في الروح الف طعنة يا صديقي
[frame="10 98"]
[align=justify]
( رسالة الأديبة هدى الخطيب إلى الشاعر طلعت سقيرق الموقعة منها أدناه)
آه يا صديقي كم يعتصرني اليأس و الإحباط ..
أحاول أن أقاوم برودة الموت في جنبات نفسي، أحسّ أحيانا بأنني جثة تمشي أو بمعنى أصح سجينة داخل جثة تمنعني الهروب إلى عالم أفضل و أفق أوسع..
كم يخذلني الأمل يا صديقي هذه الأيام و يمتنع عن الإضاءة.. حتى القلم و التعبير عن الذات يبدو متعثراً متخبطاً..
كراسة الواقع شديدة السواد صفحاتها و مدادي يشتد سوداوية و سواداً ..فهل يعيش الإنسان و تظهر حروفه بغير شعاع الأمل؟؟
أتمنى أن أكون أحياناً مجرد امرأة تعيش في هذه الكينونة .. يسمونها ناعمة و ابنة عصرها و أسميها أنا تافهة سلبية، أشدّ ما يشغلني ظفر بيضاوي ينكسر و أقصى ما يشغل أيامي ثوبي الجديد و انسجام ألوان الظلال و قمّة أفقي لا تتعدى حدود بيتي و عائلتي وفق مقولة: " أنا ومن بعدي الطوفان ما دمت بعيدة " لكنني لا أستطيع إلا أن أكون أنا بهمّي العربي و بامتدادي و انصهاري بأوجاع أمّتي و خذلانها و عار دم الفتنة على ترابها
في الروح ألف طعنة يا صديقي...
يتناحرون و يتقاتلون بمسميات مختلفة و شعار حرب هابيل و قابيل واحد
الخط الأميركي الصهيوني، خط الديبلوماسية و السلام خط استراتيجي للعرب
و خط المقاومة، أو كما يلقبونه، الخط الإيراني المجوسي و الإخواني و المتعصب
يقال إنهما خطان لا ثالث لهما، فاختر ما تشاء بينهما إما أن تكون مع الأمريكان أو مع الفرس كما يقولون ..و نحن ما شاء الله نختلف و نتقاتل و كأننا نقاتل الاثنين لننهزم أمام تاريخنا و مستقبل أولادنا..
هل معنى هذا أني كنت أتمنى ألا أكون عربية في مثل هذا الزمن؟؟..
بالتأكيد لا فأنا عربية الروح قبل النسب.. لعلّي فقط كنت أتمنى أن أولد في زمن مختلف..
أجدني أبحث في الدم العربي الذي يسيل أنهاراً عن الخط العربي..
جربت و بحثت في بؤر الفتن
سألت المتقاتلين / القاتلين و المقتولين و أعلنت في الصحف و حملت المكبر:
يا أولاد الحلال/ يا فتح و حماس/ يا سنّة و شيعة ..أبحث عن خط عربي ضائع تاه بين الخطوط في مكان ما من أحد يجده لي؟
بعد طول بحث و إعراض الأموات الأحياء الذين عند ربهم يرزقون و إعراض الأحياء الأموات في مخيمات الفقر و التشرد و الجوع
و بعدما وصلت حتى السودان و الصومال، و في دارفور رجلٌ هناك قال لي : "اسألي محمد دحلان وجيه هذا الزمان"!!!
هل تعرف إن كان لديك لوحة ثمينة مشغولة بأصابع عدد من الرسامين شديدي الإبداع كل منهم غمس ريشته بدمه وأضفى عليها من ذاته عمره كلّه ثمّ يأتي حاقد يخربش فوقها محاولا إخفاء معالمها بلحظات ؟ ذلك ما يحصل للقضية الفلسطينية و الأمة العربية
أرى الصورة و أفهمها و لا أدخل لعبة الفتن، أتألم.. أُحبط!! لكني و اطمئن عليّ يا ابن عمتي فأبداً لا أسمح لنفسي أن أنهزم فأنا عربية بكلّ اعتزازي و فخري مهما عصفت بي رياح المحن أموت كشجر الصفصاف في بلادنا واقفة..
