوالد وذاته مؤجلة أيضا.
هل يشفع للأب هذه الحسرة بعد أن أودى بحياة زوجته؟
هذه جدلية كبيرة فحقوق المرأة الشرقية تحتاج لمراجعة علمية شاملة، ولا بد من حماية نصف المجتمع، مرآة الجمال والأمومة. وإلا فإن دائرة الندم لا بدّ ستتسع
مودتي
الإعلامية والأديبة مريم يمق / شاعرة وقاصة وأديبة وإعلامية، مشرفة سابقاً عضو الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
رد: مواجهة مؤجلة
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي بن يوسف
بسم الله الرحمان الرحيم
* أسجل بداية فرحي واعتزازي بهذا النص النثري المؤثر المعبر لأختنا الغالية، الشاعرة الأصيلة المتمكنة من فنون القول الشعري، تنظمه بدربة وذوق رفيع: زاهية بنت البحر.
* يزهو القص الوجيز بنضج النص وهو يركز عدسة التبئير على تصوير حالة استعداد للمواجهة، بين ابن وأبيه. اكتملت صورة موت الأم في ذهن الشاب وتيقن بعد تحليل الوقائع أن أباه هو من قتلها بضربة لا مبرر لها، في لحظة غضب.
* فنانة هي زاهية عندما تختار زاوية تصوير الحدث بعناية ودقة.
* أومأ القص الوجيز إلى عواقب العنف الزوجي يمارس على الزوجة متلبسا بمجموعة معقدة من العقد الاجتماعية والنفسية . نفرغ من قراءة النص فيسلمنا إلى تدبر المغزى.
* لا أتصور لحظة أن تمتدّ يدي على سكن الروح ورفيقة العمر الجميل. لم أر والدي قط يعنف أمي فتربيت على احترام المرأة أما وأختا وزوجة وزميلة وصديقة.
علي بن يوسف أخي المكرم
أهلا بك ومرحبا
حضور أدبي راقٍ جدا بهذه القراءة العميقة لما خلف السطور. عقل الطفل يحفظ في ذاكرته مامرَّ به من حياة وتكبر معه وإن كانت مستترة برداء التناسي لكنه سريع في استرجاعها عند أول هزة فتنطلق حرة من كل القيود. أذكر تفاصيل شبه تامة عن حياتي وأنا طفلة ابنة سنوات وبالتفصيل خاصة العشر الأولى منها التي عشتها في جزيرتنا. لاادري كيف نحتفظ بالتفاصيل عندما نلتقى بمن نعرفهم ونتبادل الأحاديث عن الماضي وجماله. هذا الطفل شهد موت أمه لكنه ظل صامتا لسنوات طوال كان يرى والده خلالها طويلا قوي الجسم وعندما بدأ يراه أقصر منه وأقل قوة تمرد عليه الصمت وهب من سكونه المزمن، ولكن يظل قلب الابن يحب الوالد رغم مارآه، فيختلق عذرا يلعب به على نفسه ليتناسى مارآه في يوم من الأيام، وغرس في قلبه نصلا سيظل يحس بألمه حتى يرحل هو الآخر عن الحياة. لو كل إنسان يفكر بما يجب أن يكون فلا بد سيكون عادلا ولكن يظل الإنسان إنسانا له وعليه . بارك ربي فيك ورعاك
أختك
زاهية بنت البحر
[read]
الله الله الله
كم أستمتع وانا اقرأ لأديبة وشاعرة وأروع كاتبة قصة
ما هذه القصة الرائعة والمؤثرة في نفس الوقت
لقد كرم الإسلام المرأة وأعطاها حقوقها وأمر الرجل باحترامها
وقال تعالى: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الرُّوم:21].
فالعنف الاسري كان وما زال والنفس البشرية جبلت على الخير والتسامح
ولكن هناك نفوس ما زالت ضعيفة ونفوس تصحو وتستغفرفي لحظة ندم
هديتي لك إكليلاً من الياسمين الجميل مع ثقتي أنك مَنْ سيمنح هذا الجمال له وليس طوق الياسمين
دمت ودام لك الإبداع[/read]