أهلنا تجرعوا مرارة النكبة و منهم من سقط من هولها ميتاً مثل جدنا و ما استطاع أن يصدّق أن فلسطين بيعت لعصابة الخنازير و حثالة البشر في صفقة عار و خزي و أسلحة فاسدة و عرفوا فيما بعد النكسة و مع هذا أجدني أعتبرهم قد عاشوا زمناً رغدا بالمقارنة مع ما نحن فيه..!!..
عاشوا زمن المقاومة الشعبية الجامعة و حركات التحرر الوطني، زمن الفدائيين و المناضلين والثوار ، عاشوا زمن عمر المختار و عبد القادر الحسيني و عز الدين القسّام و إبراهيم هنانو و جميلة بوحريد و المطران كبوجي، زمن القومية العربية و تجييش الجيوش التي تحارب الصهاينة لا التي تنشأ لتحارب الشعب و تحمي الصهاينة و الحاكمين بأمرهم على رقابنا
عاشوا زمن جمال عبد الناصر و ارفع رأسك يا أخي فقد ولّى زمن الاستعمار
عاشوا أحلام وحدة تقترب و أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة
عاشوا بطولات الجزائر و اليمن، عاشوا تأميم قناة السويس و بناء السدّ العالي، عاشوا أمة واحدة و على قلب رجلٍ واحد
زمن حتى الأطفال كانوا ينشدون فيه: " عبد الناصر يا حبيب بدنا نصلّي بتل أبيب " زمن كان العملاء يحتبئون فيه في الجحور و أمثال محمد دحلان حين ينكشف أمرهم يعدمون في الساحات العامّة.
ما كان عندهم فضائيات الدعارة و التخلّف والبيوت مصانة من رجسها.. إعلامهم كان مآذن المساجد و ساحات الكنائس و إذاعة صوت العرب و أخواتها يتحلقون يكبرون و يهللون، الغانيات في جحور الملاهي الليلية، لم يسمعوا: "بوس الواوا "!!..و أغانيهم كانت تنشدها أم كلثوم و فيروز و عبد الحليم تلهب الأفئدة و وتعلي وتيرة الحماس: " أصبح الآن عندي بندقية إلى فلسطين خذوني معكم، الله أكبر فوق كيد المعتدي، سأرجع يوماً إلى حيّنا و يا قدسُ إلخ.. كانوا يسمعون الأرض بتتكلم عربي و إنّ الفجر لمن صلاّه و ينشدون بلاد العرب أوطاني، كانوا على ثقة بزعيمهم حتى مع النكسة حين تمثّل هزيمة أُحد و بدأ مرحلة البناء و إقامة المصانع و المعامل.. تدريب الجيش و سد الثغرات و دراسة الأخطاء و الاستعداد للمعركة القادمة الفاصلة ضد الصهاينة و كان الاستعداد حثيثا و مدروساً و مبنياً على أفضل الأسس التي تضمن النصر و.. و كانت الأيدي السوداء متربصة.. قتلوا جمال عبد الناصر بالسم بعدما اشتروا زبانية الفساد من حوله و ما أكثرهم حين كانوا يتشكلون و هو غافل عنهم بالبناء و كرامة الأمّة و تحريرها، و جاء أنور السادات ليقود المعركة التي كان لا يستطيع التملص منها ولكن وفق الخطّّة التي رسمها أسياده ليحوّل النصر الذي رسّخ له ناصر إلى هزيمة استسلام و بداية عهد العمالة العلنية و الانبطاح، حاول صدام حسين لكن الحرب باتت أشرس و البلبلة أوسع و التهم جاهزة في مطابخ الاستعمار و امبراطورية القطب الواحد و السلام قرار استراتيجي للعرب.. زمن يذلّ فيه النبلاء و يتنصب على كراسيه المرتزقة و " يا فرعون مين فرعنك.. فرعنت و ما حدا ردّني "
أنظر إلى السماء الصافية و نجومها المتلألئة تشدني بعيداً....
أتمنى أن أغادر هذا الزمان و أبتعد عن زمن بوش و حكماء صهيون
أريد أن أعيش على أرض صلبة لا تهتز من تحتي..
زمن عربي لا يهم فيه الانتصار لكن همومه عربية و قلوب الناس متآلفة
أعرف يا صديقي أني ثرثرت بلغة ربما غبية و غير مفهومة لكن هذا الزمان يصر أن يثبت لنا أننا أغبياء و متخلفون
فهل نحن حقاً أغبياء؟!!!!
هـدى الخطيب
مونتريال14/06/07
( رسالة الشاعر طلعت سقيرق إلى الأديبة هدى الخطيب الموقعة منه أدناه )
غاليتي وصديقتي هدى
أختصر لك بداية كل المشهد بالقول " هذا هو المطلوب " !!.. ستستغربين كما استغرب غيرك ممن كنت وما زلتُ أناقش .. يا سيدتي المطلوب هو تصدير الأزمة التي كانت ستقع في أمريكا وغيرها لتكون عندنا- هو رأي خاص جدا ولست محللا سياسيا ولا أتمنى أن أكون – وفعلا صدرت الأزمة ووجد من يفتعلها وينفذها ويقوم بدور فيها .. هذا أولا ..وثانيا : كان ومازال مطلوبا إقامة الشرق الأوسط الجديد من أجل عيون إسرائيل وهذا ما يحدث .. وثالثا : هناك حاجة ماسة لتأمين ووضع اليد على منابع النفط وهذا ما حدث .. رابعا : ضرب الإسلام لأنه القوة التي كان يفترض أن تقوم خاصة بعد أن رأى الغرب ميل بعض أهله لاعتناق الإسلام ، فقامت القيامة على الإسلام الذي حولوه إلى إرهاب وهم مستمرون في ضربه .. خامسا : منع تنامي قوى شرق أوسطية تعتبر مهددة لإسرائيل مثل العراق وإيران ، والصورة هنا واضحة بعد كل ما جرى ..
أنا أتحدث يا بنت الخال حديث غير مختص ، لكن وفق رؤيتي المشهد واضح بشكل كبير .. انظري الآن إلى الخارطة الشرق أوسطية أو العربية تجدين الجواب على ما قدمت .. ما يحدث محسوب ومعروف .. وحين نتهم أشخاصا دون أشخاص نخطئ ، كما نخطئ حين نتهم نظاما دون نظام .. كفانا انسياقا وراء العواطف والمشاعر والأحاسيس وعيوننا مغمضة عن حقيقة ما يجري .. ستقولين شاعر وتقول لنبعد العواطف ؟؟.. أقول لك نعم شاعر وأقولها بكل قناعة .. عربيا وإسلاميا يا سيدتي الصورة واضحة ،لكن مشكلتنا هي مشكلة العمى السياسي الذي يصاب به البعض ، ويتصرفون على أساسه .. ونقع في الخطأ الذي يجر إلى خطأ أكبر منه وهكذا !!..
غاليتي وصديقتي هدى
لا تقربي المنظار كثيرا لتري نقطة معينة .. ابتعدي وانظري إلى المنطقة بشكل شامل وقولي لي ماذا ترين ..؟؟.. ألا يوجد أصابع واحدة تحرك المشهد .. التشابه الذي يحدث غير معقول إلا إذا كان المفكر الذي يدير اللعبة واحد .. لماذا الآن أثيرت كل القضايا وبتوقيت واحد ؟؟.. إذا كنا نظن أننا من خلال المشاعر المشتركة نفكر حتى بإثارة مشاكل متشابهة فسيكون الأمر هزليا !!..
باعتقادي كان يفترض أن نلتفت إلى اليد التي تثير كل ذلك ونفهم الذي يجري دون تبسيط وتعمية .. ستقولين : لكن ألا يحزنك ما يجري بفلسطين .. وسأقول لك هذا طبيعي .. لكن أسفي أكبر من حزني.. أسفي على أننا لم نفهم اللعبة ورضينا أن نكون أحجار شطرنج .. لأن الرابح خاسر مهما ربح ، وليس هناك رابح حقيقي غير من فجـّر اللعبة وأشعل الفتيل .. والحزن طبعا على ما نفقده من أهل وأحبة وأخوة في كل مكان ، وليس في فلسطين فقط، لأن اللعبة أو الحريق أكبر من منطقة بعينها .. يا بنت الخال – بأسف أقول لك – إذا بقينا على هذا العمى السياسي فالآتي أخطر بكثير ..
اسلمي
دمشق
طلعت سقيرق
15/6/2007
[/align]
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|